التحررية الجماعية      Communism libertarian

الحرية دون مساواة استغلال  المساواة دون حرية استعباد

**********************************

الصفحة الرئيسية

عشوائيات ومعضلات

ترجمات

متنوعات ومختارات

مقالات الراية العربية

مقالات سؤال الهوية

شريف يونس

الفسائل

مقالات إنهيار عبادة الدولة

العلم والأسطورة منهجان للتغيير الاجتماعى

تقدم علمى و تأخر فكرى

الجات ونهب الجنوب

الناصرية فى الثورة المضادة

مواقع أخرى
ENGLISH

مراسلات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
كتاب الناصرية فى الثورة المضادة

عادل العمرى

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(3)

* تحليل عام للسياسة الاقتصادية للناصرية:

 

" إن وضعًا مزريًا قد نتج بعد سنوات من التصنيع، فقد عادت البلاد إلى نقطة البدء من جديد من الناحية الجوهرية، إذ راح معدل نمو الناتج الكلى يعتمد بدرجة متزايدة – وإن كان بآليات مختلفة – على معدل زيادة الصادرات"

سمير رضوان

1- عام:

قد يقال – وقد قيل بالفعل – إنه إذا لم يكن النظام الناصرى قد استطاع أن يزيد معدلات نمو الإنتاج بدرجة تفوق ما أُحرز فى بلدان متخلفة أخرى فإن نوعية النمو قد اختلفت حيث كان نمط التنمية الناصرى – خصوصًا خلال خطة 1960- 1965 – مستقلاً  بعكس نمط التنمية التابع فى معظم البلدان المتخلفة – غير السائرة على الطريق الناصرى – وقد بدأنا الرد على هذه الأطروحة ضمنيًا خلال استعرضنا للسياسات الاقتصادية لمصر الناصرية، وفيما يلى سوف نستكمل الرد بشكل مباشر خلال تقييمنا العام لتلك السياسة.

 

أولاً: سياسة التنمية:

 السياسة الزراعية:

بالإضافة إلى قلة الدراسات المنهجية للمسألة الزراعية فى مصر تم التعامل معها فى معظم الأبحاث على أنها مسألة فقر الفلاحين أو "سوء توزيع" الملكية الزراعية. والأمر الأصلح من الناحية المنهجية – من وجهة نظرنا – أن المسألة الزراعية ينبغى أن تدرس من حيث هى دور علاقات الإنتاج فى الزراعة فى إعاقة التطور – أى تطور المجتمع ككل – "فالمسألة" بهذا المعنى تكون مسألة خاصة بقدر ما تعيق التطور عمومًا. أما الأخذ بالمفهوم السابق فينفى عنها خصوصيتها ويخلطها "بمسائل" متعددة: المسألة الصناعية، المسألة التجارية.. إلخ.. وباختصار تصبح هناك فى المجتمع كله مسألة الفقر الذى لا يختفى نهائيًا إلا فى مجتمع بالغ التطور. وبذلك تختفى المسألة الزراعية بخصوصيتها المميزة، وكذلك تنتهى كل "المسائل" باعتبارها مسائل متعلقة بنمط الإنتاج، وبالتالى يُصبح الحل مستقلاً عن قضية تغير نمط الإنتاج، أى قضية الثورة الاجتماعية، أى بالنسبة لحالة مصر لا يصبح هناك أى حل فى المدى المنظور. وقد أثبتت الأحداث صحة هذا الكلام، فتوزيع 10% من الأرض الزراعية على الفلاحين ابان الفترة الناصرية أدى إلى تخفيف جزئى لحدة "سوء توزيع الأرض" ولكن لم يحدث تطور ملموس فى مستوى معيشة فقراء الريف ككل . ولكن فى عهد سياسة "الانفتاح"، أدت – فيما أدت – تحويلات العاملين بالخارج إلى ارتفاع ملحوظ فى مستوى معيشة الفلاحين والى ارتفاع هام فى أجور عمال الزراعة. إلا أن تخلف القرية المصرية مازال قائمًا، بل ويزداد تعقيدًا. كما لم تُحل مشكلة فقر الفلاحين حلاً جذريًا.

وقد حُددت المسألة الزراعية  فى النظريات الكلاسيكية بأنها استمرار وجود علاقات قبل رأسمالية تعيق نمو السوق الريفى وتحجز قوة العمل الزراعية عن الصناعة وتحجز أيضًا رأس المال عن دخول مجال الاستثمار فى الزراعة. وقد حُلت هذه المسألة فى أوربا، إما بتوزيع الأرض على الفلاحين (فرنسا) أو بتحويل كبار الملاك أنفسهم إلى رأسماليين أو تأجير أراضيهم للرأسماليين (ألمانيا). وقد بلغ الأمر بالرأسمالية الصناعية أن نادت أحيانًا بالقضاء على الملكية العقارية ذاتها للتخلص من الريوع الضخمة التى تقتطع فى النهاية من أرباح رجال الصناعة.

وبخصوص مسألة الفقر الفلاحى فى مصر الناصرية، فهى قضية لا تخص الريف وحده، بل والمدن كذلك، فلا توجد خصوصية للقرية بهذا الصدد اللهم إلا فى مستوى الفقر، الأكثر ضراوة منه فى المدينة. أما بخصوص المشاكل التى أعاقت تطور قوى الإنتاج فيمكن إيجازها فيما يلى:

1- انتشارعلاقات الإنتاج قبل الرأسمالية والتى تمثلت خصوصًا فى انتشار نمط الإنتاج الصغير، مترتبا عليه كذلك عامل آخر هو تقتيت الأرض الزراعية.

2 - نمط تصنيع تابع للإحلال محل الواردات يكرِّس ضعف الصناعة وتأخرها ،و بالتالى عدم قدرتها  على امتصاص فائض السكان.

3- تبعية نمط الاستهلاك للغرب . بمعنى أن السوق المحلى يطلب آخر ما أنتجه الآخرون بغض النظر عن الاحتياجات الفعلية و بدون مراعاة الأولوية و فى أحيان كثيرة بدون مراعاة ملائمة المناخ و البيئة الاجتماعية و الاقتصادية. و قد حفزت هذه التبعية الميل إلى انشاء صناعة حالة محل الواردات .      

4 – البطالة الواسعة ، مدعومة بمعدل نمو سكانى رهيب ، وبالتالى رخص قوة العمل.

5-  سيادة الثقافة قبل الرأسمالية؛ اللاعقلانية و الشراهة الاستهلاكية للطبقات الغنية.

 

     وهذه المشاكل لا تختص فقط بعلاقات الإنتاج قبل الرأسمالية ولا تتوقف عند مسألة فقر الفلاحين، بل إنها تتقاطع جميعًا عند حالة التبعية – التخلف التى تسم المجتمع المصرى ككل، ولكنها تبرز فى الريف بصورة أكثر حدة حيث أن النمو المتفاوت – المركب فى مصر قد جعل الزراعة فى الدرجة الأقل نموًا والأكثر تأخرًا، ومع ذلك كان دور "المسألة الزراعية"- بالمعنى التقليدى لهذا المفهوم – فى إعاقة تطور المجتمع دور هامشيًا تمامًا إذا ما قورن بدور التخلف، ممثلاً فى نهاية الأمر فى الطبقة المسيطرة و بنظامها ككل على مستوى المجتمع، فالتخلف لا يرتبط بشكل خاص "بالمسألة الزراعية"، بل بتلك الطبقة ككل، أى فى النهاية يرتبط بالتبعية التى نعدها جوهر التخلف. ويمكننا فقط – نظريًا – أن نتحدث عن دور خاص "للمسألة" الزراعية فى عرقلة نمو التخلف، ولكن مفهوم المسألة الزراعية هنا يضيق ليقتصر على الوضع المتدنى للقرية فى بنية التخلف فلا تصبح هناك إذن مسألة زراعية بالمعنى المفهوم.

ذلك أن تعبير "المسألة الزراعية" لا يمكن فهمه إلا فى إطار وجود إمكانيات للنمو الرأسمالى متحققة من حيث الجوهر فى المجتمع، بحيث تعوق علاقات الإنتاج فى الزراعة تحققها بكامل طاقتها.

ومع ذلك إذا ما عدنا للمفهوم الأول سابق الذكر للمسألة الزراعية سنجد أنه كان مفيدا - بطريقة ما- فى فهم  "المسألة الزراعية" فى مصر، فسوء توزيع الملكية كان يهدد النظام الاجتماعى فى الفترة السابقة على انقلاب 1952 (راجع القسم الأول) وهنا كانت تكمن "المسألة الزراعية" من وجهة نظر كل من الطبقة المسيطرة ومعارضيها من المثقفين أيضًا، مع اختلاف المنطلقات.

ونحن نرى أن التخلف مفهوم أشمل وأعم من مفهوم المسألة الزراعية، فالمسألة لا تعالج بهذه الطريقة الأدبية – إن صح التعبير – فواقع التخلف يفرض علينا إعادة النظر فى المفاهيم القديمة حول النموذج؛ فعلينا أن نتجنب النموذج الأوربى، بل وكل نموذج، فمسار التاريخ فى بلادنا له طابعه الخاص ويشترك مع مسار التاريخ الإنسانى فى العالم كله، ولكن فقط فى المنحى العام التى يتحرك وفقًا له، أى فى عدد من المقولات العامة جدًا.

 فى صيرورة نشوء التخلف فى مصر لم تكن المشكلة الزراعية (بالمفهوم "الأوربى") إلا أحد مكونات التخلف، وهى سمة ظلت ملازمة لنمو التخلف أيضًا، وبشكل ما كانت ضرورية لهذا النوع من النمو، ولذلك لم تمثل لـه مشكلة ما. أما المشكلة الزراعية بمعنى أعرض (بمعنى وضعية خاصة للريف تعرقل نمو المجتمع ككل) فانها غير قائمة، إذا ما اتفقنا على أن نمو المجتمع ككل هو نمو التخلف وليس النمو الرأسمالى. وقد رأينا من قبل أن إعاقة نمو التخلف فى مصر الناصرية قد نتج عن المعضلات السياسية التى كان على فرسان يوليو أن يجدوا  لها حلاً، وما كان من تمنع رأس المال الأجنبى وتورط الناصرية فى مشاكل خارجية… الخ. فثورة الجماهير أدت على الصعيد الاقتصادى – وبشكل غير مباشر- إلى إعاقة نمو التخلف دون أن تستطيع أن تنتج نمطًا آخر تقدميا  من النمو، وكان الركود النسبى (بدلاً من الاستقلال النسبى كما سنرى فى الفصل القادم) هو أحد تأثيرات البونابرتية على الصعيد الاقتصادى؛ إذ دفعت الطبقة المسيطرة ثمنًا باهظًا لاستمرار وجودها الاقتصادى مع فقدان وجودها السياسى بانقلاب يوليو 1952. أما إذا تحدثنا عن المسألة الزراعية بشكل أعرض بكثير، أى عن تلك الوضعية التى تحمِّل الريف مسئولية عرقلة تطور المجتمع القائم فاننا نكتشف فورًا أن هذا العائق قد تمثل لا فى المسألة الزراعية بالذات وانما فى مسألة التبعية ككل. ويتضح لنا الآن أن المسألة الزراعية هى مجرد جزء مهضوم فى مسألة التخلف – التبعية. وسوف نناقش فيما يلى السياسة الناصرية فيما يتعلق بالريف لتسليط مزيد من الضوء حول تأثير الناصرية الاقتصادى - الاجتماعى.

 

الإصلاحات الزراعية:

تم توجيه عدة ضربات متوالية للأرستقراطية الزراعية، أشهرها قانون 9 سبتمبر 1952 الذى حطم العائلات الأرستقراطية، ثم قانون 1958 الذى جعل الحد الأقصى لملكية الأسرة 300 فدانًا، ثم تأميم أراضى الأجانب وتخفيض الحد الأقصى لملكية الفرد من 200 إلى 100 فدان عام 1961، وفى 1966 شُكلت "لجنة تصفية الإقطاع " كإجراء وقائى ضد الصراع الاجتماعى الذى كان على وشك النهوض فى الريف، ثم قانون 1969 الذى صدر بعد تصاعد حركة المعارضة الشعبية بعد هزيمة 1967.. وقد وزعت أغلب الأراضى المؤممة والمصادرة على المستأجرين، وكانت هذه العملية لصالح قاعدة الملكية الصغيرة وعلى حساب ملاك أكثر من 50 فدانًا، ومع ذلك ظل ملاك من 20-50 فدانًا يتمتعون بامتيازات ضخمة، بل وزاد وضعهم قوة بعد زوال الأرستقراطية الزراعية والعائلات الكبرى . وقد ازداد عدد صغار الملاك (أقل من 5 أفدنة) ونسبة ما يملكون من أرض :


 

جدول (51)[1]

مساحة الأرض

(بالألف فدان )

عدد الملاك (أقل من

5 فدان) (بالألف)

السنة

2122

2642

قبل إصلاح 1952

2781

2814

بعد إصلاح 1952

3172

2919

بعد إصلاح 1961

3693

3033

بعد إصلاح 1965

 

قد ضرب قانون 1962 المستأجرين الوسطاء والمستأجرين الكبار عمومًا، بينما لم تستطع هذه الإصلاحات تخفيض حجم الريع العقارى، بل تدل الوقائع على زيادة حجمه. (انظر القسم الأول – الباب الثانى).

صدرت الإصلاحات المتوالية ردًا على التناقضات الاجتماعية المتفجرة المهددة للنظام ولكن محدوديتها كانت واضحة تمامًا، فقد وزعت نسبة ضئيلة من الأرض على الفلاحين
(10%) حصل عليها عدد محدود من الأسر الفلاحية، كما سُمح لطبقة كبار الملاك بامتيازات ضخمة (ناقشنا ذلك فى موضع آخر). ولكن القوانين أدت إلى توسيع قاعدة الملكية دون أن تؤدى إلى تحسن ملموس فى مستوى معيشة الفلاحين، فخلقت مزيدًا من الملكيات الخاصة مع أوهامها، كركيزة قوية لدولة شديدة التسلط، لم تتهاون أبدًا فى الملكية الفردية الصغيرة وحمتها بكل السبل وعرقلت ميل كبار الملاك إلى تجميع الأرض، مما أدى إلى انخفاض متوسط مساحة حيازاتهم رغم زيادة نسبة ما يملكون عمومًا. وقد تحمست الدولة للملكية العقارية الصغيرة لدرجة أن الميثاق الناصرى وتصريحات عبدالناصر أكدت على أن من أهم مبادئ الدولة و"الثورة" هو أن تكون الأرض المزروعة مملوكة ملكية خاصة. وهى لم تكن تخشى من كبار الملاك أكثر مما كانت تحرص على الملكية الصغيرة، أى على الطبقة المفيدة، التى فضَّلها لورد كتشنر. واستمر تشدد الدولة رغم ما أدت إليه إصلاحاتها من تفتيت الأرض، الذى يؤدى إلى فقدان.. 10- 20% من مساحتها بسبب التقسيم والفواصل وقنوات الرى[2] ، ورغم ما أدت إليه من ارتفاع تكلفة استخدام الآلات الزراعية .

 

2- البيروقراطية فى الريف:

للبيروقراطية المصرية دورها التقليدى فى الريف منذ آلاف السنين، ولكن هذا الدور تقلص كثيرًا منذ أوساط القرن الـ 19. ولكن مع صعود الناصرية وإصدار قوانين الإصلاح الزراعى عاد  ينمو من جديد، وإن كان بشكل مختلف وبأفق مختلف عن دورها القديم. فاتساع قاعدة الملكية الصغيرة قد منح الدولة فرصة اقتحام القرية من جديد فى شكل سلطة بالغة القوة، جنبًا إلى جنب مع كبار الملاك. ومن خلال الهيمنة على بنك القرية وشبكة التسويق والجمعيات الزراعية وتحكم الدولة فى الدورة الزراعية.. فصار لها دور يفوق دورها قبل انقلاب 1952، وسارت السياسة الزراعية نحو حماية ملكية الفلاح الصغير دون حماية الفلاح نفسه، بل بالعكس زادت من أعبائه تجاه الدولة فى صورة إجباره على زراعة محاصيل معينة، وتحت دعوى حمايته من التاجر مارست الدولة دور التاجر والمرابى معًا. وقد دعمت الدولة الأسمدة والعلف والبذور الممتازة ولكن منحتها أساسًا لكبار الملاك واشترت المحاصيل بأسعار منخفضة، وتحمل عبء  ذلك الفلاح الصغير. ومنحت الدولة القروض للمزارعين، ولكن بينما لم يُطالب كبار الملاك برد ديونهم، كان الفلاح الصغير يضطر أحيانًا إلى دفع المال بالإضافة إلى كامل محصوله إلى الدولة لتسديد تكاليف الزراعة. وباختصار لعبت الدولة دورًا هامًا فى توجيه عملية التراكم فى الريف، لصالح كبار الملاك والبيروقراطيين، كما انتزعت من الريف لصالح المدن قدرًا من الفائض وقعت أعباؤه على صغار الملاك[3]. والخلاصة أن نمو جسد البيروقراطية فى القرية كان النتيجة المترتبة على توسيع قاعدة الملكية الصغيرة.

 

3- تحولات أنماط الإنتاج:

أولت حكومة الضباط أهمية كبيرة للسياسة الزراعية من منطلق ثابت ومحدد جيداً، هو الأهمية الفائقة للقرية فى دعم وتقوية سلطة دولة كاملة الجبروت، وفى سبيل ذلك مارست سياسات متناقضة فى الظاهر، منها ما يدعم علاقات إنتاج قديمة ومنها ما ينمى علاقات الإنتاج الرأسمالية، منها ما يحفظ دور الملكية الصغيرة ومنها ما يزيد حدة التناقضات الاجتماعية داخل القرية. وقد شخصنا سلطة يوليو الناصرية كحكومة بونابرتية من نوع خاص، ارتبطت بشكل غير مباشر بالطبقة المسيطرة ، وباختصار مثلت النظام.. المتخلف؛ الطبقة التى برهنت على افتقادها لأى دور تاريخى وتنحصر سياستها فى تأمين نصيبها من الفائض الاجتماعى والتى يدور "كفاحها" حول اقتسام الفائض المحلى مع رأس المال الأجنبى، أما القدر الأهم من هذا "الكفاح" أو اتجاهه الرئيسى فيتلخص فى قمعها المتواصل وتآمرها على كفاح الشعب والحركة الثورية التى لم تحمل سوى طموحات غامضة. والناصرية كلحظة فى حركة الطبقة المسيطرة "الكفاحية" هذه لا تحمل مهامًا تاريخية من نوع حل المسألة الزراعية، ونحن لا نحاكمها على هذا الأساس، ولكننا نرى فى سياستها الزراعية أحد فعاليات الطبقة المسيطرة لتأمين نهب الفلاحين ، علاوة على وسائل البيروقراطية الخاصة للحصول على نصيبها من الفائض.

والكلام عن بقايا قبل رأسمالية لا يكفى لوصف حالة القرية المصرية، والأمر الأهم هو لماذا هذه "البقايا" – الضخة جدًا مع ذلك !! – وما دورها فى البنية ككل ؟ وما مغزى وجودها ؟ ولنرى أولاً مصير هذه "البقايا":

لقد وصفنا بالضبط من قبل مدى انتشار نمط الإنتاج الرأسمالى فى الزراعة المصرية فى منتصف هذا القرن وفيما يلى نحدد التغيرات التى حدثت بعد انقلاب 1952 لهذا الخصوص:

دور العمل المأجور فى الزراعة

 

 عدد العمال المؤقتين: 0.514 1.85 عام 1961 موزعون كالتالى:

جدول (52)[4]

% من عدد العمال (المؤقتين)

فئة الحيازة

45

أقل من 5 فدان

29.6

5 – 20

25.2

أكثر من 20 فدان

 

ونلاحظ أن أغلب العمال المؤقتين الذين هم عمال بحق (عكس العمال الدائمين الذين يعدون أشباه أقنان [5]) يعملون فى المزارع الصغيرة التى تعتمد على العمل العائلى أساسًا، أما المزارع الكبيرة  فتستخدم نسبة صغيرة منهم.

وبالعكس نجد أن توزيع العمال الدائمين كما يلى[6] :

جدول (53)

عدد العمال (الدائمين)

فئة الحيازة

23.9%

6797

أقل من  فدان

34824

1 - 2 فدان

45869

2 - 3 فدان

42800

3 -4 فدان

34.5%

37800

4-5 فدان

109000

5- 10  فدان

98000

20 فدان

41.6%

89000

50 فدان

91500

100 فدان

70000

أكثر من 100 فدان

 

والملاحظ فى هذا الجدول أن العمال الدائمين يتمركزون فى الحيازات الكبيرة أساسًا، مما يفسربانتشار نمط إنتاج شبه إقطاعى أو شبه رأسمالى فى هذه المزارع.

وقد أشارمؤلف " المسألة الزراعية " سابق الذكر إلى أن العمل المأجور أصبح يمثل 55% من قوة العمل الزراعية بعد الإصلاحات الناصرية، ويندرج تحت هذا الرقم كل المعدمين وفقراء  الفلاحين الذى يعملون فى أرض الغير، ومعنى ذلك أنه يشمل أشباه الأقنان. ويكون التحول الذى جرى فى نمط الإنتاج الزراعى بعد 1952 محدودا ويتناسب مع زيادة نسبة العمل المأجور من 45% إلى 55% من قوة العمل مع تحفظنا السابق، مع ملاحظة ان التقنية المستخدمة بواسطة العمل المأجور ليست متميزة تمامًا. ونميل إلى الاعتقاد بأن عدد أيام العمل بعد 1952 للعامل قد انخفض، بدليل تدهور أجورهم وزيادة معدل هجرتهم إلى المدن. وحيث أننا لم نتمكن من الحصول على مقاييس مباشرة جازمة لمدى التحولات التى طرأت على نمط الإنتاج فى الزراعة بعد 1952 (كما أوردنا من قبل بخصوص الوضع فى منتصف القرن) باستثناء الرقم الأخير فسوف نحاول استخدام مؤشر آخر غير مباشر.

جدول (54)

تطور نسبة مساحة فئات الحيازات من الأرض[7]

 

% من مساحة

الأرض

عام 1961

% من مساحة

الأرض

عام 1950

فئة الحيازة ( بالفدان )

37.8%

3.4

1.8

أقل من فدان

8.1

5.5

من 1- 2

10.4

6.1

من 2- 3

9.1

5.4

من 3- 4

6.8

4.4

من 4-5

 

17.7

13.3

من 5-10

12.5

11.5

من 10- 20

32%

11

12.9

من 20 - 50

7

9.4

من 50 - 100

14

29.7

أكثر من من 100

 

     بالإضافة إلى نمو عدد ومساحة الحيازات الصغيرة من الأرض انخفضت مساحة الحيازة عمومًا على مستوى البلاد من 6.13 فدان عام 1952 إلى 3.79 فدان عام 1961[8]. من الواضح أن الحيازة الصغيرة قد ازدادت انتشارًا بينما انخفضت مساحة الحيازة الكبيرة، ويتلخص هذا الأمر فى انتقال جزء من أراضى الحيازات الكبيرة (مزارع تزرع بأنماط إنتاج بين القنانة والرأسمالية) إلى المعدمين، لتزرع "بنمط الإنتاج الصغير" (سلعى أو عائلى). وقد تفاقم الأمر بعد إصلاح 1969 أيضًا وتصفية مزيد من الحيازات الكبيرة. واستمر الأسلوب المفضل لكبار الملاك طوال الفترة الناصرية للاستثمار هو تأجير أراضيهم كقطع صغيرة بالمزارعة أو بأشكال أخرى .


 نذكر فيما يلى عدة ملحوظات توضح العلاقة بين السياسة الزراعية للضباط والنمو المحدود جدًا لدور العمل المأجور فى الزراعة (أساسًا فى المزارع الصغيرة) والنمو المشكوك فيه للمزارع الرأسمالية:

1-  حرمت القوانين استئجار أكثر من 50 فدانًا بواسطة فرد واحد.

2-  لم يلغ نظام الإيجار بالمزارعة إلا فى قانون 1961، ولم يطبق.

3-  فرض الإصلاح الزراعى قيودًا على حرية المستفيدين من الإصلاح فى التصرف بأراضيهم، مما عرقل من "التراكم البدائى" داخل هذا القطاع من الأرض .

4-  لم تحرم القوانين نظام خدمة العمل.

وفى مقابل ذلك:

1-  تم تصفية عدد من المزارع التى تعمل وفقًًا لنظام خدمة العمل.

2-  تم إلغاء نظام المزارعة فيما بعد (رسميًا فقط).

3-  تم تخفيض قيمة الإيجار رسميًا ولكن هذا لم يتحقق عمليًا إلا فى حالات محدودة. والمعلوم أن معظم الأرض المؤجرة تؤجر لصغار المزارعين أو بالمشاركة.

 و فى النهاية لم تؤد الإصلاحات الزراعية الناصرية لا إلى نمو الزراعة الرأسمالية و لا إلى القضاء على مساوىء الملكية الكبيرة للأرض ، متمثلةً أساسا فى ضخامة الريع المدفوع.

ويمكننا فى النهاية أن نحدد الآتى: لم تحقق السياسة الزراعية للناصرية تحولات ملموسة لصالح نمط الإنتاج الرأسمالى، ولقد سمح نظام يوليو 1952 باستمرار "البقايا" قبل الرأسمالية فى الريف بل وساهمت سياسته فى عرقلة نمو المزارع الواسعة القابلة لاستخدام العمل المأجور. والأمر المهم الآن هو لماذا لم تسر هذه "البقايا" نحو التلاشى ؟. لم توجد ابان العصر الناصرى ولا قبله عوامل تحفز رسملة الريف بشكل ناجز وحقيقى، فالصناعة لا تستوعب نسبة كبيرة من قوة العمل – وهذا هو الأمر الأهم على الإطلاق – ويعيق فائض العمالة الزراعية نمو الميكنة الزراعية وتطوير عملية الإنتاج (وبالتالى القضاء على المزارع الصغيرة بما فيها الأراضى الممنوحة مقابل خدمة العمل). والمشكلة فى رأينا تتلخص فى ضعف نمو قوى الإنتاج على الصعيد المحلى العام، نظرًا لضعف الحافز على ذلك، وكانت هيمنة التجارة البعيدة (التجارة الخارجية) على الاقتصاد، وتبعيته بالتالى هى فى النهاية العامل الذى حال دون رسملة الريف حتى النهاية. وقد وجدنا الميل لإدخال الآلات وإقامة مزارع رأسمالية ينمو فى عصر الانفتاح بعد نمو مصادر جديدة للفائض من الخارج (تحويلات العاملين بالخارج)، وما صاحب ذلك أيضًا من تقلص العمالة الزراعية وتدهور قطاع التصدير القديم (القطن) وتقلص مساحة الأرض الزراعية.

     وفى النهاية نود أن نؤكد على أنه مهما كانت أبعاد نمو نمط الإنتاج الرأسمالى فى مصر المتخلفة فان هذا النمو يميل إلى أن يكون صوريًا.. رأسمالويا - بتعبير مكسيم رودنسون-. فالرأسمالى هنا ليس رأسماليًا صناعيًا بالفعل.. إنه فى الحقيقة تاجر صناعى؛ فالفوائض الضخمة الآتية من خارج القطاع الرأسمالى (سواء من أنماط إنتاج أخرى أو من الخارج) تعد مصدرًا أساسيًا للأرباح من عملية التداول وليس من عملية الإنتاج، ولذلك تكون المضاربة والغش والتهريب... الخ وسائل أساسية للحصول على الربح. وإذا ما علمنا أن الفوائض من غير فائض القيمة أعظم بكثير من تلك الأخيرة يكون من المفهوم كيف يصبح المشروع الرأسمالى هو مجرد ذريعة (أو وسيلة) للحصول على الأرباح التجارية (بالمعنى قبل الرأسمالى للكلمة).

وهذا الوضع كان قائمًا دائمًا فى مصر الحديثة، وكانت الدولة دائمًا تلعب دورًا أساسيًا فى عملية التوزيع هذه... إذن "فالبقايا" قبل الرأسمالية لا تعد مجرد بقايا، أنها جزء جوهرى من الاقتصاد بما فيه المشاريع "الرأسمالية" المتطورة جدًا. أما بدائل تلك "البقايا" (الدخول الآتية من الخارج) فتلعب دورًا محوريًا فى إضفاء هذه السمة الجوهرية على الاقتصاد، وتظل الحلقة الضعيفة ليست هى المسألة الزراعية المزعومة، بل مسألة التبعية - التخلف.

 

4- تشجيع القطاع التصديرى:

لم تتكاسل الناصرية عن الاستمرار فى محاولة تنمية الصادرات الزراعية فلجأت إلى تخفيض مساحة الأرض المزروعة قطنًا بتأثير ضعف الطلب الخارجى على هذه السلعة، وراحت تتوسع فى صناعة المنسوجات لإحلالها محل القطن فى التصدير (ولسد الطلب الداخلى بالطبع) ونجحت فى ذلك جزئيًا، كما لجأت إلى إحلال البصل والأرز محل القطن بدرجة ما، ولكن كل هذه المحاولات لم تكن كافية لزيادة الصادرات زيادة ملموسة، وهو ما دفعها للاهتمام بقطاع البترول دون أن تحقق نتائجاً حاسمة ( لم تصبح حاسمة إلا فى عهد السادات)، ولم تكن خططها الاقتصادية تتجه إلى محورة الزراعة حول الطلب الداخلى (القمح بدلاً من القطن مثلاً)، لأنها كانت تستطيع الحصول على القمح شبه مجانًا من الولايات المتحدة. كما أنها كانت فى نفس الوقت بحاجة إلى العملات الصعبة التى يأتى بها القطن ولذلك اشتدت أزمة الغذاء بعد قطع المعونة الأمريكية. وقد ظل تشجيع قطاع التصدير يدعم الرباط القوى بين الاقتصاد المحلى والسوق الدولى، برغم تحول معظم الصادرات إلى الاتحاد السوفيتى، فهذا التحول الجغرافى المؤقت للصادرات لم يؤد إلى تغير جوهرى فى موقع مصر من التقسيم الدولى للعمل.

5- تطوير الإنتاج الزراعى:

لم تحقق السياسة الناصرية المعدل المطلوب (وفقًا لأهداف هذه السياسة) لنمو الزراعة كما ذكرنا فى موضع آخر.


 

جدول (55)[9]

معدل نمو الناتج الزراعى %

الفترة

1.8

1939– 1960

1

1939- 1949

0.8

1949- 1954

3.5

1955- 1960

3

1965

 

وخلال نفس الفترة بلغ هذا المعدل 5% فى الهند، 7% فى اليابان، أما فى مصر فكانت أزمة الغذاء تستفحل، لأن نمو الإنتاج الزراعى تمثل أساسًا فى نمو المنتجات القابلة للتصدير[10]. كما أولت الحكومة اهتمامًا بزيادة المساحة المحصولية، فارتفعت بنسبة 17% طوال الفترة (من 9.2 عام 1947 إلى 10.92 مليون فدان عام 1973)[11]. كما أدى استخدام الأسمدة وتحسين وسائل الرى إلى زيادة إنتاجية بعض المحاصيل الهامة:

جدول (56)

تطور إنتاجية الفدان[12]

القمح

الذرة

القطن

السنة (متوسط)

100

100

100

35-1939

82

88

104

45-1949

94

90

92

50-1954

121

100

109

60-1964

120

150

120

65-1969

 

وقد تغير معدل زيادة الإنتاجية الكلية للزراعة (للفدان) من +6% خلال الفترة من 1939 – 1949 إلى ــ 4 % عام 1954 إلى + 15% عام 1960 (بالنسبة لعام 1955)[13]، أما إنتاجية العمل فارتفعت بمعدل 1.5% - 2% سنويًا جدول[14]. وبالنسبة لاستصلاح الأراضى فلم يسر شوطًا بعيدًا، وادى تجريف الأرض وتحويلها إلى أرض بناء إلى تآكل مساحات شاسعة منها، كما تحولت بعض الأراضى إلى بور نتيجة تأخر وسائل الصرف، ولذلك لم تزد مساحة الأرض المزروعة زيادة ملموسة ابان الفترة.

وكانت النتيجة النهائية لمدى تطور قوى الإنتاج الزراعية بالغة الهزال.

 

النتائج النهائية للسياسة الزراعية:

يمكن إيجاز هذه النتائج فيما يلى:

1-  بقدر ما تم تطوير وسائل الإنتاج فى الزراعة (التوسع فى استخدم الجرارات وآلات الرى..) تعمقت التبعية التكنولوجية، حيث أن الآلات كانت تستورد من الخارج، بينما كان يتم تركيب القليل منها فى مصانع محلية.

وقد كان التوسع فى استخدام الآلات محدودًا للغاية، حيث تقلصت المزارع الواسعة واستمر فائض العمل الزراعى فى الزيادة طوال الفترة.

2-  أدت زيادة الطلب على الآلات وإنشاء ونمو صناعة الأسمدة والمبيدات الزراعية إلى تعميق التبعية فى الصناعة التحويلية المعتمدة أصلاً على الخارج، وبالتالى ازداد وتعمق الارتباط التابع للزراعة – عبر الصناعة – بالسوق الدولى.

3-  كان نمو الإنتاج الزراعى يميل لصالح المنتجات المخصصة للتصدير، مما أدى إلى ظهور نقص متزايد فى الغذاء دونما اعتبارات اقتصادية أساسا, "فالسوق" الرئيسى لتلك المنتجات كان سوق دول الكوميكون، مما يعنى أن صفقات السلاح والعلاقات السياسية المميزة قد لعبتا دورا كبيرا فى توجيه السياسة الاقتصادية.

4-  كان المصب النهائى للجزء الأكبر من الفائض الزراعى هو جيوب كبار ملاك (50 فدانًا فأكثر ) الذين أسرفوا فى استهلاك السلع المستوردة أو الحالة محل الواردات، وفى المضاربة والتجارة، والقليل من هذا الفائض وُجه لمشاريع صناعية (حالة محل الواردات!).

5-  حققت بيروقراطية الدولة أهم أهدافها فى القرية، وهى خلق وضعية محافظة عمادها المالك الكبير الرجعى والمالك الصغير المحافظ، مع هيمنة البيروقراطية بالاشتراك مع كبار الملاك وضمان جزء من الفائض فى جيوب كبار رجال الدولة[15] .

 

 

سياسة التصنيع

*   التغيرات الهيكلية فى الصناعة التحويلية:

شهد الهيكل العام للصناعة التحويلية عدة تغيرات؛ فبينما ظلت الصناعات الاستهلاكية تحقق معظم القيمة المضافة فى الصناعة، وتمتص نحو 50% من الاستثمار الصناعى، شهدت صناعة السلع الوسيطة نموًا ملحوظًا، خاصة السلع الكيماوية (الأسمدة – المبيدات الحشرية – الكحول، البويات) وذلك على حساب الصناعات الاستهلاكية، خاصة الغذائية. أما مجموعة السلع المعمرة فشهدت أكبر معدل النمو:

جدول (57)

أنصبة مجموعات الصناعة فى إنتاج القيمة المضافة[16]

1966/1967

1960

1952

القطاع

60%

63.6%

70.9%

استهلاكية تقليدية

33.0%

33.3%

25.5%

وسيطة

6.5%

3.1%

3.6%

سلع معمرة ووسائل

نقل

100

100

100

 

 

جدول (58)

هيكل الاستثمار الصناعى من 1957-1964/1965 [17]

% من جملة الاستثمار الصناعى

الصناعة

31.9

استهلاكية تقليدية

49.6

وسيطة

10

سلع دائمة

0.1

مراكز التدريب الصناعى

8.4

صناعات أخرى

 

والميل لنمو الصناعات الوسيطة لم يكن مجرد نتاج لقرار واع، فقد بدأ هذا الميل التلقائى لرأس المال منذ أواخر الأربعينات، وقد أشرنا إلى هذا من قبل. وكان نتاجًا طبيعيًا لإحلال الواردات شبه الكامل من السلع الاستهلاكية، فهذا الأخير يضع حدودًا مسبقة على نمو الصناعة نموًا مضطردًا، فيجعله يتعثر من حين لآخر، خاصةً بسبب ضيق السوق بالنسبة للحجم الأمثل لوحدة الإنتاج الصناعى الحديث. ولذلك فالانتقال لإحلال مزيد من الواردات كان منحى تلقائيًا للتصنيع فى مصر، وكان هذا النوع من التوسع هو المجال الأمثل لنمو التخلف فى تلك الفترة. وقد سارت وفق الميل العفوى لرأس المال الفردى الذى لم يجد – مع ذلك – فى حكومة الضباط بديلاً مقنعًا لرأس المال الأجنبى الخاص الذى توقف وروده.

جدول (59)

النسبة المئوية لإحلال الواردات فى بعض السلع[18]

نسبة الإحلال (%)

أعوام

السلعة

 

 

نسبة الإحلال %

عام 1947

السلعة

1966-1967

1947

68.8

30.9

أخشاب

95.8

أغذية

65.3

40.4

ورق

77.8

مشروبات

60.8

30.7

مطاط

97.7

دخان

14.3

0.4

آلات غير

كهربائية

73

منسوجات

61.2

53.8

كيماويات

69.7

ملابس جاهزة

74.4

35.3

نفط

90.2

أثاث

65.4

16.2

معادن أساسية

93

طباعة

80.9

42.5

منتجات معدنية

88.7

جلود

43

8.3

معدات نقل

(تركيب)

73.9

منتجات غير

معدنية

46

-

آلات كهربائية

(تركيب)

 

 

    

لم تتحول الصناعة (عمومًا) إلى القطاع القائد كما ذهب مابرو – رضوان[19]، وهما يحددان ذلك استنادًا إلى حجم الناتج الصناعى الذى تخطى الـ 20% من الناتج الإجمالى عام 1965، وهو مقياس يظل صوريًا، وإذا ما استخدمناه مرة أخرى لوجدنا أن الأرجنتين وإيران تعدان أكثر تصنيعًا من الولايات المتحدة (نسبة الناتج الصناعى % من الناتج القومى فى أواسط السبعينات 32 ، 30 ، 25 على التوالى) بينما لايكون كل الإنتاج تابعا للصناعة كما فى البلدان الصناعية. وقد ظل الأمر من الوضوح فى مصر الناصرية؛ إذ ظلت الصناعة التحويلية بكافة قطاعاتها الأساسية: المنسوجات – المواد الغذائية – الأسمدة – السلع الدائمة، عاجزة عن دفع وحفز مجمل البنية الاقتصادية. فاستمر دور الالتواء التصديرى فى الزراعة البدائية بوجه عام، بل وكان الاهتمام بهذا القطاع بديلاً عن إنتاج المواد الغذائية اللازمة للصناعة والاستهلاك، فكانت الصناعات الغذائية عاجزة عن حفز تغيير الزراعة هيكليًا لصالحها. كما عجزت الصناعة بكل فروعها عن حفز إجراء تغيير ثورى فى نمط التعليم وفى البحث العلمى وفى حفز إنشاء صناعة تجهيزية. بل ولم تقم بتعديل نمط الاستهلاك بحيث يصبح مناسبًا لإمكانيات وظروف المجتمع، كما فشلت بشكل ذريع فى توجيه الفائض الاجتماعى كما سنرى بعد. (فالميل كان دائمًا وبشكل متزايد لصالح الأنشطة غير المنتجة للفائض). ولم تستطع الصناعة أن تمحور حولها بقية القطاعات، بل ولم تستطع أن تتمحور حول نفسها ولم تدشن اتجاها نمو توازن قطاعى بحيث ظل الخلل والتفكك سمات بارزة للاقتصاد. ويؤكد لنا هيكل الصناعة المصرية "المعدل" حقيقتين إضافيتين: أولهما أن نمط الاستهلاك القائم (التابع) ظل يتعمق، ومما يدل على ذلك النمو الهائل فى إنتاج السلع الدائمة المستوردة فى الأصل (الغسالات – السيارات.. الخ) فى بيئة غير قادرة لا على صيانتها ولاعلى تطويرها ولا حتى على استخدامها جيدا أحيانا، وثانيهما، استمرار عجز الصناعة عن تطوير الزراعة (غياب إنتاج الآلات الزراعية تقريبًا)، أى القطاع الأكبر من الاقتصاد المنتج فى مصر الناصرية. وتبقى أمامنا عدة استنتاجات جزئية: أولها أن صناعة المنسوجات ظلت تنمو بنفس معدل نمو الصناعة ككل (أو أعلى قليلاً)، الذى فاق بالتأكيد معدل زيادة السكان بكثير، والتى كانت قد حلت محل الواردات بنسبة تفوق 90%. بل ان المنسوجات لم تكن تحل محل الواردات فقط، بل أصبح لها فى الفترة الناصرية دون آخر هو إحلال الصادرات من القطن، ولذلك استمرت تحتل نفس حجمها النسبى فى الناتج الصناعى. وثانيهما أن التوسع فى الصناعة الوسيطة كان بالغ التكلفة، وادى إلى نتائج – بالنسبة للعمالة والقيمة المضافة – أسوأ من تلك المتوقعة فى حالة عدم تغيير هيكل الصناعة بعد 1952، مع نفس القدر من التوسع، وقد قدر مابرو – رضوان الخسائر كالتالى:

•    النمو المتحقق فى العمالة الصناعة: 122%.

•    النمو الذى كان يمكن أن يتحقق: 149%.

وبالنسبة للقيمة المضافة زادت بنسبة أقل ب 10.9% من النسبة التى كانت ستتحقق فى حالة الفرضية المذكورة. وبغض النظر عن هذه النتائج فالأهم أن نكتشف ما اضطر حكومة الضباط إلى هذه السياسة التى هى بمثابة الاتجاه نحو "الغلة المتناقصة" (من حيث القيمة) وهى الحكومة التى كان هدفها الأسمى على الصعيد الاقتصادى هو زيادة الدخل. ولا يجب أن ننسى أن ضعف دراسات الجدوى و سوء الإدارة ونقص العمالة الماهرة والتشغيل غير الكامل للمشاريع الجديدة، كلها لعبت أدوارًا فى تحقيق" الغلة المتناقضة"، بالإضافة إلى خيار المحافظة على نمطى الاستهلاك والتصنيع، ورشوة الجماهير. والخلاصة أن التغيرات الهيكلية فى الصناعة من جراء السياسة الناصرية كانت تسير نحو تعميق التخلف – التبعية، ممثلاً فى التصنيع الجزئى التابع للخارج، مع مزيد من التمحور حول الصناعة فى البلدان الرأسمالية، ومزيد من عجز الصناعة عن حفز النشاط الاقتصادى ككل. وكان إحلال الواردات من السلع الوسيطة هو الآخر عملية معاقة بحكم ضيق السوق. ولما كان إنشاء صناعات تجهيزية على نطاق واسع لا ينسجم مع بقاء نفس البنية الاقتصادية – الاجتماعية فتكون التغيرات الهيكلية المذكورة إيذانًا بأزمة جديدة، ليصبح التوسع الوحيد الممكن بعد تشبع السوق بكل بدائل الواردات الاستهلاكية والوسطية هو التوسع فى الإنتاج للتصدير؛ أى مزيد من الاختلال لصالح القطاع التصديرى، ما لم يتكون طلب على أنواع جديدة من المنتجات الاستهلاكية والوسيطة، لا ينجح أيضًا فى حفز توسع جديد، لأن إحلال الواردات ككل يصبح عائقًا أمام مزيد من الإحلال راسيًا وأفقيًا بما يؤدى إليه من أزمة المدفوعات، وهذا ما سنتناوله بعد قليل.

 

*  النمو:

رغم الانطباع الذى قدمته أجهزة الإعلام الناصرية بتحقيق طفرات كبيرة فى تنمية الصناعة، ورغم قوة هذا الانطباع لدى معظم المثقفين ، لم يشهد دور الصناعة الفعلى فى الاقتصاد المحلى تحولاً جذريًا بنفس القدر الذى يعطيه الانطباع المذكور. ورغم الزعم بإنشاء صرح صناعى هائل تفضح الحقائق الموضوعية المباشرة زيف "التصنيع" الناصرى وتظهر حقيقة الدور المتواضع الذى قامت به الصناعة المصرية فى الاقتصاد رغم الخطة الخمسية الشهيرة. ولم ينتج هذا عن فشل الناصرية فحسب بل وعن محدودية طموحاتها أيضًا، كما أن الصناعة لم تحصل من الضباط على نفس الدرجة من الانتباه الذى صورته الدعاية الرسمية.

 

جدول (60) [20]

معدل النمو السنوى للناتج الصناعى %

السنة

6

1952 – 1956

6.5

1957 – 1961

8.5

1960 – 1965

 

وهذه المعدلات ليست ضخمة، بالنسبة إلى معدلات النمو التى تحققت فى بلدان متخلفة أخرى (أو كانت متخلفة) تحكمها أنظمة عميلة (ولا يزعم أحد أنها حكومات ثورية أو اشتراكية!) فقد بلغ معدل نمو الصناعة التحويلية فى إيران 14% سنويًا فى عهد الشاه [21]، وبلغ فى شرق آسيا 16-35% سنويًا خلال الستينات، كما بلغ معدل نمو الإنتاج ككل فى هذه البلدان 7-10% سنويًا خلال نفس الفترة[22].

ولم تحصل الصناعة على نسبة عاليةً من مجمل الاستثمارات تناسب الأهداف المعلنة من جانب حكومة زعمت أنها تقيم صرحًا صناعيًا فى مصر. وقد بلغت حصة الصناعة من الاستثمارات ما يأتى:

جدول (61)

حصة الصناعة من الاستثمارات %

(متوسط سنوى)[23]

%

السنة

23.8

1952/1953 – 1956/1957

25.7

1957/1958 – 1959/1960

26.6

1960/1961- 1964/1965

27.4

1969/1970– 1971/1972

 

كذلك لم يكن معدل زيادة إنتاجية العامل ملموسًا، فكان أقصاه هو 1.2% خلال سنوات 1960-1965، ولم تنجح مساعى الحكومة فى حث العمال على زيادة الإنتاج، إذ وقفت عوامل موضوعية أمام ذلك، منها على سبيل المثال نمو الطاقة العاطلة خلال الستينات، بسبب سوء الإدارة ونقص قطع الغيار، والعمالة الفائضة [24]. كذلك لعب نقص العمالة الماهرة دورًا مهمًا فى عرقلة زيادة الإنتاجية، ولم تحاول الحكومة جديا توفيرها. وكان من أهم الأسباب استجابة الحكومة لطموحات الانتلجينسيا، بالتوسع فى التعليم النظرى والجامعى على حساب التعليم الفنى. ورغم الطاقات العاطلة وثبات الإنتاجية تقريبًا تفشت ظاهرة المخزون السلعى بسبب ضعف القوة الشرائية رغم تحسن أحوال الفئات الوسطى فى أوائل الستينات، فلم يكن هيكل النمو الصناعى متسقًا مع حجم السوق المحلى، ولم تتبع الناصرية سياسة كفيلة بتوسيع السوق إلى أقصى حد ممكن كما فشلت فى تصدير بعض السلع القليلة التى كانت مخصصة للتصدير. وتعنى لنا زيادة ساعات العمل مع وجود بطالة مقنعة واسعة وجود شىء فريد فى الاقتصاد؛  فالطاقة العاطلة فى الصناعة وأزمة المخزون السلعى وأزمات نقص الإنتاج كانت متلازمة... هذه الظواهر تعنى أن أزمة الصناعة هى أزمة مركبة: أزمة فيض إنتاج وأزمة نقص إنتاج: أزمة رأسمالية وأزمة قبل رأسمالية فى نفس الوقت. والمسألة تتضمن ضمن ما تتضمن فوضى الإنتاج المطلقة: تخلف الإدارات - اختلال شديد فى التركيب العضوى للعمل ورأس المال - النمو المتفاوت بشدة.

فى 1952 كانت الصناعة (والكهرباء) تمثل أقل من 10% من الناتج المحلى الخام، وكانت الحكومة تستهدف رفع هذه النسبة إلى 30% فى نهاية خطة 1960-1965، ولكنها لم تنجح فى أكثر من مضاعفتها:

جدول (62)

مساهمة الصناعة والكهرباء فى الناتج المحلى (%)[25]

%

السنة

13.8

1955 – 1956

20.9

1960 – 1961

22.7

1964 – 1965

 

وتظل هذه النسب محدودة بالنسبة لبلد يدعى حكامه أنهم حققوا ثورة صناعية (مقابل ذلك بلغت مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى فى الأرجنتين والبرازيل وشيلى وأوروجواى 26-32%[26] رغم أنها جميعًا بلدان متخلفة).

أما نصيب الصناعة من قوة العمل فظل محدودًا للغاية ويدور حول 10% (بلغت 11% فى منتصف الستينات ، ولكن إذا وضعنا فى الاعتبار سياسة التشغيل والبطالة المقنعة تكون هذه النسبة أقل، كذلك تكون أقل بدرجة ملحوظة إذا أخذنا فى الاعتبار الصناعة الكبيرة فقط، ففى هذه الحالة تكون العمالة الصناعية أقل من 4% من مجمل العمالة عام  1952 ، 7% فى 1965 شاملة العمالة الزائدة). كذلك انتقل جزء من العمالة الزائدة من الزراعة إلى القطاعات الثالثية.

جدول (63)

مقارنة بين معدل نمو العمالة ومعدل نمو السكان[27]

معدل نمو عدد السكان %

معدل نمو قوة العمل

الفعلية%

السنة

2.38

1.23

1960

2.54

1.22

1966

2.31

2.6

1976

 

ويوضح هذا الجدول أن "التصنيع" الناصرى، بجانب النمو الملموس للقطاعات غير المنتجة، لم يستطع أن يرفع من معدل نمو القوة العاملة (وفقط فى عصر الانفتاح وعوائد العاملين بالخارج زاد معدل التشغيل إلى أكثر من الضعف وقارب معدل زيادة عدد السكان، وهى مفارقة تستحق الانتباه).

وهناك أمر آخر يستحق الذكر؛ فتأثير نمو الصناعة على العمالة الزراعية كان هو الآخر سلبيًا، فمن المتوقع أن يزداد عدد العاملين بالصناعة على حساب عدد العاملين بالزراعة فى حالة النمو المتوازن لاقتصاد حديث (ظاهرة وجدت فى كل البلدان التى تطورت) ما لم يحدث ظرف استثنائى مثل حدوث توسع هائل فى مساحة الأرض المزروعة.. ولكن التنمية الناصرية لم تؤد إلى الظاهرة المذكورة:

جدول (64)

تطور عدد العاملين بالزراعة (بالألف)[28]

السنة

العمالة الزراعية

1947

4086

1960

4406

1966

4468

ومن 47-1966 زادت مساحة الأرض المزروعة بـ 701 ألف فدان متضمنة أرض مديرية التحرير، وهى زيادة لا تبرر زيادة عدد العاملين بالزراعة إلا فى حالة بقاء أساليب الزراعة كما هى، أى أن دور الصناعة فى تطوير الزراعة لا يذكر.

وتدهور فيما بعد عدد العاملين بالزراعة مع ثبات مساحة الأرض المزروعة تقريبًا، نظرًا لهجرة الفلاحين إلى بلدان الخليج و ليبيا  للعمل  (وليس إلى المصانع الناصرية !).. والخلاصة أن الصناعة لم تلعب دورًا حاسمًا فى استيعاب العمالة ولم تستطع أن توقف فيض قوة العمال.

وشهدت الفترة أيضًا زيادة فى دور الصناعة فى الصادرات كالآتى:

 


 

جدول (65)[29]

مساهمة القطن

الخام فى

الصادرات (%)

صادرات الغزل

والنسيج وحدها (%)

من

الصادرات

نسبة السلع

المصنعة فى

الصادرات%

السنة

87.3

3

6.7

1952

85

3.3

8.9

1953

72.8

5.8

19.1

55-1956

70.8

9.7

18.1

59-1960

64.4

11.3

19.7

60-1961

58.8

12.9

25.6

61-1962

52.5

11.1

21.6

62-1963

49.2

13.9

24.4

63-1964

55.9

14

24.7

64-1965

44.5

19.6

31.2

67-1968

49.1

16.7

29.5

69-1970

51

18.6

33

1971

 

ومن الواضح أن الصناعة قد راحت تمثل دورًا متزايد الأهمية فى الصادرات، ولكن التعامل مع الكميات وحدها قد يقود إلى استنتاجات خادعة، ولذلك سنحاول تحليل هذه الظاهرة:

1- فاق معدل انخفاض نصيب القطن فى الصادرات دائمًا معدل زيادة نصيب السلع المصنعة، وكان الفرق يتمثل بشكل أساسى فى صادرات الأرز. كما كانت نسبة الصادرات من الغزل والمنسوجات إلى مجمل الصادرات الصناعية كبيرة للغاية، وقد وصف مابرو – رضوان هذه الظاهرة بحق بـ "إحلال الصادرات"؛ إذ خصصت الدولة جزءًا هامًا من إنتاج الغزل والنسيج للتصدير بسبب انخفاض أسعار القطن الخام، كذلك زيدت المساحة المخصصة لزراعة الأرز – للتصدير – على حساب المساحة ا لمزروعة قطنًا، يضاف إلى ذلك أن التدهور المتوالى لأسعار القطن ساهم فى انخفاض نصيب الأخير من قيمة الصادرات لحساب الأرز والمنسوجات، وإذا ما حسبنا دوره من حيث الكميات المصدرة فسنجد أن الانخفاض يعود جزئيًا إلى التغيرات السعرية.

أما ظاهرة إحلال الصادرات فهى الأخرى ذات مغزى لا علاقة له بالاستقلال الاقتصادى، فالاقتصاد بات أكثر عجزًا عن الاستمرار فى "السوق العالمى" بسلعة وحيدة تقريبًا هى القطن، مما دفع الحكومة إلى محاولة اقتحام مجالات إنتاج تصديرى جديدة، ورغم أنها لم تحقق نجاحات كبيرة فى هذا المجال – كما سنرى بعد – فقد حافظت على وجود قطاع تصديرى له أهميته. وإذا كنا حتى الآن نتحدث عن الصناعة، يكون استنتاجنا الأساسى بهذا الصدد، هو أن جزءًا من الإنتاج الصناعى كان مخصصًا للتصدير، خصوصًا المنسوجات بسبب تدهور الأسعار العالمية للقطن، وبالتالى كان من الضرورى استبداله بصادرات بأخرى.

و من المهم أن نلاحظ جيدا أن نمو الصادرات الصناعية لم يكن نتاجًا خالصًا لتطور الصناعة وبالتالى زيادة قدرتها التنافسية فى السوق الدولى، فقد توجهت معظم المصنوعات المصدرة إلى أسواق الكوميكون، طبقًا لنظام الاتفاقات الثنائية، وقد وفر هذا الوضع للدولة من العملات الصعبة ما كان ينبغى دفعه مقابل الواردات إذا تم استيرادها من البلدان الرأسمالية. ونظرًا لرداءة معظم الصادرات المصنعة المصرية (جزء كبير منها مصنوعات حرفية بالغة الرداءة) فان الأمر يتضمن عنصر منحة من جانب البلدان الاشتراكية نتيجة لطبيعة العلاقات السياسية بين الطرفين فى تلك الفترة، بالإضافة إلى انخفاض درجة الجودة المطلوبة فى أسواق هذه الدول بالذات.

كان الهدف والميل العام للتنمية هو زيادة الحجم المطلق للناتج المحلى الإجمالى، وكانت الصناعة نظرًا لارتفاع التكلفة الحدية للاستثمار فى المجالات الأخرى، هى المجال الأكثر ملاءمة لتحقيق هذا الغرض، ورغم هذا لم يكن الاهتمام بالتنمية الصناعية كافيًا لتحقيق معدل كبير لنمو الناتج المحلى الذى بلغ فى أوجه 5.7%خلال خطة 1960-1965 (بلغ فى اليابان 14% فى نفس الفترة، واليابان هى الأخرى تتميز بارتفاع التكلفة الحدية للاستثمار فى مجالات مثل الزراعة والتعدين). ولم تتحقق أبدًا الأحلام الوردية التى كتبت فى أوراق الخطط الاقتصادية، ولذلك جاء الواقع مخالفًا كثيرًا للخيال، والخيال وحده هو الذى احتل واقعًا ممتازًا فى الدعاية، ولذلك خلق انطباعًا وهميًا عن ثورة صناعية.

والأمر منذ الآن فصاعدًا لن يتعلق بالصناعة كفن إنتاجى وإنما ببنيتها الاجتماعية، وسوف يتضح ما نعنيه فى الصفحات التالية.

 

* أفق إحلال الواردات:

 

بينما كان على الصناعة المصرية أن تواجه فى أعقاب كل ظرف استثنائى أزمة كان عليها أيضًا – ولم يكن أمامها إلا – أن تتوسع من جديد، فكانت باستمرار تعيد إنتاج أزمتها إنتاجا موسعًا. فكانت البنية الاجتماعية للصناعة – كما بيَّنا من قبل– أى الطابع الداخلى لرأس المال الصناعى – التجارى فى جوهره – هى العامل الكامن خلف الأزمة. وقد تجلى فى معاناة الصناعة من خلال أسلوب التصنيع لإحلال الواردات من السلع الاستهلاكية ثم الوسيطة. وكانت "مأثرة" الناصرية التى خدعت المثقفين  تتمثل فى حفز التحول من الإحلال محل الواردات من السلع الاستهلاكية إلى السلع الوسيطة (جزئيًا، بالإضافة إلى السلع الدائمة) بشكل أساسى. ويبدو الأمر كما لو كان هناك ميل لما أسماه البعض" تمحور الاقتصاد حول ذاته"، أو تحقيق الاستقلال الاقتصادى. ولكى نضع استنتاجات صحيحة علينا أن نحلل أولاً مغزى هذا الانتقال. وقد سبق أن حللنا هذا "الميل الموضوعى" لإدخال صناعة السلع الوسيطة إلى مصر بعد الحرب الثانية خصوصًا، ويبقى الآن أن نجيب على هذا السؤال: هل يمكن أن تكون "خطوة" إحلال الواردات من السلع الوسيطة اتجاهًا نحو خطوة جديدة تالية، إحلال الواردات من السلع التجهيزية لكى تنتهى ظاهرة التخلف والتبعية ؟!

1- صناعة السلع التجهيزية ليست هى علامة التقدم بالضرورة. فتقدم البشر ووسائل الإنتاج بحيث يكون الاقتصاد كفؤا للاقتصاد الدولى يضمن علاقة متكافئة مع الأخير كما يضمن مستوى معيشة مرتفعا وقدرة على الإبداع والتعامل مع الآخرين  بندية...الخ

2-  لا يتحقق الاستقلال القومى باستيراد هيكل اقتصادى متكامل، وإنما بإقامته فى الداخل انطلاقًا من الظروف الخاصة لكل بلد وفقًا لاحتياجات المجتمع فى كل مرحلة من مراحل تطوره. أما إحلال الواردات فكان يعنى مزيدًا من تدعيم نمط الاستهلاك التابع فى الداخل، حتى لو جاءت الخطوة الثالثة: إحلال السلع التجهيزية لاستمر نفس الوضع. ونلاحظ أن الإحلال لا يكون كاملاً أبدًا، فسلع جديدة تظهر وتأتى وتدخل إلى نمط الاستهلاك.. مما يحفز من جديد عملية إحلال الواردات بعد فترة تعثر فى فترة التشبع، ولكن يأتى الانطلاق من جديد مع تطور نمط الاستهلاك فى الغرب، وينتقل إلى البلد المتخلف. ولذلك لاينتهى الإحلال أبدًا إذا استمرت التبعية وهيمنة رأس المال التجارى. ومن الواضح أن إحلال الواردات يعبر عن خضوع الإنتاج للاستهلاك.. من خلال التبادل، لذلك فخطوة جديدة فى عملية الإحلال تساوى الخضوع الأعمق من جانب الإنتاج الاستهلاك وتساوى تعميق هيمنة التبادل على مجمل الاقتصاد.

3-  إن الخطوة الجديدة – والتالية لها – بالإضافة إلى كونها خطوة ناقصة وغير قابلة للاكتمال بفضل التطور المتواصل للعالم الرأسمالى، هى كما أسلفنا خطوة إلى الأمام، حيث ُأنشئت صناعات أحدث وأرقى تكنولوجياً، ولكنها تظل خطوة إلى الأمام فى إطار التخلف؛ ليست نفيه. إنها تعنى إعادة الاندماج فى السوق الدولى بشروط الأخير، فكل عملية إنتاج تتطلب إعادة الإنتاج، وعلى أساس تطور الإنتاج فى السوق الدولى يكون على التخلف أن يعيد إنتاج ذاته باعتباره كذلك، ولكن فى ثوب جديد لكى يستطيع أن يستمر فى السوق الدولى. وهذا النوع من النمو الاقتصادى هو ما يُسمى بنمو التخلف.

4-  ان الخطوة الناصرية بالإضافة لما سبق لم تكن أيضًا كافية من الناحية الكمية لإعادة إدماج الاقتصاد فى السوق الدولى بالشكل الأمثل، وبالتحديد كانت "الخطوة" إلى الأمام خطوة صغيرة بالقياس إلى التطور الهائل فى السوق الدولى، لا تقارن بخطوات الهند وأمريكا اللاتينية ثم شرقى آسيا، وبذلك ظلت مصر الناصرية بلدًا متخلفًا، ومتأخرًا أيضًا بالقياس لبلدان متخلفة أخرى وقفت فى طليعة العام "الثالث" على صعيد الاقتصاد. وكان هذا هو الثمن الذى دفعته مصر لقاء الناصرية التى تعنى فى النهاية بالنسبة لنا فشل الثورة الشعبية وفشل الطبقة المسيطرة فى قمعها … وكانت ضمن النتائج أن تخلت مصر عن موقعها فى طليعة البلدان المتخلفة لبلدان أخرى …

 

عوامل وآليات التوجه نحو إحلال الواردات:

     أولاً: على المدى القصير: ضيق الأفق الموضوعى للحكومة نفسها بحكم ارتباطها بالنظام الاجتماعى، وارتباطها بالتالى – وان كان غير المباشر – بالطبقة المسيطرة؛ الطبقة المستفيدة من الطابع المتخلف للبنية الاقتصادية. ولذلك انحصر هدفها من عملية التنمية الصناعية فى زيادة الدخل القومى دون ما اهتمام بتثوير البنية الاقتصادية، ولذلك كان من الطبيعى أن تتجه إلى إنشاء وتشجيع المشاريع التى تنسجم مع نمط الاستهلاك السائد، أى مع الطلب الفعَّال، وهذا يتأتى بإحلال الواردات من السلع الاستهلاكية. ولم يكن من الممكن أمام الطبقة المسيطرة أن تتوسع فى صناعة إحلال الواردات القائمة بالفعل بما يفوق الطلب الداخلى، أى من أجل تصديرها إلى الخارج، حيث لم تكن الأسواق الخارجية مفتوحة للمصنوعات المصرية الرديئة فى معظمها إلا فى أضيق الحدود، وحتى بوجه عام لم تكن هذه الأسواق مفتوحة للصادرات المصرية ككل إلا بشروط سياسية لم يكن من الممكن تقديمها بالكامل. ولذلك كان المخرج الوحيد هو إنشاء مزيد من الصناعات الحالة محل الواردات من جديد وكان المجال المتاح (فى ظل نمط الاستهلاك القائم) هو صناعة السلع الدائمة والسلع الوسيطة، مع توسع بدرجة أقل فى القطاعات القائمة بالفعل بقدر معدل زيادة الطلب الداخلى والخارجى.

ثانيًا: أما على المدى الطويل فكان التغير العضوى الحادث فى المجتمعات الرأسمالية يفرض نقل صناعات معينة إلى البلدان المتخلفة. بل أخذت أيضًا الدول الرأسمالية تفتح أبوابها أمام منتجات بعض البلدان المتخلفة من الصناعات، وقد ترافق هذا مع – أو بمعنى أصح حفَّز – نمو صناعات تصديرية ضخمة فى بعض البلدان المتخلفة( ليس منها مصر ) منذ أواخر الستينات. وكان التغير العضوى المذكور يفرض ضرورة توسيع أسواق العالم الرأسمالى فى الخارج أمام السلع التجهيزية على حساب السلع الاستهلاكية جزئيًا وقد بدأ هذا الميل منذ عدة عقود سابقة على الناصرية، لذلك كان السلوك المتناقض للبلدان الرأسمالية: تشجيع الصناعات الاستهلاكية فى العالم المتخلف دون السماح بمنافسة منتجاته لمنتوجاتها فى الداخل الا فى أضيق الحدود، أى فرض قيود على دخول منتجات العالم المتخلف إلى المتروبولات، وقد تبلور هذا فى تشجيع نمو الصناعات الحالة محل الواردات فى البلدان المتخلفة.

 

دور إحلال الواردات فى حفز نمو التخلف:

أ – أدت هذه السياسة إلى نمو صناعى محدود كميا  ولم تنجح محاولات الحكومة لتوسيع السوق إلا نجاحًا محدودًا [30]، وظل توزيع القوة الشرائية يميل بشكل كاسح لصالح الطبقة المسيطرة والطبقات المتوسطة والانتلجينسيا، وقد اتجهت الحكومة إلى التوسع فى إنتاج السلع الدائمة التى كانت تلبى طلب الفئات المذكورة.

جدول (66)

الزيادة فى استهلاك بعض السلع الدائمة فى الفترة من 1960-1965[31]

215.5%

ثلاجات

390.1%

غسالات

1540.9%

سخانات

115%

بوتاجازات

 

بينما زاد الاستهلاك من السلع الغذائية الضرورية فى نفس الفترة بنسبة ملموسة ولكن أقل بكثير:

 

جدول (67)[32]

29.4%

القمح

40.9%

الذرة

35%

الفول

14%

العدس

 

يضاف لهذا أن سياسة الحكومة فى قطاع الإسكان توجهت أساسًا نحو إنشاء المساكن الفاخرة وشبه الفاخرة (مع قليل من المساكن "الشعبية" للموظفين والطبقات الوسطى ). فكان نمط الاستهلاك يحفز إحلال الواردات، والأخير يعمق نمط الاستهلاك الملائم للطبقة الحاكمة، ويزداد طوال الوقت افقار الجماهير. وقد أدى هذا النمط فى التنمية إلى وضع حاجز أمام نمو الصناعة نفسها، فكان السوق المحلى عاجزًا عن استيعاب عديد من الصناعات الحديثة، لأن هذا النوع من الصناعات يقام – لكى ينتج بتكلفة معقولة – بأحجام ضخمة تفوق حجم السوق المصرى بكثير، ولذلك لم يكن بعضها ناجحًا ولم يُقم بعضها الآخر، بينما ظهرت الطاقة العاطلة فى صناعات عديدة.

ب- بعد فترة طويلة من اتباع سياسة إحلال الواردات تبين أن تحقيق فائض فى ميزان المدفوعات – أو رفع العجز – والاستغناء عن التمويل الخارجى هو مجرد سراب، فإحلال الواردات من السلع الاستهلاكية قد أدى فى المقابل إلى زيادة الواردات من السلع التجهيزية والوسيطة، وبغض النظر الآن عن أثر ذلك على الاستقلال الاقتصادى، فقد كانت الآثار الاقتصادية المباشرة لإحلال الواردات وخيمة. وحتى إذا كان من المحتمل أن تكون هذه السياسة قد خففت من العجز المحتمل فى المدفوعات فى حالة التوقف عن التصنيع، فهذا التخفيف كان باهظ الثمن، ويقدر مصطفى السعيد تكلفة توفير دولار واحد بتصنيع الغزل بـ 55.9 قرشًا عام 1960، 69.7 قرشًا عام 66، وبالنسبة للمنسوجات عام 1966 بلغت 85 قرشًا[33]. وبوجه عام كان إحلال الواردات بمقدار وحدة واحدة يتطلب استيراد ما قيمته 630 مليمًا[34]، وكانت نسبة القيمة المضافة إلى قيمة المنتج ضئيلة للغاية بسبب ارتفاع التكلفة [35]، ونظرًا لصغر حجم المشاريع ونقص العمالة الماهرة وسوء الإدارة.

وكان الاعتماد على نمط الاستهلاك القائم يعنى بالطبع ضرورة نقل التكنولوجيا الأجنبية وإعادة استيرادها باستمرار (رغم أنها لا تكون ملائمة دائمًا للسوق المحلية) [36]، ولكن لأن التكنولوجيا كانت تتطور فى البلدان الرأسمالية بسرعة بالغة، لم يكن استيرادها بنفس المعدل ممكنًا بسبب ارتفاع أسعارها، ,لذلك لم يكن الإحلال محل الواردات كاملاً، فظلت السلع الأجنبية متفوقة على مثيلاتها المصرية واستمر استيراد (حتى فى حالة وجود عوائق قانونية) السلع الفاخرة من الخارج بواسطة تجار الشنطة والمهربين من كل صنف.

ولقد تعمقت كل من التبعية التكنولوجية والمالية كما سنرى فيما بعد بالتفصيل، وكان الاتجاه نحو زيادة الواردات من السلع التجهيزية يعنى أن السوق المصرى لهذه المنتجات كان يتسع، مما ينسجم مع التغير العضوى الحادث فى بنية النظام الرأسمالى (أوروبا الغربية - أمريكا الشمالية – اليابان).

ج ـ يؤدى إحلال الواردات إلى إدخال الصناعة الحديثة ولكنه لا يعنى تصنيع البنية الاقتصادية ككل. فالواردات فقط من السلع الجاهزة تصنع بأحدث الوسائل، أما قطاعات الاقتصاد المحلية فلا يجرى تحديثها إلا فى أضيق نطاق، وبينما يكون القطاع الأول آخذًا دائمًا فى التطور – لأنه ُيستورد من الخارج باستمرار – يظل القطاع الثانى متأخراً. وهذا ما حدث فى مصر الناصرية. فأُدخلت صناعة الصلب وتركيب السلع الدائمة والجرارات، بينما ظلت الزراعة بدائية وظلت الصناعة الصغيرة بالغة التأخر (المخابز- منتجات الألبان – الصناعات الخشبية – الحياكة – الصناعات الجلدية … إلخ). وحيث تم التوسع فى إنتاج السيارات وتركيب عربات السكك الحديدية، استمر الحمار هو الوسيلة الأساسية للانتقال فى الريف، ورغم إنشاء السد العالى لتعمل المصانع الكبيرة بالكهرباء ظل المصدر الرئيسى للطاقة فى البلاد عضلات الإنسان والحيوان، وحين جرى تأهيل عشرات الألوف من المهندسين والعمال المهرة ظلت معظم قوة العمل متأخرة للغاية وفى حالة بطالة فعلية أو مقنعة. ذلك أن الصناعة الحالة محل الواردات هى صناعة حديثة ذات تركيب عضوى مرتفع من رأس المال والعمل، ولذلك لم تساهم مساهمة ملموسة فى استيعاب قوة العمل، فمقابل زيادة عدد عمال الصناعة بعدة مئات من الآلوف زاد عدد العاطلين عدة ملايين وتضاعف عدد الموظفين أكثر من مرة (بل وتشبعت الصناعة نفسها بالعمالة الفائضة).

وفى مجال الاستهلاك الترفى (الترفى بالنسبة لمستوى معيشة الغالبية العظمى من السكان) أصبح أفراد الفئات الوسطى وحتى الدنيا يتطلعون لامتلاك السلع الدائمة فى الوقت الذى ظل فيه الملايين يسكنون الأكواخ فى القرى والمدن، وتعمق تركب نمط الاستهلاك بشدة داخل الفئة الواحدة.

وعلى صعيد أنماط الإنتاج استمر التركيب بين نمط الإنتاج الرأسمالى وأنماط الإنتاج قبل الرأسمالية فى الزراعة والصناعة، بما فى ذلك بصمات من الإقطاع الشرقى ( إقطاع الدولة ) تسم عملية الإنتاج ككل. وقد أدى إحلال الواردات إلى حفز الصناعة الحالة محل الواردات وحفز الزراعة التصديرية، أى حفز التبادل الخارجى (وبالتالى الداخلى) ومن خلال عملية التبادل جرت عملية نمو التخلف.

وفى هذا السياق لم تتغير علاقة الريف بالمدينة جوهريًا، ولم تتغير وضعية الريف فى البنية الاجتماعية – الاقتصادية، كوضعية متدنية، بمعنى استمرار "المسألة الزراعية" بالمعنى الذى تناولناه من قبل.

وبالنسبة للصناعات الصغيرة لم تحدث تغييرات جذرية ابان الفترة الناصرية، فاضمحل عدد محدود منها مثل: صناعة المنسوجات اليدوية، وورش تبييض النحاس وغيرها، كما نشأت فروع جديدة محدودة، مثل: ورش إصلاح السلع المعمرة الجديدة (ثلاجات – تلفزيون – غسالات..) ولكن لم يتغير الحجم النسبى لمعظم فروع هذه الصناعة (الخشبية – الجلدية – الطباعة – الملابس الجاهزة) إلا فى أضيق الحدود، بينما شهدت الصناعة الصغيرة ككل تدهورًا نسبيًا من حيث نصيبها من القيمة المضافة فى الصناعة، حتى عام 1963-1964، حيث بدأت تحقق نموًا ملموسًا مرة أخرى. وهذا الوضع يعكس لنا الآتى:

1-  لم يكن النمو المتحقق فى الستينات كافيًا لحفز نمو واسع النطاق لصناعات صغيرة جديدة تتمحور حول الصناعات الكبيرة الجديدة (السلع الوسطية والسلع المعمرة)، خاصة أن التوسع فى هذه النوع من الصناعة لم يكن كاسحًا بسبب ضيق السوق المحلى.

2- الخلاصة النهائية هى أن الصناعات الصغيرة ظلت – رغم للفرق الكبير فى درجة تقدم وسائل الإنتاج -  فى حالة سلام مع الصناعة الكبيرة، يعملان جنبًا إلى جنب مع بعض التداخل الجزئى، ولم يحدث تحول ملموس فى طبيعة العلاقة بينهما.

 

سحر الصناعة

 

فى منتصف القرن أصبح النمو الصناعى – كما أسلفنا – ضرورة بالغة الحيوية لاقتصاد مصر؛ إذ باتت الصناعة هى المتنفس الأساسى لاقتصاد مختنق بالأزمة، ولذلك بذلت السلطة الناصرية أقصى طاقتها – المحدودة أصلاً – لحفز النمو الصناعى، ولكن محاولاتها نالت الفشل تلو الفشل. وقد دفع الفشل المتوالى والضرورة الملحة معاً  دفع الضباط إلى الهذيان باسم الصناعة[37]، وأصبحت الصناعة – أى صناعة – رمزًا للنجاح. فصار التغنى بإنجازات الصناعة المصرية – مقابل تاريخ ما أُسمى المحصول الواحد (رغم عدم وجود علاقة قوية بين الاثنين) – وسيلة لإثبات نجاح سياسة الضباط. واختلط الأمر بمفاهيم سحرية عن الصناعة، فلدى الناصريين كانت الصناعة هى معيار التقدم (والتقدمية أيضًا) ومرادفاً للاستقلال الاقتصادى، وصناعة الصلب بالذات دليل على نهضة صناعية كبرى !. ووصفت خطة 1960- 1965 الفاشلة بأنها محاولة لإقامة بناء اقتصادى مستقل لأنها اهتمت – وفقا للدعاية الناصرية – بالتصنيع.

والحقيقة أن خلطًا قد جرى بين مفهوم التصنيع ومفهوم الصناعة، والأول يعنى تصنيع البنية الاقتصادية. أما الصناعة فليست إلا أحد قطاعات الاقتصاد فى كل بلدان العالم ومن الممكن أن تنشأ على هيئة جزر معزولة – حتى لو كانت ضخمة – عن بقية القطاعات، دون أن تقوم بدور محفز لبقية البنية، وهذا هو الحال الصناعة فى البلدان المتخلفة. ولا يكفى استخدام الأرقام الخاصة بحجم الاستثمار والنمو فى الصناعة أو بعدد المصانع … إلخ كدليل على الثورة الصناعية أو التقدم أو التقدمية. وقد استخدمت الدعاية الناصرية هذا النهج الخادع وتلقفته الجماهير بإعجاب. ومن الملاحظات الطريفة فى هذا الصدد أن نصيب الصناعة من الاستثمارات قد ازداد بعد 1965 (وبلغ 39%  فى أوائل عهد السادات ) كما أقيم مشروع يفوق تكنولوجياً مصنع الصلب؛و هو مجمع الألومنيوم، والذى كان مدرجًا فى الخطط الناصرية التى لم تنفذ (!)، بينما يُلاحظ أن الاستثمارات الصناعية فى خطة 60-1965 كانت أقل من المحدد لها بـ  10% (لوتسكفتش[38] ) و قدرها سمير رضوان ب  20-25%[39] .

مما لا شك فيه أن نمو الصناعة فى حد ذاته فى بلد متخلف ُيعد خطوة ما فى طريق تنمية الإنتاج السلعى وتوسيع السوق الداخلية، ولكنه لا يساوى تحويل البلد إلى مصاف البلدان المتقدمة، إلا إذا أخذ ذلك البلد فى كسر التخلف، بتثوير البنية الاجتماعية أولاً ثم اتباع خطط اقتصادية لا تهدف إلى مجرد زيادة الدخل القومى، بل إلى تثوير عملية الإنتاج القائمة وتطوير الهيكل الاقتصادى جذريا.

اتهمت الناصرية رجال الأعمال بالتقاعس عن الاستثمار الصناعى. ولما قامت الدولة بالنيابة عن الطبقة المسيطرة بالانفراد – تقريبًا – بعملية التنمية الصناعية، وبالرغم من إنفاقها أقصى طاقتها (واقتراضها بمعدلات ضخمة من الخارج نظرًا لضعف هذه الطاقة نفسها) لم يكن ما أنجزته فى حقل الصناعة أكبر مما استطاع أن يقوم به رأس المال الفردى فى الثلاثينات والأربعينات من هذا القرن. والحقيقة أن النظام الاقتصادى – الاجتماعى المصرى قد افتقد للقدرة على تحقيق أو حتى الطموح إلى تصنيع مصر بشكل حقيقى، والطبقة المسيطرة وجهاز دولتها، بالإضافة إلى عوامل موضوعية أخرى، يفتقدان إلى مهارة الرأسمالية، فهى لا تتكون من طبقة من رجال الأعمال المحترفين، بل من جماعات من الملاك وأصحاب الأموال الأقدر – بوجه عام – على ممارسة أنشطة تداولية مختلفة، السريعة منها بالذات .

 


 

 

 تنويع الإنتاج:

تحولت مصر الناصرية من الدولة رقم 15 إلى الدولة رقم 8 فى مجموعة الدول المتخلفة من حيث درجة تنوع الاقتصاد ؛ فبدلا من الاعتماد الكبير على محصول القطن أضيفت محصولات ومنتجات صناعية مختلفة.

وظاهرة المحصول الواحد (أو الرئيسى) كانت بالفعل واحدة من الظواهر التى اتسمت بها معظم الأنظمة المتخلفة. وجاء طرح مسألة التنويع كفكرة تهدف إلى تقليص اعتماد البلد المتخلف على تصدير محصول واحد  أو رئيسى حتى لا يخضع خضوعًا مطلقًا لتقلبات أسعار السوق العالمى، وبدلاً من ذلك يقوم بتصدير عدد من السلع. والحقيقة أن هذه "الفكرة" لم تنشأ لكى تطبق أكثر ما نشأت بعد أن طبقت سياسة (أو برز ميل) لتنويع الصادرات –وبالتالى منتجات– البلدان المتخلفة.

لقد واجهت مصر الناصرية الانخفاض المتتالى فى أسعار القطن العالمية بالعمل على إعادة تكييف نفسها مع احتياجات السوق العالمى، وذلك بإحلال الصادرات جزئيًا (من القطن إلى المنسوجات والأرز والبصل) وبإحلال الواردات من المصنوعات الاستهلاكية، وكان هذا ضروريًا كما أسلفنا وسوف نكتفى فى هذا المقام بإبراز عدة ملحوظات:

أولاً: لا تتميز كل اقتصاديات التخلف بظاهرة المحصول الرئيسى. كذلك لا يعبر التنويع فى حد ذاته عن تطور اقتصادى ما، بل يعبر عن تكيف الاقتصاد مع السوق العالمية بطريقة أكثر ديناميكية .

ثانيًا:ظاهرة المحصول الواحد تشير فقط إلى خضوع شديد للسوق الدولى وتقلباته، مما يؤثر على صانعى القرار ويهدد بحدوث أزمات اقتصادية متكررة، ولكنه لا يعبرمباشرة عن تأخر الاقتصاد.

ثالثًا: بدأ التنويع فىمصر الناصرية يتراجع منذ أوائل الستينات، بعد أن بلغ أوجه فى الخمسينات، دون أن يستكمل النظام إعادة تكييف نفسه مع السوق العالمى، وقد غطى ذلك بالمعونات الخارجية. ولكن ما أن توقفت هذه الأخيرة حتى اتضح أنه كان من الضرورى للنظام أن يكيف نفسه بطريقة أكثر فعالية، بمزيد من إقامة صناعات التصدير خاصة.

رابعًا: لم يؤد التنويع فى مصر الناصرية إلى زيادة تماسك الاقتصاد، فاستمرت ظاهرة التفكك؛ الانفصال الكبير بين الزراعة والصناعة، وبين مختلف فروع الصناعة.

خامسًا: لا توجد علاقة مباشرة بين سياسة التنويع – بوجه عام – والاستقلال (المطلق أو النسبى)، بل لقد تمت هذه العملية نفسها بدعم مباشر من البلدان الرأسمالية (بخلاف "الاشتراكية") ولم تشمل قطاعات قيادية فى الاقتصاد، فلم تؤد إلى تقلص التبعية التكنولوجية أو حتى التبعية المالية، بل لم تقدم نمط استهلاك بديل، بل ودعمت تبعية نمط الاستهلاك القائم أيضًا.

وخلاصة الأمر أن تنويع الصادرات كان محاولة لتكيف الاقتصاد المصرى مع السوق الدولى، وقد تحققت درجة محدودة من هذا الغرض، بالإضافة إلى أنه لم يتم فى سياق تثوير داخلى للبنية الاجتماعية – الاقتصادية، سواء على النحو الرأسمالى (مثل كوريا الجنوبية مثلاً) أو حتى بالشكل البيروقراطى (الاتحاد السوفيتى أو الصين مثلاً).

 

ثانيًا: الاتجاه العام لعملية التراكم:

تمهيد

تقدم دراسة عملية التراكم الشكل النهائى لحركة البنية الاجتماعية – الاقتصادية من الداخل، وهى ليست مجرد عملية كمية، بل تتضمن ثلاثة محاور: آليات عملية التراكم – معدل التراكم العام – الميل العام للتراكم.

وتتوقف طبيعة هذه الصيرورة على طبيعة البنية الاجتماعية – الاقتصادية، وتتوقف تحولاتها على طابع ومدى عمق التحولات الاجتماعية، ومن ثم على الطابع العام للسياسة الاقتصادية للنظام والحكومة، متضمنة موازين القوى الاجتماعية – السياسية.

و دراسة عملية التراكم تهدف هنا للوقوف على الطابع الداخلى للبنية الاجتماعية – الاقتصادية وتحولاتها فى مصر الناصرية.

 

منذ أخذت مصر تُدمج فى السوق الدولى، سارت عملية النمو الاقتصادية فى اتجاه محدد تميز بما يلى:

1- إنشاء وتطوير مستمر لقطاع تصديرى.

2-  تكييف وإعادة تكيف قطاع الصناعة مع السوق العالمى، وذلك بالاضمحلال التدريجى للصناعات القديمة مع إنشاء صناعة حديثة تخدم قطاع التصدير أو تحل محل الواردات.

3-  المحافظة على نمو القطاع قبل الرأسمالى، ممثلاً أساسًا فى نمط الإنتاج الصغير فى الزراعة والصناعة.

4-  اتجاه متزايد للاقتصاد نحو التنقيد واتساع التبادل السلعى الخارجى والداخلى.

5-  نمو كبير للنشاط التجارى والخدمى والمصرفى.

6- انشاء وإعادة إنشاء باستمرار لنمط استهلاك مقلد لنمط الاستهلاك الغربى بدون عملية فرز فعالة.

     ويتخلص هذا كله فى إنشاء وإعادة إنشاء وتطوير قطاع تصديرى قوى، وتشكيل وإعادة تشكيل وتدعيم نمط استهلاك يتفق مع ميول السوق العالمى، وتكوين وتكييف وإعادة تكييف لطبقة من الملاك ورجال الأعمال تقوم بالإشراف على هاتين العمليتين.

ويتم التراكم لخدمة هذه العمليات التى تعد فى النهاية "لحظات" فى عملية واحدة: تكييف وإعادة تكييف الاقتصاد المحلى مع حاجات السوق العالمى.

وهذا النمط من النمو يؤدى إلى نمو القطاعات "الثالثية" بمعدل أسرع من معدل النمو الاقتصادى الكلى.

 

 

آليات عملية التراكم:

 

المصدر النهائى للتراكم هو دائمًا الفائض الاجتماعى، الذى ينتج  فى وحدات الإنتاج.

وفى مصر الناصرية كان معدل نمو القطاعات المنتجة للفائض أقل – عكس ما هو شائع – من معدل النمو الاقتصادى ككل، مما يعنى أن مصادر التراكم قد تقلصت بالنسبة للحجم الكلى للاقتصاد. وهذا لا ينفى بالطبع أن حجم هذه المصادر قد تزايد تزايدًا مطلقًا، كما يتضح من تزايد حجم القيمة المضافة.

إلا أن الأمر المهم هو التبدلات التى جرت بخصوص المصادر العينية المباشرة للتراكم، وكان تتمثل حسب أهميتها قبل الانقلاب فى:

1- ريع الأرض الذى يدفعه عادة صغار المزارعين.

2-  أرباح الأنشطة التداولية: البنوك والتجارة.

3-  أرباح الصناعة.

4-  رأس المال الأجنبى الوارد من الخارج (وكان حجمه قد تقلص كثيرًا).

5-  الدولة (الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وغيرها).

     وقد ازداد دور أرباح الصناعة، والأنشطة التداولية وريع الأرض كمصادر للتراكم (الذى اتجه أغلبه إلى قطاع الإسكان) بينما تقلص دور رأس المال الأجنبى الخاص أكثر فأكثر كما رأينا من قبل، وكان التحول الجوهرى الذى طرأ بعد الانقلاب على مصادر وآليات عملية التراكم يتمثل فى الدور الفريد للدولة الناصرية فى هذه العملية.

     بدأت الحكومة الناصرية فور الانقلاب تقوم بدور فعال فى توجيه عملية التراكم، فأصدرت من القرارات والقوانين ما يشجع رجال الأعمال على استثمار أموالهم، خصوصًا فى الصناعة، كما شملت إجراءاتها الإصلاحية زيادة أموال صندوق المعاشات، وزادت من نصيبها فى الاستثمارات، خصوصًا فى الزراعة والرى، ثم الصناعة، وراحت تملأ الفجوة التى كانت متزايدة الاتساع بين معدل التراكم الذى كانت تريده وبين ما يوجهه رجال الأعمال إلى مجال الاستثمار، خصوصًا الصناعى – وقامت الدولة بإقامة مشاريع عديدة داعيةً رأس المال الفردى إلى المساهمة فى رأسمالها، خاصة السد العالى، وراحت فى كل المجالات تلعب الدور الذى كان يلعبه رأس المال الأجنبى فى جذب رأس المال المحلى، مثل ضمان التصريف لبعض المشاريع، المساهمة فى رأس المال .. إلخ، حيث أصبح ورود رأس المال الأجنبى الخاص محدودًا للغاية.

وجاءت مرحلة تالية منذ 1956، أى تأميم قناة السويس ثم عمليات التمصير لتضيف الدولة مزيدًا من بصماتها على عملية التراكم، فازداد داخلها من جراء هذه العمليات وتكوَّن قطاع دولة كبير  كان مصدرًا هامًا للتراكم فى خطة 1957-1960 الصناعية.

وبعد استقرار السلطة الجديدة داخليًا وعلى الساحة الدولية بدأ رأس المال الأجنبى يرد للبلاد من خلال الدولة، التى لعبت دورًا هامًا للغاية فى استثمار هذا الرأس مال وبات اقتراضها هو الآلية الأساسية لدخوله.

وكان الدور الرابع للدولة دورًا غير مباشر؛ إذ أن السلطة البيروقراطية الجديدة وسياستها التى أدت إلى نمو كبير فى قطاع الدولة، أديا إلى استشراء الفساد على نطاق لا مثيل له، وأصبح قطاع الدولة – كما سنرى بعد – يقوم بدور البقرة الحلوب للقطاع الخاص ورجال الدولة، وقد حول النهب الواسع كميات ضخمة من الفائض إلى الأنشطة التداولية كما ُهرِّب بعضها إلى الخارج، بجانب تربية الماشية والمزارع .. إلخ. وقد لعبت نمو دور الدولة الاقتصادى فى الستينات الدور الأساسى فى هذا التوجه لرأس المال، إذ أنه كان من الطبيعى أن يوجه إلى تلك القطاعات التى سمح لها بالعمل وتوسيع نشاطها بواسطة الأفراد.

وقد بلغ الأمر حد أن تقوم الدولة باستثمار 90% من رأس المال الصناعى فى الستينات مع الاستمرار فى القيام بالدور الاقتصادى التقليدى للدولة فى مصر، أى رعاية عملية الرى والصرف، استصلاح الأراضى.

وبغض النظر عن اتجاه عملية التراكم ظل للدولة الناصرية دور حيوى فى توجيه التراكم وحتى فى تجميع الفائض أصلاً (ضرائب غير مباشرة، اعتصار صغار الفلاحين، قروض خارجية، ضرائب مباشرة على قطاعها الاقتصادى نفسه) ورغم هذا الدور  لم يرتفع معدل الادخار (حول 12% تقريبًا طوال الفترة الناصرية) بينما كان معدل الاستثمار يتجاوز هذا الرقم.

جدول (68)

معدل الادخار بالنسبة لمعدل الاستثمار (%)[40]

معدل الادخار /

معدل الاستثمار

%

السنة

معدل الادخار /

معدل الاستثمار

%

السنة

93.1

60-1961

87.1

52-1953

65.6

1962

99.6

1954

65.2

1963

81.5

1955

63.6

1964

92.6

1956

80.5

1965

101.1

1957

69.4

1966

88.1

1958

96.1

1967

77.8

1959

79.2

67-1968

102.6

1960

 

وكانت هذه الفجوة تُسد بواسطة القروض الأجنبية.  ويعود هذا الفشل فى رفع معدل الادخار – رغم زيادة دور الدولة – إلى طابع هذه الدولة نفسها؛ الدولة القمعية المكلَّفة، والمتورطة فى مغامرات سياسية رغم أنفها، والمرتبطة – وهذا هو الأهم – بهدف المحافظة على النظام الاجتماعى المهترئ نفسه، العاجزة – بحكم بنيتها المحافظة – عن استئصال الفئات الطفيلية المترفة. وقد اقتصر دورها فى تجميع وتوجيه الفائض الاجتماعى على سد فجوة نتجت عن تراجع رأس المال الأجنبى المترتب عليه تقاعس رأس المال الخاص المحلى. ورغم جهود الضباط لم يتخط معدل التراكم معدله خلال فترات طويلة قبل الانقلاب. ولم تستطع حكومة الضباط أبدًا أن تصل بمعدل الاستثمار إلى ما بلغته بلدان شرقى آسيا، خاصة اليابان التى راكمت 30% من دخلها القومى لعدة عقود بعد الحرب العالية الثانية. ولا حتى البلدان الرأسمالية التى حققت بالفعل نموها الصناعى، فقد استمرت مختلف آليات تبديد الفائض، سواء السابقة على الانقلاب (الاستخدام الجزئى للموارد المتاحة -الإنفاق الترفى للطبقات المسيطرة – تهريب الأموال إلى الخارج)، أو بالأشكال الجديدة الآتية مع حكومة يوليو، مثل الإنفاق الترفى لجهاز الدولة (مكاتب، علاج بالخارج ، مكافآت رجال الدولة، الإنفاق الضخم على مؤسسة رئاسة الجمهورية وأجهزة الأمن، التبديد الناتج عن سوء إدارة المشاريع وسوء التخطيط والإنفاق المتزايد على الجهاز البيروقراطى نتيجة تشغيل أعداد ضخمة من الموظفين الجدد، وكافة الأشكال "الناصرية" الأخرى للتبديد، شاملة التبديد البشع لقوة العمل).

فالدولة أولاً لم تقم بتجميع كامل للفائض المحقق علاوة على أنها لم تجمع الفائض الاحتمالى لأسباب ذكرت منذ قليل. وهى ثانيًا لم تقم بتوجيه الفائض المجمع بالشكل الأمثل، فأهدرت منه جانبًا كبيرًا على نفسها (وغير ذلك).

وعلى ذلك تميزت نيابة الدولة عن رأس المال بالآتى :

1- إنها نيابة عن الملكية العقارية الكبيرة ورأس المال المحلى، والأجنبى الخاص أيضًا.

2-إنها نيابة عن مصالح النظام بعيدة المدى وقصيرة المدى كذلك؛ بعيدة المدى حين كانت تقوم بحفز عملية التراكم، وقصيرة المدى حين كانت تقوم من حين لآخر بتقديم جزء من مواردها إلى الانتلجينسيا و الطبقات الأدنى، أى حين كانت تحجز عملية التراكم من وجهة نظر النظام الاجتماعى نفسه. ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أن عملية التراكم التى أشرفت عليها الدولة الناصرية لم تتم دائمًا على حساب المنتجين ؛ ففى الخمسينات تدهور نصيب العمال والفلاحين من الفائض الاجتماعى المتحقق، أما فى الستينات فحدث العكس أثر الإصلاحات الاجتماعية التى أُجريت، فتمت إعادة توزيع الفائض لصالح البيروقراطيين وملاك الأراضى والوسطاء كما استفاد منها المتعلمون وكذلك عمال الصناعة إلى حد ما، بينما فقد معظم كبار رجال الصناعة رؤوس أموالهم وازداد اعتصار عمال الزراعة. وخلاصة القول  أن معدل التراكم  لم يتغير بدرجة ملموسة وظل نصيب المنتجين  ثابتًا – تقريبًا – على مستوى الفترة ككل.

والدولة بهذا الشكل راحت تلعب دور "المنظم" ، فتضبط معدل التراكم من حين لآخر حسب الظروف وتضبط العلاقة بين المصالح الآتية والمصالح البعيدة للنظام، دون أن تنسى – فى شخص كبار رجالها – أن تحصل لنفسها على نصيب محترم. ولم تكن لها القدرة على القيام بعملية الضبط والربط بهذا الأسلوب إلا بفضل طابعها البونابرتى وضعف الطبقة المسيطرة. والخلاصة أن آليات عملية التراكم فى الفترة الناصرية قد تغيرت جزئيا:

1- فاستمر دور رأس المال الأجنبى كمصدر للتراكم، بل وشهد نموًا نسبيًا خلال الستينات ، و لكن فى صورة قروض مشروطة بالطبع ، بالإضافة إلى المعونات الأمريكية و السوفيتية.

2-  واستمر تحويل الفائض من الريف إلى المدينة فدفع الفلاحون الصغار ثمنا باهظا- كما اعتادوا – للنمو الاقتصادى ، بدون مقابل .

3-  كما ظل التوزيع النسبى للعمالة بدون تغيير كبير.

 

المعدلات العامة للتراكم :[41]

أدى استمرار الآليات السابقة لعملية التراكم، رغم اتساع الدور الوسيط للدولة وكذلك دورها فى تحقيق الفائض، إلى استمرار المعدل العام للتراكم بالنسبة لحجم الفائض الاحتمالى، وحتى بالنسبة لحجم الفائض المتحقق كما هو.

وليس من الضرورى أن يرتبط معدل النمو بمعدل التراكم ،فإعادة إنتاج قوة العمل تتطلب معدلاً مناسبًا للاستهلاك تتلاءم مع درجة تطور المجتمع بوجه عام، وتعد هذه العملية ضرورة مطلقة لتحويل التراكم إلى إنتاج. ولذلك نعتقد بأن المعدل الأمثل للتراكم هو ذلك المعدل الذى يشكل نسبة من الفائض الاجتماعى تتلاءم إلى أقصى درجة مع معدل الاستهلاك الملائم فى الظروف الاجتماعية – الاقتصادية القائمة. ومن الملاحظ أن معدل التراكم فى مصر الناصرية كان يقل كثيرًا عن نسبة الفائض الكلى، الذى اتجه معظمه إلى الاستهلاك الترفى وكافة ألوان التبديد الأخرى. ومن الأمور الملفتة للنظر أن الدولة التى لعبت أكبر دور فى تحقيق التراكم خلال الخمسينات والستينات، هى التى لعبت فى الوقت نفسه أكبر دور فى تبديده .

وخلال الفترة تراوح معدل الادخار المحلى حول 12.25%[42]، ومعدل الاستثمار حول 15%[43] من الناتج الإجمالى بينما بلغ معدل زيادة الأخير ابان الفترة 4-5% سنويًا، أى أن هيكل توزيع الناتج بين الاستثمار والاستهلاك ظل ثابتًا، بل وكان من الأمور الملفتة للنظر أن معدل زيادة الاستهلاك فاق فى فترة معينة معدل زيادة الناتج ! ففى أوائل الستينات راح معدل الاستهلاك الكلى يتجاوز معدل النمو، فبلغت زيادة معدل الاستهلاك فى الفترة من 60-1965 : 46.9% بينما ارتفع الناتج الإجمالى بـ 37.1% حسب التقديرات الرسمية[44] ويقدره معظم الباحثين بأقل من ذلك (31.5% حسب تقدير هانسن)[45].

وقامت الحكومة بسد هذه الفجوة بالاقتراض من الخارج (كما لعبت معونات القمح الأمريكية دورًا كبيرًا):

 

جدول (69)

معدل الاقتراض السنوى : بالأسعار الجارية[46]

1960-1963

1954-1956

1968-1950

الفترة

67 مليون جنيه

32 مليون جنيه

6 مليون جنيه

معدل الاقتراض

 

وبذلك كان الاقتراض من الخارج يمول جزءًا من الاستثمار وجزءًا من الاستهلاك (خاصة من القمح). وهنا لعبت الدولة دورًا حاسمًا، بالاعتماد على الخارج لا بالاعتماد على تنمية المصادر المحلية أساسًا، وبدلاً من تجميع الفائض الاحتمالى ،أى خفض معدل التبديد و السفه الاستهلاكى و إهدار الموارد، الذى يزيد بالتأكيد كثيرًا عن الفائض المتحقق كما يزيد عن معدلى الاستثمار والادخار ! . وهذه الحقيقة وحدها تشير إلى أن الناصرية لم ُتجر تحويلا جذريا للبناء الاجتماعى –الاقتصادى .

 لم يكن الإغراق فى الديون ينتظر نهاية، فمعدل الاقتراض كان متزايدًا، كما انتهت خطط الدولة بشبح الكارثة الاقتصادية. ولذلك نستطيع أن نقرر أن دور الدولة فى تجميع الفائض لم يؤد إلى زيادة حقيقية فى معدل التراكم العام ولا إلى تغيير جذرى فى مصادره الاجتماعية  كما سبق أن رأينا. ويتأكد هذا حين نتذكر أن الضغوط الناجمة عن الديون وعجز ميزان المدفوعات قد عرقلت من عملية التنمية حتى بلغ معدل النمو نسبة سلبية فى 1967، أى أن معدل التراكم العام المرتفع نسبيًا ابان الخطة الخمسية (بالنسبة للفترة السابقة مباشرة، أى 1955-1960) عاد وانتكس بسرعة، خاصة مع توقف المعونات الأمريكية.

ويرتبط معدل التراكم العام بآليات عملية التراكم، فعملية تعبئة الفائض تمت عبر جماعات من ملاك الأراضى ومقاولى الأنفار والسماسرة والمقاولين والمغامرين من كل صنف، وفى المقدمة كان الدور الخاص للبيروقراطيين المرتبطين على نحو وثيق بهذه الفئات ماديًا وسياسيًا، عوضا عن ارتباطهم بجهاز دولة فاسد ويعمل بآليات متخلفة، ورجعية وتنحصر طموحاته فى مجرد البقاء وتسكين الصراع الاجتماعى و السياسى. وكل هذا يرتبط بشكل واضح بميل قوى للاستهلاك الترفى سواء بواسطة أفراد الطبقة المالكة أو رجال الدولة، وبزيادة ضخمة فى استهلاك دولة قمعية ، علاوة على عجز الطبقة المسيطرة عن استخدام ما يتبقى لديها من فائض قابل للتراكم وتبديد أجزاء منه أثناء عملية الاستثمار نفسها. وصاحب عملية تبديد الفائض من الثروات المادية عملية أخرى التحمت بها عضويًا، هى تبديد قوة العمل. فنجد مثلاً أن معدل زيادة العمالة يقل عن معدل زيادة عدد السكان (لم يحدث العكس إلا بعد سقوط الناصرية). كذلك تناقصت نسبة السكان العاملين لمجموع عدد السكان:


 

جدول (70)

القوة العاملة بالنسبة لعدد السكان[47]

نسبة العمالة إلى عدد السكان (%)

 

السنة

36

1947

30.1

1960-1965

28

1966-70

    

أما العمالة المنتجة للفائض فقد تقلصت نستبها من العمالة الكلية كالآتى :

 

جدول (71)[48]

نسبة العمالة المنتجة للفائض من العمالة

الكلية %

السنة

67.2

59-1960

66.6

65-1966

65

69-1970

63.2

1974

 

أما نسبة العاملين فى الزراعة والصناعة فلم تنخفض انخفاضًا ملحوظًا (60.8% عام 1947،  60.75% عام 1960،  60.6% عام 1966[49].

كما بلغ معدل امتصاص الصناعة للعمالة أقل معدل خلال الفترة الناصرية:


 

جدول (72)

معدل امتصاص الصناعة للعمالة سنويًا:

المعدل السنوى%

الفترة

20[50]

1937-1960

18[51]

1960-1970

16[52]

1960-1965

 

بالإضافة إلى ذلك تقلص معدل التشغيل عمومًا بالنسبة لعرض قوة العمل، مما يعنى أن البطالة السافرة تزايدت باستمرار.

جدول (73)

معدل التشغيل بالنسبة لعرض قوة العمل[53]

90  %

1947

73%

1960

63  %

1970

 

 

 النتائج النهائية لعملية التراكم:

 انطوت – كما رأينا -  آليات تجميع الفائض وإنفاقه على تبديد هائل. ويمكننا أن نحدد الميل العام للتراكم إذا قارنا بين توزيع الاستثمارات الكلية ومعدلات نمو رأس المال الدائم بين مختلف القطاعات. وفى بلد يدعى حكامه أنه  بلد نام و فى حالة تطور سريع وعدد سكانه كبير ، ينبغى أن يتجه الميل العام للتراكم لصالح القطاعات المنتجة للفائض ( مع ملاحظة أن هذا البلد لا يبيع خدمات للخارج بحجم هام  !) . وفى حالة تعبئة الفائض الفعلى – علاوة على الفائض الاحتمالى– لا ينبغى أن تحصل القطاعات الخدمية الا على الحد الأدنى الضرورى لكى يُوجَّه أقصى ما يمكن إلى عملية التراكم، بحيث يتحقق أعلى معدل ممكن للتراكم – الإنتاج. ويوضح لنا الميل العام لعملية التراكم حركة بنية الاقتصاد ككل، وبالتالى يحدد وظيفة كل قطاع فى حركة البنية ودوره فى امتصاص الفائض المولد، والنشاط العام للطبقة التى تملك الثروة، والطابع العام لعملية النمو الاقتصادى. ويتحدد لدينا من جراء تحليلنا لاتجاه عملية التراكم مدى عمق تحولات السياسة الاقتصادية والى أى مدى بلغت التحولات الاجتماعية. والأرقام الصماء لا تعد مفيدة بحد ذاتها ما لم نتناولها على ضوء تحليل البنية الاقتصادية وآليات عملها. لذا فتحليل الميل العام للتراكم ما هو إلا عملية وضع النقاط فوق الحروف بالنسبة لحركة وآليات عمل الاقتصاد.  والظاهرة التى تسم الاقتصاد فى مصر الحديثة تلخصت فى نمو الاقتصاد كما أسلفنا نموًا مركبًا (متخلفًا). وفيما يتعلق بالتراكم اتسمت إعادة إنتاج التخلف بالتوسع النسبى المتزايد للقطاع الاقتصادى غير المنتج للفائض – فضلاً بالطبع عن اتساعه المطلق،  وأما داخل القطاع المنتج فلم يحدث تراكم يُذكر فى مشاريع إنتاج التكنولوجيا ، أو حتى إشباع الحاجات الأساسية، بل استمر التراكم يصب (بالنسبة للقطاع المنتج) فى مشروعات إحلال الواردات والإنتاج التصديرى.

وقد ظهرت أوهام عديدة حول "التنمية الثورية" فى العهد الناصرى وتصورات حول الدور البيروقراطى المزعوم فى بناء صرح صناعى. وسوف نتناول الأمر بالتحليل فيما يلى:

 

طوال الفترة الناصرية كان معدل تراكم رأس المال الدائم فى الصناعة يقل كثيرًا عن معدل الربح الصافى :

 

جدول (74)[54]

معدل تراكم رأس المال الدائم فى الصناعة%

السنة

ـــ 2

1945

3.6

1946

7.3

1947

12

1948

10

1949

10.3

1950

8.8

1951

6.5

1952

3

1953

4.45

1954

9.2

1955

7

1956

0.42

1957

4.5

1958

4.3

1959

2.35

1960

0.18

1961

3.9

1962

5.9

1963

2.3

1964

2.7

1965

3.75

1966

1.5

1967

 

وقد بلغ معدل الربح خلال الفترة من 45-1950 نحو 20% وارتفع بعد 1952 إلى نحو 35%.

أما فى الزراعة حيث كان معدل الربح أكثر ارتفاعًا بالنسبة للصناعة  فقد بلغ معدل تراكم رأس المال الدائم النسب التالية:

جدول (75)[55]

معدل التراكم %

السنة

0.1

1952

1.6

1953

2.3

1954

3.2

1955

2.2

1956

1.6

1957

1.5

1958

2.7

1959

2.9

1960

2.3

1961

7.4

1962

7.4

1963

5.1

1964

5.4

1965

4.3

1966

3.8

1967

 

ويعود ارتفاع معدل التراكم نسبيا  فى الستينات إلى الاستثمارات فى السد العالى. وإذا افترضنا أن معدل الربح فى الزراعة 20% (نسبة متواضعة جدًا) وبفرض ثبات التركيب العضوى لرأس المال وتساوى معدل تراكم رأس المال الدائرCirculating  ( المخصص للخامات و خدمات الإنتاج الأخرى  ) والمتغير Variable( المخصص لدفع الأجور ) مع معدل تراكم رأس المال الدائم المذكور أعلاه يتضح أن كمية ضخمة من الفائض كانت تحول سنويًا من الزراعة، أو تُبدد، تعادل 100 مليون جنيه سنويًا زائد نسبة من مجموع رأس المال الدائر والمتغير حسب نسبتها فى رأس المال الكلى. وإذا طبقنا نفس الشروط على الصناعة فيكون المحول منها سنويًا ما يأتى (بالإضافة إلى نسبة أخرى من مجموع رأس المال الدائر والمتغير):


 

جدول (76)

كمية الفائض المبدد أو المحوَّل سنويًا من قطاع الصناعة بالمليون جنيه

(بالأسعار الثابتة لعام 1960)[56]

القيمة المحولة سنويًا

السنة

31.6

1945-1950

60.7

1952-1956

98.00

1957-1960

85.00

1961- 1965

 

وللإنصاف  كان من المحتمل أن يُستهلك جزء من الفائض الزراعى بواسطة صغار الملاك (يملكون 35% من الأرض عام 1952 ارتفعت إلى 57% بعد ذلك) ولكنه يقل طبعًا عن نسبة ما يملكون من أرض، حيث أن ملكيتهم القزمية لا تمكَّنهم من إنتاج فائض، اللهم إلا بالنسبة للملاك المتوسطين، حيث يمكن أن ينتجوا كمية محدودة من الفائض. وبهذا الشكل يكون استهلاك وتبديد رجال الأعمال وملاك الأراضى زائد استثماراتهم فى الأنشطة الوسيطة كبير للغاية، يضاف إلى ذلك – وهذا أمر ذو مغزى – أن الدولة نفسها كانت تقوم بنفس العمل: استهلاك ترفى، "استثمار" واسع خارج الإنتاج:


 

جدول (77)

أنصبة القطاعات من الاستثمارات بالأسعار الجارية %[57]

 

متوسط65/66 -66/67

 

متوسط59/60 -64/65

 

متوسط57/58 -59/60

 

متوسط 52/53 -56/57

 

السنة

 

21.8

23.4

 

14.9

 

11.4

 

الزراعة

27.4

 

26.6

 

 

25.7

23.8

الصناعة

 

17.1

7.4

 

 

4

6

 

الكهرباء

13.4

 

19.3

 

18.8

14.1

المواصلات

 

12.5

10.7

 

23.1

32.5

الإسكان

6.3

 

10

 

12.1

 

9.8

 

الخدمات

 

1.5

 

2.6

 

1.4

 

1.8

 

أخرى

 

 

والاكتفاء  بالجدول  يعطى نتائج خادعة؛ فالجانب الأعظم من الاستثمارات فى الزراعة والصناعة لا يعتبر فى الحقيقة استثمارًا جديدًا، لأنه يوجَّه جزئيا للإحلال والتجديد. فإذا أخذنا هذا بالاعتبار نجد المفارقات التالية:

جدول (78)

التراكم السنوى فى الصناعة التحويلية (مليون جنيه) [58]

 

الآلات فقط

التراكم الصافى السنوى

الاستثمارات السنوية

السنة

12

19.6

26

1945-1950

13.6

25.3

43

1952-1956

8.2

8

53

1957-1960

6.3

7.6

60

1961-1965

 


 

جدول (79)

التراكم فى الزراعة وتربية الحيوان بأسعار سنة 1960 ( مليون جنيه )[59]

التراكم الصافى السنوى

 

الاستثمارات السنوية

 

السنة

بدون تربية الحيوان

الكلى

بدون تربية

الحيوان

الكلية

5.3

6.4

5.6

32.3

1945-1950

9.7

7.5

15.1

32.7

1951-1955

11.3

13.1

19

32

1956-1960

44.7

46

52

78

1961-1965

 

وتشير الفجوة الكبيرة المذكورة فيما سبق بين معدل التراكم فى الزراعة والصناعة ومعدل الربح إلى أن الجزء الأكبر من الفائض كان يتجه إلى الأنشطة غير المنتجة للفائض، بالإضافة إلى التبديد و الاستهلاك الترفى لأفراد النخبة والطبقة المسيطرة. وليس من الأمور المنطقية افتراض أن أرباح القطاع غير المنتج – التى لم نتناولها – تحول إلى القطاعات المنتجة، لسبب بسيط، هو اننا قد حددنا معدل التراكم الصافى بغض النظر عن مصدره، كما افترضنا – حتى لا نتجنى – أن مصدره الوحيد هو نفس القطاع (زراعة أم صناعة)، وفى إطار هذا الفرض ظل معدل الربح أعلى من معدل التراكم بعدة أضعاف !

     وهذا التفاوت يعطينا فكرة واضحة إلى حد بعيد عن اتجاه عملية التراكم وعن الدور الفعلى لقطاع الإنتاج فى عملية التراكم. فلم يكن نقطة تجميع لرءوس الأموال أكثر منه مصدرًا للفائض، الذى يدور معظمه خارج عملية الإنتاج. وفى ا لنهاية تصبح عملية إعادة الإنتاج عملية موسعة لإعادة إنتاج بناء اقتصادى مختل، يقوم الإنتاج فيه – موضوعيًا – بدور حلقة وسيطة فى عملية الدوران. ويبدو رأس المال الصناعى فى هذه الحالة كمجرد جزء من رأس المال التجارى (الذى يعمل فى كافة الأنشطة الوسيطة، بما فيها تأجير العقارات والأراضى). والحقيقة النهائية لعملية التراكم فى مصر الناصرية هى أن المصب النهائى لها هو النشاط التداولى.

 والنمو الكبير فى القطاعات الثالثية  ما لم يكن مرتكزًا على نمو ملائم فى القطاعات المنتجة، يكون نموًا سرطانيًا، أى يتم على حساب عملية الإنتاج (الاحتمالية). وقد شهدت مصر الناصرية هذا النوع من النمو. وإذا كان عملية التنمية نفسها (تنمية التخلف) تعد مسئولة بدرجة أو بأخرى عن هذه الظاهرة، فإدارة النظام هى التى تتحمل هذه المسئولية. وعلى سبيل المثال كان تضخيم قطاع الخدمات مقصودًا لخدمة الأغراض السياسية للدولة. وقد أكدت  الأبحاث أن اتجاه ثلث الزيادة فى الدخل إلى قطاع الخدمات وحده خلال الفترة الناصرية يعود أساسًا إلى زيادة عدد الموظفين [60] وقد ترافق بالطبع مع ذلك الميل لتراكم رأس المال ميل إلى زيادة البطالة والعمالة الزائدة والعمالة فى الأنشطة الهامشية على نطاق واسع للغاية.

والخلاصة النهائية بصدد الميل العام لعملية التراكم فى مصر الناصرية هى أن هذه العملية لم تسر بحيث تحقق أعلى معدل ممكن للنمو، عمومًا، بل على العكس، عرقلت – بالشكل الذى تمت به – عملية نمو القطاعات المنتجة سواء من حيث رأس المال أو العمالة، لصالح كل من الأنشطة التداولية وتهميش السكان، مؤدية بالتالى إلى تبديد هائل للفائض (شاملاً قوة العمل ).

وهذا الأمر الأخير يكشف لنا تمامًا أن الناصرية  لم تستطع – ولم تحاول أصلاً – تحقيق أى معدل ممكن لتطور القوى المنتجة والذى يتم أساسًا من خلال تعبئة الفائض الفعلى والاحتمالى بالذات فهذا الأخير يتضمن إمكانيات التطور. وفى ظل تبديد بشع للفائض الفعلى لا يمكن انتظار تعبئة الفائض الاحتمالى، خاصة أن نمو البطالة سار على قدم وساق كنتيجة لا لزيادة الميكنة، بل لضعف النمو  الاقتصادى.

 

دور الدولة فى تحديد الاتجاه العام للتراكم:

تبرز المعطيات السابقة فكرة محددة ؛  فالدولة لم تغير الميل العام للتراكم، ولكنها قامت ببعض التعديلات الجزئية، كان أهمها على الإطلاق تحويل التراكم من قطاع الإسكان إلى السد العالى، وتوسيع وتعميق قناة السويس. أما فى مجال الصناعة فقد ضغطت الدولة وساعدت – كدور بديل عن دور رأس المال الأجنبى الخاص – على تحويل التراكم جزئيًا من الصناعة الاستهلاكية التقليدية إلى صناعة السلع المعمرة والسلع الوسيطة . وقد وجهت الدولة   ضربات قوية لقطاع   بناء المساكن،. وكان قرارها بهذا الشأن  بديلاً عن عجزها عن تجميع مزيد من الفائض الفعلى (والاحتمالى)، لتوجيهه الوجهة التى رأت أنها ضرورية. وكان من الممكن أن يكون لهذا العمل  معنى تقدميًا لو أن هذا التقييد قد تم لصالح عملية تنمية فعالة قادرة على العطاء فى المستقبل بحيث يتم حل مشكلة الإسكان التالية فى سياق تطور عام.. والدور المفتقد، والذى نظن أنه كان يمكن أن يقود إلى تغيير كبير يتلخص فى الضغط  لتغيير نمط الاستهلاك ،  و الأهم : الثقافة السائدة لصالح ثقافة عقلانية وأكثر انفتاحا و ديناميكية  . كذلك تطلب الأمر وضع الاقتصاد فوق السياسة أو على الأقل موازيا لها و ضرب الفساد و الأنشطة الطفيلية و السفه الاستهلاكى ( و هى أمور تتطلب أول  ما تتطلب استقالة الحكومة الناصرية نفسها! ).

وأخيرًا، لم تكن عملية التراكم تتم فى شكل رأسمالى خالص، . فاستمرت آليات عملية التراكم تتضمن فى جوهرها أشكالاً قبل رأسمالية (تحقيق أرباح بوسائل قبل رأسمالية) ،  فقد كانت عملية النمو نموًا للتخلف، إذ مثل نهب الفلاحين الفقراء المصدر الرئيسى للفائض .كما كان نمو  الصناعة يساوى نمو ظاهرة التاجر – الصناعى :  فقد  قدمت قطاعها "العام" هدية للطفيليين و اللصوص و السماسرة .و عكس ما يبدو من نمو للعمل المأجور ، تحول الكثير من العمال إلى عاطلين مقنعين و طفيليين على القطاع "العام" و أصحاب أعمال صغيرة أغلبها طفيلى و تداولى .

 

ثالثًا : آليات إعادة إنتاج التخلف

تمهيد:

سبق أن تناولنا بالتحليل محتوى السياسة الاقتصادية الناصرية، خاصة ابان فترة ازدهارها على الصعيد السياسى والاجتماعى (52-1965). وقد انتهينا إلى نتيجة تتلخص فى أن هذا المحتوى قد تمثل فى تنمية التخلف، بالإضافة إلى أن هذه التنمية نفسها كانت محدودة بالقياس إلى :

1-ما تم تحقيقه خلال "عقدى التنمية" فى بلدان متخلفة أخرى بواسطة رأس المال الأجنبى الخاص مباشرة.

2- طموحات (أو بالأصح: أمانى) النخبة الناصرية نفسها.

     ولكننا الآن بصدد بحث الآليات التى تمت بها عملية التنمية تلك. وبدايةً نعيد إيجاز التحولات التى جرت فى البنية الاقتصادية المصرية ابان الفترة التى نتناولها بالدراسة:

1-  نما الطابع النقدى للاقتصاد، خاصة فى تلك المناطق التى لم يكن الشكل البسيط للتبادل قد اختفى فيها بعد.

2-  تقلصت درجة الاعتماد على محصول وحيد فى التصدير، فجرى استبداله – جزئيًا – بصادرات زراعية أخرى، وكذلك بالغزل والمنسوجات.

     كذلك شهد الاقتصاد قدرا أكبر من التنوع. ومع ذلك لم تختف ظاهرة سيادة المحصول الواحد فى الصادرات كأحد سمات الاقتصاد.

3-  أدت سياسة إحلال الواردات فى الصناعة إلى اختناقات خاصة بالتمويل وميزان المدفوعات.

4-  استمر نمو ظاهرة البطالة و التهميش، ولم تنجح قطاعات الإنتاج السلعى فى امتصاص نسبة يُعتد بها من فائض العمالة، والتى تحول جزء كبير منها إلى بطا لة مقنَّعة فى الحكومة وقطاع الدولة الاقتصادى.

5-  استمرت السمة الأهم والأكثر جوهرية لاقتصاديات التخلف كما هى، وازدادت عمقًا، وهى استمرار الطابع المركب للنمو.

    

     وليس من شك فى أن ضربات  قد وجَّهت لأشكال قد تعبر عن سيطرة امبريالية مباشرة، التى كانت متمثلة فى شركة قناة السويس ، وشروط مجحفة للقروض والمعونات التى عادة ما تُفرض على البلدان المتخلفة (وهذه لم تتغير بالكامل خلال الفترة الناصرية)، ولكن هذا لم يمنع من استمرار عملية تنمية التخلف.

     وما نود أن نبرزه فيما يلى هو أن الامبرياليين لم يتوقفوا – ولم يكن هذا ممكنا فى ظل موازين القوى السياسية والاقتصادية – عن لعب الدور الرئيسى فى إعادة إنتاج التخلف فى مصر الناصرية، وإن بأشكال أقل فجاجة من ذى قبل.

أ – إعادة إنتاج نمط الاستهلاك التابع

سبقت لنا مناقشة هذه العملية خلال تحليلنا لدور إحلال الواردات. وخلاصة القول ان بقاء البنية الاجتماعية كما هى من حيث الجوهر قد أدى إلى استمرار وجود نمط الاستهلاك التابع [61]، وتدعيمه بواسطة السياسة الاقتصادية للناصرية، التى أخذت على عاتقها زيادة الدخل على نفس الأسس القائمة.

 

ب- إعادة إنتاج بنية التخلف :

* استمرار وتعميق التبعية التكنولوجية:

 

ما لا يوضع فى الاعتبار عادة – وهذا ما سنوضحه بعد قليل – هو أن الدولة الناصرية لم تستطع أن تطبق خططها التصنيعية إلا بالدعم المباشر من رأس المال الغربى، ولكنها من أجل تقديم نفسها فى صورة عدو للامبريالية لجأت على صعيد الإعلام إلى تفخيم دور الدعم السوفيتى فى تنفيذ خططها الصناعية على حساب الدعم الغربى الضخم. وسوف نسوق فيما يلى مدى وآليات الاعتماد التكنولوجى على الغرب من قبل طبقتنا المسيطرة. وسوف تكون مصادفة طريفة أن نعتمد بشكل أساسى على باحث سوفيتى متعاطف مع الناصرية[62] .

اعتمدت الصناعة المصرية حتى عام 1960 على التكنولوجيا المستوردة من البلدان الرأسمالية بنسبة 100%، أما خلال سنوات الخطة الخمسية فقد قامت الدول الرأسمالية بتوريد 60-70% من احتياجات مصر من الأجهزة والماكينات[63]. أما عن استخدامات القروض الرأسمالية فى سنوات التنمية فيوجزها الكاتب السوفيتى كما يلى:

1- الولايات المتحدة: مولت قروضها بشكل أساسى شراء المواد الغذائية من الولايات المتحدة نفسها، ولكن ابتداء من 1960 أولت اهتمامًا متزايدًا بتمويل الصناعة المصرية. ففى 1960 أقرضت مصر لتوسيع مصانع ادفينا الغذائية للمواد المحفوظة، وفى 1962-1963 مولت مصنع السيلوفان بثلاثة مليون دولار، كما دفعت 30.6 مليون دولار لإنشاء محطة كهرباء غرب القاهرة بطاقة 261 ألف كيلو وات ساعة. وقامت الشركات الأمريكية بتقديم الخبرة والتكنولوجيا اللازمة لمصانع الورق والتلفزيون ومحطة كهرباء غرب القاهرة وعمليات التنقيب عن البترول[64]. وقد مثلت المعدات والماكينات عام 1966 : 20.6% من الواردات القادمة من الولايات المتحدة، وفى 1970 شكلت 37% منها.

2- ألمانيا الغربية: لعبت  دورًا كبيرًا فى تمويل إنشاء الصناعة فى مصر الناصرية وقدمت الشركات الألمانية من الخبرة ما يجعلنا نعدها مع إيطاليا صاحبتا أكبر فضل فى نمو الصناعة خلال تلك الفترة. وقد ساهمت ألمانيا فى إنشاء الصناعات التالية : 20% من رأسمال شركة الحديد والصلب ، شركة كيما، محطة كهرباء شمال القاهرة، محطة توليد كهرباء بأسيوط، وأخرى بدمنهور، مصنع لتجميع سيارات النقل والأتوبيس وشركات الديزل وسيارات الركوب الصغيرة، تطوير خطوط السكك الحديدية وكهربة خط حلوان/القاهرة، ترسانة السفن ببورسعيد، مصنع الأسمدة فى أسوان، التنقيب عن البترول، مصانع نسيج ، محطات لضخ مياه الشرب والرى، تطوير نظم الرى بكوم أمبو. يُضاف إلى ذلك مساهمتها فى إنشاء عدد كبير من الكبارى على النيل، ومشاريع أخرى. وفى عام 1964 كان يوجد فى مصر عدد قدَّره عبدالناصر بثلاثة آلف خبير من ألمانيا الغربية يعملون أساسًا فى المصانع الحربية[65]، وقد بلغت نسبة واردات الآلات من مجمل الواردات من  ألمانيا   :

جدول (80) (بالأسعار الثابتة لعام 1960)

واردات الآلات من ألمانيا

 من مجمل الواردات %

السنة

55

1966

43

1970

 

وقد استمر التعامل بين مصر والشركات الألمانية بعد قطع العلاقات والمعونات عام 1965 عن طريق شركات سويسرية وإسبانية تمول بواسطة الشركات الألمانية.

3- إيطاليا: ساهمت الشركات الإيطالية فى امداد الفروع التالية بالآلات والتكنولوجيا ورأس المال: السيارات (فيات)، البترول، البتروكيماويات، المنسوجات، الصناعات الكيماوية، الصناعات الغذائية. بالإضافة إلى ذلك ساهمت فى استصلاح 290 ألف فدان. وقد بدأت هذه المساعدات ابتداء من 1959 طبقًا لاتفاقية رسمية للتعاون الاقتصادى. وقد بلغت نسبة الآلات من الواردات المصرية من إيطاليا نحو 20%

4-  بلدان رأسمالية أخرى: ساهمت بريطانيا وفرنسا وسويسرا واليابان فى إمداد صناعة المنسوجات والصناعات الكيماوية والأسمنت والأدوية والصناعات الغذائية بالتكنولوجيا. وقد بلغت نسبة الآلات من الواردات المصرية من بريطانيا 40% عام 1968، ومن اليابان 35-40%فى 1961-1966.

وقد بلغت قيمة الواردات من الآلات والماكينات ما يلى:[66]

جدول (81)

(مليون جنيه مصرى)

 

الدول الاشتراكية

 

الدول الرأسمالية

 

الدولة

 

السنة

21.1

 

44.9

 

1961

 

 

47.4

71.1

1866

 

25.3

30.1

1969

31.8

40.7

1970

125.6

 

186.8

المجموع

 

 

وبالإضافة إلى ذلك اعتمدت مصر على البلدان الرأسمالية فى استيراد الكيماويات العضوية والصوف والأصباغ والمستحضرات الطبية كلها تقريبًا.

أما فيما يتعلق بأزمة السد العالى فقد سبق أن حللنا طابعها السياسى البحت. ولا شك أن مساهمة الغرب فى  إنماء الصناعية المصرية يظل مع ذلك محدودًا بالنسبة لمساهمته فى بلدان أخرى أكثر ولاء له، مثل بلدان أمريكا اللاتينية وشرق آسيا و ايران.  وقد جاءت عملية "التصنيع"  فى مصر والعالم المتخلف ككل تامة الانسجام مع آثار الثورة الصناعية الثالثة فى العالم الرأسمالى، التى تمثلت فى التطوير الهائل لصناعة السلع فائقة التطور والتى باتت تحتاج إلى توسيع الأسواق فيما وراء البحار. أما الدعم السوفيتى فى مجال الصناعة فقد وُجه لتشجيع نفس نمط  التنمية الحال محل الواردات، أى لتنمية التخلف، ولم يختلف فى توجهاته قط مع الدعم الغربى.

مجالات المساعدة الفنية السوفيتية:

صناعة مواد البناء.

الصودا الكاوية.

غزل القطن.

تجميع الراديو والتلفزيون.

تجميع عربات السكك الحديدية والموتوسيكلات.

التعدين.

مطاحن الدقيق ومضارب الأرز.

الخزف – تكرير البترول.

مشاريع الكهرباء.

السد العالى.

استصلاح الأراضى.

الصلب ابتداء من 1968-1969.

 

وقد استحوذت صناعة التعدين و"الآلات" على الجانب الأكبر من القروض السوفيتية الموجهة للصناعة (93% منها)[67]

وقد مولت القروض السوفيتية 15% من الاستثمارات الصناعية فى خطة 1960-1965، بينما موَّلت القروض الرأسمالية حوالى 20% منها (103 م.ج. مصرى).

والنتيجة المستخلصة هى أن الناصرية قد استطاعت أن تقلل من اعتمادها على التكنولوجيا المستوردة من الغرب، إلا أن البديل الجزئى كان هو الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة من شرق أوروبا لا المنتجة فى الداخل، وقد خدمت تلك التكنولوجيا نفس نمط تنمية المتخلف . وربما تمثلت الفائدة التى عادت على اقتصاد البلاد فى الوسيلة الأفضل لسداد القروض السوفيتية وفى انخفاض معدل الفائدة عليها وهى كما هو واضح مكاسب كمية.

وقد ارتبطت التبعية التكنولوجية بنمط التنمية نفسه، أى بالتبعية البنيوبة، بل نستطيع أن نقول إن التبعية التكنولوجية قد ازدادت عمقًا مع ازدياد حجم البنية وتعميق طابعها المركب. وبرغم تقليل الاعتماد الكمى على الغرب فى استيراد التكنولوجيا، فقد ازداد عمق التبعية له بقدر تطوير الصناعة المحلية ونمو حجمها، للأسباب التالية:

1-  نمو حجم القطاع الحديث المعتمد على استيراد التكنولوجيا .

2-  الإحلال محل الواردات على نطاق واسع يحمل فى المستقبل تبعية أعمق للسوق العالمى، أى للرأسمالية بالذات.

3-  الاعتماد على تكنولوجيا أرقى باستمرار مستوردة دائمًا يجعل إمكانية التخلص من التبعية أكثر صعوبة.

 

* استمرار التبعية المالية:

فى 1948، كان رأس المال الأجنبى يمثل 60% من الاستثمارات القائمة فى الشركات المساهمة، وفى الوقت نفسه كان الدين العام قد ُصفى تمامًا وأصبح لدى مصر أرصدة استرلينية ضخمة لدى بريطانيا، ولم تعد مدانة لأحد. وبعد عامين فقط بدأت مصر تتلقى المعونة الأمريكية، وبعد سنوات قليلة أخرى كانت قد استنفذت كل أرصدتها وراحت تتلقى المعونات والقروض من كل صوب وحدب. ورغم تأميم الشركات الأجنبية لم يتأخر العالم المتقدم كله عن تدعيم الناصرية سوى لفترات قصيرة تلت تأميم قناة السويس. واستؤنف تقديم المعونات بعد إتمام الوحدة المصرية – السورية حتى أصبحت مصر من أكثر الدول تلقيا للمعونات فى  العالم[68].

و بعد تأميم الشركات الأجنبية فى 1957  حلت القروض  محل الاستثمار المباشر لرأس المال الأجنبى؛ فأصبحت هى الشكل السائد لاستيراد رأس المال. وقد تدهورت نسبة مشاركة رأس المال الأجنبى فى الاستثمارات من 16% عام 1948 إلى 8.8%[69] فى الفترة من 1952-1954، نظرًا لامتناع رأس المال الأجنبى الخاص عن الورود، ولكنها عادت إلى الارتفاع لتبلغ 27.5% ابان سنوات 1960-1965[70]، واستمر هذا الارتفاع بعد ذلك  بسبب زيادة معدل الاقتراض.


 

جدول (82)

حجم القروض المقدمة من الدول الرأسمالية

(بالمليون جنيه – سعر ثابت)[71]

1/1/1970

1/1/1967

1/1/1963

1/1/1961

القروض (*)

1647.6

1515.9

610.4

420.7

الإجمالى

852.4

772.8

369.9

214.2

اجمالى الدول الرأسمالية

297.8

297.8

87.6

68.1

الولايات المتحدة

141.9

122.8

72.5

41.1

ألمانيا

142.5

133

79.6

34.3

إيطاليا

21.2

21.2

17

17

اليابان

13.7

11

25.4

5.4

إنجلترا

33.9

33.9

10

10

فرنسا

6.7

6.7

5.3

5

هولندا

5

6

4

4

سويسرا

14.4

8.6

3.3

3.3

السويد

2

2

-

-

كندا

28.4

16.5

7.5

6.3

أخرى

24,6

 

24,6

19,7

19,7

البنك الدولى

120.3

89.7

38

ـــ

صندوق النقد الدولى

* مع استثناء االقروض قصيرة الأجل.


 

جدول (83)

تطور حجم المساعدات الأمريكية (م.ج. مصرى)[72]

 

الغذائية وفقا للقانون 480

الأمريكى

 

المساعدات الكلية

السنة

84,3

143

1952 – 1958

57,2

71,7

1959

80,9

110,9

1960

102,3

127

1961

217,3

258,9

1962

429,3

472,9

1963

170

170

1964

55,6

55,6

1965

37

37

1966

 

وقد قفزت المعونات  الأمريكية ابتداء من عام 1959 قفزة هائلة، وهو العام الذى بدأت فيه الناصرية حربها الصليبية ضد الشيوعية فى الشرق الأوسط.

و قدُمت معظم هذه القروض بفوائد متوسطة (5-7% قبل 1963، 3-5% بعد1963)، بل قدمت القروض السويدية بدون فوائد كما أن صفقات القمح الأمريكية قدمت ابتداء من 1955 بفائدة (ثلاثة أرباع%) مع فترة سماح 3 سنوات وفترة تسديد 30-40 سنة مع دفع 75% منها بالجنيه المصرى، وذلك وفقًا للقانون 480 الأمريكى[73].

ونلاحظ أن معظم القروض الغربية كانت طويلة الأجل (بلغت 30-40 سنة بالنسبة
ل73% من القروض الأمريكية)

وبرغم جهود الناصرية فى عملية التنمية فانها لم تستطع أن تزيد من معدل الادخار المحلى، الذى ظل يتراوح حول 12 % طوال الفترة  الناصرية كما أسلفنا .  

وإذا أخذنا فى الاعتبار أنه قد تم استهلاك 200 مليون جنيها من الأرصدة الاسترلينية فى الفترة من 1952-1962[74] وفرت حتما من النفقات الحكومية المختلفة ، لتبين أكثر مدى عجز الناصرية (الداخلى) عن تجميع الفائض.

ويضاف إلى هذا الدعم من البلدان الرأسمالية، دعم من البلدان الاشتراكية ، فبلغت القروض السوفيتية وقروض أوربا الشرقية مايلى:


 

جدول (84)

حجم القروض من البلدان الاشتراكية

إلى مصر والهند والصين (مليون دولار)[75]

الدولة الدائنة

 

إجمالى

أوربا الشرقية

الاتحاد السوفيتى

الدولة المدينة

1839

641

1198

مصر
(حتى 1971)

1975

382

1593

الهند
(حتى 1971)

1750

ــــــــ

1750

الصين

(حتى 1961)

 

وقد بلغت نسبة التمويل الأجنبى فى خطة 1960-1965، والتى تعد أكبر محاولة للتنمية قام بها النظام الناصرى إطلاقًا 27.5%، بينما كان المقدر أصلاً أن تكون 45% من مجمل الاستثمارات.


 

جدول (85)

المساعدات الخارجية فى الخطة الخمسية ( مليون جنيه)[76]

من الدول

الرأسمالية

من الدول

الاشتراكية

إجمالى

المساعدات

مجموع

الاستثمارات

الاستثمارات

207.4

210

417.4

1513

كلية

20

54

74

355

إنتاج زراعى *

103

133

236

516.5

صناعة **

66

17

83

294.2

نقل ومواصلات

18.4

6

24.4

347.3

أخرى

* تشمل الرى والصرف والسد العالى.

** تشمل محطة كهرباء السد العالى وخطوط الكهرباء.

 

وبالمقارنة مع بقية بلدان العالم الثالث  نجد أن الأخيرة ككل اعتمدت بدرجة أكبر على مدخراتها المحلية (85%)[77]

وترجع زيادة الميل إلى الاعتماد على التمويل الخارجى فى شكل قروض  إلى:

1- الإهدار الكبير للموارد و ارتفاع التكلفة عموما 

2-  عجز النظام عن تجميع المدخرات المحلية والفائض المبدد والإسراف فى الإنفاق العام، الذى بلغ 26% من الناتج القومى عام 1965 (20% عام 1960).

3-  امتناع رأس المال الأجنبى عن الاستثمار المباشر فى السوق المصرى، إلا فى أضيق الحدود.

كذلك كان للدعم السوفيتى دورغير مباشر فى دفع البلدان الرأسمالية إلى تقديم المعونات لمصر الناصرية، ولكن ضخامة حجم المعونات الغربية لا يمكن تبريره بهذا العامل وحده (الذى يمكن اعتباره أحد أسباب الشروط الميسرة للقروض الرأسمالية). وإذا كانت شروط تصدير التكنولوجيا ورأس المال إلى مصر ابان فترة 1952-1967 أكثر يسرًا عما قبلها فانها لم توجه إلا إلى المجالات التى تخدم فى النهاية دورة رأس المال الصناعى فى البدان الرأسمالية، بمعنى محدد، هو تنمية ( و الأفضل أن نقول : إنماء )  الاقتصاد المصرى مع الاحتفاظ بتخلفه، بل وتعميقه: الصناعة الحالة محل الواردات، مشاريع البنية الأساسية اللازمة لهذا نفسه. وبالإضافة إلى ذلك ساهمت معونات القمح الأمريكية كثيرًا فى مداراة أزمة الغذاء المستفحلة، والتى نتجت أساسًا عن نمط إحلال الواردات أيضًا والالتواء التصديرى فى الزراعة، الذى كان تغييره يتطلب تغيير كبير فى التركيب المحصولى .

ويتضح لنا دور المعونات الغربية فى تدعيم الناصرية حين بدأت الضغوط الاقتصادية الامبريالية منذ اواسط الستينات وبعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا الغربية عام 1965 وتخفيض المعونات الأمريكية فى نفس السنة [78]. وفى 1966 باتت مصر عاجزة عن سداد ديونها بالعملات الحرة، فلجأت إلى تأجيل السداد بموافقة فرنسا وإيطاليا، كما اضطرت فى نفس السنة إلى بيع (ثلث) رصيدها الذهبى لتسديد أقساط الديون، أما فى 1967-1968 فقد أوقفت مصر تسديد ديونها تمامًا للولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا ودول السوق المشتركة ودول رأسمالية أخرى، ولكنها عادت إلى تسديدها مرة أخرى ابتداء من 1971.

وابتداء من 1966، تقلصت الواردات لنفس السبب. يوضح هذا لنا كيف كانت العلاقة بين نمو الصادرات ونمو الاستثمار قوية، اللهم إلا فى وجود ظرف خاص: الدعم الأجنبى الضخم[79].

 

* دور التجارة الخارجية:

جدول (86)

التوزيع الجغرافى للتجارة الخارجية المصرية

بالمليون جنيه[80]

الدول الرأسمالية

 

الدول الاشتراكية

 

السنة              الدولة

 

119.3

20.6

ص

1950

 

147.2

14.5

و

72

40

ص

1955

 

137.7

13.5

و

55.8

102

ص

1960

 

133.4

64.2

و

75.6

120.1

 

ص

1965

 

224.4

90.4

و

66.9

202.9

ص

 

 

 

1970

157.7

115.7

و

 

                              ص = صادرات           و  = واردات

 

من الواضح أن التجارة الخارجية قد تحولت جزئيًا ناحية البلدان الاشتراكية، خصوصًا منذ 1955-1956 . وقبل أن نتكلم عن مغزى هذا التحول نسجل ملاحظة أن واردات الأسلحة السوفيتية لا تحسب ضمن التجارة الخارجية، وبالتالى يظهر نصيب هذه البلدان فى تجارة مصر الخارجية أقل من حقيقته بالأرقام، ولأن  أقساط قروض الأسلحة أو ثمنها المدفوع فى صورة سلع يظهر فى بند الصادرات. كما تبدو أرقام الواردات من المجموعتين أقل من حقيقتها – خاصة الواردات من البلدان الرأسمالية، نظرًا لعدم تسجيل واردات الماكينات والمعدات الخاصة بالمجمعات الصناعية فى إحصائيات الجمارك المصرية[81].

وقد بدأ هذا التحول المتزايد تجاه الشرق منذ 1955-1956 حين دخل الاتحاد السوفيتى كمشتر لمخزون الأرز والقطن ، المحصولان اللذان كانا يعانيان من الكساد بسبب ضيق أسواقهما الخارجية ، وبذلك ُأنقذت  الصادرات المصرية إلى حد كبير من الركود. وكان عقد صفقة الأسلحة عام 1955 (والتى تبعتها فيما بعد صفقات أخرى) عاملان هامان فى نمو حجم الصادرات المصرية إلى الاتحاد السوفيتى، خاصة أنه تعامل بطريقة اتفاقيات الدفع، التى يتم بموجبها تسديد ثمن الواردات بسلع أخرى. وقد لجأ السوفيت إلى إعادة بيع بعض وارداتهم من القطن المصرى فى أوربا بأبخس الأسعار. وكان هذا يمثل مكسبًا غير مباشر لمصر الناصرية على المدى القصير.

ونلاحظ أن الميزان التجارى (بغض النظر عن واردات الأسلحة) مع البلدان الاشتراكية كان دائمًا لصالح مصر (باستثناء عامين فقط) خلال الفترة من 1952-1970[82].

وقد تقلصت صادرات القطن للدول الرأسمالية كالتالى:

جدول (87)

نصيب الدول الرأسمالية من صادرات القطن المصرى (%)[83]

صادرات القطن للدول الرأسمالية (%)

السنة

64.6

1952-1953

28.4

1964-1965

27.7

1970-1971

 

وبذلك أُنقذت صادرات القطن المصرى من الركود التام. وبالرغم من السوق السوفيتى، لم يمنع ذلك أسعار القطن من التدهور باستمرار. وقد دفعت أزمة سوق القطن الحكومة إلى تقليص مساحته المزروعة، فانخفضت بنسبة 18% خلال الفترة 1952-1965 ولم يمنع تقلصه بشكل حاد، إلا موافقة الاتحاد السوفيتى على استرداد قيمة قروضه فى صورة قطن وسلع أخرى. كما اعتمدت مصر على البلدان الاشتراكية كمشتر رئيسى لصادراتها من السلع المصنعة، خاصة الغزل والنسيج الذين احتلا الجزء الأكبر من الصادرات الصناعية، وقد بلغت الصادرات من هاتين السلعتين للدول الرأسمالية النسب الآتية:

جدول (88)

نصيب دول اتفاقية النسيج الدولية (أغلبيتها رأسمالية)

من صادرات الغزل والمنسوجات المصرية[84]

الصادرات من المنسوجات %

الصادرات من الغزل %

السنة

21.8

46.6

1962

25.3

28.2

1965

31.4

27.6

1969

27.8

25.8

1970

    

ويُلاحظ أن صادرات الغزل قد تقلصت بالنسبة لمجمل الصادرات إلى تلك الدول بينما ارتفعت نسبة الصادرات من المنسوجات بعد انضمام مصر إلى الاتفاقية الدولية لمنتجات النسيج، تلك الاتفاقية التى قررت الدول الرأسمالية بموجبها السماح باستيراد تلك المصنوعات من الدول المتخلفة تشجيعًا لصناعة المنسوجات فيها. ولكن بعد التدهور الذى شهدته صناعة المنسوجات فى غرب أوربا خفضت تلك الحصص.

     أما الهيكل العام للصادرات إلى البلدان الاشتراكية  فكان كالآتى:


 

جدول (89)[85]

1970

1965

السنة

السلع

67.2%

74.8%

زراعية

32.8%

25.2%

صناعية

    

وهو ما يتشابه تقريبًا مع هيكل الصادرات المصرية ككل:

جدول (90)[86]

1970

1965

السنة

السلع

69.2%

74.2%

زراعية

30.8 %

25.8%

صناعية

    

أما بالنسبة للبلدان الرأسمالية، فقد شكلت الصادرات المصنوعة نحو 20% فى المتوسط من الصادرات المصرية إليها ككل فى الفترة من 52 - 1970.

وقد شهدت الفترة التالية لحرب 1967 تدهورًا واضحًا فى التبادل مع الدول الرأسمالية، بسبب قطع معونات هذه الدول عن مصر، خصوصًا ألمانيا منذ 1965 والولايات المتحدة بعد 1967. وكان التزايد المستمر فى أزمة العملات الحرة قد بلغ أوجه فى تلك الفترة بسبب احتلال سيناء بما فيها من مناجم كانت أحد مصادر العملات الصعبة، وما أضافته حالة الحرب من أعباء جمة بالرغم من تعويض مصر عن خسائرها نتيجة لإغلاق قناة السويس، من جانب دول مؤتمر الخرطوم.

وكما ذكرنا من قبل توقفت مصر عن تسديد ديونها للدول الرأسمالية فى 1967- 1968، وقد لعب هذا العامل هو الآخر دوره فى تدهور التجارة مع تلك  الدول .

لا شك أن تحولاً كبيرًا قد حدث فى التوزيع الجغرافى فى التجارة الخارجية المصرية ابتداء من 1955 لصالح مجموعة الدول اللاشتراكية، خصوصًا الاتحاد السوفيتى، وقد امتصت هذه الدول المحصول الرئيسى لمصر وهو القطن، كما استوعبت جزءًا متزايدًا ولا يستهان به خلال الفترة موضع البحث من الصادرات الصناعية، خصوصًا الغزل والمنسوجات. وكانت شروط التبادل أفضل من مثيلاتها مع الدول الرأسمالية، فرغم استخدام السعر العالمى فى معظم الأحيان، جرى التبادل عن طريق اتفاقيات الدفع، الأفضل  لمصر بالطبع، وفى الوقت نفسه لم يتبدل هيكل التجارة مع الدول الرأسمالية فى تلك الفترة، فلم تستطع أن تستوعب نسبة أكبر من المصنوعات المصرية رغم زيادة نصيبها فى الصادرات ككل زيادة ملموسة[87].

مغزى تحولات التجارة الخارجية:

يبدو لأول وهلة أن النمو المستمر لنصيب الاتحاد السوفيتى وشرق أوربا من تجارة مصر الخارجية ابان الفترة الناصرية وكأنه دليل على تحقق درجة متزايدة من الاستقلال التجارى إزاء السوق العالمى . ولكن التجارة الخارجية ترتبط – من حيث هيكلها السلعى وتوزيعها الجغرافى – بطابع البنية الداخلية للاقتصاد، كما تلعب العوامل السياسية فى كثير من الأحيان دورًا فى صياغة هذه الهياكل وقد تبين لنا خلال الصفحات السابقة أن البنية الاقتصادية لمصر الناصرية لم تشهد تحولات جوهرية، ولذلك نرى أنه من اللازم إجراء تحليل داخلى للتجارة الخارجية المصرية لاكتشاف مغزى تلك التحولات التى طرأت عليها:

1- سبقت الإشارة إلى معاناة مصر من أزمة العملات الصعبة منذ أواخر الأربعينات، والتى تفاقمت بشكل متزايد طوال الفترة الناصرية رغم ضخامة المعونات الأجنبية. وتعود الأزمة أساسًا إلى ضيق مجالات التصدير أمام المنتجات المصرية وعجز النظام عن إعادة التكيف بالسرعة اللازمة مع تطورات السوق العالمى، بالإضافة إلى اتجاهه إلى التوسع فى إحلال الواردات، مما أدى إلى تفاقم الأزمة بشدة. وقد حلت القروض والمعونات الغربية المشكلة جزئيًا، ولكن لم يكن هناك مفر من اللجوء إلى الاقتراض من الكتلة السوفيتية والى الاهتمام بالحصول على مساعدات هذه الكتلة، خاصة أنها كانت أكثر قدرة على امتصاص الصادرات المصرية الراكدة وفقًا لنظام اتفاقيات الدفع. وبذلك حلت الخامات والسلع المصنعة الراكدة محل العملات الصعبة – جزئيًا- لتوفير بعض احتياجات النمو الاقتصادى، وقد تمثل ذلك فى النهاية فى ميل التوزيع الجغرافى للتجارة الخارجية نحو البلدان الاشتراكية .

2-  وفى الوقت الذى كان يعانى فيه قطاع التصدير من ضيق المجالات المفتوحة أمامه فى الأسواق الرأسمالية لأسباب تخص هذه البلدان، لم يستطع الاقتصاد المصرى أن يقوم بعمل إحلال ناجح لمحصوله الرئيسى ؛ القطن ، يتناسب مع تطورات الأسواق الرأسمالية، رغم أن شعار تنويع الإنتاج ُرفع عاليًا وتحقق جزئيًا ولكن نوعية التنويع نفسها لم تلائم الأسواق الرأسمالية بالشكل الذى يضمن استقرار العلاقات معها. ومن أبلغ الدلائل بهذا الخصوص أن هيكل الصادرات المصرية إلى البلدان الرأسمالية لم يتغير ابان الفترة موضع البحث، بينما تغير بالنسبة للكتلة السوفيتية فى اتجاه أساسى، وهو إحلال الأرز والمنسوجات محل القطن الخام، بحيث أصبح هيكل الصادرات المصرية إلى هذه الكتلة يشبه هيكلها العام، وهذا يشير إلى مدى عدم ملائمة عملية إحلال الصادرات التى تمت للتحولات التى شهدتها الأسواق الرأسمالية فقد وجد القطن والأرز بالإضافة إلى السلع المصنعة طريقها بسهولة أكبر إلى أسواق الدول الاشتراكية. فمن جهة كانت هذه البلدان مضطرة – وهى تقدم المساعدات للناصرية – إلى استرداد قروضها فى صورة سلع وفقًا لنظامها المفضل : اتفاقيات الدفع، مما ألزمها بالحصول على سلع لا يمكن تصدير معظمها إلى الأسواق الرأسمالية، ومن جهة أخرى حققت الصناعات الاستهلاكية خلال تلك الفترة نموًا ملموسًا فى البلدان الاشتراكية، مما أدى إلى زيادة طلبها على الخامات المنتجة فى الدول المتخلفة، ويستدل على ذلك من حقيقة أن نمو صادرات الدول الأخيرة إلى مجموعة الكوميكون من المواد الخام قد ازداد بنسبة 192% من 1960-1967، بينما ازدادت واردات نفس المجموعة بـ 3.7% من الصادرات الصناعية للدول المتخلفة[88].

3-  حققت مصر الناصرية فى تجارتها الخارجية مع الاتحاد السوفيتى فائضًا صافيًا فى كل السنوات عدا عامين فقط، ذلك أن صفقات السلاح لم تدرج ضمن الواردات . وبالعكس حقق الميزان التجارى عجزًا تجاه البلدان الرأسمالية فى كل السنوات ، مما يعكس عجز القطاع التصديرى عن التكيف مع احتياجات أسواق هذه البلدان . وقد غطت المعونات الأمريكية الضخمة ، خاصة من الحبوب،  هذا العجز بدرجة كبيرة، بحيث لا يمكننا أن نتخيل وضع الاقتصاد المصرى دونها، وهذا أيضًا يبرز دور العامل السياسى فى معالجة ضعف أداء الاقتصاد، الذى انكشف بعد قطع معونات القمع الأمريكية والمعونات الألمانية عام 1965.

جدول (91)

العجز التجارى مع الدول الرأسمالية[89]

(بالمليون جنيه)

قيمة  العجز

السنة

63.7

1952

65.7

1955

77.6

1960

148.8

1965

90.8

1970

 

4- العلاقة بين التغيرات البنيوية للاقتصاد وتحولات التجارة الخارجية: سبق تحليل الآلية الداخلية التى حركت عملية تنويع الإنتاج وإنماء الصناعة المصرية. ونضيف هنا أن هذه الآلية الداخلية هى فى حقيقتها  آلية خارجية تمثلت فى تغيرات فى الأسواق الرأسمالية نجمت عن الثورة التكنولوجية الثالثة، التى أدت فيما أدت إلى انخفاض الطلب على الخامات التقليدية للدول المتخلفة، والإنتاج الضخم للتكنولوجيا، مع ميل رأس المال إلى التركز فى الصناعات فائقة التطور، مما يفسر لنا موجة التصنيع الواسعة – نسبيًا – التى شهدتها البلدان المتخلفة خلال "عقدى التنمية" والمتجهة لإحلال الواردات. وفى مصر الناصرية كانت عملية التنمية تستهدف زيادة الدخل وتوفير العملات الأجنبية، ونظرًا لضعف الطلب على الصادرات الصناعية المصرية (بجانب أسباب أخرى)، اتجهت الدولة للتوسع فى الصناعة الحالة محل الواردات. ولكن مشكلة ركود الصادرات المصرية التقليدية ظلت قائمة[90] . وقد خلقت عملية إحلال الواردات سوقًا لصادرات التكنولوجيا للدول الرأسمالية أكثر مما شكلت حلاً لأزمة مدفوعات مصر. والنتيجة الأساسية التى تهمنا هنا هى أن تحولات البنية فى مصر كانت مجرد استجابة لحركة النظام الرأسمالى، ولم تكن نقطة البداية لمختلف التحولات التى شهدتها العلاقات مع هذا النظام، خاصة فيما يتعلق بالتبادل التجارى، وهذه مسألة على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لعلاقة التغيرات الاقتصادية التى تمت بالاستقلال والتبعية.

ولقد جاءت التحولات البنيوية متسقة مع الطابع العام للتقسيم الدولى الجديد للعمل، بالرغم من نمو العلاقات الاقتصادية مع البلدان الاشتراكية التى تتعامل هى نفسها مع الرأسمالية بشروط السوق. فالتوسع فى إحلال الواردات يتلاءم مع التقسيم المذكور، وبالمقابل وجدنا دور القطن يتراجع نسبيًا لصالح المنسوجات والأرز والخضروات والفواكه، متسقًا – وإن بدرجة محدودة – مع ذلك التقسيم، ولكن لم تعبر هذه الفجوة عن اتجاه ما لاستقلال الاقتصاد بدرجة أكبر ، بل عبرت عن ضعف الأداء الاقتصادى والعجز عن الاستجابة الكاملة لمتطلبات نمو ا لتخلف، لا لصالح تثوير الاقتصاد وإنما بسبب عجزه النسبى. لهذا بالذات ظل قطاع التصدير فى مصر طوال الفترة الناصرية يعانى من الأزمة، وكان من الممكن أن يسوق هذا الأمر إلى كارثة لولا أن مساعدات الدول الاشتراكية ساهمت كثيرًا فى إنقاذ البلاد من الخراب، طبعًا بالإضافة للدور الهام للمعومات الغذائية الأمريكية الضخمة. وبرغم هذه المعونات وتلك ظل أداء الصادرات المصرية هو كعب أخيلس للنظام الاقتصادى المصرى ، فمن الناحية الكمية لم يزدد حجمها زيادة ملموسة طوال الفترة، ومن حيث الكيف لم يتم تعديل هيكل السلع المخصصة للتصدير تعديلاً جذريًا ليلائم احتياجات السوق العالمى[91] .

رقم قياسى كمية وسعر الصادرات المصرية (محسوباً بالدولار)[92]

 

جدول 93

(1963 = 100)

جدول 92

(1953 = 100)

السعر

الكمية

السنة

السعر

الكمية

السنة

97

77

1962

100

100

1953

100

100

1963

111.1

90.8

1955

106.8

96.7

1964

134.3

93.9

1957

113.2

102.4

1965

104.6

107.7

1959

117

90

1967

103.6

114.5

1961

123

113

1970

 

 

 

 

جـ - وهم الاستقلال النسبى:

     وصف الناصريون و أصدقاؤهم  حالة الاقتصاد المصرى ابان الفترة الناصرية بالاستقلال . ويستند هؤلاء  على ظاهرة الاتجاه نحو الشرق التى شهدتها الفترة وعلى ما أسموه عملية تصنيع واسعة. و قد توصلنا من قبل  إلى أن التحولات البينوية التى تمت فى الاقتصاد المصرى قد تمت فى إطار التقسيم العالمى للعمل  الخاضع للبلدان الرأسمالية،  و لم يكن للاقتصاد المصرى سوى ردود أفعال ، مما يعنى التبعية الكاملة. وكان الجديد ابان الفترة الناصرية هو الأداء غير الكفء بالدرجة التى عرقلت من عملية إعادة اندماج الاقتصاد فى السوق العالمى، وهذا يختلف كثيرًا عن الاستقلال النسبى، وقد تمثل بشكل أساسى فى محدودية عملية إحلال الصادرات بالمقارنة ببلدان أخرى (شرقى آسياه، البلدان البترولية …)، وبالرغم من درجة التنويع الفريدة التى تحققت فى الاقتصاد (لا شك أن العوامل السياسية لعبت دورها فى هذا الصدد). فمنع تصدير الأسلحة إلى مصر من جانب الغرب دفعها إلى التوسع فى التصدير إلى البلدان الاشتراكية لقاء السلاح، مما خفف من الضغوط الدافعة إلى إحلال صادرات تتناسب بدرجة أكبر مع احتياجات السوق العالمى، كما كان إحجام رأس المال الأجنبى الخاص عن الورود رغم الحوافز غير المحدودة التى قدمت إليه فى الخمسينات عاملاً إضافيًا أعاق عملية إعادة التكيف مع السوق الدولى.

وقد أدى ضعف أداء الصادرات – بالرغم من تنوعها النسبى – إلى التوسع فى الاقتراض على نطاق واسع، وحيث قدمت البلدان الاشتراكية شروطًا أيسر من تلك التى قدمتها الرأسمالية، خصوصًا فيما يتعلق بطريقة تسديد القروض وثمن الواردات، فقد لجأت الناصرية  (تحت ضغط ضعف أداء صادراتها) إلى هذه البلدان للحصول جزئيًا على التكنولوجيا والقروض وان استمر توجهها الأساسى ناحية البلدان الرأسمالية. وساعد هذا التوجه إلى الدول الاشتراكية  بدوره على تشجيع استمرار حالة العجز النسبى لأداء الصادرات المصرية، محافظة على درجة ملموسة من الركود، مما يعنى العجز النسبى للاقتصاد عن التكيف مع تحولات السوق العالمى. هل يمكن إذن تسمية هذا الركود بالاستقلال النسبى ؟ هل يمكن الكلام عن تحسين شروط التبعية ؟[93]. إن الانعزال أو ضعف العلاقة بالسوق الدولى لا علاقة لها بالاستقلال ، بل بالعزلة ، أما الاستقلال الاقتصادى فيعنى بالضبط المساهمة النشطة فى صناعة و اعادة صناعة السوق الدولى ؛ أى الاندماج فيه من موقع متكافىء . و حتى إذا قررنا أن نغض النظر عن المفاهيم المجردة , نقصد مفهومى الاستقلال و التبعية ، مكتفين بالوصف العينى ، يظل من الواضح وفقاً لما سبق أن الاقتصاد المصرى فى ظل الناصرية قد بات أضعف تجاه السوق العالمى و أقل أهمية وقدرة على المناورة و أكثر احتياجا للمساعدة الأجنبية .

لا شك أن تأميم معظم رأس المال الأجنبى وإلغاء مظاهر الهيمنة الأجنبية المباشرة يعطى انطباعًا أوليًا بتحسن شروط التبعية، ولكن من الجلى أن للتبعية المباشرة فوائدها أيضًا بالنسبة للاقتصاد المتخلف، فالتخلف هو من حيث الجوهر بنية تابعة، ونمو التخلف هو فى النهاية النمو التابع، وبالتالى فأفضل، حالاته بما هو كذلك تكون فى إعادة إدماجه فى السوق العالمى بأكبر قدر من المرونة، وفى حالة مصر الناصرية  فمن المحتمل جدًا أن علاقتها مع السوق العالمية قد تحسنت لصالحها من زاوية واحدة؛ توفير كمية كبيرة من المعونات وتقليل كمية النهب المحتمل، وربما أيضًا تقليص معدل التدهور الاحتمالى لحدود التبادل، ولكن لهذه المكاسب نقيضها؛ فإحجام ورود رأس المال الخاص الأجنبى عرقل من إعادة تكييف قطاع التصدير مع السوق العالمى، وأرغم الدولة على الاقتراض بمعدلات متزايدة لا تتناسب مع درجة النمو المتحقق فى القطاع الحديث، مما شكل عليها ضغطًا شديدًا ظهرت آثاره فى أعقاب الخطة الخمسية. ولا تعد عملية عرقلة إعادة اندماج الاقتصاد فى السوق العالمية ميزة ما لم ترتبط بعملية أخرى تستهدف إعادة الإندماج من موقع  أقوى ؛ هى إعادة بناء اقتصاد أكثر تماسكا، ابتداء من تغيير نمط الاستهلاك بحيث يستهدف إشباع الاحتياجات المحلية الضرورية وانتهاء بإقامة قاعدة لإنتاج التكنولوجيا المتطورة، وهذا ما لم تستهدفه السياسة الناصرية أبدًا (نحن الآن نحاكم الاقتصاد المصرى من زاوية مصلحته نفسها، كاقتصاد متخلف).  مع ذلك تجد مقولة الاستقلال النسبى  لها أرضية ما، إذ أن إعلان التمرد والعداء النظرى للامبريالية لم يكن مسرحية متفقًا عليها بين كل الأطراف، فقد حصلت الدولة المصرية بعد انقلاب الضباط على درجة عظيمة من الاستقلال (المباشر)، ورغم أن البنية الاجتماعية – الاقتصادية نفسها ظلت تابعة، لم يعد  النظام السياسى يعتمد على أرجل ثلاثة كما أشار " لورد كيلرن " ، بل تقوده نخبة من البيروقراطيين المتحمسين قوميا.  ونستطيع أن نتكلم عن استقلال نسبى بهذا المعنى وحده، وهو المعنى الذى تحدثنا عنه تحت عنوان "الاستقلال السياسى". ولكن البونابرتية فى مصر قد فعلت فعلتها فى الداخل مع أطراف شبه ميتة، ولكنها فى الخارج واجهت وحوشًا ضارية، ولذلك حققت على المستوى المحلى درجة كبيرة من حرية الحركة منحتها بحق وجه النمر، ولكنها فى الخارج لم تستطع الحصول على نفس الشىء إلا فى الحدود القانونية والشكلية، ولذلك اتخذت فحسب وجه نمر من ورق.

ورغم استمرار الاقتصاد متخلفًا فقد حقق نموًا مستمرًا تقريبًا وشهد تغيرات بنيوية محدودة، ولم تكن الفترة الناصرية شاذة إلا من حيث أنها كانت فترة جمود نسبى للاقتصاد، أى أن ديناميكيته – كنظام تابع – تدهورت من الناحية الكمية مع استمرار نموه التابع بآليات تتلخص فى النهاية فى عملية التبادل الدولى؛ أى من الخارج. ولم يستطع أبدًا أن يعيد بناء نفسه بنفسه . ويمكننا إعادة إيجاز الموضوع كله فى بضع كلمات: من حيث الشكل، لعبت الدولة الناصرية الدور المباشر الأساسى فى إعادة إنتاج التخلف فى مصر ولكن الدور غير المباشر، والأهم قامت به البلدان الرأسمالية: التمويل، الإمداد بالتكنولوجيا، الهيمنة على السوق العالمى، التى تمثل دورها غير المباشر فى سيطرتها على القطاع القائد لاقتصاديات السوق العالمى، أما الآلية النهائية لإعادة إنتاج التخلف فكانت هى التبادل الدولى.

ونود أن نضيف ان السياسة الاقتصادية للناصرية لم تكن مما يستحق إعلان حرب امبريالية كما صوَّر الناصريون الأمر  فالحقيقة أن البنية الاقتصادية لمصر الناصرية ظلت تابعة تماما ل"الامبريالية" ، وخاصة فى لحظات "القمة" ؛ أى فى 1961-1964 دون أن تحصل على دعمها الكامل، ولكنها لم تتعرض أبدًا للهجوم النهائى ولا لحصار حقيقى ( رغم ادعائها ذلك كذبا)، إنما مارست الدول الرأسمالية ضغوطها  فى 1956- 1958، 65-1967 ردًا على النظام السياسى ، قبل شن الهجوم الأخير فى 1967. فالناصرية أولاً لم تكن مرفوضة فى معظم الوقت من ِقبل الغرب، وثانيًا لم تكن مرفوضة لأسباب اقتصادية أبداً، وثالثًا: لم تكن مقبولة بالكامل .

ولا شك أن الخلاف السياسى مع الغرب لم يتلازم مع وفاق اقتصادى مطلق وكما سبق أن رأينا لم تتحقق المساندة الامبريالية الاقتصادية فى شكلها الأمثل حتى فى أيام الانفتاح (52-1958 ) .

 


 

[1]    محمد دويدار: المرجع السابق، ص ص 344 – 345، بريماكوف – بيليايف: المرجع السابق، ص 145.

[2]    سيد مرعى: المرجع السابق، ص ص 180-181.

[3]    للتفاصيل راجع: محمود عبدالفضيل: المرجع السابق، الفصل الخامس، كريمة كريم: المرجع السابق.

[4]    الإحصاء الزراعى لعام 1961.

[5]    تميز العمال الزراعيون فى مصرخلال الفترة الناصرية إلى الفئات الآتية: التملى – الأجرى – المرابع – المخامس – المزارع بالنصف – المزارع بالمثل (= فدان يخدم فدان). وعلى سبيل المثال نصف هنا وضعية التملى:

=          يسكن بالعذبة – ليس له أجر ثابت – أجره يقل عن أجر العامل المقيم بالعزبة ويحصل على أرض لا تزيد عن فدان يزرعها قمحًا وبرسيمًا (ولا يزرعها قطنًا – وهذا شرط للايجار) ويقوم بأعمال عامة فى العزبة مع بقية سكانها مثل مساعدة الخفر فى مقاومة اللصوص، وتقوية الجسور. ويمكن أن يحصل على أجره فى شكل أرض: فدان أو اثنين، لمدة سنة وبدون دفع ريع.

            أما الأُجرى فهو يكون من القرى المجاورة، ويعمل بالأجر النقدى. والمزارع بالنصف يزرع كل المحاصيل فى أرض المالك بسماده وتقاويه الخاصة وله نصف المحصول، وليس عليه شىء من مال الأرض (الضريبة).

            ومن الواضح أن الأجرى هو العامل المؤقت.

            المصدر: مجلة "الفلاح" لمنشئها محمود أنيس، أعداد يناير 1898، فبراير 1898.

[6]    الإحصاء الزراعى لعام 1961.

[7]     محمود عبدالفضيل: المرجع السابق، ص30.

[8]     عادل حسين: المرجع السابق، الجزء الثانى، ص 577.

[9]    عمرو محيى الدين.

            مجلة الطليعة، عدد مارس 1968.

[10]         خلال الستينات، زادت المساحة المحصولية من الأرز وقصب السكر والفواكه والخضروات (وكلها سلع قابلة للتصدير) على حساب القطن، الذى تدهورت أسعاره العالمية، و كذلك القمح والذرة .

            على الجريتلى. خمسة وعشرون عامًا – دراسة تحليلية للسياسات الاقتصادية فى مصر 1952-1977. القاهرة 1977، ص 318 – نقلاً عن نشرة البنك المركزى.

            كذلك سجل محمد دويدار انخفاض مساحة الأرض المزروعة بالحاصلات التى اعتبرها ضرورية لذوى الدخل المنخفض: الشعير – الذرة الشامية – الفول – القمح، (بخلاف القطن طبعًا)، وذلك لحساب السلع التصديرية الجديدة، خاصة الأرز والفواكه والخضروات والبصل. وقد ارتفع حجم الإنتاج من كل المحاصيل، ولكن معدلات الزيادة كانت الأكثر ارتفاعًا للمحاصيل  القابلة أكثرللتصدير:

معدل زيادة الإنتاج (%)

السلعة

22.4

الأرز

6.3

القصب

4.4

البصل

2.2

القمح

1.6

الشعير

0.6

الفول

0.2

العدس

            المرجع: الاتجاه الريعى للاقتصاد المصرى (1950-1980) منشأة المعارف بالإسكندرية، دار نشر الثقافة، ص 54.

[11]         المسألة الزراعية (بدون اسم المؤلف)، ص 165 – سبق ذكره.

[12]         حسب الرقم القياسى على أساس معطيات أوردها على الجريتلى: 25 عامًا، ص 318، نقلاً عن نشرة البنك المركزى المصرى.

[13]         عمرو محيى الدين: بحث مقدم للمؤتمر العلمى السنوى الأول للاقتصاديين المصريين – سبق ذكره.

[14]         مابرو: المرجع السابق، ص 262.

[15]         لمزيد من دراسة تأثيرات السياسة الزراعية للناصرية نحيل القارئ إلى: كافى جلافانيس – باندلى جلافانيس: سوسيولوجيا العلاقات الزراعية فى الشرق الأوسط – استمرار الإنتاج العائلى. ترجمة: سامى الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت – دار البيادر للنشر والتوزيع، الجيزة، ص ص 79 –117.

[16]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 139 (تم نقل هذا الجدول مع تعديل التقسيم).

[17]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 152

            (تم نقل الجدول مع إعادة تقسيم الفروع).

            اجتهد المؤلفان لاكتشاف علاقة بين التعريفة الجمركية والتغيرات الهيكلية فى الصناعة، ولكنهما توصلا إلى نتيجة مغايرة، فلم يكتشفا وجود علاقة ثابتة أو حتى ذات ميل ثابت بين الجمارك والتغيرات الهيكلية والحقيقة أن الضرائب الجمركية فى مصر كانت – خصوصًا فى الستينات – مصدرًا لدخل الحكومة أكثر مما كانت أداة لحماية الصناعة المحلية. إذ أصبحت الدولة تتولى استثمار نحو 90% من رأس المال الصناعى، كما أنها أممت -رسميًا – تجارة الاستيراد، وأصبح بإمكانها أن تتحكم فى كم ونوع السلع المستوردة. وكان يمكننا أن نعتبر إعفاء الآلات من الرسوم الجمركية فى الخمسينات عائقًا أمام نمو صناعة الآلات فى مصر، فقط فى حالة وجود ميل فعلى لرأس المال إلى الاستثمار فى صناعة الآلات.

[18]         نفس المرجع، ص 256 (تم تعديل تقسيم الجدول بحيث تظهر زيادة الإحلال الملموس خلال الفترة من 1947-1966/1967).

[19]         المرجع السابق، ص 68. ويكرر عادل حسين نفس الفكرة فى: عبدالناصر والنظام الاقتصادى: رد على المعارضين والناقدين. مجلة "المستقبل العربى"، عدد 35، يناير 1982، ص ص 24-46.

[20]         وفقًا لمعطيات مابرو، مابرو – رضوان، مراجع سبق ذكرها.

[21]         فريد هاليداى: مقدمات الثورة فى إيران، دار ابن خلدون، ط1 بيروت، 1979، ص 189.

[22]         سمير أمين: التطور اللامتكافئ، ص 166.

[23]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 62.

[24]         بلغت الطاقة العاطلة فى المصانع المؤممة فى نهاية 1966  فى  صناعة النسيج 10-20%، وبلغت فى بعضها 40% وحتى 70%. بريماكوف – بيليايف: المرجع السابق، ص 169.

            وحسب تصريح د. لطفى عبدالعظيم بلغت الطاقة العاطلة فى الصناعة عمومًا 10-15% عام 66/1967. مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص 212.

[25]         نفس المرجع، ص 62.

[26]         دراسات اشتراكية. عدد أغسطس 79، مقال بقلم: فيكتور فولسكى: النموذج الرأسمالى فى أمريكا اللاتينية.

[27]       عبدالنبى الطوخى: تحليل التغيرات فى خصائص القوى العاملة فى مصر 47-1974. بحث مقدم للمؤتمر العلمى السنوى الثالث للاقتصاديين المصريين – القاهرة 23-25 مارس 1978، الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة، 1978.

[28]         عبدالنبى الطوخى: المرجع السابق.

[29]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 287.

[30]         ضمن هذه المحاولات: التوسع فى البيع بالتقسيط وإقراض الموظفين لتمويل بيع منتجات قطاع الدولة.

[31]         ط. ث. شاكر: المرجع السابق، ص 117.

[32]         نفس الموضع

[33]        مصطفى السعيد : المرجع السابق .

[34]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 271، ولنلاحظ أن سعر الدولار فى ذلك الوقت كان 40 قرشًا مصريًا.

[35]         فمثلاً ُقدِّرت نسبة العادم فى صناعة المنسوجات القطنية فى مصر بـ 12% وفى انجلترا بـ 5% (خلال الستينات). حازم سعيد عمر: المرجع السابق.

[36]         نحيل القارئ إلى: اسماعيل صبرى عبدالله: استراتيجية التكنولوجيا، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمى السنوى الثانى للاقتصاديين المصريين، 1977، اسماعيل صبرى عبدالله: نحو نظام اقتصادى عالمى جديد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1977، ص ص 226-233.

[37]         سجل الاقتصادى الكبير على الجريتلى  الملحوظة نفسها: "وقد أسرفت أجهزة الدعاية فى تمجيد الانتصارات التى حققتها خطة التنمية وخاصة فى الصناعة" (التاريخ الاقتصادى للثورة، ص 188). وقد طالب "مجلس الأمة" فى ديسمبر 1965 أن تراعى أجهزة الإعلام عدم المبالغة فى إبراز المزايا والمكاسب الاشتراكية بشكل يبعدها عن الواقع. (نفس الموضع).

[38]     المرجع السابق ، ص 53

[39]    Radwan.: op. cit., p.207

[40]         Radwan.: op. cit., p. 209

[41]         نقصد بمعدلات التراكم: حجم التراكم:

            1- بالنسبة للفائض الاحتمالى.

            2- وبالنسبة للفائض الفعلى.

            3- وبالنسبة لمعدل الاستثمار.

[42]         حسبت على أساس معطيات قدمها هانسن – مرزوق : المرجع السابق ، نقلاً عن تقارير متابعة الخطة والكتاب الإحصائى السنوى للأمم المتحدة.

 

[43]         حسبت على أساس معطيات قدمها :سمير رضوان ، هانسن – مرزوق ، مابرو . مراجع سبق ذكره .

 

[44]         على صبرى: مرجع سبق ذكره، ص 81، ص 57 (على التوالى ).

[45]         على أساس تقديره لمعدل نمو الناتج السنوى خلال فترة "الخطة" الخمسية. نقلاً عن مابرو: المرجع السابق، ص 255.

[46]       Hansen – Marzouk: op. cit. table 8.7

[47]         استنادًا إلى معطيات كل من : مابرو، عبدالنبى الطوخى ( سبق ذكرهما).

[48]         تم استخلاص هذه الأرقام استنادًا إلى معطيات مابرو، عبدالنبى الطوخى، ومصادر أخرى – سبق ذكرها . ونقصد بالعمالة المنتجة للفائض تلك العمالة بمجالات الإنتاج المأدى: الزراعة – الصناعة – نقل السلع – التشييد.

[49]         حُسبت على أساس معطيات ذكرها فتحى عبد الفتاح : القرية المعاصرة ، ص ص 110 - 111

[50]             بناء على معطيات مابرو: المرجع السابق.

[51]             بناء على معطيات مابرو: المرجع السابق.

       [52] بناء على معطيات وزارة التخطيط. نقلاً عن عبدالنبى الطوخى. المرجع السابق.

[53]         استنادًا لمعطيات : عمرو محيى الدين، عبدالفتاح قنديل (دراسات مقدمة للمؤتمر العلمى السنوى الثانى للاقتصاديين المصريين)، مابرو : المرجع السابق.

[54]         حُسبت على أساس معطيات سمير رضوان.

[55]         حُسبت على أساس معطيات سمير رضوان.

[56]         حُسبت على أساس معطيات سمير رضوان. وعلى أساس اعتبار معدل الربح السنوى = 20%.

[57]         مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص 62.

[58]         حُسبت على أساس معطيات سمير رضوان.

[59]         حُسبت على أساس معطيات سمير رضوان.

[60]         مابرو – رضوان : المرجع السابق، ص 261.

[61]         لا شك أن نمط الاستهلاك التابع يتضمن استهلاك سلع "مفيدة" من حيث هى أشياء. إلا أن الاستهلاك كنمط لا يتكون ويعاد تكونه وفقًا لبقية الأوضاع المحلية: بنية الإنتاج، نوع البيئة، التراث الثقافى، بحيث لا يكون "تطوره" متسقًا مع ومعبرًا عن تطور اجتماعى عام، بدليل أنه يكون تطورًا مركبًا ومتنافرًا. فالسلع تُطوَّر دون أن يواكب هذا التطور ما يماثله ويلائمه بالنسبة للناس أنفسهم، وكذلك فى وسائل الإنتاج. فالسلع التى تنتج فى بيئة أوربية ذات طبيعة اجتماعية – اقتصادية معينة، لا تتلاءم – فى كثير من الأحيان – مع أناس يعيشون فى بيئة ذات تراث وواقع مختلفين. ويؤدى هذا إلى كثير من التفسخ الاجتماعى والاغتراب.

            ونحن نقصد بنمط الاستهلاك بنية محددة،  تشمل طريقة استخدام الثروة فى إعادة إنتاج قوة العمل. فالمسألة لا تتلخص فى وجود عدد من السلع (المفيدة). والأمر الأهم على الإطلاق هو أن نمط الاستهلاك التابع يقود عملية التنمية، بينما يكون نمط الاستهلاك المستقل عن الخارج مكوناً متماهياً مع النسيج الاجتماعى ككل.

[62]         ف. أ . لوتسكفتش: مرجع سبق ذكره.

[63]         لوتسكفتش: المرجع السابق، ص 91، ص 92.  وقد نقص نصيب تلك الدول من توريد المعدات والماكينات بعد 1967 حتى بلغت 40% عام 1968، زاد إلى 43% عام 1969، ثم إلى 44% عام 1970، وذلك بدون حساب الآلات والخامات اللازمة للمصانع الكاملة. نفس المرجع.

[64]         بالإضافة إلى ذلك ساهمت فى تشييد 65% من مجموع الطرق التى أقيمت فى مصر من 52-1965 (4600 كم)، 29% من المدارس، 27% من المستشفيات والوحدات الصحية الأخرى. كذلك مولت مشروع إنقاذ آثار النوبة، وساهمت أيضًا فى مشاريع استصلاح 220 ألف فدان (17% من مجمل الأرض المستصلحة طوال الفترة).

[65]         اعترف عبدالناصر بوجود هؤلاء الخبراء، وذلك فى حديث أُجرى معه فى 1/3/1963 (مجموعة خطب وتصريحات وأحاديث الرئيس جمال عبدالناصر). ورقم الثلاثة آلاف خبير ذكره أيضًا الكاتب السوفيتى سابق الذكر.

            ومن الملاحظ أن المصانع الحربية المصرية بدأت منذ 1956 تساهم فى إنتاج السلع المعمرة (المدنية طبعًا). وغيرها.

[66]         لوتسكفتش : نفس المرجع ، ص 90 ، ص 138 .

[67]         لم يحدد الباحث السوفيتى ما يقصده بالآلات، ونعتقد أنه يقصد تجميع الجرارات ووسائل النقل وبعض أصناف الموتورات.

[68]         ومع ذلك لم تختف المشاركة المباشرة لرأس المال الأجنبى، فى المشاريع التى كانت تحتاج إلى الخبرة الأجنبية (الصلب – الأدوية).

[69]         انخفض  نصيب المساهمة الأجنبية فى رأس مال الشركات الصناعية الجديدة كالآتى:

            من 1934 – 1939 بلغ 53% من جملة رأس المال.

            من 1940- 1945  بلغ 34%.

            من 1946 – 1948 بلغ 16%

            بيليايف – بريماكوف: المرجع السابق، ص 8 ، بينما بلغت نسبة المساهمة الأجنبية فى 52-1953 وطوال الخمسينات 8.8  % -  سمير رضوان: المرجع السابق، ص 208، ص247

[70]         لوتسكفتش : المرجع السابق، ص 54.

[71]         لوتسكفتش : المرجع السابق، ص 97.

[72]         لوتسكفتش : المرجع السابق، ص 97.

[73]         عادل حسين : المرجع السابق، الجزء الأول ص ص 105- 113.

            ووفقًا لما أورده عادل حسين، استُخدمت قيمة القروض الغذائية الأمريكية – وفقًا للقانون 480-على النحو التالى: 45% لإقراض الحكومة المصرية- 21% كقروض يقدمها بنك التصدير والاستيراد كوكيل عن الحكومة الأمريكية، 34% لإنفاق الحكومة الأمريكية. (نفس الموضع)

[74]         على الجريتلى : التاريخ الاقتصادى للثورة، ص 129.

[75]         عادل حسين : المرجع السابق، الجزء الأول، ص 63.

[76]         لوتسكفتش : المرجع السابق، ص 54.

[77]         عادل حسين : المرجع السابق، الجزء الأول، ص 285.

[78]         تقدر القروض والمعونات الأمريكية بـ 204 مليون دولار عام 1963، 231 فى 1964،  ثم هبطت إلى 66 مليونًا عام 66 ثم 20 مليونًا عام 68.

[79]         رغم كل هذه الوقائع يعتقد  الأستاذ/ عادل حسين ، مناصراً للناصرية ،  أن "التنمية التى تحققت تمت وسط نجاح من تحييد الضغوط الخارجية إلى حد كبير ولذا كانت معدلاتها تعتمد أساسًا على العوامل الداخلية" .. هكذا متناسياً الوقائع تماماً ، متابعا خطى الدعاية الناصرية (عبدالناصر والنظام الاقتصادى – رد على المعارضين والناقدين. مجلة "المستقبل العربى)، عدد 35، يناير 1982، ص ص 24-46.

[80]         لوتسكفتش: المرجع السابق،  ملحق 3، ملحق 4.

            سنقصر المعطيات على التغيرات الجغرافية للتجارة الخارجية مع البلدان الرأسمالية والاشتراكية، حيث أن هذه     التغيرات هى التى تشكل أساس القضية المثارة حول الاستقلال والتبعية؟

[81]         ذكر لوتسكفتش هذه الملحوظة، ص 136.

[82]         محيا على زيتون: دراسة تطبيقية لبعض جوانب علاقات مصر التجارية مع الكتلة الاشتراكية وبقية العالم. بحث مقدم للمؤتمر العلمى الأول للاقتصاديين المصريين، 25-27 مارس 1976، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

[83]         لوتسكفتش: المرجع السابق، ص 86.

ويعود هذا التدهور فى نصيب الدول الرأسمالية من صادرات القطن المصرى إلى قوة منافسة الألياف الصناعية وتدهور صناعة النسيج فى أوربا فى الفترة من 60-1967، مما أدى إلى تدهور أسعاره، ومن ثم لجأت الناصرية إلى تصديره إلى شرق أوربا.

[84]         نفس المرجع، ص 89.

[85]      نفس المرجع، ص 140.

[86]       نفس المرجع، ص 61.

[87]    لا شك أن التغيرات السعرية تحد من إمكانية معرفة حقيقة التغيرات الحقيقة فى هيكل المبادلات، ولكن إذا كنا نتحدث عن تبدلات جغرافية بشكل أساسى خلال فترة واحدة، فإن مفعول التغيرات السعرية لا يكون له أثر يذكر.

[88]         رمزى ذكى: أزمة الديون الخارجية – رؤية من العالم الثالث. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1978، ص 501.

[89]         لوتسكفتش: المرجع السابق، ص 83.

[90]         خلال "عقدى التنمية"، زاد نصيب المصنوعات فى صادرات بلدان العالم الثالث -  وخاصة بلدان شرقى أسيا- وبلغ (ثلث) الزيادة فى الصادرات، فى الفترة من 1960-1975. وقد شملت هذه المصنوعات: الملابس، والمنسوجات، والحديد والصلب، والكيماويات، والأجهزة الكهربائية وغير الكهربائية، ومعدات النقل. محمد عبدالشفيع: المرجع السابق، ص ص 241-244.

[91]         طبقت الدول الرأسمالية إجراءات حمائية ضد صادرات البلدان المتخلفة إليها من المنسوجات، وذلك بعد أن ارتفع حجم هذه الصادرات إلى حد كبير، مما أجبر هذه البلدان إلى إعادة تكيف اقتصادياتها مع حاجات الأسواق الرأسمالية (مثلاً إنتاج أجهزة كهربائية والكترونية…) . أما تلك البلدان التى لم تستطع أن تكيف نفسها بالسرعة اللازمة (مثل تركيا)، فقد عانت من الركود. وكان هذا هو أيضًا وضع مصر الناصرية، حيث لم تستطع أن تستبدل القطن بسلع تصديرية أخرى إلا جزئيًا، كما لم تستطع زيادة حجم صادراتها زيادة كبيرة. وربما أضافت الطبيعة من عندها أسبابًا إضافية؛ إذ لا تتمتع مصر باحتياط كبير من الثروات المعدنية.

            محمد عبدالشفيع: المرجع السابق، ص ص 254-257.

[92]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص ص 280-281.

[93]         من الملاحظ أن حجم التجارة الخارجية المصرية قد تقلص بالنسبة للناتج المحلى الإجمالى:

نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلى الإجمالى (نسب مئوية)

%

السنة

%

السنة

33.9

57-1958

19.9

1945

30.4

60-1961

35.7

1947

37.7

63-1964

43.7

1950

29.4

66-1967

43

52-1953

25.5

69-1970

38.5

1955- 1956

            (ما برو –رضوان: المرجع السابق، ص 253).

            وهذه الظاهرة تعكس – كما نعتقد – درجة ركود الاقتصاد لا درجة استقلاله . وذلك يتضح إذا ربطنا بين ركود التجارة الخارجية واتجاه وآليات عملية التنمية كما حللناها من قبل.

 

 

القسم الأول: الانقلاب

الباب الأول : مسارالأوضاع المحلية بعد الحرب العالمية الثانية

الباب الثانى: حكومة الضباط

الباب الثالث : الثورة و الثورة المضادة

القسم الثانى: الناصرية

الباب الأول: الحكم الناصري

الفصل الأول  منطق الحكم

الفصل الثانى تشكُّل الحكم

الفصل الثالث   فلسفة الحكم

الباب الثانىالسياسة الناصرية

الفصل الأول السياسة العامة(1)

الفصل الأول السياسة العامة(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(1)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(3)

الفصل الثالث:التوجه العام للسياسةالناصرية

الباب الثالث: حقيقة الناصرية

القسم الثالث: سقوط الناصرية

الباب الأول انهيار النظام

الباب الثانى انقلاب السادات

الباب الثالث الساداتية و الناصرية

 

للاتصال

 [email protected]

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفين ومحظور الاقتباس منها دون الإشارة لمؤلفيها

 بعض المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف و رأى الموقع و تيار اليسار اللاسلطوى

Hosted by www.Geocities.ws

1