التحررية الجماعية      Communism libertarian

الحرية دون مساواة استغلال  المساواة دون حرية استعباد

**********************************

الصفحة الرئيسية

عشوائيات ومعضلات

ترجمات

متنوعات ومختارات

مقالات الراية العربية

مقالات سؤال الهوية

شريف يونس

الفسائل

مقالات إنهيار عبادة الدولة

العلم والأسطورة منهجان للتغيير الاجتماعى

تقدم علمى و تأخر فكرى

الجات ونهب الجنوب

الناصرية فى الثورة المضادة

مواقع أخرى
ENGLISH

مراسلات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
كتاب الناصرية فى الثورة المضادة

عادل العمرى

الباب الأول : مسارالأوضاع المحلية بعد الحرب العالمية الثانية

الفصل الأول :

اتساع الهوة بين الطبقات[1] الاجتماعية:

 

حققت الطبقة المسيطرة أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية تراكمًا ضخمًا، فأصبح للدولة ولمجموعة كبيرة من المؤسسات الخاصة والأفراد ديونًا لدى بريطانيا قدرت بأكثر من 400 مليون جنيها استرلينًيا[2]. كما تراكمت ثروات طائلة لدى كبار ملاك الأراضى نتيجة ارتفاع سعر الأرض، وبالتالى ارتفاع إيجارها، وارتفاع السعر العالمى للقطن عدة أضعاف. وأصبحت الطبقة المسيطرة تساهم بـ 84% من الاستثمارات السنوية بعد الحرب، كما باتت تمتلك 39.3% من رأس المال المسجل فى الشركات الصناعية والتجارية عام 1948[3]. كذلك ترتب على الاستثمارات الضخمة من جانب الحكومة فى قطاع النقل أن أصبحت البلاد  تتمتع بشبكة مواصلات محترمة. كما حققت الصناعة التحويلية قفزة كبيرة أثناء وبعد الحرب فاستطاعت سد طلب السوق المحلية من السكر والكحول والسجائر والملح والدقيق، وانخفض اعتمادها كثيرًا على التمويل الأجنبى، خاصة بالنسبة لغزولات القطن والأحذية والأسمنت والصابون والبيرة والأثاث والكبريت والزيوت النباتية[4]. وقد حّقق الإنتاج الصناعى زيادة خلال الحرب بنسبة 37%، كما ازدادت الاستثمارات الصناعية ككل فى الفترة من 1945 إلى 1951 بمقدار 56.7 مليون جنيه[5]. وارتفع معدل ربح الصناعة من 13% قبل الحرب إلى 20% سنويًا بعدها[6]. وقد ترافق هذا الانتعاش الاستثمارى مع زيادة معدل الادخار المحلى من 5% عام 1929 إلى 29% عام 1944[7].

وقد أفرزت فترة الحرب وما بعدها ظاهرة "أغنياء الحرب" خاصة من التجار المغامرين الذين استغلوا نقص البضائع الأجنبية الضرورية، وراكموا ثروات طائلة وراحوا يستثمرون أرباحهم فى العقارات الضخمة. ومع استئناف ورود البضائع المستوردة بعد الحرب راح أفراد الطبقة المسيطرة يتكالبون على اقتنائها بما لديهم من ثروات مكتنزة هائلة، وانتشرت روح الاستهلاك الترفى بسرعة.

أما فى الطرف الآخر، فقد سارت أحوال العمال وفقراء الريف وصغار الموظفين إلى تدهور عظيم ؛ فعانت الطبقات الأدنى من نقص السلع الأساسية وارتفاع أسعارها وضعف القدرة الشرائية، حيث أخذت تتدهور بشكل متعاظم أثناء الحرب بصفة خاصة، وإن استمر التدهور بعدها أيضًا. وقد ارتفعت نسبة البطالة ارتفاعًا كبيرًا، بل وعانى المتعلمون منها، فبلغ عدد المتعطلين منهم نحو عشرة آلاف عام 1946، وهو رقم ضخم فى ذلك الحين.

وقد ترافق مع هذا البؤس والخراب الذى عم حياة الطبقات الأدنى والانتعاش والثراء الذى شهدته الطبقة المسيطرة انتشار الفساد (الاختلاس واستغلال النفوذ والمحسوبية وانتشار الرشوة داخل أجهزة الحكومة) وتجارة السوق السوداء، والمضاربة فى السلع الضرورية. يضاف إلى ذلك فساد البلاط الملكى بشكل لم يسبق له مثيل ، من فضائح مالية للملك (منها على سبيل المثال نهب أموال الأوقاف)، إلى فضائحه الأخلاقية المتعددة.

وفى ظل هذا التفاوت الاجتماعى الكبير وتراكم البؤس فى جانب والثراء مع الفساد فى الجانب الآخر، تعاظم السخط الشعبى، مما أجبر الحكومات على اتخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية لصالح الطبقات الأدنى. فقامت الحكومة على سبيل المثال فى عام 1941 بسن قانون النقابات العمالية وسمحت بحق الإضراب (ولكن بشروط). كما قامت بتوزيع بعض السلع الأساسية بالبطاقات وبأسعار مخفضة وحددت أسعار بعض السلع، كما أصدرت حكومة "الوفد" الأخيرة قانون عقد العمل الفردى ثم قانون عقد العمل الجماعى، بالإضافة إلى قوانين خاصة بتعويضات إصابات العمل، كما رفعت تعويض غلاء المعيشة وقدمت دعمًا للقمح[8]. إلا أن كل هذا لم يكن كافيًا لتسكين السخط الشعبى المتصاعد.

الفصل الثانى :

 نمو التناقضات داخل الطبقة المسيطرة:

 

برغم الانتعاش الاقتصادى الكبير للطبقة المسيطرة أثناء وبعد الحرب، وبفضل هذا الانتعاش نفسه، تصاعدت التناقضات بين مختلف فئاتها، فقد ظل كبار ملاك الأرضى يهيمنون على سلطة الدولة، الأمر الذى وصفه البعض بهيمنة ما أسموه ب  المنطق الزراعى[9] . فبينما كانت الدولة  تتدخل من حين لآخر لصالح كبار ملاك الأراضى عن طريق شراء القطن بأسعار مرتفعة فى أوقات الكساد أو ببيع أراضى طرح النيل لهم بأسعار رمزية، كانت نفس الدولة لا تقوم بدور مماثل تجاه رجال الصناعة؛ فكانت الضرائب المفروضة على الصناعة مرتفعة، كما عانت الأخيرة فى ظل "المنطق الزراعى" من نقص الكادرات الفنية بسبب التركيز على التعليم النظرى دون التعليم المهنى، كما عانت من عجز قطاع الكهرباء، الذى أجبر أصحاب المصانع على شراء مولدات كهربائية خاصة عالية التكلفة[10]. ومن ثم طالب جمهور رجال الصناعة بتدخل أوسع للدولة فى تمويل الصناعات ومنح التفضيلات الجمركية للسلع التجهيزية والمواد الخام، وفرض جمارك مرتفعة على السلع المنافسة المستوردة، وضمان الأرباح للصناعات الناشئة، وتخفيض الضرائب على الأرباح الصناعية[11]. كما طالب بأن تتدخل الدولة لتخفيض أسعار المواد الخام، وخاصة القطن المصرى، والسماح باستيراد القطن قصير التيلة من الخارج مقابل تصدير القطن المصرى المرتفع الثمن. ولم تستطع دولة كبار ملاك الأراضى أن تقدم الكثير لرجال الصناعة رغم تولى بعض من أكبر رجال الصناعة رئاسة الحكومة أكثر من مرة ، إذ كان كبار رجال الصناعة هم أنفسهم من كبار ملاك الأراضى، كما أن الوزارات التى رأسها رجال الصناعة كانت تعمل فى حماية الملك؛ أكبر مالك عقارى فى البلاد.

وقد ظلت المصانع تشترى القطن بأسعار متزايدة الارتفاع وتتعرض لمنافسة السلع الأجنبية (أُغلق فى الفترة من 1945 – 1948 نحو 109.715 ألف مؤسسة صناعية[12] بعد تدفق السلع المستوردة الأجود والأرخص)، وتدفع ضرائب مرتفعة.

وفى إطار الصراع حول اقتسام الفائض الاجتماعى طالب فريق من الإصلاحيين بتنفيذ عدد من الإجراءات، مثل إلغاء الوقف وتحديد الملكية الزراعية وتحديد ايجارات الأراضى وإجراء إصلاحات بالإدارة الحكومية، وقد أيد جمهور رجال الصناعة هذه المطالب، كما أيدتها الانتلجينسيا بوجه عام.

لقد وصف شارل عيسوى كبار ملاك الأراضى المصريين بأنهم قد شكلوا "طبقة تحمل عيوب الطبقة الثرية دون مزايا الطبقة الحاكمة"[13]. وفى الحقيقة كانوا رغم الروابط الوثيقة التى ربطتهم بالصناعة محط أنظار دعاة الإصلاح الاجتماعى. ورغم أن الصناعة  قد وجدت نفسها فى وضع معاد للملكية العقارية الكبيرة ، لم يستطع رجال الصناعة فى الواقع رفع شعارات راديكالية ومعادية لهذه الملكية، وذلك خوفاً مما قد يترتب على ذلك تحولات اجتماعية لا يمكن توقعها[14].

وفى داخل قطاع الصناعة نفسه كان جمهور أصحاب الأسهم غاضبًا على كبار رجال الصناعة من المليونيرات وكبار المديرين؛ فالشركات الاحتكارية كانت تحقق الأرباح الطائلة على حساب الشركات الصغيرة، بتحويل جزء من فوائضها. إذ أن الصناعة المصرية قد شهدت فى تلك الفترة ظاهرة فريدة هى "احتكار الإدارة"، ففى أحيان عديدة كان شخص واحد يمسك بيده مجالس إدارة تصل إلى 20 أو 30 أو حتى 40 شركة فى آن واحد[15].

وكان أغلب هؤلاء يملك قليلاً من الأسهم ، وكانوا يعملون من خلال إدارتهم لهذا العدد من الشركات على زيادة "مرتباتهم" واستغلال الشركات لمصالحهم الشخصية، وفى هذا السياق يفرغون خزانة شركة فى شركة أخرى، مما سبب ضررًا كبيرًا لجمهور المساهمين. وقد أدى هذا الوضع إلى عدم الثقة من جانب جمهور المساهمين فى رجال الإدارة، فكان الطرف الأول يسعى جاهدًا لتوزيع أكبر نسبة من الربح المحقق، وبذلك كان المساهمون يعرقلون توسع المشاريع، وعلى الجانب الآخر كان رجال الإدارة يعرقلون نمو الشركات الصغيرة.

هكذا كانت الطبقة المسيطرة تتفتت وتتشقق إلى كتل وجماعات وأحزاب متصارعة، راح كل منها – فى سبيل تبرير شرعية وجوده -  يزايد على الآخر، وبلغ الأمر الملك نفسه، الذى أخذ يعلن نفسه ممثلاً " للرجل الفقير" ... الخ. كما راحت الأحزاب الليبرالية تتنافس على استقطاب الجماهير بأية طريقة، وراح كل فريق يقترح التضحية بفريق آخر؛ ككبش فداء للنظام ككل. فالإضرابات والصراعات الاجتماعية الحادة التى شهدتها البلاد فى الفترة من 1945-1952 والتى بلغت حد إضراب رجال الشرطة للمرة الثانية فى تاريخ مصر الحديث عام 1947[16]، قد فرضت على الطبقة المسيطرة ضرورة التضحية ببعض مكاسبها أو تقديم كبش فداء لها ككل، خاصة أن قدرتها على ممارسة القمع راحت تضعف بعد هزيمة 1948 وانتشار مشاعر التذمر داخل الجيش وبقية أجهزة الدولة. وقد دفع نمو الحركة الشعبية بالتناقضات داخل الطبقة المسيطرة بعيدًا وزاد من حدة الصدامات بين مختلف كتلها، وما كانت تلك الطبقة تحاول أن تتماسك فى مواجهة الحركة الوطنية إلا وتجد نفسها بعد قليل وقد تفككت مرة أخرى.

و قد كانت الأرستقراطية الزراعية المتمتعة بحماية السراى هى أكثر الأطراف ملاءمة للتقدم على مذبح الفداء، ولكن لم يكن من المتصور أن تتطوع أعتى الفئات المسيطرة من تلقاء نفسها" لنيل شرف" التضحية بالنفس من أجل استقرار النظام، ولذلك كان من الممكن فقط أن تتم هذه العملية بالقوة.

وكان للسراى وضع خاص فى خضم تلك الأزمة، فقد كانت إحدى أهم دعائم النظام السياسى، وكان الملك يسيطر على أحزاب الأقلية، أو على الأقل يستطيع أن يستقطبها. وكان هو أكثر أطراف النظام عداءً للإصلاح الاجتماعى والسياسى بحكم وضعه الخاص على رأس الأرستقراطية العقارية ، بالإضافة إلى ضيق أفقه الشخصى ، ومن ثم عرقل طويلاً محاولات الإصلاح العديدة التى طُرحت داخل معسكر النظام نفسه. وعلاوة على ذلك ساهمت سمعته الشخصية السيئة فى إحراج متزايد للنظام. ولكن لما كانت السراى هى رمز سلطة الطبقة المسيطرة فى ذلك الحين لم تكن مواجهتها مباشرةً من جانب دعاة الإصلاح بالأمر المضمون، إذ كانت ثمة مضاعفات ثورية تبدو فى الأفق. وللسبب الأخير بالذات وجدنا هذا الملك يعيِّن بنفسه الوزارة التى أشرفت على انتخابات 1950 ويقدمها ك "هدية العيد من الملك إلى شعبه"[17]، كما وجدنا وزارة "الوفد" ؛ الإبنة الشرعية لهدية العيد المذكورة، رغم كل ما اتخذته من إجراءات إصلاحية نزولاً عن إرادة الجماهير، المتمردة تقف مستضعفة أمام السراى بالذات، بل وكانت أكثر وزارات "الوفد" تهادنا مع الملك ، ف" وفد"1950 المحافظ لم يعد هو "الوفد" القديم المكافح ، كما أن الحركة الثورية كانت تزداد قوة . و فى الحقيقة كانت  الفترة  أكثر الفترات فى تاريخ مصر الحديث ملاءمة – حسب تقديرنا – للتحولات الراديكالية .

الفصل الثالث :

 انفجار المسألة الوطنية والصراع الاجتماعى:

 

تحملت مصر خلال الحرب خسائر فادحة ؛ فوفقًا لمعاهدة 1936 قام جيش الاحتلال باستخدام الموانئ والمطارات والطرق، وغيرها من مرافق البلاد، كما استولى على كميات ضخمة من البضائع المنتجة محليًا والتى لم يدفع ثمنها واعُتبرت دينا على الحكومة البريطانية. وقد تحملت الطبقات  الأدنى – فى النهاية – أعباء هذه الالتزامات، بجانب أعباء الإثراء الفاحش للطبقة المسيطرة ابان نفس الفترة.

وكان من نتائج ذلك أن تصاعد السخط الشعبى على الاحتلال، كما ظهرت أوهام ما لدى قطاعات شعبية واسعة بأن انتصار الفاشية كفيل بتخليص مصر من ثقل الاحتلال. وقد أثبتت معاهدة 1936 بحق أنها لم تكن قد عقدت "من أجل مصر" كما ذكر النحاس وإنما عُقدت من أجل بريطانيا وحليفتها فى الداخل؛ الطبقة المسيطرة ، التى استفادت كثيرا من تطبيق المعاهدة وقت الحرب .

كما أدت الحرب بمختلف مضاعفاتها إلى حالة من الغليان الشعبى ضد الاحتلال فى حد ذاته، وقد جرت أثناءها احتكاكات عديدة بين الجماهير والجنود الأجانب، وأصبح مجرد وجود جيش الاحتلال مثيرًا لاستفزاز شعبى بالغ.

وبالإضافة إلى أن الحرب قد دعمت من مركز رأس المال الصناعى المحلى فإنها فى نفس الوقت أدت إلى نمو عدد العمال الصناعيين ونمو ثقلهم فى الحركة الوطنية، مصحوبًا بتدهور بالغ فى مستوى معيشتهم فكانوا أكثر الفئات معاناة أثناء الحرب[18]. كذلك جاءت الحرب بنتيجة بالغة الأهمية؛ هى نمو الوعى السياسى لدى المراتب الاجتماعية الفقيرة، وكذلك لدى الطلاب ، والانتلجينسيا[19] ؛ القوة الأهم فى الحركة الوطنية . وكانت الحرب قد أدت إلى تحسن سمعة الاتحاد السوفيتى فى العالم وخاصة فى المستعمرات، باعتباره الدولة التى ساهمت بالجهد الأكبر فى تحطيم الفاشية، كما برز كدولة مؤيدة للحركات اليسارية والوطنية. كذلك أضعفت الحرب الامبراطوريات الاستعمارية القديمة وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، مما بدا مشجعًا لطموحات قوى أخرى عالمية (الولايات المتحدة أساسًا) ومحلية (مختلف الفئات والطبقات والقوى السياسية المحلية).

وكان الملك قد تلقى فى حادث 4 فبراير 1942 أكبر صدمة فى حياته[20]، حين فرضت عليه الدبابات البريطانية حكومة "الوفد"، ومنذ ذلك الحين وهو ينتظر اللحظة التى يرد فيها الصاع صاعين لحزب الأغلبية ( من أجل استعادة سلطته التى دائمًا ما كان يفقد جانبًا هامًا منها فى ظل الحكومة الوفدية، ولكى يستعيد هيبته أمام الشعب وتجاه الاحتلال أيضًا ).

أما أحزاب الأقلية فباتت تأمل فى القضاء المبرم على "الوفد"، بعد حادث 4 فبراير وطرد مكرم عبيد؛ الرجل الثانى فى الحزب، وفضائح "الكتاب الأسود" الشهير. وكان 4 فبراير قد مس إلى حد ما احترام "الوفد" وسط جماهيره، ولكنه ما لبث أن استرد بعد الحرب كثيرًا من نفوذه بفضل فساد وزارات أحزاب الأقلية التى تلته أساسًا وليس بفضل نضاله الخاص. ولكن جماهير "الوفد" بعد الحرب لم تكن هى نفسها جماهيره قبلها ؛ فالطبقات الفقيرة قد باتت أكثر ميلاً للشعارات الراديكالية وأكثر ميلاً إلى العنف، وأصبح الاحتفاظ بتأييدها يتطلب من الحزب ليس فقط رفع الشعارات الوطنية بل وتبنى المطالب الاجتماعية المتزايدة أيضًا، خاصة أن الحرب قد أدت إلى تدهور مستوى معيشة الطبقات الأدنى بشدة. كذلك لم تعد المسألة الوطنية تقبل كثيرًا من المساومات فى نظر هذا الجمهور المتمرد بعدما كلفه الاحتلال الكثير من التضحيات و الآلام وقت الحرب .

فى ذات الوقت كان "الوفد" قد صار أكثر محافظةً من ذى قبل، فقد سيطرت الأرستقراطية العقارية على قيادته بعد "انجاز" معاهدة 1936، ولذلك بات عليه – وهذه مسئولية من نوع جديد – لكى يحتفظ بنفوذه فى الشارع أن يكبح أولاً جماح نفسه ؛ أى أن يتجاوز الميول المحافظة لقياداته، ويتمسك بشعاراته الشعبوية.

أما الطبقة المسيطرة ككل، فقد ظهرت لديها بعد الحرب طموحات جديدة فيما يختص بالمسألة الوطنية، التى كانت دائمًا من وجهة نظرها مسألة الاستقلال السياسى بشكل جوهرى، وراحت تطالب بريطانيا المنهكة بجزء جديد من الكعكة، وقد وجدت فى اشتعال الحركة الوطنية فرصة للضغط على بريطانيا لتحقيق قدر أكبر من الاستقلال السياسى.

على ضوء هذا الوضع الجديد والمعقد: المزاج الثورى الأخذ فى التصاعد لدى الجماهير والانقسام الذى يزداد عمقًا بين الفئات المسيطرة والضعف الواضح للاستعمار البريطانى ، باتت لعبة الصراع على الساحة المصرية أكثر تعقيدًا، فامتدت لتشمل محاور عدة؛ فالمسألة الوطنية بالغة التفجر، والمسائل الاجتماعية قد أصبحت على جدول أعمال المثقفين و العمال ثم الفلاحين (وان بشكل محدود) بعد ذلك، والديمقراطية ظلت هى الشغل الشاغل " للوفد"، لأنها وحدها التى تضمن لـه الحكومة، وباتت المزايدة السياسية  بين مختلف أحزاب الطبقة المسيطرة وسيلة أساسية للصراع فيما يبنها.

والأمر الأهم على صعيد موازين القوى السياسية المحلية أن قوى جديدة تعبر عن الانتلجينسيا قد دخلت لعبة الصراع، بل واتسع نفوذها اتساعًا كبيرًا : أهمها المنظمات الإسلامية والمنظمات الماركسية وحزب مصر الفتاة  ،و"الطليعة الوفدية" .

وحين اقتربت الحرب من نهايتها بدأ الصراع على السلطة بين مختلف أجنحة الطبقة المسيطرة، فمع هدوء حدة المعارك واقتراب هزيمة ألمانيا أصبح من الممكن للملك (بعد أخذ موافقة بريطانيا فيما يبدو) أن يقيل حكومة النحاس التى كان رئيسها يتعمد استفزاز الملك مستغلاً حماية بريطانيا، وتم له ما أراد فى أواخر 1944[21]، وقام بتعيين أحمد ماهر رئيسًا للوزراء، فشكل وزارته من السعديين والأحرار الدستوريين والكتلة الوفدية والحزب الوطنى، وأعلن عن موعد للانتخابات العامة لتشكل مجلس النواب.

أما "الوفد" فقد استبعُد بالطبع من الوزارة الجديدة، وكان من المتيقَّن أن وزارة أحمد ماهر سوف تقوم بتزوير الانتخابات، فطالب "الوفد" بإجراء الانتخابات تحت إشراف حكومة محايدة، ولكنه فى النهاية اضطر إلى مقاطعتها.

تشكلت الوزارة الجديدة إذن برئاسة أحمد ماهر باشا (الحزب السعدى) الذى لم يمهله الوطنيون فتم اغتياله عام 1945 فى ذات اليوم الذى قرر فيه إعلان الحرب على ألمانيا. وقد أعلنت الوزارة الجديدة تمسكها بمعاهدة 1936 وبالتفاهم (أى التحالف مع بريطانيا)[22]، إلا أنها اضطرت لإطلاق بعض الحريات الديمقراطية التى قُمعت بشدة خلال الحرب، حين بدا أنه لا يوجد مبرر لاستمرار العمل بالأحكام العرفية. وعلى أثر ذلك انفجرت حركة احتجاج شعبية هائلة على وجود الاحتلال وعلى معاهدة 1936 وعلى إعلان الحكومة موافقتها على فكرة التحالف مع بريطانيا.

وفى مقابل موقف الوزارة طالبت القوى الوطنية – وحزب "الوفد" – بعرض قضية احتلال مصر على مجلس الأمن. وكان الاتحاد السوفيتى فى ذلك الوقت يساوم بلدان الغرب على الانسحاب من إيران على أن تجلو بريطانيا وفرنسا من مصر وسوريا ولبنان، وكان الوجود السوفيتى لا يزال قويًا فى إيران، والحزب الشيوعى واسع النفوذ فى اليونان. وقد انتهزت سوريا ولبنان الفرصة وقامتا بعرض قضية الاحتلال على مجلس الأمن وتمت التسوية لصالحهما. أما وزارة السعديين فى مصر – الأكثر قدرة فى الحقيقة على تمثيل الطبقة المسيطرة بخلاف "الوفد" الأكثر ارتباطًا بالجماهير، وبالتالى الأكثر قابلية للاستجابة لضغطها – فكانت ترى أن الحل المثالى هو تحقيق الاستقلال مع الإبقاء على شكل من أشكال التحالف مع بريطانيا.

قام النقراشى الذى حل محل أحمد ماهر بتقديم مذكرة للحكومة البريطانية فى ديسمبر 1945 تتضمن طلبًا بإعادة النظر فى معاهدة 1936 مع تلميح لفكرة التحالف مع بريطانيا، ولكن كان رد الحكومة البريطانية مخيبًا لآمال النقراشى. وكانت المذكرة قد أرسلت سرًا وكذلك كان الرد، إلا أن أخبار كل منهما قد تسربت إلى الشارع، مما أجبر الحكومة فى النهاية على نشرهما، لتنفجر مظاهرات عارمة ضد الحكومة، ولتجرى مصادمات واسعة النطاق، كان من أحداثها مذبحة كوبرى عباس الشهيرة، وتبع ذلك استقالة النقراشى من الوزارة، بينما عُيّن إسماعيل صدقى رئيسًا للوزارة الجديدة[23].

وفى محاولة لاستقطاب الجماهير الثائرة، طرح "الوفد" شعار "وحدة وادى النيل" كحل للمسألة السودانية، وشعار إلغاء معاهدة 1936 الذى يعنى الجلاء التام. والأهم من ذلك أن الحزب قد ركز على ضرورة إجراء انتخابات جديدة حرة تحت إشراف حكومة محايدة. وسوف نرى فيما بعد كيف كلفته هذه الشعارات ثمنًا باهظًا.

أما خطة القوى الوطنية  (باستثناء التيار الإسلامى) فكانت تتلخص فى تمكين "الوفد" من الوصول إلى السلطة من أجل تحقيق هذه الشعارات، أو على الأقل من أجل عرض القضية على مجلس الأمن[24].

وقد قامت حكومة صدقى التى تلت حكومة النقراشى بإطلاق مزيد من الحريات السياسية لتحسين صورة الحكومة من جهة، ولاستخدام حركة الجماهير فى المفاوضات المرتقبة مع المستعمرين من جهة أخرى، إذ كان صدقى قد قرر الدخول فى مفاوضات مع بريطانيا بهدف حل المسألتين المصرية والسودانية.

وكان أول رد فعل للجماهير على أثر إطلاق الحريات هو التظاهر ضد حكومة صدقى نفسها، مطالبة بتوزيع عادل للثروة الوطنية وبالجلاء التام لجيش الاحتلال وعرض القضية الوطنية على مجلس الأمن. كما تشكلت "اللجنة الوطنية للعمال والطلبة" واستمرت المظاهرات أيامًا عديدة. إلا أن صدقى قد قرر بدء التفاوض أثناء المظاهرات لعله يستفيد منها .

وفى مقابل خطة صدقى أبدت بعض الدوائر البريطانية حرصها على أن تتم المفاوضات مع حكومة تتمتع بنفوذ شعبى ملموس، أى مع حزب "الوفد". وكمناورة قام صدقى بعرض اشتراك حزب "الوفد" بعضوين ولكن مصطفى  النحاس رفض الفكرة وعرض عدة شروط للدخول فى المفاوضات:

1- أن تتم المفاوضات بغض النظر عن مذكرة النقراشى سابقة الذكر.

2- أن يكون لحزب "الوفد" أغلبية فى وفد المفاوضات.

3- حل مجلس النواب بعد انتهاء المفاوضات وإجراء الانتخابات تحت إشراف حكومة محايدة.

وأمام هذه الشروط راح صدقى يهاجم "الوفد" بشدة، بينما تم تشكيل وفد المفاوضات من أحزاب الأقلية وسط معارك إعلامية حادة بين حزب "الوفد" والحكومة، ومظاهرات احتجاج واسعة وعنيفة أثبتت لصدقى ( و لكن لم تثبت للنحاس بعد ) أن لعبة استغلال الحركة الجماهيرية لم تعد مجدية، إذ أن الظروف التى كانت تسمح بذلك فى الماضى قد ولَّت، ولذا سرعان ما تراجع هذا مذعورًا عن "تجربته الديمقراطية" – إذا ما استخدمنا مصطلاحات العصر الحالى – فأصدر قانون "حماية النظام الاجتماعى"[25] ، (ذلك القانون الذى لم تجرؤ أية حكومة مصرية بعد ذلك على إلغائه )، ودخل المفاوضات بعد اتخاذ إجراءات قمع بالغة العنف ضد الجماهير الثائرة، وضد الصحافة. وانتهت المفاوضات المرجوة بمشروع صدقى – بيفن المعروف، وقد نص على تشكيل لجنة للدفاع المشترك واستمرار نظام الإدارة بالسودان كما هو.

وكان رد "الوفد" على صدقى – بيفن أن أعلن أن صدقى لن ينجح فى تنفيذ أى اتفاق ولا فى إجراء أى حل للمسألة الوطنية، مناديًا مرة أخرى بانتخابات حرة (تؤدى كالعادة إلى حكومة وفدية)، كما راح النحاس يتقرب – بهدوء – من عدو الأمس: الملك .

أما القوى الوطنية فأعلنت موقفها الملخص فى إلغاء معاهدة 1936 وعرض القضية على مجلس الأمن. وفى مواجهة اتفاق صدقى – بيفن جرت أعمال عنف جماهيرية بالغة الاتساع واجهتها موجه من القمع، ومع ذلك لم تنسحب الجماهير من الشوارع إلا بعد استقالة إسماعيل صدقى.

تحقق لمصلحة الانتلجينسيا و الطبقات الأدنى هدف هام حتى استقالة صدقى، هو منع إقامة حلف دفاعى مع بريطانيا – وهو الهدف الأساسى للأخيرة من عقد أى اتفاق مع مصر فى ذلك الوقت – فقطع الشعب بذلك على الكتلة الأكثر محافظة من الطبقة المسيطرة طريق حل المسألة الوطنية لحسابها الخاص. وقد أثبتت حكومات أحزاب  الأقلية حتى الآن عجزها عن تنفيذ أى اتفاق مع بريطانيا وأعلنت الصحافة البريطانية ذلك بوضوح، كما بدأت الحكومة البريطانية نفسها تعرب عن رغبتها فى التفاوض مع حكومة مقبولة من الشعب .. هكذا بدت أحلام "الوفد" قريبة المنال. إلا أن الملك كان لا يزال مصممًا على تحطيم "الوفد" بالذات، فسلم الوزارة إلى النقراشى مرة أخرى.

قرر النقراشى – بتأييد الملك طبعًا – طرح فكرة إعادة المحادثات مع بريطانيا ولكن على أساس تعديل الاتفاق على حل مسألة السودان وبذلك يكون – حسب تصوره – قد حقق أحد أهم أمانى الحركة الوطنية وسحب البساط من تحت أقدام "الوفد" ولو جزئيًا. إلا أنه لم يفكر فى إعادة التفاوض حول مسألة التحالف. وقد ظلت هذه المسألة تشكل نقطة ضعف كبيرة فى خطته، استغلها "الوفد" فى تحريض الجماهير ضده. وفى مواجهة مطالب التعديل المذكورة، اتخذت بريطانيا موقع المدافع عن حقوق السودانيين فى مواجهة ما أسمته بأطماع مصر الاستعمارية فى السودان، وذلك فى محاولة لإحراج حكومة النقراشى، وردًا على تشبث الملك بعدم عودة "الوفد" تبنت بريطانيا قضية الديمقراطية فى مصر فراحت تهاجم حكومة النقراشى وتدعو علنا إلى عودة "الوفد". وفى مواجهة ذلك قام الملك بتعيين إبراهيم عبدالهادى (الحزب السعدى) رئيسًا للديوان الملكى وهو ا لمعروف بعدائه الشديد لحزب "الوفد".

أما فى معسكر الحركة الوطنية، فقد استمرت المظاهرات وحركات الاحتجاج رافعة شعارها الخاص بالسودان: "وحدة وادى النيل" الذى اكتسب شعبية هائلة فى مصر والسودان معًا، واستمرت تتمسك بعرض القضية الوطنية على مجلس الأمن.

إزاء هذا كله: تشدد كل من بريطانيا والحركة الوطنية، قرر النقراشى القيام بعرض القضية على مجلس الأمن للتخلص من الضغط الشعبى ولإحراج بريطانيا فى ذات الوقت، آملاً فى كسب الولايات المتحدة إلى صفه[26]، وعلى أساس أنه – فى أسوأ الاحتمالات، أى فشل مجلس الأمن فى تقديم حل للمسألة المصرية يكون قد أحبط الحركة الوطنية وهزم طلبها، فتعود الجماهير إلى الهدوء. .

أما بريطانيا فقد أصرت على استمرار معاهدة 1936 بينما لم يعد مجلس الأمن بقادر على تقديم شىء لمصر، إذ كان الاتحاد السوفيتى قد انسحب من إيران وهدأت الأحوال فى اليونان ولم يعد هناك مبرر لدى بريطانيا لتقديم تنازلات؛ خاصة أنها كانت قد نسقت مصالحها فى الشرق الأوسط مؤقتًا والى حد ما مع الولايات المتحدة، ولم تكن على أى استعداد لترك قاعدتها فى مصر، بعد أن أصبحت فلسطين من الناحية الفعلية تحت السيطرة الصهيونية واقتربت نهاية الاحتلال البريطانى لها.

ولم يكن من السهل أن تفوت مناورة النقراشى على الحركة الوطنية، فأعلنت الأخيرة فى صحفها ومظاهراتها ومؤتمراتها أن عرض القضية على مجلس الأمن يتطلب أولاً إلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتى 1899 وإلغاء اتفاق صدقى – بيفن وهكذا بلغت المعركة مستوى جديدًا من التوتر.

أما حزب "الوفد" فأعلن رفضه لمبدأ التحالف وهاجم النقراشى داعيًا إلى انتخابات حرة حيث أن "الحكومة لا تمثل الأمة"، كما ادعى.

وسارت سلسلة جديدة من المظاهرات، كما نشطت من جديد موجات من العنف الجماهيرى والقمع المضاد مما أجبر بريطانيا على سحب قواتها من القاهرة والإسكندرية مكتفية بالتمركز فى منطقة القناة مع تهليل حكومة النقراشى، بينما استمرت الجماهير فى هجومها على قوات الاحتلال المنسحبة والتظاهر العنيف ضد الحكومة.

وبعد تلكؤ طويل قام النقراشى بتقديم مذكرة إلى مجلس الأمن فى يوليو 1947 مهاجمًا الاستعمار بعنف غريب على رجل مثل زعيم الحزب السعدى، وذلك إرضاء للجماهير، بينما استغلت بريطانيا مسألة السودان لمواجهة هجوم النقراشى، بفضح ما أسمته بالأطماع الاستعمارية لمصر فى السودان. أما محاولة النقراشى لكسب ود الولايات المتحدة فلم تكن ناجحة على الإطلاق[27]، وانتهى الأمر بفشل المجلس فى اتخاذ أى قرار بصدد القضية. وهكذا ظن النقراشى أنه رغم فشل اللجوء إلى المجلس قد قدم للحركة الوطنية ما أرادت . ولكن النتائج كانت مغايرة لما توقع تمامًا، فاشتعلت البلاد بالمظاهرات وأصبحت حكومة الأقلية المؤيدة من قبل الملك عاجزة عن القيام بمزيد من المبادرات، وبدأت مرحلة جديدة من الصدامات العنيفة بين الجماهير وقوات الشرطة على نطاق واسع.

وقد شهدت الفترة التالية سلسلة من الإضرابات ذات الطابع الاقتصادى والنقابى، كان آخرها إضراب رجال البوليس فى سبتمبر 1947 الذى هز هيبة النظام كله وتسبب فى شلل بالغ لجهاز الشرطة.

كما شهدت الفترة نفسها تصاعدًا لأعمال الإرهاب ، خاصة من جانب جماعة الإخوان المسلمين.

ولكن جاءت أزمة فلسطين لتنقذ النظام من حالة فوضى لم يكن ليُعرف مداها. فقد أعلنت بريطانيا عام 1947 عن اعتزامها سحب قواتها من فلسطين، بينما كانت المصادمات بين العرب والصهاينة قد بلغت الذروة، وأصبح إعلان  قيام دولة يهودية أمرًا وشيكا. ثم صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين فى أكتوبر عام 1947، وتلاه إعلان قيام دولة اسرائيل فى 15 مايو 1948.

وكان الشعور القومى (العربى) قد بدأ ينبثق فى مصر حثيثًا منذ ما بعد الحرب العالمية، وحفز تصاعد المسألة الفلسطينية من اهتمام الجماهير فى مصر بمسألة القومية العربية، وان لم يؤد ذلك إلى تكون حزب سياسى على شاكلة "البعث"، كما لم تتبن المنظمات الشيوعية تلك القضية باستثناء بقايا الحزب الشيوعى المصرى القديم( 1921) الضعيفة خلال الثلاثينات. ولكن الشعور بالانتماء العربى كان قد بدأ فى التغلغل فى وجدان الجماهير التى باتت ترى فى الانتصار الوشيك للصهيونية فى فلسطين انتصارًا للاستعمار الذى كانت لا تزال تحاربه فى مصر، علاوة على أن إخوة عربًا كانوا يذبحون ويشردون ويُطردون من ديارهم. وقد لعب حزب "مصر الفتاة" وجماعة "الإخوان المسلمين" الدور الأساسى فى الدعوة لمحاربة الصهيونية ومساعدة الفلسطينيين، بينما وجدنا أكبر المنظمات الشيوعية تؤيد تقسيم فلسطين وتعارض دخول مصر الحرب عام 1948 بالاستناد إلى تحليلها للصهيونية رغم رفضها ومحاربتها لها أيضًا. أما حزب الأغلبية فلم تكن القضية الفلسطينية مدرجة على جدول أعماله واكتفى بتأييد نظرى للكفاح ضد الصهيونية عمومًا، وفيما بعد أيد دخول الحرب ضد اسرائيل.

وقد جاء إعلان قيام اسرائيل ليشعل المنطقة كلها.. وكانت الحرب.

اشتعلت فى مصر الحركة الوطنية بشكل لم يسبق له مثيل: فها هو انتصار كبير جديد للاستعمار، فقامت المظاهرات المعادية للاستعمار والصهيونية واشتدت الدعوة للحرب،و قامت جماعة الإخوان المسلمين وجماعات من صغار الضباط الوطنيين بممارسة نشاط مسلح ضد اليهود فى فلسطين، وبات من الواضح أن الشعب والجيش مصممان على الحرب رضيت الحكومة أم أبت[28].

أما الملك فقد وجد فى كل ذلك فرصة ذهبية لاسترداد هيبته المفقودة فى الداخل ولاكتساب شعبية فى المنطقة العربية. وكان قد بدأ يبحث له عن دور عربى بعد الحرب العالمية الثانية مع اشتعال حركة القومية العربية، لتعزيز نفوذه فى الداخل فى مواجهة "الوفد"، كما أن منافسيه الرئيسيين فى العالم العربى وهما ملكا العراق والأردن كان من المحتمل أن يتدخلا أيضًا[29].

أعلن الملك دخول الحرب بدون علم رئيس وزرائه، فأمر بتحرك الجيش محاولاً اكتساب شرف الوطنية على حساب وزارته وعلى حساب جيشه الضعيف، ولم تجد الوزارة بدًا من تأييد الملك رغم عدم دستورية قراره، كما لم يجد "الوفد" مفرًا من تأييد الحرب.

أما بريطانيا فلم تكن تستطيع رغم احتلالها لمصر أن تقف ضد المشاعر القومية الملتهبة ، و هى على العموم لم تساعد بقدر مهم أى من الطرفين : العرب و الصهاينة .

كذلك كان إعلان الحرب فرصة للطبقة المسيطرة ولقوات الاحتلال لفرض الأحكام العرفية وتجميد الصراع الاجتماعى.

وفى هذه الظروف راحت الجماهير تتقبل الأحكام العرفية بكل رضا. لقد بدا أن الأمور تسير حتى الآن لصالح الطبقة المسيطرة. ولم ينس "الوفد" أن يضيف لقبوله بالأحكام العرفية شرطًا "ديموقراطيًا" ؛ ألاَّ تستخدم هذه الأحكام إلا فى الغرض الذى ُفرضت من أجله.

حفزت الحرب نشاط جماعة الإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة وإحدى المنظمات الماركسية (طليعة العمال والفلاحين)، وقد مارست هذه التنظيمات نشاطًا جماهيريًا واسعًا، خاصة أن الحرب قد ألهبت الجماهير وأثارت فورانًا هائلاً للمشاعر القومية.

ولكن انتهت الحرب نهايتها المعروفة. و قد  كشفت الإدارة السياسية والعسكرية للمعارك عن فساد عظيم فى جهاز الدولة، وتعلمت الجماهير والقوى الوطنية درسًا أساسيًا: أنها  هزمت لأنها لم تحارب تحت لوائها الخاص، وان تحرير فلسطين لابد أن يمر بتحرير مصر من الاستعمار ومن حلفائه. وكان ضمن أهم نتائج الهزيمة مزيد من الاستقطاب السياسى؛ فجماعة الإخوان المسلمين التى طالما وقفت مع حكومات وأحزاب الأقلية فى 46-1947 وجدت فى الحرب فرصة لتقوية جهازها العسكرى وتدريب الآلاف من أفرادها على استعمال السلاح وتحزين كميات كبيرة منه. كما بدأت قواعدها حملة إرهاب واسعة ضد المنشآت والعناصر اليهودية طوال فترة الحرب وبعدها، وقوبل عنفها بقمع شديد من قبل حكومة النقراشى، التى اضطرت فى النهاية إلى إصدار قرار بحل الجماعة فى ديسمبر 1948، وذلك لإجبار أفرادها على التوقف .. إلا أن هذا القرار قد أدى إلى تصعيدها لأعمال العنف أكثر و أكثر.

وأخيرًا اغتيل النقراشى وحسن البنا وجرت حملة تنكيل بشعة ضد أفراد الجماعة من قبل حكومة إبراهيم عبدالهادى الذى حل محل النقراشى.

كما اتسعت خلال وبعد الحرب صفوف "الطليعة الوفدية"؛ الجناح اليسارى للوفد (معظم قواعد الحزب). وقد راحت هذه الطليعة تحاصر قيادة الحزب نفسها. كما عاد من ساحة الحرب صغار الضباط مهزومين محبطين وهم يشعرون بأنهم قد دفعوا أرواح زملائهم ثمنًا لمؤامرات رخيصة وألاعيب سياسية طرحت تحت شعارات براقة… والأهم من ذلك أنهم بدأوا يشعرون بأنهم مجرد أداة فى يدى نظام ما ينفك يضعف، لقد بدأوا يشعرون بأنه لا ينبغى عليهم أن يضعوا أنفسهم تحت إمرة نظام مهترئ، بل بدأوا يشعرون أنهم أحق بأن يصبحوا اليد القابضة. وقد كانت الحرب والهزيمة صدمة كبيرة لشباب الضباط، ومنذ ذاك الحين بدأوا ينخرطون بأذهانهم فى الحركة الوطنية ثم ما لبثوا أن انخرطوا فيها بأجسادهم أيضًا، معتقدين أن خلاص البلاد سوف يكون ويجب أن يكون على أيديهم. ولذلك وضعوا على عاتقهم مهمة قيادة المجتمع بأسره .. فلا أمل فى السراى والأحزاب.. ولم تستطع منظمات الحركة الوطنية أن تملأ الفراغ .

وتفجرت على أثر الهزيمة موجة واسعة من الإضرابات والمظاهرات وأعمال الإرهاب مما اضطر الحكومة إلى أن تلجأ للعنف ممثلاً فى الاغتيالات السياسية والتعذيب الوحشى للمعتقلين.

ومنذ ذاك الحين طُرِحَت شعارات اجتماعية أكثر جذرية ، كما اشتعلت إضرابات العمال وبدأت الحركة الفلاحية تتفجر شيئًا فشيئًا، وانتشرت التنظيمات السرية ، خاصة الشيوعية، وكذلك التنظيمات الوطنية الإرهابية .

لقد سقطت أحزاب الأقلية وتحطمت على صخرة الحركة الشعبية، ولم يعد الملك يتمتع بأية شعبية ومن ثم ازداد انصرافه هو الآخر إلى اللهو والمغامرات الشخصية، هروبًا من واقعه  الأليم.

ووسط كل هذا استمر حزب "الوفد" يرفع شعاره المفضل: انتخابات عامة جديدة، ولكنه منذ الآن راح يزايد، لا على أحزاب الأقلية – إذ أن هذه قد سقطت وفقدت معظم جماهيرها القليلة – بل على الحركة الوطنية نفسها، فيما يتعلق بالمطالب الاجتماعية. وكان هذا أمرًا جديدًا لا يخفى مغزاه.

وكانت الطبقة المسيطرة قد فقدت كل أوراقها باستثناء ورقة واحدة: حزب "الوفد"، الذى ظل يتمتع ببعض ثقة جمهور غير قليل. فتراثه القديم كان لا يزال عالقًا بالأذهان، كما منحه وجود الكثير من العناصر الوطنية  بين صفوفه قدرًا لا بأس به من التأييد الجماهيرى.

ورغم الاستقطاب السياسى المتزايد اكتفت القوى الوطنية – وضمنها المنظمات الشيوعية وجمهورها – رغم كل ما جرى -   بخطتها القديمة : حكومة وفدية تحقق الأمانى الوطنية … فرغم قوتها ؛ أى القوى – الوطنية – مجتمعة إلا أنها لم تكن موحدة الإرادة و لم  يكن لديها خطة موحدة وواضحة  لتغيير المجتمع بنفسها و خارج إطار "الوفد".

والآن أصبح من الواضح أمام بريطانيا أن حكومة وفدية هى الضمان الوحيد لنجاح أى اتفاق مع مصر. أما الملك فلم يعد يرى أمامه إلا مخرجًا واحدًا لوقف العنف الثورى المتصاعد وإنقاذ عرشه المنهار : هو تسليم الوزارة لعدوه اللدود .

  كان حزب "الوفد" قد وهن وسار نحو الانشقاق بين قيادته وقاعدته[30]، فقد حققت الطبقة المسيطرة كثيرًا من طموحاتها  فى 1919، 1923، 1936، ولم يتبق فى جعبتها الكثير  لتقود أو لتتجاوز به مطالب الحركة الوطنية. ولذلك أصبح "الوفد" أكثر محافظةً .. ولكنه رغم ذلك ظل بمعنى ما – من وجهة نظر الشعب – سلاحا قابلاً للإشهار فى وجه الاستعمار، بل والطبقة المسيطرة نفسها ، هذا رغم أن نفوذه كان قد تدهور إلى حد ما، وكان  قد راح يفقد كثيرًا من جمهوره منذ قبوله معاهدة 1936. ومن قبل ذلك كانت ميوله المحافظة ابان ثورة 1919 وعجزه عن إرضاء الطموحات القومية للانتلجينسيا أحد عوامل نمو المنظمات الإسلامية التى ناصبته العداء دائمًا،  و اليسارية. وكانت وزارة 4 فبراير 1942 هى الأخرى عاملاً جديدًا وراء مزيد من الاستقطاب فى الساحة السياسية ، خاصة أن تلك الوزارة التى فُرضت على الملك بدبابات الاحتلال لم تقدم من الإصلاحات الاجتماعية ما تعوّد الشعب الحصول عليه من كل حكومة وفدية[31]. وكان انشقاق مكرم عبيد عام 1942 وإصدار "الكتاب الأسود" عاملاً آخر فى إضعاف "الوفد". كما أضافت سيطرة كبار ملاك الأراضى على المراكز القيادية بالحزب مزيدًا من عوامل إضعافه على الساحة السياسية.

وفى مواجهة تلك الخسائر كلها، راح "الوفد" يعوض ضعفه بالمزايدة على الأحزاب الأخرى، بتبنى شعارات الحركة الوطنية، خاصة أن قواعده – المسماة بالطليعة الوفدية – كانت قوية بدرجة كافية لتخويف القيادة. وكان "الوفد" يتصور أنه لازال قادرًا على ممارسة عملية استثمار الحركة الجماهيرية؛ تلك العملية التى تمرس بها منذ 1919، ولكنه لم يدرك أن طابع الحركة الوطنية قد تغير الآن.

ولما كانت الطبقة المسيطرة قد أصبحت أكثر عجزًا عن تقديم الإصلاحات الاجتماعية، خاصة أن المطالب الاجتماعية قد صارت أكثر راديكالية وباتت تستقطب جمهورًا متزايد الاتساع،  راحت – ممثلة فى "الوفد" خاصة – تعوض عجزها بالهجوم شديد اللهجة على الاستعمار، محملة إياه – ضمنيًا – مسئولية أزمات البلاد، مما زاد من اشتعال الحركة الوطنية وضاعف من الضغط الجماهيرى على "الوفد" بالذات لإلغاء معاهدة 1936.

وقد تجمع معظم الشباب "الوفدى" حول قياداته اليسارية (الطليعة الوفدية). وأصبح الانتماء للوفد من قِبل الشباب الوطنى هو بالدرجة الأولى انتماءً لأفكار "الطليعة الوفدية"، حتى صارت قيادات "الطليعة" هى الضمان الفعلى لجماهيرية "الوفد". ومغزى ذلك هو تحول "الوفد" الأصلى إلى حزب أقلية جديد نتيجة هذا الانشقاق غير المعلن، وتحولت جماهير "الوفد" إلى جماهير لشعاراته القديمة وللشعارات الجديدة للطليعة الوفدية، التى فرضت نفسها فرضًا على قيادة الحزب.

وعلى حساب "الوفد" بالذات نمت فى الفترة التالية للحرب الثانية المنظمات الماركسية، التى بدأت كحلقات صغيرة فى بداية الأربعينيات وأخذت تتسع مع نمو الحركة الوطنية، واستطاعت أن تمد نفوذها إلى كثير من نقابات العمال، كما حققت انتشارًا واسعًا فى الجامعات. وقد استطاعت "حدتو" ( الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى ) إنشاء خلايا بالريف بلغت مائة خلية عام 1952[32]، بل وفى الجيش وسلاح الطيران، بل والطيران الملكى نفسه[33]، وقد نجح الشيوعيون فى فن التحريض واستطاعوا قيادة العمال والطلاب فى مظاهرات ضخمة، وخصوصًا ابان أزمة الصناعة فى 1949 واستطاعت القيادات الشيوعية فى الجامعة المشاركة بشكل فعال فى قيادة لجنة العمال والطلبة عام 1946، كما حققت نجاحات سياسية هامة بعد موقف الاتحاد السوفيتى من مصر فى مجلس الأمن عام 1947، حتى أن المظاهرات خرجت وعلى رأسها الشيوعيون متجهة إلى السفارة السوفيتية هاتفة بحياة الاتحاد السوفيتى. ورغم تأثر نفوذ المنظمات الماركسية بموقف "حدتو" المضاد للتيار الشعبى الجارف بخصوص القضية الفلسطينية وموقف ستالين من الدولة اليهودية، فإن تبينها للشعارات الاجتماعية قد منحها نفوذًا ليس قليلا فى أوساط المتعلمين الفقراء و إلى حد ما عمال الصناعة. ومع هذا كله  لم تقدم أبدًا على طرح خطة  للاستيلاء على السلطة وأعلنت – بمجملها – تأييدها لحزب "الوفد" على أساس أنه حزب البرجوازية الوطنية[34]. ورغم هذا شكلت المنظمات الماركسية نوعًا من الضغط على "الوفد" والطبقة المسيطرة ببراعتها فى التحريض والدعاية للشعارات الاجتماعية التى ميزت أطروحات هذه المنظمات.و كان الخط العام للمنظمات الشيوعية هو خط وطنى – ديموقراطى بالإضافة إلى بعض الشعارات الاجتماعية التى لا تتجاوز أطر النظام الاجتماعى القائم ، فلم تكن فكرة قيام ثورة اشتراكية مطروحة[35] .

كذلك حقق حزب "مصر الفتاة" نموً كبيرًا على حساب "الوفد"، وقد غير اسمه إلى "الحزب الاشتراكى" عام 1949، كما غير شعاره من (الله – الشعب – الملك) إلى (الله – الشعب)، وغير نهجه من التقليد الشكلى للأحزاب الفاشية فى أوربا ومعاداة الشيوعية إلى نهج وطنى وديموقراطى وأكثر استنارة، وشارك فى الحياة السياسية بعد الحرب مشاركة فعالة، مركزًا هو الآخر على الشعارات الاجتماعية، بحيث أصبح فى هذا الجانب أكثر راديكالية من المنظمات الماركسية [36]. بل وتحول موقفه من الشيوعية تحولاً جذريًا فأصبح يعتبر نفسه متعاطفًا مع الحركة الشيوعية العالمية، بل وصار دفاعه عن الشيوعية علنًا يفوق بكثير دفاع "الشيوعيين" أنفسهم عنها[37]. وكان "الحزب الاشتراكى" هو الحزب الوحيد فى مصر الذى يدعو إلى الثورة الاشتراكية و يهاجم "الوفد" ، الذى راح يلعب – حسب تعبير طارق البشرى – دور "الرجل المريض" أمام كل الأطراف المتصارعة وكان يتمتع خصوصًا بتأييد أغلب القوى الوطنية، بما فى ذلك معظم الماركسيين . و كان أحمد حسين يرى فى حزب "الوفد" حزبًا رجعيًا يمتص تمرد الشعب، كما رأى فيه الخطر الرئيسى على الثوريين ودعا لمواجهته وإقامة جبهة راديكالية[38].

كما نشطت ابان الفترة الجماعات الوطنية المسلحة التى اكتسب أعضاؤها تعاطف الجماهير وتبوءوا مكانة الأبطال الوطنيين ، وقد ساهمت هذه الجماعات فى حفز المزاج الثورى للجماهير على حساب الروح المحافظة لـ "حزب الأغلبية".

وبالرغم من الضربات القاسية التى تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين، خصوصًا فى 1948-1950 حققت  نموًا ملحوظًا وخصوصًا جناحها المسلح الذى لعب دورًا كبيرًا فى حرب 1948 وبعد ذلك فى معارك 1951 فى قناة السويس رغم عدم دخول الجماعة الحرب رسميا.

وكان نفوذ القوى الوطنية المتزايد يعنى أن الجماهير التى تؤيد حزب الأغلبية لن تتوقف عند حدود هذا الأخير، بل إنها لا تسير وراءه الآن باعتباره قائدها الملهم وإنما كمجرد سلاح تستخدمه فى وجه السراى والاستعمار، وإن لم تكن مدركة لهذا التوجه نفسه.

أصبح "الوفد" هو "الرجل المريض" لكل الأطراف ؛ فهو باعتباره الحزب الذى قاد ثورة 1919 والذى يضم بين صفوفه عددًا كبيرًا من الوطنيين، قد مثل للشعب سلاحًا مشهرًا فى وجه الاستعمار، بل وضد الطبقة المسيطرة ذاتها. هو باعتباره حزب أقلية جديد قد مثل صمام أمان للطبقة المسيطرة ضد عناصر الثورة الآخذة فى التجمع . وهو من وجهة نظر بريطانيا كان الطرف الوحيد الذى تستطيع أن تعقد معه معاهدًة جديدًة على أساس التحالف. وهو بالنسبة للملك لم يزل العدو اللدود، ولكن العدو العأقل ، و الضرورى أحيانا رغم كل عيوبه.  أما "الوفد" فى نظر نفسه فكان حزب الأمة القادر على الإمساك بزمام الأمور وعلى اللعب بكل خصومه بمن فيهم جماهيره نفسها. فقد كان يتخيل أنه يستطيع أن يلعب بكل الأطراف، بينما لم يكن قادرًا فى الواقع على تقديم أى شىء لأى طرف إلا على حساب أطراف أخرى وعلى حساب نفسه أيضًا كتنظيم، مثيرًا بذلك مزيدا من مطالب بعض الخصوم وغضب البعض الآخر، فالصراع السياسى – الاجتماعى كان يسير فى خط متصاعد. ولذلك وجدنا أن "الوفد" قد تحول فى الواقع إلى كرة تتلقفها كل الأطراف الأخرى .. فهو مطالب من قبل جماهيره بتحقيق الجلاء التام ووحدة وادى النيل، وتحقيق درجة من العدل الاجتماعى. ومن قِبل بريطانيا كان مطالبًا بعقد معاهدة تحالف، أما من قِبل الطبقة الاجتماعية التى يستند إليها أساسًا : كبار الملاك ورجال الأعمال، فكان مطالبًا بامتصاص الصراع الاجتماعى المحتدم ولكن ليس بأى ثمن. والحقيقة أن الفترة المذكورة قد شهدت حراكًا سياسيًا لم تشهده مصر الحديثة منذ ثورة عرابى، فالطبقات الأدنى قد أصبحت لها مطالب أكثر جذرية ، وأصبحت طرفًا  فى الصراع السياسى المحتدم (رغم استمرار الانتلجينسيا  القوة الضاربة الرئيسية و التى اتسعت صفوفها بشدة مع التوسع فى التعليم الإلزامى و الجامعى ) . وكان هذا هو التغير الجوهرى الذى شهدته خريطة مصر السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، وكان هو  المصدر الأساسى لأزمة النظام ككل.

ولهذا كله أصبح "الوفد" بجماهيره المتمردة عالة على طبقته، ففقط باستناده إلى الجمهور المتمرد كان باستطاعته أن يضغط على الأطراف الأخرى لتلبية مطلبه الخاص بتشكيل حكومة محايدة تُجرى انتخابات حرة. ولهذا بالذات – وبهذا المعنى المحدد – كان "الوفد"بمثابة "اختراق" شعبى أو "حصان طروادة" داخل قلب النظام. وكان المعسكر الأخير يعرف ذلك خير معرفة بينما كان يراوده الأمل رغم ذلك فى كسب المعركة. لكل ذلك، علينا من الآن فصاعدًا أن ننتظر صراعًا مروِعًا.

 

************

 

تحت ضغط بريطانيا والمظاهرات أمر الملك رئيس وزرائه "إبراهيم عبدالهادى"  بالاستقالة فى 20/7/1949، مقدمًا وزارته الجديدة. وبينما كان الملك يعلن ابتهاجه بالتخلص من أحزاب الأقلية التى فقد فى عهدها شرعية حكمه، كان يخفى فى الحقيقة شعوره بالتوجس من الخطوة الجديدة ، التى أشعرته  بأنه بدأ يفقد عرشه نفسه.

أجريت الانتخابات بواسطة "هدية العيد"، ورفض "الوفد" أى تنسيق مع أحزاب الأقلية معتزمًا إزاحتها من طريقه نهائيًا. بالعكس استفاد "الوفد" من تشهير المنظمات الوطنية بأحزاب الأقلية والحكومات السابقة، وعمل هو الآخر فيها طعنًا – تحت الحزام، فشهر بإجراءات القمع التى اتخذتها حكومة إبراهيم عبدالهادى كما سمحت حرية النشر التى أُطلقت أثناء الانتخابات بمزيد من عرض فضائح الحكومة السابقة وفضائح الملك، مما اضطر حزبى السعديين والأحرار إلى مهاجمة أحدهما للآخر، متهمًا إياه بالمسئولية عن الإجراءات القمعية وعن الفساد، بينما وقف "الوفد" متفرجًا على خصميه التقليديين يحطم كل منهم الآخر، غير مدرك أنه قد أطلق عفريتا سوف يعجز هو عن إعادته إلى عقاله مرة أخرى.

واضطر "الوفد" إلى تبنى شعارات اجتماعية تتخطى أفق الطبقة التى يمثلها ، بغرض المزايدة على الحركة الوطنية، على أمل أن يصفى خصومه واحدًا واحدًا. وقد لعبت المنظمات الماركسية والحزب الاشتراكى دورًا هامًا فى دفعه إلى تبنى هذه الشعارات.

نجح "الوفد" فى الانتخابات، إلا أن النتائج قد أبرزت حقيقة جديدة هامة : إذ حصل الحزب على 45% من الأصوات الصحيحة، 27% من مجمل أصوات الناخبين المسجلين[39]. وهذا دليل على مزيد من تدهور شعبية "الوفد". وإذا كان قد استولى على معظم مقاعد البرلمان فقد انحصر أكثر فأكثر فى الشارع السياسى، وكانت أكثر الفئات عزوفًا عن المشاركة فى لعبة الانتخابات هى المتعلمين ؛ "الأفندية"  ؛ القاعدة التقليدية للحزب ، خاصة فى القاهرة والاسكندرية[40].

وأخيرًا توضح نتيجة الانتخابات أن جمهورًا عريضًا قد خرج من لعبة السياسة الشرعية برمتها.

وزارة "الوفد" الأخيرة (1950) :

وصل النحاس باشا إلى الحكم بتأييد قطاع محدود من الجماهير المتمردة. ولكن "الوفد" خارج الحكم لا يكون – عادًة – هو نفسه "الوفد" فى الحكم. وكانت الوزارة الجديدة وفدية من النوع الجديد ؛ المحافظ . فقد استفاد "الوفد" من التأييد الشعبى فى الحصول على كرسى الوزارة، ولكن عند تأليف الأخيرة اسُتبعدت منها تمامًا العناصر الراديكالية، فجاءت وعليها بصمات فؤاد سراج الدين باشا. واستكمالاً للعبة سارت الوزارة الجديدة بسياسة تهدف إلى إرضاء الملك، الذى أثبت للوفد طول السنوات الخمس الماضية أنه ليس بالخصم الضعيف. والأهم من ذلك أن الجماهير كانت تحاصر الوزارة الجديدة بشعاراتها الراديكالية، فأصبح من الضرورى أن توطد تلك الحكومة صلاتها بالسراى المحافظة .. اذن كان لابد من تقديم شىء للملك.

تم الاتفاق على تعيين وزير دفاع وفدى وعلى اختراع منصب جديد هو منصب القائد العام للقوات المسلحة يعين بمعرفة الملك [41]، كما سمحت الوزارة للسراى بالتدخل فى تعين رجال البوليس وكبار موظفى الدولة، وهذا أمر لم يكن "الوفد" يسمح به من قبل . كذلك سُمح لها بتعيين بعض أعضاء مجلس الشيوخ[42].

وكان فاروق قد اتجه منذ تصاعد الصراع الاجتماعى إلى الإغراق – كما أشرنا من قبل – فى ملذاته الخاصة، يأسًا – فيما يبدو – من الحالة التى بلغها نظامه، وانتشرت أخبار الفضائح الأخلاقية للأسرة المالكة، إلا أن الوزارة الوفدية قد تجاهلت هذا الأمر تمامًا، بل وصل تدليلها للملك إلى حد أنها لم تسترجع 45 ألف فدان استولى عليها من الأوقاف فى عهد الوزارات السابقة، كما وافقت على صرف مبلغ 100 ألف جنيه من مرتب الملك السنوى مقدمًا !!

وفى الوقت نفسه أطلقت الوزارة الحريات العامة حفاظًا على نفوذ الحزب بتقاليده نصف الليبرالية، فألغت قوانين الطوارئ فى مايو 1950 مما سمح بانطلاق المعارضة الوطنية، التى تمتعت بحرية حركة واسعة، فتم نشر الكثير من وقائع الفساد فى عهد الحكومات السابقة، ونشرت وقائع حول فساد البلاط، وأخرى خاصة بالحكومة الجديدة أيضًا. كما منحت الصحافة للمعارضة الوطنية فرصة الدعاية للشعارات الثورية علنا .. وأصبحت وزارة "الوفد" تتحمل المسئولية أمام مجمل الطبقة المسيطرة عن إطلاق هذا العفريت من عقاله مثلما تحملت أمام الجماهير المسئولية عن إطلاق يد الملك، وفى كلتا الحالتين حطت عليها نقمة الطرفين.

واستتبع فساد البلاط وتراخى الوزارة إزاءه فساد الوزراء أنفسهم ومن كان يدور فى ركابهم .. فشاعت الرشوة والمحسوبية واختلاس أموال الدولة من جانب الحاشية الملكية والوزراء وأقاربهم وعائلات "الوفد" الكبرى، بل ولجأ أحد قيادات "الوفد" إلى الدفاع عن فساد حاشية الملك علنا فى البرلمان وهاجم المعارضة الوطنية بطريقة مباشرة[43].

أما فيما يختص بالقضية الوطنية، فقد دخل النحاس (باشا) فى مفاوضات مع بريطانيا بدون معارضة شعبية، حيث كان لا يزال يتمتع بقدر من الثقة ، إذ كان لا يزال يمثل بعض الأمل . ولكن المفاوضات لم تنته إلى حل؛ فقد أصبحت بريطانيا بعد قيام اسرائيل أكثر تمسكًا ببقاء قواتها فى مصر، ولم تستطع أن تقدّر الوضع الذى أصبحت تواجهه حكومة النحاس فى الداخل، ولم يكن الأخير قادرًا إلا على الإصرار على الجلاء الكامل ووحدة وادى النيل وعلى رفض فكرة الحلف تحت ضغط جماهيره[44]. وبذلك انتهت المفاوضات إلى الفشل رغم محاولات النحاس إقناع بريطانيا بصعوبة موقفه فى الداخل.

وبينما استمرت الحكومة فى التلكؤ بعد فشل المفاوضات إزاء المسألة الوطنية، اشتد ضغط القوى الوطنية – بما فيها قواعد "الوفد" – من أجل إلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتى 1899الخاصتين بالسودان. كذلك أصبح شعار الكفاح المسلح مطروحًا من قبل جماهير واسعة، وبالمثل كان شعار وحدة وادى النيل. كما تدهور وضع الملك، فأصبح يتعرض للنقد المباشر، وكان الهجوم عليه مستمرًا بالتحايل على "قانون العيب فى الذات الملكية" . كما تعددت هبات الفلاحين خلال عام 1951، ففى بعض القرى هاجموا قصور كبار الملاك (كفر نجم وبهوت مثلاً)، واشتبكوا مع البوليس فى عدة مناطق[45]، كما ازداد عدد إضرابات العمال وعدد المشاركين فيها. ولكن الأمر الجديد كل الجدة هو أن الجماهير قد بدأت تهاجم "الوفد" نفسه علنا، إذ بدا عاجزًا عن ايجاد حل لقضية الاحتلال وعن تقديم إصلاحات اجتماعية ملموسة، بل وبدا مسئولاً عن استشراء الفساد فى البلاد وتدهور مستوى معيشة الطبقات الأدنى، ولم تعد مزايداته بقادرة على وقف المظاهرات وحركات الاحتجاج المتواصلة ضد سياسته، وبدأت المنظمات الوطنية (شاملة الطليعة الوفدية، التى لعبت دورًا كبيرًا فى معارضة الوزارة الوفدية) تعمل كجبهة واحدة ضد حكومة "الوفد".

تصاعد الصدام بين الحكومة والمعارضة الوطنية بحيث أصبحت الأولى مضطرة إلى اتخاذ إجراءات قمعية طالما هاجمها حزب "الوفد" نفسه وهو خارج الحكم، مثل اعتقال الصحفيين وعناصر المعارضة الراديكالية وإصدار مشاريع قوانين معادية للحريات. ولعبت "الطليعة الوفدية" الدور الأكبر فى منع إصدار تلك القوانين، كما لعب القضاء دورًا كبيرًا فى تبرئة المعارضين، فى ساحة القضاء.

وتطورت الأمور حين طال تلكؤ الحكومة إزاء الاحتلال؛ فلم تعد المنظمات الوطنية تكتفى بالتظاهر والاحتجاج، بل بدأ العمل خصوصًا داخل الجيش وفى قواعد كل من الإخوان المسلمين و"حدتو" من أجل الكفاح المسلح فى منطقة قناة السويس. وهكذا أصبح من الواضح أن العفريت لن يعود مرة أخرى إلى القمقم، وبدا موقف الوزارة يائسًا.

لقد أعطى "الوفد" للملك ما أراد ولكنه لم يستطع أن يتحمل نتائج هذا الأمر بل وانغمس بعض  قادته أيضًا فى فساد "ملكى" أعم ، كما قدم الحريات العامة للشعب، ولكنه لم يعد يستطع أن يحتمى به، كما لم يعد قادرًا على سحب ما أعطى لأى من الطرفين، لأنه فى حقيقة الأمر لم يمنح أحد شيئًا، بل انتُزعت منه أشياء .. رغمًا عنه. وفى نفس الآن لم يستطع "الوفد" أن يأخذ من بريطانيا ما يهدىء به الحركة الوطنية لأنه لم يكن قادرًا على تقديم مقابل لها.

وقد تمادى النحاس – مضطرًا – فى اللعب على التناقضات، فأعلن فى 8 أكتوبر 1951 إلغاء معاهدة 1936 واتفاقيتى 1899 ، إذ أراد تحريك الموقف بعد فشل مفاوضاته مع بريطانيا بينما لم يعد  يملك أوراقًا أخرى للعب. ولما كانت الوزارة عاجزة عن مواجهة الجماهير وثبت لها هذا العجز عمليًا، فإنها أصبحت معرضة للإقالة، فكان عليها أن تتفادى هذه اللطمة القادمة من أجل الاحتفاظ بكرسى الوزارة. كانت المزايدة قد بلغت أوجها، ولكن "الوفد" تشبث بتصوره أن تحقيق بعض الأمانى الوطنية سوف يضمن ولاء الجماهير للحكومة، ومن ثم عودتها إلى حظيرة النظام من جديد.

ومعنى ذلك أن "الوفد" راح يغامر- دون وعى -  بالنظام السياسى الذى  يفترض أنه يمثله.. وذلك بحثًا عن استمرار لدوره بأى ثمن كان، لصالح جهاز الحزب ومنطق التمسك بالسلطة ولو كان ذلك ضد المصالح الأبعد للنظام ذاته.

ولكن اتضح بعد ذلك أن "الوفد" كان يعيش على أوهام، فرغم أن إلغاء المعاهدة قد أعاد له مظاهر الشباب ، إلا أن الخطوة التالية و المنطقية  على جدول أعمال الحركة الوطنية كانت: الكفاح المسلح .

 ومن الواضح أنه بهذه النتائج كانت خطة الحركة الوطنية تسير بنجاح حتى وقتئذ، إذ جاءت ب"الوفد" إلى السلطة أسيرًا لها، واستطاعت إجباره على تحقيق هدفها الأهم، وهو إلغاء معاهدة 1936 تمهيدًا للكفاح المسلح.

خرجت المظاهرات لعدة أيام بعد إلغاء المعاهدة، تطالب بالسلاح والكفاح المسلح . وانسحب آلاف العمال من معسكرات الإنجليز وورشهم وإداراتهم (وقد شجعت حكومة "الوفد" هذه الحركة ودعمتها لتنفيذ قرار إلغاء المعاهدة ) .

كما امتنع عمال السكك الحديدية عن نقل الجنود البريطانيين، وراحت الصحافة الوطنية والليبرالية تدعو إلى مقاطعة البضائع الإنجليزية.

ولم تُنس الشعارات الاجتماعية فى خضم الحماس الوطنى، بل بالعكس، راح توجيه السلاح إلى الاستعمار يفتح الباب لإعلان الحرب ضد عملاء الاستعمار والمتعاونين معه، أى إلى بعض رموز النظام نفسه. وقد راحت الصحافة الوطنية تفضح كل رجل أعمال يتعامل مع الإنجليز، كما أخذ صغار الضباط ينظمون كتائب الفدائيين، وتحرك الطلاب والعمال إلى القناة من أجل الكفاح المسلح. وفى مواجهة هذا راح الإنجليز والملك والطبقة المسيطرة يجهزون أنفسهم لشن الهجوم المضاد.

لم يكن باستطاعة النحاس باشا أن يتراجع ببساطة، بل اضطر للتمادى، فوعد بمحاولة إصدار قانون يعطى كل مواطن مصرى حق حمل السلاح[46]. وقد مورس هذا الحق عمليًا، بل وبدأت الحكومة تشترى السلاح للفدائيين من الصعيد[47]. وربما كان النحاس يفكر فى مجرد تخويف بريطانيا ولكن هذا "الحق" وجد من يطالب بتحقيقه عمليًا؛ أى بتوزيع السلاح على الجماهير وتشكيل جيش شعبى [48]، الأمر الذى كان يتخطى حدود الباشا، فالمظاهرات الصاخبة خرجت تطالب بالسلاح بدلاً من الكلام، وازدادت العمليات الفدائية، وأثار انتقام الإنجليز مزيدًا من نقمة الشعب على الحكومة التى لم تجرؤ على إعلان الحرب على بريطانيا، وراحت الشعارات الاجتماعية تزداد تبلورًا بينما عجز حزب الأغلبية عن تقديم الإصلاح الاجتماعى المطلوب. صار البوليس يضرب الإنجليز فى القناة، بينما يؤمر بضرب الجماهير الثائرة فى القاهرة . وكان أن لجأت الحكومة إلى عرقلة نشاط الفدائيين لتفادى تصعيد المعارك، فأصدرت أوامرها باعتقالهم فى الشرقية. إلا أن صغار ضباط الشرطة لم يلتزموا بتنفيذ هذه الأوامر، فى الوقت الذى كان الفدائيون يخوضون فيه معاركًا حقيقيًة غرب القناة [49]. كما لجأت الحكومة إلى مصادرة الصحف اليسارية واعتقال كثيرٍ من أفراد المعارضة الوطنية دون جدوى. وإزاء قيام صغار ضباط الجيش بالانخراط فى حركة الكفاح المسلح حاولت الحكومة تنظيم الكتائب والسيطرة عليها بلا طائل. وداخل الجيش نفسه كان تنظيم "الضباط الأحرار" يعمل بهمة، وقد تمخض نشاطه أخيرًا فى ديسمبر 1951 عن نجاح مرشح "الضباط الأحرار" وسقوط مرشح الملك فى انتخابات نادى الضباط. وقد بلغت الحركة الوطنية ذروتها بمعركة الاسماعيلية فى 25 يناير 1952 ثم الإضراب العام للعمال[50] وانفجار المظاهرات فى القاهرة فى اليوم التالى للمعركة. وفى ذلك اليوم أحرق  المتظاهرون وسط القاهرة بينما تلكأ الملك فى اصدار الأوامر بمواجهة الموقف[51].

وقد انتهز النحاس فرصة الحريق ليقدم استقالته للملك. ولكن الملك المتحرق شوقًا لطرده من الحكم رفض الاستقالة مُصرًا على إحراق ورقة "الوفد" حتى النهاية، فكان المطلوب من حزب النحاس أن يعيد العفريت إلى القمقم، فتم استبقاؤه، ليصدر وزير الداخلية  قرارًا بإعلان حالة الطوارئ واعتقال 300 شخص من العناصر الوطنية مساء 26 يناير . كما ُأغلقت الجامعات وعُطلت الصحف الوطنية. ولم يحدد "الوفد" موعدًا لإنهاء الأحكام العرفية، وبذلك لم يضع أية حكومة قادمة فى موقف حرج .. ذلك أن إقالته كانت فى الطريق يوم 27 يناير 1952. وبهذه النتيجة تكون "خطة" الحركة الوطنية قد حققت فى النهاية نصف نجاح فقط .. إذ لم يواصل حزب "الوفد" تحقيق أمانيها، فلم يعلن الحرب على بريطانيا و لم يواجه الملك و الفساد، بل ترك الساحة وهرب، تاركًا جماهيره تواصل تحقيق أمانيها بنفسها.

لقد بلغت الحركة الشعبية درجة عالية من القوة يوم 26 يناير، ولكن المنظمات كانت أقل من الموقف الذى وضعتها فيه الجماهير ،  وها هو حزب الأغلبية، الذى عقدت عليه القوى الوطنية آمالها قد سقط قبل أن تفيق من أوهامها تمامًا. وبرغم الصدامات العنيفة بين حكومة النحاس والحركة الوطنية قبل الحريق، إلا أن هذه الحركة فى جملتها لم تكن قد فهمت بعد تمامًا أن الحكومة الوفدية لا تستطيع – من الناحية العملية – أن تحقق لها كل أحلامها[52].

وكان الصراع السياسى – الاجتماعى قد بلغ أوجه فى 26 يناير .. وفقدت الطبقة المسيطرة كل أوراقها وصارت عاجزة حتى عن استخدام العنف، فقد كان جهاز الدولة نفسه يتفتت؛ فقواعد البوليس متعاطفة مع الشعب وقواعد الجيش متمردة على الملك. أما الشعب نفسه فلم تكن لديه قيادة قوية ولا تنظيمًا قادرًا مقابل الكثير الذى قدمه فى حركته العفوية.

انتهى حريق القاهرة بالهدوء .. ولكنه الهدوء المتوتر .. ومن هذه اللحظة بدأ تراجع الصراع الاجتماعى والسياسى . فكانت مرحلة الوزارات الأربع واستمرت حالة الطوارئ وحُل البرلمان وحلت العصابات المسلحة. وبالمقابل قُدمت بعض الإصلاحات الاجتماعية : تخفيض الأسعار – زيادة الحصص التموينية … الخ، كما جرت محاولات لمحاربة الفساد. ولكن الوزارات الأربع التالية لوزارة "الوفد"، واحدة أثر أخرى لم تستطع أن تسيطرعلى السلطة فعليًا .. فالإصلاح كان يعنى أن ما يعطى لطرف لابد أن ينتزع من طرف آخر، ولذلك ووجهت كل محاولات الإصلاح من جانب الوزارات بمقاومة الملك و الأحزاب المسيطرة والإدارة الحكومية نفسها، بينما كان هدوء الشعب ليس أكثر من نذير بعاصفة جديدة .. إن العفريت لم يعد إلى عقاله بعد .. ورغم أن شعار "المستبد العادل" كان مطروحًا بقوة لدى الجماهير، بل ولدى دوائر الغرب أيضًا [53]، إلا أن هذه الفكرة  لم تكن قابلة للتحقيق بهدوء. فاذا كانت الظروف بعد الحريق  تتطلب – للحفاظ على النظام الاجتماعى – مثل هذا المستبد، إلا أن هذا الأخير كان يمكن فقط أن يأتى من خارج القوى المتصارعة الرئيسية. فرغم أن المعارضة الوطنية كانت قادرة على فرض هذه الفكرة إلا أنها كانت عاجزة عن فرض حكمها على النظام الاجتماعى، كذلك لم تكن أحزاب الطبقة المسيطرة قادرة بآليات حركتها الخاصة فى ذلك الوقت على تقديم المستبد الملائم للظروف، لأنه كان – وفقًا للتوازنات القائمة – سيأخذ منها الحاضر ضمانًا للمستقبل، و هو أمر ليس من السهل أن تقبله طبقة ثرية و شرهة ، بطريقة سلمية .

وكما قلنا فيما سبق، فإن تقديم كبش فداء للنظام المتهاوى كان ينبغى فى مثل هذه الظروف أن يتم بالقوة .. لم يكن ممكنا إلا أن يأتى المهدى المنتظر من خارج التوازن القائم، فقد فقدت أحزاب الطبقة المسيطرة وملكها الشرعية وسط الشعب، والأخير نفسه لم يكن ملتفًا التفافًا واسعًا حول أى من المنظمات الوطنية التى باتت هى نفسها فى حالة انتظار، كما تجمد الصراع الاجتماعى – السياسى منذ حريق 26 يناير وتميزت الحياة السياسية بالشلل، فكانت كل الأطراف تسير إلى ضعف، ولم تكن هناك سوى قوة واحدة تتحرك وتبادر، ألا وهى بعض ضباط الجيش، إذ قرر تنظيم "الضباط الأحرار" بعد الحريق أن ينفذ فكرة الاستيلاء على السلطة، فقفز عدد أعضائه من بضع عشر ضابطًا إلى نحو مائة ضابط فى شهور معدودة، كما بدأ فى توزيع أفراده وتنظيمهم استعدادًا للقفز إلى موقع الحكم. وقد تناولت الدوائرالرسمية  فكرة الانقلاب العسكرى القادم بالتحبيذ، فيما عدا الملك الخائف الذى كان يتخيل إمكانية استمرار الهدوء الزائف واستعادة الزمام المنفلت، دون أن يحدد ماذا كان عليه أن يفعل بالضبط لإنقاذ عرشه.

وفى انتظار المهدى المنظر، راحت الجماهير تنصرف بالتدريج عن الأحزاب والمنظمات، والحركة السياسية بوجه عام، ولكنها كانت فى حالة انتظار للخلاص .. فظلت حالة الترقب تخيم على البلاد. وكما قال طارق البشرى، كان يوم 26 يناير1952  آخر أيام النظام القديم ولكنه لم يكن أول أيام النظام الجديد[54].

.. إذن صارت كل الظروف تنادى "الضباط الأحرار"" هنا السلطة .. هيا نقفز"[55] .

وفى ليلة 23 يوليو 1952 قام تنظيم "الضباط الأحرار" بانقلاب عسكرى ناجح .


 

[1]           نستخدم فى هذه الدراسة تعبير الطبقات استخدمًا غير دقيق فى معظم الأحيان، لتبسيط الأمور. ولكننا لا نرى أن "الطبقات" الاجتماعية قد تبلورت على نحو محدد فى مصر الحديثة كما شهدت البلدان الرأسمالية المتقدمة  (باستثناء طبقة كبار ملاك الأراضى، الفريدة مع ذلك فى طريقة تشغيل قوة العمل).

            وللسبب نفسه سنلجأ أحيانًا إلى استخدم مصطلح "الطبقة المسيطرة"، قاصدين كبار ملاك الأراضى ورجال الأعمال وأصحاب رءوس الأموال، وذلك رغم اعتقادنا بأن هؤلاء لا يشكلون طبقة واحدة أو حتى طبقات متماسكة تكوينيا.

[2]           طارق البشرى: الحركة السياسية فى مصر 1945 – 1952، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1972، ص 186.

[3]           محمود متولى: الأصول التاريخية للرأسمالية المصرية وتطورها، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974، ص 164.

[4]           باتريك أوبريان: ثورة النظام الاقتصادى فى مصر. ترجمة: خيرى حماد، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، المطبعة الثقافية، ،1974 ، ص 31.

 

 

[5] Charles Issawi: Egypt at Mid -Century , An Economic Survery, Oxford Uriversity Press,   London,1954,pp. 90-91                                                                                                                                               

[6] op. cit. , pp. 161-162                    

[7] op. cit. , p. 90                    

[8]           أنور عبدالملك، المجتمع المصرى والجيش، ترجمة : محمود حداد، ميخائيل خورى، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1974، ص 69.

[9]           على سبيل المثال: صبحى وحيدة: فى أصول المسألة المصرية، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة ، 1950

[10]         لا شك أن الدولة قد اتخذت الكثير من الإجراءات لحماية الصناعة المحلية ، من فرض جمارك عالية نسبيًا على المستوردات المنافسة، وإنشاء وتمويل البنك الصناعى، ووضع دراسات خاصة بصناعة الأسمدة والصلب. ولكن لم يكن هذا كله كافيًا على الإطلاق، ولا يقارن بما قدمته لكبار ملاك الأراضى.

[11]         انظر الفصول الثلاثة الأخيرة من كتاب صبحى وحيدة سالف الذكر.

[12]         طارق البشرى، المرجع السابق، ص 198.

[13]              Charles Issawi: Egypt : An Economic and Social Analysis, London, 1947, p. 149

[14]         يذكرنا هذا بالصراع الكبير فى القرن التاسع عشر  بين البرجوازية وكبار ملاك الأراضى فى انجلترا حول قانون القمح ولكن النتيجة كانت مختلفة تمامًا فى الحالتين. ففى انجلترا نجحت البرجوازية فى كسر هيمنة ملاك الأراضى، ولكن "برجوازيتنا" لم تستطع أبدًا أن تصطدم بكبارملاك الأراضى وظلت الملكية العقارية دائما تلعب دورًا حاسمًا فى الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد وظل لكبار الملاك من السطوة والنفوذ ما فاق بما لا يقارن رجال الصناعة. والفارق  يكمن فى أنه فى بلد رأسمالى لا يمكن وقف زحف رأس المال إلى كل القطاعات وبالتالى فلا مناص من سيطرته المطلقة، أما فى بلد متخلف (كمصر) فان رأس المال الصناعى يظل يعمل فقط كنقطة مرور للأنشطة الوسيطة ، فالصناعة كرأسمال تعجز عن اقتحام القطاعات قبل الرأسمالية حتى النهاية، بل وتلجأ – مضطرة – إلى ممارسة أساليب قبل رأسمالية للحصول على الفائض، ولم تستطع الرأسمالية الصناعية فى مصر أبدًا أن تخلق لنفسها حزبًا سياسيًا متميزًا . وأن فكرتنا تصبح كاملة الوضوح حين نكتشف انه ضمن معارضى إلغاء قانون القطن (المشابه لقانون القمح فى انجلترا) شركات النسيج التابعة لبنك مصر بحجة "تحقيق الواجب الوطنى". روبرت مابرو- سمير رضوان: التصنيع فى مصر (1939 – 1973)، ترجمة : صليب بطرس، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987، ص 92.

[15]         طارق البشرى: المرجع السابق، ص 191.

[16]         طارق البشرى: المرجع السابق، ص 215.

[17]         طارق البشرى: المرجع السابق، ص 276.

[18]         أشار باتريك أوبريان إلى أن أجر العامل الصناعى المصرى فى تلك الفترة كان من أكثر الأجور انخفاضًا فى العالم، المرجع السابق، ص 46.

[19]         نقصد بالانتلجينسيا فى هذه الدراسة الأفراد الذين يتخصصون فى العمل الذهنى، أى المتعلمين: الأطباء والمهندسين والمحامين والمديرين والمحاسبين والصحفيين والعلماء والباحثين والكتاب والفنانين والأدباء ورجال السياسة ورجال الإعلام  ورجال الدين، إلخ.

[20]         محمود متولى: حادث 4 فبراير سنة 1942 فى التاريخ المصرى المعاصر، دار الثقافة للطباعة والنشر بالقاهرة، 1978

[21]         انظر كمال عبدالرءوف: الدبابات حول القصر، مذكرات لورد كيلرن عن 4 فبراير 1942، سلسلة كتاب اليوم، يصدر عن مؤسسة أخبار اليوم، القاهرة، فبراير 1974، ص ص 110 – 112.

[22]         بعد الحرب راحت بريطانيا تميل إلى تبنى فكرة التحالفات بدلاً من الاحتلال العسكرى لتوفير النفقات.

[23]         راجع التفاصيل فى طارق البشرى: المرجع السابق ص ص 86-91 ، أحمد حمروش: قصة ثورة 23 يوليو، دار الموقف العربى للصحافة والنشر والتوزيع، الجزء (1)، ص ص 88-96.

[24]         ضمن شعارات  " الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى "(حـ د ت و)   و هى أكبر التنظيمات الشيوعية وقتها  فى ذلك الوقت "معارضة مجلس الأمن خيانة" اعتقادًا بأن مجرد وجود الاتحاد السوفيتى بالمجلس يعد ضماناً لانتصار مصر !! انظر تفصيلات أخرى فىكتاب طارق البشرى سابق الذكر، وفى رفعت السعيد: منظمات اليسار المصرى من 1950 – 1957، دار الثقافة الجديدة بالقاهرة، 1983.

[25]         انظر التفاصيل فى كتاب طارق البشرى، السابق الذكر، ص ص 116- 130.

[26]         فى فترة ما بعد الحرب الثانية راحت الطبقة المسيطرة  إلى محاولة استغلال التناقض بين بريطانيا والولايات المتحدة، فرحبت بدخول رأس المال الأمريكى وراحت تتقرب من الولايات المتحدة فى محاولة لتقويض النفوذ البريطانى . وعلى سبيل المثال خرجت مصر من كتلة الاسترلينى عام 1947 لكى ترتبط بالدولار الذى أصبح العملة العالمية منذ 1944.

[27]         انظر تفاصيل ذلك فى : طارق البشرى: المرجع السابق، ص ص 151 - 152.

[28]         انظر تفصيلات ذلك فى أحمد حمروش: قصة ثورة 23 يوليو (1)، ص ص 122 – 124.

[29]         دافيد داوننج – جارى هيرمان : حرب بلا نهاية وسلام بلا أمل، مطبوعات هيئة الاستعلامات بالقاهرة، كتب مترجمة رقم 741، ص 21.

[30]         انظر تفاصيلاً  فى : محمد زكى عبدالقادر : "محنة الدستور (1923 – 1952)، مكتبة مدبولى بالقاهرة، 1973.

[31]         َحرمَّت حكومة 4 فبراير قيام اتحاد عام للعمال كما رفضت أن تنص فى قانون النقابات العمالية على حق عمال الزراعة فى تنظيم أنفسهم وكذلك لم تقدم إصلاحات اجتماعية ملموسة. رؤوف عباس : الحركة العمالية فى مصر (1899 – 1952)، دار الكاتب العربى للطباعة والنشر بالقاهرة، 1968، ص ص 164-168، ص ص 178- 179

[32] Walter Laqueur: Communism and Nationalism in the Middle East, second edition, London                                      ,1957 ,p. 47                                                                                                       

[33]         رفعت السعيد: منظمات اليسار المصرى من 1950 -1957، ص 88 . -    حمروش : قصة ثورة 23 يوليو (2)، ص 36.

[34]         لا شك أن بعض المنظمات – التى شكلت الأقلية فى الحركة الشيوعية المصرية – خاصة "الحزب الشيوعى المصرى" ( ح ش م ) لم تتخذ هذا الموقف ولكن الجوهر ظل واحدًا فلم يضع حـ .ش.م على عاتقه مهمة عملية لقلب النظام واستمر – عمليا- ينهج نهج "حدتو"،و يرفع شعار الجبهة (ولكن الشعبية بدلاً من الوطنية) منتظرا تحقق هذا الشعار كخطوة سابقة على الانقلاب الثورى. 

[35]          قمنا بتقديم تحليل نظرى شامل للحركة الشيوعية المصرية فى : الراية العربية – كتاب غير دورى، العدد 3 ، أبريل 1991  ، و نشر على الإنترنت فى : www.geocities.com

[36]         انظر طارق البشرى: المرجع السابق ذكره، ص ص 389-395.

[37]         انظر المرجع السابق، ص ص 389-415.

[38]         ومع كل هذا الجهد لم يصبح الحزب الاشتراكى أبدًا حزبًا منظمًا، وظل أحمد حسين كفرد يقوم بدور الحزب بنفسه والتفت جماهيرالحزب حوله شخصيًا. ولم يستطع – كما لم يحاول – أن ينشئ منظمة حزبية، وقد رص حوله مجموعة من عناصر الانتلجينسيا القوموية وراح يعوض هذا الضعف برفع شعارات متطرفة لا يملك خطة و لا حتى سيناريو لتحقيقها. وقد انقلب فجأة من النقيض إلى النقيض، فقبل 1949 كان يسمى نفسه بحزب "مصر الفتاة" ويقلد الحزب الفاشى، ويوجه جل نشاطه ضد الشيوعية واليهود، ثم أعلن بصورة مفاجئة تحوله إلى حزب اشتراكى عام 1949 وطرح برنامجًا أكثر راديكالية من برامج المنظمات الماركسية !!

[39]         بلغ عدد الأصوات المسجلة 4.26.879، أما عدد الأصوات الصحيحة فبلغ 2.496.208، أى 61%، وبلغ عدد الأصوات التى حصل "الوفد" عليها 45% من الأصوات الصحيحة، وحصل الحزب السعدى وحزب الأحرار معًا على 16.7% من أصوات الناخبين المسجلين، بفارق 10.2% فقط عن "الوفد". وهذه نسب الأصوات التى حصل عليها "الوفد" من الأصوات المسجلة منذ 1924.

 

نسبة ما حصل عليه "الوفد" / عدد الناخبين المسجلين

سنة الانتخاب

43.5%

1924

65.5%

1925

34%

1926

39%

1929

36.6%

1936

33.1%

1942

27%

1950

           

(د. محمود متولى: حادث 4 فبراير سنة 1942 فى التاريخ المصرى المعاصر، ص ص 259 – 262)

[40]         طارق البشرى، المرجع السابق، ص ص 298 – 299.

[41]         استخُدم نفس المنصب فيما بعد فى عهد الناصرية لأغراض مشابهة.

[42]         طارق البشرى: المرجع السابق.

[43]         طارق البشرى، المرجع السابق، ص 315. انظر كذلك بخصوص هذه الفترة: محمد زكى عبدالقادر: المرجع السابق.

[44]        محاضر المحادثات السياسية والمذكرات المتبادلة بين الحكومة المصرية وحكومة المملكة المتحدة، مارس 1950 – 1951 .    

[45]         أحمد حمروش : قصة ثورة 23 يوليو (1)، ص ص 83 – 84.

[46]         طارق البشرى : المرجع السابق،  ص 498.

[47]         أحمد حمروش : قصة ثورة 23 يوليو (1)، ص 149.

[48]         فى مؤتمر بجامعة القاهرة طالب العمال والطلاب مقابلة مسئول فأُحضر لهم عبدالفتاح حسن وكان وزيرًا للدولة، وراح يتهكم: "هل يمكننا أن نطلب السلاح من روسيا" ، وكانت إجابة الجمهرة الحاضرة : نعم، نعم، فأصيب المسئول بالذهول.فؤاد المرسى : العلاقات المصرية السوفيتية 1943 -1956 ، دار الثقافة الجديدة ، القاهرة ، 1976

[49]         سيرانيان: مصر ونضالها من أجل الاستقلال (1945 – 1952). ترجمة: عاطف عبدالهادى علام. دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1985، ص ص 241 – 248.

[50]         أنور عبدالملك : المجتمع المصرى والجيش، ص 64.

52         تناول الكثيرون ما يسمى ب "حريق القاهرة" بالتحليل مقدمين آراءً مختلفة من بينها أنه كان من تدبير الملك أو الملك و الانجليز أو الانجليز فقط و حتى اتهم البعض "الضباط الأحرار " بذلك . و لم يُفتح تحقيق جاد أبدا فى العهد الناصرى حول الموضوع و لم يُتهم أحد بشكل قانونى بل َوجهت الدعاية الرسمية التهمة للملك و الانجليز ، بينما اتهم عبد الناصر الشيوعيين فى خطبه فى فترة الصراع ضدهم . انظر : جمال الشرقاوى : حريق القاهرة – قرار اتهام جديد، دار الثقافة الجديدة، القاهرة، 1977.- محمد أنيس: حريق القاهرة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1972، ص ص 51 – 54 . - أحمد مرتضى المراغى: غرائب من عهد فاروق وبداية الثورة المصرية، دار النهار للنشر، بيروت 1976، ص ص ص 100 – 128- خطب عديدة لجمال عبد الناصر من 1958 – 1961 .

[52]         فشل كل من "الحزب الاشتراكى" و "الحزب الشيوعى المصرى" (1949 )فى طرح بدائل عملية لحكومة "الوفد" رغم تبنيهما لشعارات معادية لها إلى حد كبير. وكان هذان الحزبان الأكثر راديكالية داخل الحركة الوطنية ومع ذلك ظلا – عمليًا – أعجز من أن يتقدما كقيادة بديلة. كذلك كانت إمكانياتهما التنظيمية الحقيقية وسط الجماهير ضعيفة.

[53]         على سبيل المثال ذكرت صحيفة "صنداى" تايمز فى أحد أعدادها عام 1952: "إن الحديث عن إنعاش الديمقراطية فى بلد يعيش فيه أغلبية الناس عيشة أحط من عيشة الحيوانات هو لغو فارغ، إن مصر لا تحتاج إلى ديمقراطية بل تحتاج إلى رجل فرد .. إلى رجل ككمال أتاتورك يقوم بالإصلاحات الضرورية اللازمة للبلاد .. لكن مشلكة مصر هى كيفية العثور على الديكتاتور فليس بين رجالها من لديه المؤهلات اللازمة للديكتاتور ".

-           أحمد حمروش: قصة ثورة 23 يوليو – البحث عن الديموقراطية – دار ابن خلدون، بيروت، ط1، 1982، ص 85.

[54]         المرجع السابق، ص 553.

[55]        مع الاعتذار لهيجل ( هنا رودس .. هنا نرقص ) ..

 

القسم الأول: الانقلاب

الباب الأول : مسارالأوضاع المحلية بعد الحرب العالمية الثانية

الباب الثانى: حكومة الضباط

الباب الثالث : الثورة و الثورة المضادة

القسم الثانى: الناصرية

الباب الأول: الحكم الناصري

الفصل الأول  منطق الحكم

الفصل الثانى تشكُّل الحكم

الفصل الثالث   فلسفة الحكم

الباب الثانىالسياسة الناصرية

الفصل الأول السياسة العامة(1)

الفصل الأول السياسة العامة(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(1)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(3)

الفصل الثالث:التوجه العام للسياسةالناصرية

الباب الثالث: حقيقة الناصرية

القسم الثالث: سقوط الناصرية

الباب الأول انهيار النظام

الباب الثانى انقلاب السادات

الباب الثالث الساداتية و الناصرية

 

للاتصال

 [email protected]

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفين ومحظور الاقتباس منها دون الإشارة لمؤلفيها

 بعض المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف و رأى الموقع و تيار اليسار اللاسلطوى

Hosted by www.Geocities.ws

1