التحررية الجماعية      Communism libertarian

الحرية دون مساواة استغلال  المساواة دون حرية استعباد

**********************************

الصفحة الرئيسية

عشوائيات ومعضلات

ترجمات

متنوعات ومختارات

مقالات الراية العربية

مقالات سؤال الهوية

شريف يونس

الفسائل

مقالات إنهيار عبادة الدولة

العلم والأسطورة منهجان للتغيير الاجتماعى

تقدم علمى و تأخر فكرى

الجات ونهب الجنوب

الناصرية فى الثورة المضادة

مواقع أخرى
ENGLISH

مراسلات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
كتاب الناصرية فى الثورة المضادة

عادل العمرى

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(2)

* حكومة الانقلاب والسياسة الاقتصادية:

 

لم يكن الانقلاب مفاجأة لأحد تقريبًا، ومع ذلك افترض الضباط أن انقلابهم قد أثار بعض المخاوف لدى أبناء الطبقة المسيطرة، ولذلك راح زعماؤهم يصدرون التصريحات المطمِئنة ويسلكون أيضًا السلوك المثالى لحكومة شديدة الحرص على مصالح النظام القائم. فصدرت القوانين المقيدة للحريات وحُلت الأحزاب وصُفى نشاط المنظمات الشيوعية ولُجمت الحركة العمالية وتم إخضاع النقابات العمالية، وعُقد اتفاق 1954 مع بريطانيا، كما تم تشكيل اللجان المتخصصة لبحث مشاكل رجال الصناعة، الذين اشتركوا فيها بأنفسهم، وقامت الدولة بدور فعال فى تنشيط الاقتصاد المتهالك. وهدأت مخاوف رجال الأعمال، ولكننا لا نستطيع أن نقول أن كل شىء قد أصبح على ما يرام. وهذه قصة طويلة...

لم يكن لدى الضباط تصورات مسبقة بخصوص سياسية اقتصادية – اجتماعية محددة المعالم، فلجأوا إلى اتباع سياسة "التجربة والخطأ" التى تعنى – كما نفهمها – أن النظام بات يتحرك بقصوره الذاتى، فالبيروقراطية راحت تسير وفقًا لتوازنات خارجية – بالنسبة لها – وفى أى اتجاه يُفرض من خارجها، بشرط ألا يمس وجودها بالذات. وقد تميزت السنوات الأولى للانقلاب بسياسة اقتصادية شديدة العشوائية يتأكد منها الميل العفوى والتجريبى لدى حكومة الضباط، باعتبارها أداة الطبقة المسيطرة غير الواعية بذاتها. وسارت سياستها الاقتصادية منذ البداية فى اتجاه لم يتم اختياره بشكل إرادى وإنما فرضته الوقائع القاسية، المتمثلة فى حجم ونوعية الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فضمان سير السفينة بات منذ وجد الضباط أنفسهم على رأس السلطة هو المحرك الوحيد (تقريبًا) لكافة إجراءاتهم، سواء بإرضاء أو بقمع هذا الطرف أو ذاك، من خلال حسابات معقدة وبعدد من الإجراءات - التجارب. وقد تبلورت خلال السنوات الأولى اتجاهات محددة للسياسة الاقتصادية للناصرية بعد تلمس حقيقة الواقع الاجتماعى وتركيبه.

 

السياسة الاقتصادية فى الخمسينات:

 

السنوات الأولى:

أُدخلت الصناعة الحديثة إلى فى سياق محاولة محمد على إنشاء امبراطورية عائلية خاصة. وقد ترافق تدهور هذه الصناعة مع اضمحلال قوة الدولة، وكان الاستعمار يقف وراء هاتين العمليتين المتلازمتين، وقد بدأ فى الحقيقة بضرب الدولة. و قد راحت  الصناعة الحديثة تنمو من جديد بسرعة – نسبياًُ -  منذ عشرينات القرن الحالى  بدعم  سلطة الاحتلال نفسها  التى بدأت تؤيد نمو صناعات معينة فى مصر والعالم المتخلف ككل. وهذا لا ينفى أن بعض إجراءات الدولة أو حتى "كفاحات" بعض رجال الصناعة (طلعت حرب مثلاً) لم تكن متفقة تمام الاتفاق مع المخططات الاستعمارية. وقبل العشرينات كانت الدولة تقوم بدور اقتصادى كبير لصالح الطبقة المسيطرة التى كانت متمثلة فى ذلك الوقت فى كبار ملاك الأرض أساسًا. وكان الجديد فى الأمر فى العشرينات وخصوصًا منذ 1930 هو تدخلها لصالح القطاع الجديد من الطبقة المسيطرة، ولكن الخلافات العميقة بين هاتين الكتلتين ( المتداخلتين ) قد عرقلت إمكانية التوفيق بينهما. ولذلك رأى رجال الصناعة أن نمو مشاريعهم يحتاج حتمًا إلى تدخل الدولة بشرط أن تكون دولة قوية لا تخضع لما أطلق عليه "المنطق الزراعى"، الذى عرقل من تدعيم الدولة للصناعة، وبالتالى عرقل من إمكانية قيامها بدور توفيقى دقيق، فالدولة كانت دولة كبار الملاك العقاريين، لذلك لم تستطع أن تجتهد فى سعيها لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتدعيم الصناعة إلى ما لا نهاية، لأن هذا كان يستوجب إعادة توزيع الفائض الاجتماعى لصالح رجال الصناعة وعلى حساب الأرستقراطية الزراعية وبقية أقسام الطبقة المسيطرة. كما فرضت متاعب الطبقات الأدنى على الدولة أن تقوم بدور مسكن لآلام أولئك الذين باتوا يشكلون فئات "غير مفيدة" أى من غير ذلك النوع الذى يفضله اللورد "كتشنر". وقامت الدولة فعلاً بتقديم بعض الفتات، خاصة فى الأربعينات، للعمال والموظفين. إلا أن دولة الأرستقراطية العقارية لا تستطيع أن تتمادى فى تدليل الجائعين على حساب العائلات "العريقة"، فيدها ليست طليقة تماماً فى تقديم هذا الفتات، لذلك لم تقدم سوى أقل القليل، مع أن البؤس الزاحف كان يهدد النظام بأسره. فلم تكن الأرستقراطية قد تأكدت بعد من اقتراب نهايتها، وبالتالى لم تر ما يبرر تضحيتها بريوعها الضخمة فدية للنظام، فليُقدَّم القليل أو حتى الكثير من المنح ولكن ليس من جيبها الخاص !. ومع ذلك - أو لذلك بالذات – ظلت الصناعة تدفع الضرائب الضخمة التى رَفعت قيمتها حكومة "الوفد" الأخيرة ، رغم أنها كانت الورقة الأخيرة للنظام السياسى المتصدع. لقد خلق كلُُ من أزمة الصناعة (المنفذ الأول للنمو فى تلك الظروف) وجوع جماهير شديدة السخط، ميلاً متزايدًا وحقيقيًا لدى جهاز الدولة للتدخل، ولكنه ظل دائمًا مجرد ميل متحقق بدرجة محدودة للغاية، يحدد من تحققه كون الدولة واقعة تحت هيمنة العائلات الأرستقراطية.

ولكن الدولة البونابرتية كلية الجبروت والمتحررة تمامًا من أى قيد خاص سوى القيد الذى يربطها بالنظام الاجتماعى ككل كانت تستطيع أن تفعل أى شىء شرط ألا ينقطع هذا الرباط. وقد اتخذت كافة إجراءاتها  لضمان استمرار سير السفينة تحت قيادتها هى، و لأنها لم تكن حليفاً حقيقيًا لأحد  كانت تتخذ إجراءات شديدة المحافظة  وأخرى راديكالية فى آن واحد، بشكل يصيب المراقب العادى بالاضطراب. إن النظام يتحرك بمؤخرته فيسير بالطريقة التى تلائم مصلحة نخبة ضئيلة العدد من البيروقراطيين، ومن هنا كانت الدولة البونابرتية حرة، سريعة الحركة وشديدة الحساسية. وإذا كانت تلك الدولة  قادرة على حل تناقض من هذه النوع فإنها لا تعد ضرورية لمجرد وجوده، ولطالما ظهر التناقض المذكور بين ملاك الأراضى ورجال الصناعة وتم حسمه دون الحاجة للحكومة البونابرتية. فقد كان تاريخ تطور الرأسمالية الأوروبية حافلاً بالصراع بين رجال الصناعة والملاك العقاريين، ولكن الصراع داخل معسكر النظام لا يكفى لإحداث توازن سياسى على صعيد المجتمع، ولذلك لا تعد البونابرتية نتاجًا لتناقضات الطبقة المسيطرة. وفى حالتنا الخاصة لم يلعب هذا التناقض دورًا مباشرًا فى صعود الضباط، فكان رأس المال الصناعى فى مصر من الضعف السياسى لدرجة أنه لم يتشكل فى حزب، فلم تكن الرأسمالية الصناعية ذات نفوذ سياسى. ولكن الأزمة الصناعية فى أوائل الخمسينات ساهمت بدرجة ما فى تصعيد الصراع الاجتماعى ولم تكن هذه الأزمة نتاجًا للتناقض المذكور، إذ لعبت عوامل اقتصادية عديدة دورًا كبيرًا فى توليدها كما أسلفنا القول. وإذن لا يمكننا أن نعزو انتصار الضباط إلى عوامل اقتصادية أو حتى اقتصادية – سياسية، بل نعزوه إلى العامل الأخير فحسب، أى الأزمة السياسية، باعتبارها العامل المباشر. و من خلال متابعة سياق الأحداث لم يأت الضباط لحل الأزمة الاقتصادية بطريقة "بروسية"، بل لحل الأزمة السياسية بطريقة بونابرتية، وما كانت سياستهم الاقتصادية إلا أحد وسائلهم لحل تلك الأزمة لحساب النظام ككل، ومن خلال ذلك، لحسابهم الخاص أيضًا. وهذه الفكرة الأخيرة هى أساس تحليلنا كله للسياسة الناصرية والتى سوف تتعرض للاختبار من خلال التحليل العينى للسياسة الاقتصادية.

وقد تبلورت الأزمة السياسية  فى التهديد الموجه للنظام من قبل الانتلجينسيا والطبقات الأدنى. أما الأزمة الاقتصادية وحدها فلا تحتاج خصيصًا إلى دولة بونابرتية الطراز، إلا إذا تحولت إلى أزمة سياسية من نوع خاص، كما أن تناقضات الطبقة المسيطرة غالبًا ما تجد تسوية ما داخل نفس الطبقة.

وقد طعن الضباط فورًا أكثر الحلقات خطورة على مستقبل النظام: الملك والحركة الشيوعية والعمالية بالإجراءات المباشرة وغير المباشرة (الإصلاح الزراعى مثلاً) ثم شرعوا فورًا فى إزالة الكثير من العقبات من أمام رأس المال الخاص، وبالذات الصناعى:

1- منح رأس المال الأجنبى الحق فى المساهمة بـ 51% من رؤوس أموال المشاريع كحد أقصى ويطرح الباقى للاكتتاب العام للمصريين لمدة شهر يحق بعدها للأجانب شراء بقية الأسهم [1].

2-  إعفاء ضريبى للمشاريع الجديدة لمدة 7 سنوات.

3-  إعفاء الأرباح المتحققة للإصدارات الجديدة من أسهم الشركات القائمة من الضرائب لمدة 5 سنوات.

4- إعفاء 50% من الأرباح غير الموزعة من ضريبة الأرباح.

5-  رفع ضمان الدولة للبنك الصناعى إلى 5 مليون جنيه.

6-  إجبار الشركات التى يزيد رأسمالها على 10 آلاف جنيه على دخول اتحاد الصناعات.

7-  خولت الدولة بعض الغرف الصناعية حق فرض رسوم على الشركات الأعضاء فيها من أجل تمويل برامج البحوث التقنية والتشريعية الهامة لكل الشركات المشتركة.

8-  تقديم تموين ثابت من القوى المحركة للمشاريع.

9-  تأمين الربح لبعض الشركات وتأمين تسديد الفوائد على الديون لشركات معينة.

10-        تخفيض الرسوم الجمركية  على المواد الأولية والوسيطة الضرورية للصناعة وزيادتها على السلع الاستهلاكية المصنعة.

11-        إجبار كافة الشركات على دخول الغرف الصناعة[2].

ومن أجل تشجيع الاستثمار فى الصناعة تم خفض الحد الأدنى لسعر السهم من أربعة جنيهات إلى جنيهين للسهم الواحد عام 1954. كما ُمنح المساهمون حقوقًا جديدة، منها حق عقد اجتماعات طارئة وحق التفتيش على الحسابات. وفى عام 1954 أيضًا تم خفض عدد الشركات التى يحق للشخص الواحد رئاسة مجلس إدارتها إلى شركتين فقط مع حقه فى الاشتراك فى عضوية مجالس إدارة 6 شركات [3]، ثم تم تعديل هذا القانون عام 1957 فأصبح يحق للشخص الواحد أن يرأس مجلس إدارة شركة واحدة وأن يكون عضوًا بمجلس إدارة شركتين فقط على الأكثر. وذلك بهدف ضرب ظاهرة احتكار الإدارة التى كانت تعمل لصالح الشركات الكبيرة، ولإتاحة الفرصة أمام نمو شركات جديدة وضمان مستقبل الشركات القائمة، وتشجيع المساهمين على شراء الأسهم. كما جعل الحد الأقصى لأجور ومكافآت المديرين  2500 جنيه سنويًا و الحد الأقصى للمكافآت  10% من الربح الصافى بعد توزيع 5% على المساهمين. كما حدد عمر التقاعد للمديرين بسن الستين[4]. بالإضافة إلى ذلك عملت الحكومة على توفير الطاقة الكهربائية والمخازن ومعدات النقل والطرق والمنشآت. ففى الفترة من 52/1953 إلى 56/1957 استثمرت فى قطاعى النقل والكهرباء 39% من مجمل استثماراتها ووجهت الباقى (61%) إلى الرى والصرف واستصلاح الأراضى[5]. كما شجعت الحكومة إقامة مصنع للمطاط الصناعى عام 1956، ففرضت حماية جمركية عالية للغاية وأعطت المشروع قرضًا بفائدة مخفضة وضمنت تصريف إنتاجه بالكامل (مع وضع مواصفات معينة)، وأعفت الشركة من ضريبة الأرباح. كما حولت الدولة المصانع الحربية عام 1956 لإنتاج السلع المعمرة المدنية[6]. وساهمت بـ 45% من رأس المال الصناعى المستثمر خلال الفترة من 1954-1956[7].

وتشجيعًا لرأس المال الأجنبى تم منحه نفس التسهيلات الممنوحة لرأس المال المحلى، بالإضافة إلى حقه فى تحويل 10% من القيمة المسجل بها وبالعملة الأصلية سنويًا، كما صار يحق له إعادة تحويل رأس المال بالكامل إلى الخارج بعد مرور 5 سنوات. كذلك تقرر إلغاء القانون 136 لعام 1948 الذى نص على عدم قيام شركات أجنبية باستغلال البترول المصرى.

وفى ظل أزمة الغذاء المتزايدة وتدهور إنتاجية التربة، زادت الدولة من مصروفاتها على الرى والصرف بحيث كاد أن يكوَّن مجمل الاستثمارات فى الزراعة:


 

جدول (19)

تكوين رأس المال الدائم فى الزراعة والرى والصرف ( مليون جنيه )[8]

تكوين رأس المال الدائم

فى الرى والصرف

 

تكوين رأس المال الدائم

فى الزراعة ككل

 

العام

 5.3 (*)

0.7

1952

8.00

8.4

1953

11.5

12.6

1954

12.00

17.8

1955

10.2

12.6

1956

7.6

9.6

1957

  *يعود هذا التناقض (حيث يزيد التكوين الرأسمالى فى الرى والصرف عنه فى الزراعة ككل) إلى انخفاض   رأس المال المتراكم الصافى فى قطاع تربية الحيوان بمقدار 6.5 مليون جنيه عام 1952 (بأسعار عام 1960).

 

و لم تقم الحكومة خلال تلك الفترة بإحداث تغيير يذكر للتوزيع المحصولى، ولكنها بدأت فى تشجيع الفلاحين على عدم الاكتفاء بزراعة القطن، فرفعت أسعار شراء القمح منهم لتشجيع زراعته، كما استمر نظام "الدعم " للسلع الغذائية. وتبنت الحكومة مشروع السد العالى الذى وضعته الحكومات السابقة وبدأت تفكر فعليًا فى تنفيذه، وذلك لتوفير المزيد من المياه للرى وتوفير الكهرباء.

كما اتخذت الدولة عدة إجراءات تشريعية فى صالح العمال لتهدئة الحركة العمالية، التى قُمعت بعنف، وتوفير الجو المناسب للاستثمار، فتم رفع الحد الأدنى لأجور عمال الصناعة من 12.5 إلى 25 قرشا يوميًا ورفع الأجور اليومية لعمال الزراعة، كما حصل العمال على حقوق جديدة فيما يختص بالاجازات السنوية والمرضية والرعاية الصحية، كما بات فصل العمال يخضع للوائح جديدة أكثر تحديدًا، ومع ذلك لم يتم تنفيذ هذه الإجراءات إلا جزئيًا[9] . واتخذت الحكومة عدة إجراءات فيما يتعلق بالتجارة الخارجية، فأصدرت تشريعات أكثر تشددًا فيما يخص استيراد الكماليات واستيراد السلع بالعملات الصعبة، كما عممت نظام التراخيص على كافة السلع المستوردة من كتلة الاسترلينى ومنحت المصدرين إلى بلدان العملات الصعبة، خاصة الولايات المتحدة حق الاحتفاظ بجزء من تلك العملات فى حوزتهم مما أدى إلى وجود سعرين للجنيه المصرى. وأقرت الحكومة فعلاً وجود سعرين للجنيه فخفض سعره فعليًا بنسبة 35% وتم تخفيضه رسميًا بعد ذلك بنسبة 19% عام 1962 وذلك لتشجيع زيادة الصادرات وتشجيع التحويلات الخارجية[10].

ونلاحظ أن تشجيع الحكومة لرأس المال الخاص قد صُوحب بدخولها كمستثمر, خاصة فى الصناعة. فلم يكن تشجيع القطاع الخاص كافيًا من وجهة نظر أصحاب المشاريع، إذ طالب اتحاد الصناعات بضمان الدولة للربح بالنسبة لكافة المشروعات وهو مطلب غريب جدًا ويُفقد رأس المال الكثير من شرعية وجوده أمام الدولة. فلم يكن هدف الدولة مجرد زيادة أرباح الرأسماليين وإنما تشجيع الصناعة نفسها من أجل زيادة الناتج المحلى واستيعاب البطالة. وكان المطلب الغريب الثانى لاتحاد الصناعات هو عدم دخول الدولة كمستثمر حتى لا تنافس القطاع الخاص، وإذا كانت الدولة تساهم بنصف رأس المال الصناعى فيعنى هذا المطلب تخفيض الاستثمارات الصناعية إلى النصف، فلم تكن الدولة تتدخل إلا حين يمتنع القطاع الخاص عن شراء الأسهم التى تطرحها الشركات الجديدة فتضطر لشرائها[11]، أى أن تدخلها فى الاستثمار لم يكن بغرض منافسة رأس المال بل كان مترتبًا على إحجامه عن شراء الأسهم.

والحقيقة أن محاولات الدولة لم تكن تستهدف تدعيم رجال الصناعة، بل تدعيم الإنتاج الصناعى نفسه، وكان هذا هو جوهر الخلاف بين الطرفين. فكان رأس المال الخاص يسعى لإقامة المشاريع التقليدية ذات دورة رأس المال السريعة (منسوجات – أغذية)، بينما كانت الدولة، بناء على دراسات "المجلس الدائم" الذى أنشأته لدراسة جدوى المشاريع تستهدف تنمية الصناعات "الأثقل"، كالأسمنت والمطاط والأسمدة وغيرها (الصناعات الوسيطة) ودورة رأسمالها أبطأ، إذ كان قد تم إشباع السوق بالسلع الاستهلاكية التقليدية بينما كانت البلاد تعتمد على استيراد السلع الوسيطة والتجهيزية، ولذلك كان من الأفضل ظاهريا على الأقل من الناحية الاقتصادية لأى توسع صناعى – فى ظل النظام القائم – أن يكون لصالح الصناعات الوسيطة، وهى التى كان تتوجه إليها معظم استثمارات الدولة فى الصناعة (هذا بخصوص الفترة من 52-1956)، وهو ما لم يستطيع رجال الأعمال أن يحققوا منه درجة ملموسة بإمكانياتهم الذاتية.

جدول (20)

الاستثمارات الصناعية التى ساهمت فيها الدولة (52-1956)[12]

نصيب الدولة

( بالمليون جنيه)

رأس المال الكلى

(بالمليون جنيه)

 

الصناعة

4.2

11.4

حديد وصلب

5.6

8

أسمدة

0.4

2

أسمنت

0.6

1.2

ورق

0.2

0.5

مهمات سكك حديدية

0.4

0.5

مناجم وتعدين

11.4

23.6

المجموع

 


 

جدول (21)

الاستثمارات الخاصة فى الصناعة فى الفترة

من يناير 1954 إلى أكتوبر 1956 (بالمليون جنيه)[13]

رأس المال

الصناعة

1.49

مناجم وتعدين

1.025

غزل ونسيج

2.290

كيماويات

0.200

أغذية

0.080

كهرباء

5.085

المجموع

 

ورغم زيادة أرباح القطاع الخاص، لم تزداد استثماراته بوجه عام بمعدل زيادة استثمارات الدولة (متوسط سنوى):

جدول (22)[14]

مقارنة بين حجم استثمارات القطاع الخاص والدولة ( بالمليون جنيه )

استثمارات الدولة

الاستثمارات الخاصة

العام

(متوسط)

30

76

48-1950

69

90

54-1956

 

أى أن استثمارات الدولة قد ازدادت بنسبة حوالى 130% بينما ازدادت استثمارات القطاع الخاص بنسبة 17% تقريبًا.

وعلاوة على ذلك زادت الودائع فى البنوك من 217 مليون جنيه عام 1952 إلى 233 مليونًا عام 1953، بينما رفعت البنوك احتياطيها النقدى من 17% إلى 22.5% ، ورفعته شركات التأمين إلى 62.5% واحتفظت بـ 15% فقط فى صورة أسهم[15] ، وكل هذا يعنى تدهور معدل الاستثمار الخاص.

وفوق هذا اتجه رأس المال الخاص بشكل متزايد إلى الاستثمار فى قطاع المبانى:

جدول (23)

حجم الاستثمار العقارى (المساكن أساسًا) (بالمليون جنيه)[16]

الاستثمارات

العا م

 الاستثمارات

العام

53.4

1957

30

1950

59.00

1958

40

1954

43.00

1959

42.5

1955

 

 

51.4

1956

    

وبلغت نسبة الاستثمار فى العقارات 47.3 % من جملة الاستثمارات الخاصة.

 

يتلخص وضع رأس المال المحلى حتى الآن فى الآتى:

1- انخفاض الميل إلى الاستثمار عمومًا.

2-  انخفاض الميل إلى الاستثمار فى الصناعة بالذات.

3-  مزيد من الاستثمار فى العقارات.

بالإضافة إلى ذلك، لم يكن إقبال رأس المال الأجنبى ملموسًا. فعلى الرغم من سن القوانين المشجعة، لم يرد للبلاد سوى خمسة ملايين جنيه فقط، استثمرت فى الشركات المساهمة فى أعوام 53-1955[17]. وبلغ صافى رأس المال الوارد إلى مصر أقل من ذلك، بلغ رقمًا سالبًا:

جدول (24)

تطور حجم الاستثمارات الأجنبية السنوية فى مصر (بالمليون جنيه )[18]

قيمة الاستثمارات

السنة

2.00

فى 1952

ــ 0.3

فى 1954

+ 1.5

فى 1958

 

وخلال الفترة من 1952 و1961 بلغ حجم رءوس الأموال الأجنبية المستثمرة فى مصر 8.7 مليون جنيه (دون حساب الأرباح التى أعيد استثمارها)[19].

انهارت إذن آمال الطبقة المسيطرة المعقودة على ورود رأس المال الأمريكى. وقد أحجم رأس المال الأجنبى عن الورود فى أول الأمر بسبب عدم الاستقرار السياسى فى البلاد، ثم بسبب رفض النظام الناصرى الدخول فى أحلاف مع الغرب وما تلا ذلك من خلافات سياسية أدت إلى حرب السويس فى 1956. وفى أثناء ذلك كانت الشركات الأجنبية تطلب الحماية ضد التأميم والمصادرة وبحق سحب رأس المال فى أى وقت، غير ذلك من الشروط. كما مارست البنوك وشركات التأمين الأجنبية ضغوطًا على الحكومة فيما يتعلق بتمويل التجارة الخارجية. ولم يكن رأس المال الأجنبى الخاص مستقلاً تمامًا عن حكوماته فى علاقته بالناصرية، فشارك فى الضغط على الحكومة للدخول على نحو مباشر فى حظيرة المعسكر الغربى.

وباختصار لم يؤد تشجيع الدولة لرأس المال إلى زيادة الاستثمارات بشكل فعال، ولم يؤد إلى الإقبال على المشروعات الصناعية بدرجة ملموسة، كما لم يؤد إلى ورود رأس المال الأجنبى بقدر يذكر. لذلك أخذت الدولة تزيد من استثماراتها فى الصناعة، ومع ذلك كان معدل زيادة رأس المال الدائم أقل منها فى السنوات السابقة على الانقلاب:

جدول (25)

التراكم الصافى لرأس المال الصناعى الدائم[20]

(بالمليون جنيه – أسعار 1960)

رأس المال المتراكم

السنة

رأس المال المتراكم

السنة

18.1

1954

29.2

1948

39.4

1955

36.2

1949

33.00

1956

32.4

1950

2.1

1957

29.7

1951

22.7

1958

24.4

1952

 

 

11.9

1953

                       ملحوظة: لا تشمل هذه المعطيات النقل والتخزين والكهرباء والتشييد.

 

ولم يحقق معدل النمو الصناعى تقدمًا، بل تدهور عما كان عليه قبل الانقلاب:

جدول (26)

الرقم القياسى للإنتاج الصناعى

(بدون الكهرباء)

وفقًا لـ "هانسن ومرزوق"[21]

وفقًا لـ "مابرو" [22]

السنة

100

100

1952

102

103

1953

109

112

1954

119

119

1955

128

130

1956

 

ومع ذلك تم تخطى الأزمة بعد أن تدهورت أسعار القطن بشدة فى أواسط الخمسينات وزال الرخاء الكورى. ولعبت أيضًا القيود المفروضة على الواردات دورًا فى انخفاض الإقبال على استيراد السلع الكمالية. وبوجه عام خف الإقبال على شراء السلع المستوردة وانتعشت صناعة المنسوجات وزادت الصادرات من المصنوعات عمومًا نتيجة للسياسة النقدية الجديدة وانخفاض أسعار القطن.

جدول (27)

قيمة صادرات الصناعة التحويلية (بالمليون جنيه) [23]

القيمة

العام

35.3

1951

35.3

1953

39.1

1955

70.6

1958

 

(كان هذا وضعًا مؤقتًا، إذ أدت زيادة الواردات من السلع التجهيزية والغذائية إلى تلاشى أثر زيادة الصادرات كما سنرى فيما بعد).

 

ارتفع معدل ربح الشركات الصناعية من 20% سنة 1952[24] إلى 35% سنة 58 - 59[25]. ويرجع هذا إلى إجراءات التشجيع المذكورة وتنامى الطابع الاحتكارى للصناعة، بالإضافة إلى انتهاء الانتعاش الكورى. لكن انفراج الأزمة يحمل معنى معينًا، لقد زادت مبيعات الصناعة وأرباحها، أى انفرجت بالمعنى الذى يفهمه التاجر الصناعى؛ صاحب رأس المال. فبالاستناد إلى تدعيم الدولة، وتنامى الطابع الاحتكارى للصناعة وتدهور أسعار القطن، استطاع "رجل الصناعة" أن يحصل على مزيد من الفائض دون أن ينتجه فى مشروعه الخاص. ويؤكد لنا ذلك أن النسبة التى ارتفع بها معدل الربح لم تتناسب مع زيادة الإنتاجية للعامل الواحد، فقد ارتفع معدل الربح بـ 75% بينما زادت الإنتاجية من 52-1960 بـ 3.5% للعامل[26] ، وهى زيادة لا تكفى لتفسير ارتفاع معدل الربح بهذه الدرجة، مع ملاحظة أن معدل التشغيل لم يرتفع ارتفاعًا ملموسًا خلال الفترة. لكن الأزمة لم تنفرج بمفهوم رجل الصناعة الحقيقى؛ مدير المشروع ، فخلال "السنوات الأولى" حتى خطة 1957 - 1960 لم يجر أبدًا التغلب على تقلص معدل الاستثمار فى الصناعة وظلت عملية الإنماء الصناعى متعثرة طوال تلك الفترة. بالإضافة إلى ذلك، لم يرد رأس المال الأجنبى بمعدل يذكر.

وقد لعبت سياسة الدولة دورًا كبيرًا فى تشجيع الميل المعاق الذى برز بعد الحرب العالمية الثانية، لإنشاء الصناعات الوسيطة وصناعة السلع الدائمة: تجميع السيارات والثلاجات والبلاستيك – السماد – الورق – النحاس – الحديد – الزجاج – الصلب – الكيماويات – الأسمنت. وهى صناعات لم يكن معظمها ينتج فى مصر قبل الحرب. ومع ذلك استمر ثقل المنسوجات فى الصناعة كما هو تقريبًا، وشجع على ذلك انخفاض الأسعار العالمية للقطن، مما حفز تصديره للخارج على هيئة مصنوعات لتحقيق أكبر قدر من القيمة المضافة، فكان معدل النمو فى صناعة النسيج يعادل تقريبًا معدل النمو فى الصناعة ككل[27].

وكان من مضاعفات سياسة الحكومة فى تشجيع رأس المال الصناعى أن استمر تدهور مستوى معيشة الطبقات الأدنى ولم تنجح إصلاحات الحكومات فى تحسينه، فعلى سبيل المثال، لم يرتفع مستوى التشغيل ارتفاعًا كبيرًا:


 

جدول (28)

معدل التشغيل الصناعى (1947 = 100)[28]

المعد ل

السنة

100

1947

87

1950

95

1952

95

1954

92

1956

98

1957

 

وفقط خلال خطة 57-1960، ثم تجاوز معدل عام 1947، فصار 114 فى عام 1960. كذلك لم توضع قوانين زيادة الأجور والضمان الاجتماعى … الخ موضع التطبيق الكامل، وادى التباطؤ البالغ فى توزيع الأراضى وفقًا لقانون الإصلاح الزراعى إلى انخفاض نسبة المعدمين فى الريف بمعدل بطئ للغاية كما ازدادت الخدمات الصحية تدهورًا واستردت الحكومة ما قدمته فى مشروعات الخدمات عن طريق زيادة الضرائب غير المباشرة، التى يقع عبؤها الأساسى على الطبقات الأدنى، بعكس الضرائب المباشرة.

جدول (29)

الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية (بالمليون جنيه)[29]

حجم الإنفاق

السنة

79.9

50-1951

105.5

55-1956

114.8

58-1960

 

جدول (30)[30]

الضرائب غير المباشرة (بالمليون جنيه)

السنة

62.5

52-1953

98.1

57-1958

4, 90 

59-1960

زيدت بعد ذلك بنسبة تزيد عن 60% عام 1963

 

بالرغم مما بذلته الحكومة الناصرية لتشجيع رأس المال الصناعى بدا الأخير - فى نظرها- "دون مستوى المسئولية". وبالرغم من مساهمة الدولة فى المشاريع الجديدة، لم يتخط معدل النمو الصناعى حتى أواسط الخمسينات معدله قبل الانقلاب، وكان أصحاب رءوس الأموال يفضلون المشروعات الصناعية التقليدية – بالإضافة إلى العقارات بالطبع – ذات الربح المضمون والسريع (وليس الأعلى دائمًا) على تلك المشروعات التى تشجعها الحكومة؛ الصناعات الوسيطة. ومع أن الحكومة لم تضع فى السنوات الأولى عراقيلاً تذكر أمام التوسع فى الصناعة الاستهلاكية، فقد تراجع نمو تلك الصناعات تراجعًا ملحوظًا (خاصة الغذائية)، باستثناء المنسوجات التى لم يزد معدل نموها هى الأخرى عن المعدل العام المنخفض للنمو الصناعى إلا بنسبة لا تذكر (أقل من 1% من معدل الزيادة) مما يعنى حدوث إحجام حقيقى لرأس المال الفردى عن الاستثمار. ذلك أن السوق المحلى لم يعد قابلاً للاتساع بمعدلات سريعة أمام الصناعات الاستهلاكية – فى الظروف القائمة وقتذاك – خاصة أن الصناعة المصرية قد تخصصت فى إنتاج سلع لا يتمتع الطلب عليها بمرونة كبيرة مما عرقل إمكانية توسعها بمعدلات عالية. أما الصناعات التى شجعتها الدولة فلم تكن مضمونة النجاح من وجهة نظر رجل الأعمال، حيث لم يتدفق عليها رأس المال الأجنبى، ولم تعد ضمانات الدولة مضمونة، لأن الدولة نفسها لم تعد مضمونة، خاصة أنها وضعت فى السجن عددًا من كبار رجال الأعمال فى سياق عملية تثبيت السلطة الناصرية، كما أممت شركة السكر عام 1954. وتكونت خلال هذه السنوات ما يمكن اعتباره أزمة ثقة بين الدول ورجال الأعمال أدت فيما بعد إلى صدامات مدوية.

وقد تمثلت النتيجة الأساسية لسياسة السلطة الجديدة فى تدعيم مركز الصناعة وتزايد الهوة الاجتماعية، إذ كانت الحكومة قد بنت آمالها على استجابة رأس المال لنداءاتها المدعومة بالتشجيع، وتوقعت أن يؤدى الاستثمار إلى زيادة معدلات التشغيل وتوسيع السوق وارتفاع الأجور … الخ.

لم يكن إحجام رأس المال مجرد مشكلة سيكولوجية، قد كان محقًا من وجهة نظر التاجر – الصناعى، فالدولة نفسها لم تنجح فى كل مشاريعها التى تكلفت مبالغا هائلة(وسوف يزداد الأمر وضوحًا حين نلاحظ أن الدولة نفسها لم تنجح فى تحقيق طموحاتها بعد أن أممت رأس المال الصناعى نفسه ‍‍‍‍‍‍‍‍‍!).. ولا يفيد الكلام هنا عن "أنانية" رأس المال الخاص الذى آثر مصلحته على " الصالح العام " كما وصفته الدعاية الناصرية ، فهكذا يعمل نظام السوق . وقد أثبتت التجارب العديدة فى البلدان المتخلفة أن درجة النجاح فى تحقيق معدلات عالية فى النمو – فى إطار نفس البنية الاجتماعية – قد ترافقت دائمًا مع مدى مشاركة رأس المال الأجنبى. ونعتقد أن إحجام رأس المال الخاص كان نتيجة لعاملين: أولهما إحجام رأس المال الأجنبى، ذلك الذى نرده بالأساس إلى عدم تقديم النظام الجديد لفروض الولاء بالكامل للغرب على الصعيد السياسى ، بل و عجزه عن ذلك فى ظل التوازنات القائمة وقتها. وثانيهما تدخل الدولة المتزايد فى شئون رأس المال الخاص ، الأمر المترتب أساساً على عجز هذا الأخير دون رأس المال الأجنبى .  وقد أدى انسياق النظام إلى الاصطدام مع دول الغرب إلى مزيد من التعقيدات فى العلاقة بينهما مع مزيد من انكماش نشاط رأس المال الفردى. وإذا كان محمود متولى قد رأى فى انتعاش الاستثمارات الخاصة عام 1955 نتاجًا لصفقة الأسلحة التشيكية، فإننا نرى العكس … فهذا الانتعاش كان نتاجًا لمعاهدة 1954 مع بريطانيا واستئناف المعونات الأمريكية، بينما كان هبوط الاستثمارات فى 1956 مرتبطًا بالتوتر المصاحب لصفقة الأسلحة والاعتراف بالصين وتأميم القناة، ثم الحرب.

جدول (31)

الاستثمارات الخاصة (بالمليون جنيه)[31]

حجم الاستثمارات

السنة

87

1952

76

1953

84

1954

103

1955

81

1956

 

ومما يؤكد ذلك ما حدث فيما بعد، بعد "نصر" 1956 السياسى الذى يفوق بالتأكيد "نصر" صفقة الأسلحة فى 1955. فقد بات النظام الناصرى منذ 1956 مستندًا للتوازنات الدولية ولم يعد معرضًا لهجمات اسرائيل واكتسب نفوذًا شعبيًا هائلاً فى العالم العربى، ومع ذلك كان تصرف رأس المال مناقضًا لتوقعات د. محمود متولى، على ضوء استنتاجه السابق.

وخلال السنوات الأولى تكونت قناعة الضباط نهائيًا بشأن الأهمية البالغة للصناعة كطوق النجاة من الأزمة الاجتماعية المتصاعدة، خاصة أن البطالة قد ازدادت زيادة كبيرة، وكانت الآمال العريضة فى الرخاء التى مُنَّى بها الشعب أكثر بكثير مما تحقق. وقد بنت الحكومة دعايتها على آمال سرعان ما تبخرت. وكانت الهوة الضخمة بين الوعود والإنجازات حافزًا على وضع اعتبار كبير لمطالب الجماهير. وقد حول تصاعد الحركة القومية فى المنطقة العربية خلال عدوان 1956 هذا الاعتبار إلى رعب حقيقى، وزاد من الرعب تضاعف قوة الشيوعيين، بالإضافة إلى تصاعد أزمة الثقة بين الدولة ورجال الأعمال. وقد خرجت هذه الأزمة إلى العلن حين أممت الحكومة مصانع السكر التى يمتلكها عبود، وأغلقت بورصة الإسكندرية بسبب التذبذب فى أسعار القطن الناجم عن المضاربات. كذلك أصدرت قرارات كان من شأنها تقييد الاستيراد وتخفيض المساحة المزروعة قطنًا[32].

لكل ذلك بدأت الحكومة تميل بدرجة أكبر إلى التدخل فى النشاط الرأسمالى الخاص وفى الاستثمار الصناعى خاصة، والى الاندفاع فى رشوة الطبقات الأدنى (بالإضافة إلى استئناف الحرب الصليبية ضد الشيوعية بعد توقفها ابان حرب 1956)، وقد أصبحت هذه هى الخطوط الثابتة للسياسة الاقتصادية منذ الآن فصاعدًا.

ونود أخيرًا أن نسجل ملاحظة؛ فمعظم الباحثين يميل إلى اعتبار الفترة من 52-1956 فترة المشروعات الحرة[33]. ولكن رغم أن المشروعات الخاصة لم تتعرض فى تلك الفترة لكثير من القيود، إلا أن الدولة لم تكن بعيدة عن التدخل (ضرب سلطة رجال الإدارة، المشاركة فى إدارة بعض الشركات، شراء الأسهم، تقييد الاستيراد … الخ) وفى حين منحت الدولة للصناعة كثيرًا من المزايا، فقد تدخلت فى شئون القطاع الخاص بدرجة أكثر كثيرًا من تدخلها قبل الانقلاب، لذلك لم تكن هذه الفترة مشابهة لسنوات ما قبل الانقلاب، إذ شهدت دورًا كبيرًا (نسبيًا) للدولة فى النشاط الاقتصادى … ولم تكن فترة ليبرالية بشكل كامل كما رأينا فيما سبق.

 

2- اتجاه الحكومة نحو التشدد:

حققت نتائج حرب 1956 للناصرية مكاسبا سياسيةً هامة على الصعيد العالمى وزادت كثيرًا من نفوذ الاتحاد السوفيتى فى الشرق الأوسط، والذى أصبح سندًا قويًا للنظام الناصرى، وادت إلى تأمين حدود البلاد من هجمات اسرائيل، وفوق ذلك وأهم كثيرًا، أخرجت النظام نهائيا من عزلته الجماهيرية. إذ أن السياسة الإصلاحية التى بدأت منذ يوليو 1952 لم تفعل الكثير من هذه الناحية، فقد ظل حل الأحزاب واتفاق 1954 وانفصال السودان وقمع العناصر الوطنية  أحداثا عالقة بالأذهان. إلا أن الأسباب التى منحت الناصرية مكاسبا سياسية أدت هى نفسها إلى تطور كبير فى الحركة القومية العربية فى المنطقة، فنما بشدة نشاط حزب "البعث"  فى المشرق العربى. وكذلك نمت المنظمات الشيوعية فى مصر والشام والعراق. ولم يكن يكفى عبدالناصر أن يساير اندفاعة الجماهير العربية بتبنى معظم شعاراتها ("المجتمع الاشتراكى الديمقراطى التعاونى" على سبيل المثال)؛ فالأوضاع الاقتصادية فى مصر لم تكن تسير على ما يرام كما أسلفنا، مما هدد بتخطى التطلعات الشعبية لإطار النظام، علاوة على ذلك أخذت الأمور منذ حرب 1956 تسير من سيئ إلى أسوأ على الصعيد الاقتصادى، فقد امتنعت البنوك الفرنسية والإنجليزية عن تمويل محصول القطن للضغط على الحكومة، مما عرض البلاد لمخاطر كبيرة، وزاد من خوف رأس المال المحلى، فاتجه أكثر نحو المشاريع العقارية والأنشطة التداولية، وبدأ رجال الأعمال يصدرون رأس المال إلى الخارج. كذلك أخذت الفروق الاجتماعية تزداد اتساعًا، فاستمرار رفض النظام إقامة حلف مع الغرب، واقتراب شعاراته الرسمية من شعارات الحركة القومية العربية واضطراب المنطقة بوجه عام، بالإضافة إلى استمرار إحجام رأس المال الأجنبى عن الورود، علاوة على تدهور العلاقة، بين الشركات الأجنبية القائمة وبين الحكومة، أدى كل ذلك إلى اشتداد تخوف رأس المال المحلى، مما اضطر السلطات إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشددًا للوصول إلى الأهداف الاقتصادية المطروحة لمواجهة خطر انفجار الصراع الاجتماعى.

 

تمصير الشركات الأجنبية:

بعد تأميم قناة السويس، وفى إطار حملة بريطانيا وفرنسا لاستعادة القناة (أو تدويلها) امتنعت البنوك الأنجلو- فرنسية عن تمويل القطن المصرى، مما شكل ضربة قوية للحكومة، فاضطرت إلى فرض الحراسة فى نوفمبر 1956 على تلك البنوك وعلى الشركات والوكالات الأنجلو فرنسية، ثم أصدرت قرارًا يقضى بإجبار البنوك الأجنبية على التحول إلى شركات مساهمة مصرية خلال سنوات، وتبع ذلك قرار مماثل خاص بشركات التأمين ثم الوكالات التجارية.

لم تكن مشكلة الامتناع عن تمويل القطن هى أولى مشكلات النظام الناصرى مع البنوك الأجنبية، فمنذ وقوع الانقلاب راحت تلك البنوك تتصرف بحذر متزايد تجاه المشاريع الصناعية واقتصرت أكثر فأكثر على تمويل القطن حتى أصبح نشاطها الوحيد تقريبًا[34]، كذلك لجأت بشكل متزايد إلى إخراج الودائع من البلاد[35]. ففى الوقت الذى لم يلعب فيه رأس المال الأجنبى دورًا إيجابيًا لصالح مشروعات الحكومة، لم يتخذ كذلك موقفًا محايدًا، وأصاب الحكومة بالمخاوف بموقفه من تمويل القطن فى 1956 كإجراء عقابى لها لتأميم قناة السويس. وقد قررت الحكومة أن ترد، لا دفاعًا عن نفسها فحسب بل وكإجراء عقابى لإنجلترا وفرنسا … والأهم على الإطلاق أن الناصريين قد وجدوا الفرصة مناسبة للاستيلاء على شركات أجنبية كمجرد مكسب فورى.

لم تحمل عملية التمصير أية مخاطر مباشرة، بل بالعكس وفرت ملايين الجنيهات، فقد ساهمت المشاريع الممصرة بـ 35 مليون جنيه فى تمويل الخطة الصناعية 57-1960، وهو مبلغ لا يستهان به بالنسبة لمساهمة رأس المال الأجنبى الخاص فى المشاريع الجديدة قبل تمصيره. فقد بات يقدم لمصر مساهمة وحيدة تقريبًا، هى تمويل صادرات القطن، بينما كان حلم تدفق المزيد منه قد تبخر، خاصة بعد حرب السويس.

وامتدت عملية التمصير إلى الشركات البلجيكية (بعد أن طردت حكومة الكونغو السفير المصرى فى أول ديسمبر 1960). فلجأت الحكومة إلى تأميم كافة المصالح البلجيكية فى مصر، مما بدا كاحتجاج على اغتيال لومومبا[36].

وقد ظلت الاحتكارات الأجنبية تسيطر على قطاع البترول، كما استمر وجود رأس المال الأمريكى والألمانى خصوصًا فى بعض الشركات. وفى 1958 ألغى عبدالناصر سياسة "الانفتاح" التى أطلقها فى 1952 وشدد من القيود على رأس المال الأجنبى، وإن لم يصدر قرارًا يمنع دخوله. وكانت أهم الشروط الجديدة، أن يقتصر دوره على الاستثمار فى المشاريع التى تفتقر مصر إلى الخبرة الفنية فيها[37].

لم تكن ضمن مشاريع الضباط لدى تمصيرهم لرأس المال الأجنبى فكرة تحقيق "الاستقلال الاقتصادى"، فقد كان دور رأس المال الأجنبى واضحًا منذ البداية، ولكنه لم يبدو فى عيون الضباط أداةً للسيطرة الاستعمارية إلا بعد حرب 1956، حيث لم يستجب لخطط الحكومة. والحقيقة أن الضباط ما تقاعسوا فى سنوات حكمهم الأولى عن إصدار التشريعات والتصريحات التى تطمئن "الامبرياليين"، وكانت مصر معروفة فى ذلك الوقت للمودعين الغربيين بأنها أرخص بلد فى العالم بالنسبة للعمالة وأقلها بالنسبة للضرائب[38]. والعامل المشترك بين سياسة تشجيع رأس المال الأجنبى إلى أقصى حد (دون الدخول فى ذلك فى حلف عسكرى غربى)، وقرارات التمصير اللاحقة هو المطالب المحلة للشعب: الاقتصادية و" الوطنية "، والمتمثلة فى النهاية فى التهديد الكامن لوجود السلطة الجديدة، والذى حفزها على تحقيق أعلى معدل لنمو الناتج المحلى والتشغيل، سواء باتباع سياسة انفتاحية، أو بتأميم رأس المال الأجنبى، علاوة على الحفاظ على مظهر الاستقلال الوطنى.. فالنظام الذى طالما تدلل على راحة الولايات المتحدة وبريطانيا فى 52-1955 لم يلجأ إلى الصدام فى 55-1956 وما بعده إلا مضطرًا بحكم الضرورة الملحة وليس بفضل نيات وطنية مبيتة[39].

صوَّرت الحكومة عمليات تأميم الشركات الأجنبية بأنها ضربة نهائية للسيطرة الاقتصادية الامبريالية. إلا أن هذا الأمر لا علاقة له بالاستقلال أو التبعية الاقتصادية، فالاقتصاد الأمريكى نفسه (ليس المستقل فقط بل المهيمن) مكتظ منذ نشوئه برءوس الأموال الأجنبية التى انخفضت بسبة مساهمتها بالتدريج. فالعبرة بوضعية الاقتصاد ككل فى السوق العالمى، وهذا ما سنراه فيما بعد.

الضغط على رأس المال الخاص:   

حين فشلت سياسة تشجيع رأس المال الخاص، أصبح لا مفر- بالنسبة للناصرية -  من لىّ ذراعه لتحقيق النمو المطلوب، فالدولة قد قدمت كل إمكانياتها الفعلية. وقد بدأت هذه السياسة فعليًا بعد حرب 1956، خاصة أن المد القومى كان قد انتشر وطرح شعارات أكثر راديكالية. وصار النظام الناصرى يستخدم الشعارات القومية ويوثق علاقاته مع الاتحاد السوفيتى ويشدد هجماته الإعلامية على "الامبريالية"، مما زاد رأس المال الفردى إحجامًا عن الاستماع لتوصيات الحكومة.

وحين طرحت الحكومة سندات السد العالى للبيع لم يشتريها أحد ، فكان موقفًا محبطًا للسلطات ومحرجًا لها فى الوقت نفسه، وأصبح الموقف يتضمن – بالقوة – حالة الحرب بين الناصرية ورجال الأعمال. فبدأت سياسة الضغط والقهر من جانب السلطة تجاه هؤلاء:

*   تقرر أن تمتلك "المؤسسة الاقتصادية" – التى أُنشئت عام 1957 – نسبة معينة من أسهم بعض الشركات، وأن يكون للحكومة حق التدخل فى شئون الشركات وحتى فى تعيين الإدارات؛ بحجة تملكها لنسبة من الأسهم، حتى وإن كانت صغيرة. كما أصبح للمؤسسة حق شراء الأسهم من أية شركة فى أى وقت.

*   تقرر ألا يقوم الفرد الواحد برئاسة أكثر من إدارة شركة واحدة والاشتراك فى إدارة أكثر من شركتين.

*   تقرر عدم بيع جزء كبير من الشركات الممصرة لرأس المال الخاص، وقد استمر نمو المؤسسة الاقتصادية حتى أصبح قطاع الدولة هو المصدر الرئيسى للتراكم فى الصناعة.

*   تم تأميم البنوك الزراعية والتعاونية عام 1958.

ومن الملاحظ أن الحكومة بدأت تتشدد مع البنوك بوجه خاص، فأصبح يُفرض على بنك مصر الدخول فى مشاريع معينة، خصوصًا مشاريع الصناعات الوسيطة، بينما كان البنك يميل أكثر إلى مشاريع الصناعات الاستهلاكية، خصوصًا المنسوجات. وقد لجأت الحكومة إلى تعيين مديرى البنك لإحكام السيطرة عليه. وبعد تأميم البنوك الأجنبية أصبحت الحكومة تتحكم فى النظام المصرفى، وبالتالى فى تمويل سياستها الإنمائية.

*   تقرر ألا يساهم بنك فى ملكية ما يزيد عن 25% من رأس مال أية شركة.

*   وردًا على اندفاع رجال الأعمال إلى الاستثمار فى المساكن، تقرر تخفيض إيجارات المساكن عام 1958بنسبة 20%[40]، مما أدى إلى تقلص استثمارات المساكن بنسبة كبيرة (من 59 مليون جنيه عام 1958 للعقارات ككل إلى 43 مليون جنيه عام 1959). وكان قد تقرر عام 1956 إخضاع بناء العمارات أو إصلاحها – إذا زاد المبلغ المنصرف عن 500 جنيها – لنظام الرخص الرسمية.

*   تم إخضاع المستوردين إلى نظام تراخيص الاستيراد، كما فرضت مزيدا من القيود على استيراد الكماليات[41].

*   تم جعل نسبة الأرباح الموزعة على المساهمين لا تزيد عن تلك الموزعة فى العام السابق بأكثر من 10%. (تم توزيع 40% من الأرباح على المساهمين عام 1958)، وأن يتم استثمار 5% من الأرباح الموزعة على المساهمين فى سندات حكومية؛ وذلك لجعل أكبر قدر ممكن منها مقيدًا فى المشاريع. ولكن الحكومة اضطرت إلى تعديل نسبة زيادة الأرباح الموزعة إلى 20% من الأرباح الموزعة فى العام السابق على الأكثر، وذلك بعد أن لجأ أصحاب الأسهم إلى طرحها فى الأسواق، فتدهورت – بالتالى – أسعارها.

*   قامت الدولة بشراء 25% من أسهم الشركات العاملة فى استصلاح الأراضى.

*   قرر وزير الصناعة إخضاع إنشاء المصانع الجديدة لنظام الرخص الرسمية لمعاكسة ميل رجال الأعمال إلى إنشاء الصناعات الاستهلاكية[42].

*   لجأت الحكومة إلى إجراء بعض الإصلاحات فى النظام النقدى، منها جعل تحديد حجم الغطاء الذهبى فى يد رئيس الجمهورية. كما أدخلت الأوراق التجارية إلى الغطاء، وتقرر" ترشيد" الرقابة على النقد الأجنبى، ففرضت قيود على التحويلات السياحية، وتقرر أيضًا زيادة الحد الأدنى لرأس مال البنوك إلى نصف مليون جنيه، وأن يكون البنك على هيئة شركة مساهمة [43]. وفى 1957 امتنع البنك الأهلى عن إقراض الحكومة بحجة الخوف من التضخم، فلجأت الأخيرة إلى إصدار قانون يجبر البنك على وضع ما فى حوزته من عملات أجنبية تحت تصرفها، كما تقرر ألا يجمع الشخص الواحد بين عضوية مجلس إدارة بنكين[44].

     وادت هذه القرارات إلى زيادة أزمة الثقة بين الحكومة ورجال الأعمال، وكان كل طرف "محقًا" من وجهة نظره، فكان كل منهما منسجمًا مع مصلحته الخاصة وإمكانياته الذاتية. وكان من الطبيعى أن يؤدى تشدد الحكومة وقمعها لرجال الأعمال إلى رد فعل مضاد؛ فبدأت رؤوس الأموال تُهَرَّب إلى الخارج بمعدلات كبيرة، مما اضطر الحكومة عام 1959 إلى إلغاء تداول الأوراق المالية من فئة الخمسين جنيها والمائة جنيه، لضرب مهربى النقد . كما زاد ميل رجال الأعمال إلى الأنشطة التجارية والمضاربة لسهولة تحريك رأس المال فيها، وللتهرب من القوانين المفروضة على رأس المال الصناعى. كما لجأ أصحاب المصانع إلى المبالغة فى تقدير نسبة العادم والاحتياطيات المطلوبة.

     وقد ضاعف من خوف رجال الأعمال تصاعد هجمات الصحافة على الرأسمالية والاستغلال فى أواخر الخمسينات (وأوائل الستينيات). بل كان بعض المسئولين يهاجمون رجال الأعمال بضراوة[45].

لقد أصبح من الواضح أن كبش فداء جديد كان يتقدم مرغمًا؛ فكان يجب – من وجهة نظر الناصرية – أن يلقى كل الفشل على عاتق رجال الأعمال، الذين كانوا مطالبين بما يفوق طاقاتهم المحدودة. وكان تصاعد موقف الحكومة العنيد من رأس المال مبشرًا بصدام عنيف، استعد له هؤلاء على طريقتهم الخاصة؛ فتم سحب كميات ضخمة من الودائع من البنوك وانتشر اكتناز النقد بسرعة، مما اضطر الحكومة للجوء إلى سياسات أكثر تشددًا، فلجأت – على سبيل المثال- إلى فرض الحراسة على "البنك التجارى المصرى " لاتساع نشاطه فى تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج[46].

ومن الواضح أن حوار الطرشان قد دار بين الدولة ورجال الصناعة. فالدولة تطلب ما لا يستطيع التاجر – الصناعى أن يقدمه، بينما لم توفر هى المناخ الملائم لرجل الصناعة الحقيقى. ومن الجهة الأخرى كان رجل الصناعة يطالب الدولة بما لا تستطيعه؛ يطالبها بأن تكون دولته هو بالذات، بينما لم يكن قادرًا على انتزاع السلطة السياسية لحسابه. وفى غياب رأس المال الأجنبى، لم تكن الناصرية بقادرة على المحافظة على عملية التنمية فى نفس الإطار الاجتماعى إلا بأخذ المبادرة مع تنفيذ الإصلاحات الاجتماعية وقمع رجال الأعمال. وبسبب مشروع الوحدة المصرية السورية، ومن أجل عيون رجال الأعمال السوريين، تأجلت المعركة، والتى كان نشوبها متوقعًا بعد نهاية حرب السويس [47]. واضطر الناصريون إلى تحمل رجال الأعمال مؤقتاً والاكتفاء بقتلهم ببطء. كذلك نضع فى الاعتبار أن المساعدات الأمريكية التى بدأت تتدفق على النظام بعد الوحدة قد أسهمت فى تقوية أعصاب الضباط وبالتالى ضاعفت قدرتهم على تأجيل المعركة المنتظرة خوفًا من مضاعفاتها على "الوحدة". ومع ذلك لم تكن الوحدة ولا المعونة الأمريكية بقادرة على درء المعمعة نهائيًا، بعد أن انطلق السهم.

 

الخطة الصناعية: 57 – 1960:

بعد حرب السويس وضعت الدولة أيديها على كميات ضخمة من الودائع فى البنوك ومدت سيطرتها إلى عشرات الشركات الكبيرة، وأصبح فى نطاق "ملكيتها" عدد كبير من الشركات تحت إشراف "المؤسسة الاقتصادية". وبمساعدة إجراءات الردع التى راحت تصدرها تباعًا، بدأ تنفيذ مشروع خطة صناعية بهدف زيادة معدل نمو الإنتاج الصناعى من 6% إلى 16% سنويًا. وزيادة مساهمة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى من 11% إلى 19%. ولا يبدو هذا الطموح كبيرًا بالمقارنة بما تم تحقيقه بالفعل فى بلدان شرقى آسيا فى نفس الفترة أو فى اليابان والاتحاد السوفيتى وألمانيا بعد الحرب. وكان من المقرر استثمار 330 مليون جنيه فى الصناعة لتحقيق المعدل المطلوب من النمو، ووضع فى نفس الوقت هدف آخر هو تشغيل 120 ألف عامل جديد فى الصناعة، فحتى ذلك الوقت كان مستوى التشغيل يقل عن مستواه عام 1947.

وراحت الدولة تتعشم من جديد فى تدفق رأس المال الأجنبى، رغم تمصير معظم الشركات الأجنبية بعد الحرب، ذلك أن العلاقات مع الغرب قد عادت إلى مجراها الطبيعى بعد الوحدة مع سورية. وكذلك كان عندها بعض الأمل فى نجاح إجراءاتها المقيدة لرأس المال الخاص، ولكن شكَّل نقص التمويل عقبة حقيقية، فلم يتدفق رأس المال الأجنبى الخاص بالرغم من تسوية مسألة التعويضات للشركات الأجنبية فى 1958/1959[48]، وتحسن العلاقات مع البلدان الرأسمالية. فالهجوم الإعلامى على الاستعمار والامبريالية لم يتوقف حتى أثناء الحرب الصليبية ضد الشيوعية (1958-1959) والدعاية ضد الاتحاد السوفيتى. فلم تكن حرب 1956 ببعيدة عن ذاكرة الجماهير العربية، وكانت الثورة العراقية تخطف الأبصار. وحتى بعد أن صادرها عبدالكريم قاسم استمر يرفع الشعارات الوطنية، ويمثل تحديًا قويًا لعبد الناصر فى المشرق. ولذلك كان الهجوم الإعلامى على الامبريالية لايزال ضروريًا، بل وازدادت ضرورته بعد ثورة العراق، ذلك أن الناصرية كانت مضطرة للمحافظة على صورتها القومية. كذلك تعمقت الأزمة بين الحكومة ورجال الأعمال – كما أسلفنا – فلم يحدث الإقبال المنشود. وحتى الحكومة لم تستطع أن تدبر حصتها المقررة من رأس المال؛ فقد كان مقررًا أن تساهم بـ 61% ولكنها لم توفر سوى 30-40% فقط من رأس المال الذى تم استثماره، وقدمت البنوك والشركات الممصرة معظمه[49].

وبذلك جاء عام 1960 ولم يتم استثمار سوى 43% من حجم الاستثمارات المطلوبة، منها 80-90 مليون جنيها استثمرت فى مشاريع مكتملة[50]. ويرجح مابرو – رضوان أن جزءًا من هذا المبلغ استثمر قبل عام 1957 وحُسب ضمن استثمارات الخطة.

كذلك لم يتحقق معدل النمو المطلوب:

جدول (32)

الرقم القياسى للإنتاج الصناعى (والكهرباء)[51]

الرقم القياسى للإنتاج الصناعى

السنة

100

1952

115

1955

130

1957

144

1958

148

1959

161

1960

 

ويوضح هذا الجدول أن معدل النمو السنوى للإنتاج الصناعى قد بلغ 6.5% خلال الفترة من 1957-1960 وهو معدل يزيد بمقدار نصف% فقط بالمقارنة بأعوام 1952 – 1956؛ وكان من الممكن أن يكون الفشل أكبر بكثير لولا قرارات التمصير التى وفرت معظم مساهمة الحكومة فى الاستثمارات التى تمت والتى تقدر بـ 30-40%، بينما ساهم القطاع الخاص بـ 60% منها[52].

واضطرت الحكومة عام 1960 إلى التوقف عن الإصرار على إتمام خطتها بعد أن اتضح تمامًا أنها قد فشلت، وتقرر وضع بقية المشاريع المستهدفة فى إطار خطة أوسع تنفذ خلال أعوام 1960-1965 وكان على الحكومة أن تدبر منذ البداية مصادر تمويل أكثر أهمية، خاصة أن نهاية الخمسينات قد شهدت التناقضات الاجتماعية وهى على وشك الانفجار.

 

3- النتائج العامة للسياسة الاقتصادية فى الخمسينات:

* النمو ومدى كفاءة الأداء:

بلغ معدل النمو السنوى للناتج القومى، فى الفترة من 1945-1951  5-7%، بينما بلغ (- 4.5%) فى الفترة من 1951-1954، ثم عاد فارتفع إلى 4.7% فى الفترة من 53/1954 – 62/1963 [53]. ولاشك أن معدل النمو بعد حرب السويس قد فاق ذلك الذى قبلها وإن كان بدرجة ضئيلة (وفى هذه النقطة بالذات يتفق كل من هانسن ومابرو – رضوان وأوبريان ومرزوق وميد). وهو على العموم معدل نمو ليس بالغ الانخفاض ولكنه لم يتخط كثيرًا معدل ما قبل 1952. وإذا حسب الإنتاج القومى بالنسبة للفرد الواحد نجد أنه قد ارتفع بعد الانقلاب، ولكن بمعدل زيادة سنوى يقل كثيرًا خلال الفترة من 1950-1960 مقارنة بالفترة من 1945 - 1950، وذلك بالأسعار الثابتة:


 

جدول (33)

الإنتاج القومى للفرد الواحد بالجنيه (أسعار 1954)[54]

العام

الإنتاج للفرد الواحد

1945

38 جنيها

1950

45.8 جنيها

1957

44.5 جنيها

1960

49.5 جنيها

 

وقد كانت مساهمة القطاعات فى النمو المتحقق تقل عن أحجامها النسبية فى الاقتصاد لصالح قطاع الصناعة:

جدول (34)[55]

مساهمتها فى النمو المتحقق

من 1952: 1960   %

مساهمة القطاعات فى القيمة المضافة

عام 1952   %

22.8

31.5

زراعة

24.8

8.75

صناعة وكهرباء

11.6*

8.3

نقل ومواصلات

-

2.4

خدمات مالية

15.6

15

تجارة

4.7

6.7

إسكان

-

12.7

إدارة حكومة

14.4

12.3

خدمات أخرى

2.5

2.3

بناء

                    * هذه النسبة المرتفعة تعود إلى أعمال قناة السويس.

 

ومع ذلك شهدت هذه الفترة تقلصًا فى معدل التراكم الصافى لرأس المال الصناعى وهى حقيقة مناقضة للانطباع الأوَّلى الذى تعطيه الإحصائيات التقليدية وتوضحها تمامًا طريقة سمير رضوان:

جدول (35)

معدل التكوين الرأسمالى فى الصناعة المصرية (مليون جنيه)[56]

تراكم رأس المال الدائم خلال الفترة

الفترة

122.99

1945-1950

126.8

1952-1956

40.3

1957-1960

ملحوظة: حسبت بأسعار 1960 وبعد احتساب معدل استهلاك 6.25% للآلات، 2% للمبانى سنويًا ولا يشمل ذلك النقل والكهرباء والتشييد والتخزين.

 

وقد شهدت الصناعة خلال هذه الفترة اتجاهًا واضحًا نحو التنوع، كما ازداد الحجم النسبى لصناعة السلع الوسيطة، التى كان التركيب العضوى لرأس المال فيها مرتفعًا بالنسبة لمجمل الصناعة. وزادت مساهمة الصناعات التالية فى القيمة المضافة للصناعة من 25.5% إلى 33.3%: الأخشاب والورق والمطاط والكيماويات والبترول والمنتجات غير المعدنية والمعادن الأساسية والمنتجات المعدنية، وذلك على حساب الصناعات التقليدية فى مصر. ولكن استمر التوسع فى صناعة المنسوجات بنفس المعدل. أما السلع الدائمة فقد تقلص دورها فى القيمة المضافة للصناعة من 3.6% إلى 3.1%[57].

ولم تشهد هذه الفترة أى ظهور للصناعات فائقة التطور (الالكترونيات والتجهيزات التى تعمل بالتحكم الالى، والآلات الحديثة... الخ) و لا الآلات ، بل ظلت البلاد تعتمد على استيراد السلع التجهيزية بكافة أنواعها.

واستمر طابع الإنماء الصناعى؛ إحلال الواردات كما هو، فانخفض معدل استيراد السلع الاستهلاكية المصنعة:

جدول (36)

التوزيع النسبى للواردات الصناعية  %[58]

استثمارية

وسيطة

استهلاكية

غذائية

السنة

14.6

40.3

22.2

23

1950

24.8

39.4

14.5

21.3

1960

     ويمكننا إيجاز التغيرات التى حدثت فى الصناعة كما يلى:

•    زيادة درجة التنوع، خصوصًا فى السلع الوسيطة، ولكن لم يشهد القطاع تغيرات ثورية، مثل ظهور ونمو الصناعات التجهيزية (أو إحداث تطور هائل فى الإنتاجية أو حتى على الصعيد الكمى، بتحقيق قفزات كبيرة فى معدل نمو الإنتاج). ومع أن معدل الادخار من الناتج القومى لم يرتفع ابان هذه الفترة بدرجة كبيرة ولم ترتفع نسبة الاستثمارات إلا بدرجة طفيفة، إلا أن معدل الاستثمار قد زاد عن معدل الادخار من الناتج القومى، وتم تمويل هذا الفرق من القروض الأجنبية والمعونات التى بلغت عام 1957: 1958 أرقامًا كبيرة كما يلى:

 

جدول (37)[59]

القروض بالمليون جنيه

البلد

44

ألمانيا

12

فرنسا

10

اليابان

3

سويسرا

69

المجموع

   

وهذه القروض تساوى 25% من دخل البلاد بالعملة الصعبة، وكانت مصدرًا لـ 30% من التمويل الكلى لخطة 1957- 1960.

جدول (38) نسبة الادخار المحلى من الناتج المحلى الإجمالى[60]

 

معدل الادخار%

السنة

معدل الادخار%

السنة

14 (*)

1965-1966

11.9

1952-1953

8.2

1967-1968

13.4

1956-1957

10.6

1969-1970

14.2

1960-1961

-

-

11.6

1962-1963

(*)  فى تلك الفترة كان يتم  تسجيل المخزون السلعى ضمن المدخرات.

 

بالإضافة إلى ذلك تم استنفاذ جزء من الأرصدة الاسترلينية، كما لعب الدعم السوفيتى دورًا كبيرًا فى امتصاص منتجات التصدير، خاصة من القطن والأرز[61]. وبوجه عام ازداد الاعتماد على الخارج فى مجال التمويل. وأظهرت خطة 1957-1960 أن ضعف مصادر التمويل كل عقبة كبيرة، وظلت البلاد عاجزة عن ضمان مواردها من العملة الصعبة، فالقطن ظل هو المحصول الرئيسى للتصدير، بينما أخذت أسعاره تتدهور فى السوق العالمية بعد انتعاش صناعة الألياف الصناعية وتطور وسائل الإنتاج فى البلدان الرأسمالية (= تخفيض نسبة العادم). والأدهى من ذلك أن الاعتماد على الخارج فى التمويل لم يقتصر على رءوس الأموال فحسب بل ازداد أيضًا بالنسبة للسلع الغذائية والاستهلاكية عمومًا، وقد استنفذت الأرصدة الاسترلينية فى استيراد هذه المواد أساسًا، وفى نفس الوقت استمر توزيع الفائض شديد الجنوح نحو قطاع العقارات والأنشطة التداولية والاستهلاك الترفى. ونستطيع أن نخلص إلى نتيجة أساسية، وهى أن كفاءة الاقتصاد لم تتحسن بعد إجراءات حكومة الضباط، بل على العكس سارت إلى الأسوأ. وقد نما حجم الاقتصاد محتفظًا بكل اختلالاته الأساسية، بينما تم هذا النمو بتكاليف باهظة بالنسبة للنتائج، مما زاد من صعوبة النمو الذاتى فى المستقبل.

وقد زادت السياسية الاقتصادية الناصرية من ضعف أداء الاقتصاد؛ فإجراءات تشجيع رأس المال الخاص جاءت بعكس النتائج المطلوبة منها مما أجبر السلطات على تمويل عملية الاستثمار بنفسها، فى الوقت الذى لم تكن تملك فيه الإمكانيات الكافية لذلك. وفى الوقت نفسه عرقلت سياستها من نمو مواردها الذاتية (الإعفاءات الضريبية، دعم الصناعات الجديدة..)، ولم يعوَّض ذلك جزئيًا سوى عمليات تأميم الشركات الأجنبية. كما أن الميل إلى تخفيض قيمة الجنيه المصرى لم يحقق أية مكاسب، فتدهورت أسعار الصادرات وازدادت أعباء الواردات دون أن يعوض ذلك زيادة كبيرة من الصادرات، وفى الحقيقة كان تخفيض قيمة الجنيه على مدى السنوات 1952-1962 إجراء اضطرايًا يعكس حالة قوى السوق الفعلية.

 

•    ازدياد حدة التناقضات الاجتماعية:

أدت إجراءات الضباط المشجعة لرأس المال، والتى لم تلغ الإجراءات المتشددة التى اتخذت بعد حرب السويس معظمها، بالإضافة إلى عمليات الاندماج بين الشركات التى شجعها الضباط (كما منح الباحثون عن المعادن حقوقًا احتكارية أقوى وأكثر دوامًا [62]) إلى انتعاش هائل لرجال الأعمال من تجار ومقاولين وأصحاب أسهم ووسطاء من كل نوع على حساب العمال والفلاحين الفقراء والموظفين. ويتبين ذلك فى المعطيات الآتية:

جدول (39)

ارتفاع معدل الربح والأجور خلال الفترة من 1954-1959[63]

الزيادة فى الأجور

الزيادة فى معدل الربح %

الصناعة

3%

14

النسيج

30

التشييد

37

الصناعات الغذائية

 

وقد بلغ معدل الربح السنوى عام 1957-1958 بالنسبة للصناعات الغذائية 38.8%، 25.5% بالنسبة للمنسوجات (ضمن 48 شركة مساهمة تملك 53%من مجموع رءوس أموال الشركات المساهمة [64]. هذا بينما ارتفع الأجر النقدى للعامل سنويًا خلال الفترة من 1952-1960 بـ 2.9 فقط[65]، وقد تناقص نصيب العمل من القيمة المضافة خلال سنوات 1952-1960 من 40.6 إلى 33.4 إلى 34.8 إلى 34.1 إلى 30.6 إلى 31.7%[66].

 

جدول (40)

نسبة الأجور و المهايا من القيمة المضافة فى الصناعة التحويلية( 10 عمال فأكثر)[67]

 

 

عدد عمال المشروع

السنة

500 عامل  فأكثر

50-499 عامل

10-49 عامل

38.9%

40%

49%

1951

32.7%

29%

35.1%

1960

 

وبالأرقام بلغ عائد قطاع االأعمال ككل (قطاع خاص) فى 1960-1961: 63.458.9 مليون جنيها بينما بلغ عائد الأجور فى نفس القطاع 11.928 مليون[68]. وباختصار بلغت الفوارق الطبقية فى آخر الخمسينات هوة عميقة وأصبح من الواضح أن الناصرية قد شجعت رجال الأعمال على حساب الطبقات الأدنى بالرغم من الإصلاحات الاجتماعية التى قدمت للأخيرة، وأهمها الإصلاح الزراعى وتوسيع التعليم. وقد أدى الفشل فى تحقيق معدل زيادة مرتفعة للدخل المحلى وتوفير مصادر محلية للتراكم مع عوامل أخرى إلى الخوف من اشتعال الحركة الجماهيرية، خاصة بعد الوحدة المصرية السورية.. وقد دفع هذا الخوف الناصرية إلى شن حملة قاسية ضد القوى القومية الراديكالية و اليسار فى المنطقة العربية كلها، مع الاهتمام بمهادنة الغرب على الصعيد العملى. ورغم ذلك كانت الصحافة تجد نفسها مضطرة إلى الإشارة إلى عوامل التذمر الكامنة، فطرحت على سبيل المثال ما عرف وقتها بأزمة المثقفين[69]، وأحوال عمال التراحيل والفلاحين والموظفين، واشتد هجومها على الرأسمالين والاستغلال، وكبار ملاك الأراضى.. الخ. فمن جهة كانت عوامل التذمر تزداد، ومن جهة أخرى كان اتهام رجال الأعمال يبرئ الحكومة، لذلك وجدنا الأخيرة تُقبِل فى الفترة اللاحقة على خطوات إصلاحية واسعة.

انتهت الخمسينات بتكون قطاع دولة كبير يتحكم فى الجهاز المصرفى وجزء كبير من الجهاز الإنتاجى. ومع أنه لم يستطع أن يحقق قفزة فى كفاءة الأداء الاقتصادى، فقد كان هو المنقذ الوحيد فى ظل ظروف تلك الفترة من خراب معمم. إلا أنه لم يكن حلاً جذريًا لأزمة النظام بل كان فقط مسكنًا لها، بل وكان مسكنًا مكلِّفاً.

لقد تكون قطاع الدولة الاقتصادى حتى الآن فى سياق محاولة الناصرية المحافظة على استقرار سلطتها وذلك بآليات عدة، كان من ضمنها التخفيف من حدة الأزمات الاجتماعية – الاقتصادية. فالناصرية لم تكن تقدم التسهيلات للصناعة من أجل رجال الصناعة، بل من أجل الصناعة نفسها، بهدف تحسين الجهاز الإنتاجى، بغرض امتصاص البطالة ووقف تدهور مستوى المعيشة حسب توقع مخططيها.

وقد لعب ضعف ورود رأس المال الأجنبى الخاص دورًا ايجابيا فى نمو قوة السلطة الناصرية، وجاءت فرصة حرب 1956 لتعطيها فرصة جديدة للإجهاز – تقريبًا على هذا الرأسمال.. هذا بالرغم مما أدى إليه من ضعف الأداء الاقتصادى

 

السياسة الاقتصادية فى الستينات:

 

"الخطة الخمسية للتنمية":

بعد فشل خطة 1957-1960 وتنامى الأزمة الاجتماعية قررت الحكومة تعبئة كل الإمكانيات الممكنة، ورصد كل طاقتها للخروج من عثرة سياساتها الاقتصادية ابان الخمسينات، واستدعت خبراء الاقتصاد من الخارج والداخل لمعاونتها فى وضع خطة للتنمية الشاملة تحقق مضاعفة الدخل القومى كل عشر سنوات.

ورغم الفشل المحِبط الذى منيت به الخطة الجديدة للحكومة ظلت دعايتها الرسمية تتغنى بإنجازات عظيمة لم تتحقق بينما حصلت على دعم أيديولوجى عظيم من منظِّرى اليسار.

ومن أجل إبراز ما حققته الخطة لم يصبح لدى الإعلام الناصرى أى مانع من الاعتراف بفشل الخمسينات دون أن ينسى أن يلصق التهمة برجال الأعمال. وأصبحت الخطة الخمسية فى مقابل ذلك إحدى المعجزات الجديدة التى اكتشفها الإعلام الناصرى ووصفها بالثورة الصناعية، وبالإضافة إلى إجراءات التأميم صارت هناك أيضًا خطة للتنمية القومية الشاملة تحقق خطوة على الطريق إلى الاشتراكية.. وهكذا.

ورغم الدعم الغربى الكبير لمشروعاتها، فقد اعتبرت الخطة الخمسية فى الإعلام والفكر الناصريين سببًا كافيًا لكى تشن الامبريالية عدوانها على مصر عام 1967 بواسطة اسرائيل. بل واعتبر البعض أن ما اعتبره نجاحاً للخطة هو الدافع الأول وراء هذا العدوان !

وبغض النظر مؤقتًا عن الملكية "العامة" لوسائل الإنتاج فى العهد الناصرى، لم تكن خطة 1960-1965 بالخطة التى تتضمن خطوة على الطريق إلى إقامة مجتمع بلا طبقات، وكما سنرى بعد قليل لم تكن تتضمن أيضًا خطوة لإقامة بنية اقتصادية متقدمة أو مستقلة. بل ولم تكن أيضًا من الناحية التقنية البحتة خطة محكمة، حتى داخل الإطار الذى وضعت من أجله، وليس من الغريب أن البنك الدولى فى السبعينات راح يدعو مصر إلى التخطيط والتنسيق أكثر فى السياسات " بالمقارنة مع مرحلة السيطرة الواسعة للقطاع العام"[70].

إننا لا نتحدث فقط عن غياب طابع التخطيط القومى الشامل بل وعن نقص طابع التخطيط نفسه؛ كفن؛ "كتقنية". "فالخطة" لم تتضمن إجراءات ما لتطوير القطاعات القائمة من الاقتصاد أو المؤسسات الاجتماعية من الناحية الكيفية ولكنها ُوضعت حول هدف واحد هو زيادة الدخل القومى. ولم تكن "الخطة" أيضًا خطة لزيادة الدخل القومى؛ فباستثناء الاستثمارات، لم تكن هناك أغراض معينة للخطة وإنما كانت هناك توقعات، ورغبات، كان من المتوقع أن تتحقق عبر الاستثمارات التى تم تحديدها من الناحية الكمية وبالنسبة للقطاعات فقط لا بالنسبة للمشروعات[71].

لدى وضع الخطة قدرت "اللجنة المختلطة للمشاكل الاقتصادية والمالية". (وهى لجنة تألفت من عدد من كبار رجال الاقتصاد). أنه فى ظل الإمكانيات المتاحة من الموارد يمكن مضاعفة الدخل القومى فى عشرين سنة على أساس معدل سنوى للنمو يبلغ 3.5%. ولكن "اللجنة القومية للتخطيط" ووزارة الإرشاد قررا تعديل الخطة بحيث تحقق تنفيذ البرنامج على أساس " ثورى"، وتقرر مضاعفة الدخل القومى خلال عشر سنوات على أساس تحقيق معدل للنمو يبلغ 7% سنويًا، اعتمادًا على توقعات خاصة بزيادة الموارد المتاحة[72].

وقد تمحورت الخطة بكاملها حول أمنية وحيدة هى زيادة الداخل القومى، فقد تم تحديد معدل النمو المطلوب أولاً، ثم وضعت الخطة أملاً فى تحقيق هذا المعدل.

وقد روعيت نتيجة لذلك اهتمامات الجماهير المتعطشة إلى الاستهلاك - على حد تعبير أو بريان- "أكثر من أى بلد آخر"[73]، ولم يتم اختيار المشروعات بطريقة محددة سلفًا. وكان يتم إقرار المشاريع وفقًا لحجم القيمة المضافة الذى يمكن أن تنتجه بالنسبة للوحدة من رأس المال أو دورها فى توفير العملة الصعبة[74]، كما كان مقياس جدوى المشاريع متباين من إدارة إلى أخرى[75].

وكانت المشاريع تقترح من جانب مختلف الإدارات ولم توضع بواسطة إدارة مركزية مسئولة، وعندما كان وزير التخطيط يرفض مشروعًا يتقدم به أحد الوزراء الآخرين على أساس عدم توفر الموارد كان بإمكان الأخير أن يحصل على موافقة رئيس الجمهورية بحجة أن وزير التخطيط يبالغ فى تكاليف المشروع. وهذا مثال صارخ على التخبط. هكذا لم تُختر المشاريع لخدمة هدف تنموى عام وإنما لعبت المبادرات الخاصة من جانب الوزراء والمسئولين بمختلف القطاعات أدوارًا متباينة، وانتصرت المشروعات التى كان من المتوقع أن تنتج أكبر معدل للقيمة المضافة.

أما تجميع الموارد فوُجَّه بنفس الأسلوب، فالمسئوليات كانت مجزأة بالنسبة لتدبير الموارد ووقعت على عاتق مسئولى القطاعات المختلفة. ولم يوضع نظام بديل لتجميع الموارد بطريقة تحل محل نظام السوق المفتوحة والتى لم تعد مفتوحة بالضبط ولا مجدية عمليا بعد إجراءات الحكومة فى أواخر الخمسينات. بل وحتى أرقام الصادرات والواردات والادخار وتدفق السلع لم تزد عن كونها مجرد توقعات وليست أهدافًا موضوعة. ولم تتخط فكرة السيطرة المركزية على توزيع الاستثمارات حيز النظرية. ولم يقم المسئولون عن التخطيط بأية إجراءات لإرشاد المنتجين إلى كيفية تحقيق أهداف الإنتاج. ومن الجدير بالملاحظة هنا أن تلك الأهداف قد ُحددت بالنسبة للقطاعات ككل وليس بالنسبة للمشاريع.

ورغم التأميمات ومركزة الجهاز المصرفى ووضعه فى يد الدولة، ظلت الوحدات المؤممة تعمل مثلما كانت تعمل من قبل.. إذ ظلت تتعامل مع السوق دون الانصياع لأوامر الحكومة[76].

أهداف وتوقعات الخطة:

تمثَّل هدف الحكومة المباشر فى تحقيق معدل نمو للناتج القومى الإجمالى يبلغ 40% خلال خمس سنوات (7% سنويًا). ورؤى أن تحقيق هذا الهدف يتطلب استثمار مبلغ 1636.4 مليون جنيه (حسب أسعار 1959/1960) يتم توزيعه كالتالى:


 

جدول (41)

الاستثمارات المقررة لمختلف القطاعات فى الخطة الخمسية (بالمليون جنيه)[77]

حجم الاستثمارات

القطاع

384.4 *

الصناعة التحويلية

52.4

التعدين

138.5

الكهرباء

383.2

الزراعة

269.2

مواصلات – نقل – تخزين

140

إسكان

47.6

مرافق عامة

101.7

خدمات

120

مخزون سلعى

1637

المجموع

           * مخصص 57% منها لصناعات السلع الوسيطة.

 

ولم يحدد المخططون وسيلة معينة لتمويل المشروعات وإنما توقعوا.. أيضًا، المصادر التالية:

- مساهمة القروض الأجنبية بنسبة ثلث الاستثمارات.

-   مساهمة القطاع الخاص بـ 70% من المصادر الداخلية للاستثمارات خلال العاملين الأولين من الخطة وبـ 55% فى نهايتها (وبـ 80% من الزيادة المتوقعة للدخل القومى بين عامى 1960-1965)[78].

-   مساهمة الحكومة بالباقى اعتمادًا على دخل قناة السويس وبقية الإيرادات الحكومية.

وبناء على على هذا التصور توقع المخططون تحقيق ما يلى:

1-  تعديل الأوزان النسبية للقطاعات فى الناتج القومى كالآتى:

جدول (42)

التغيرات المتوقعة لتركيب الناتج القومى

خلال الأعوام (1960-1965)[79]

تغير مساهمته % من الناتج القومى

القطاعات

من 21.2 ¬ 30

الصناعة *

من 31.2 ¬ 28.5

الزراعة

من 47.6 ¬ 41.5

بقية القطاعات

                    *       شاملة الكهرباء.

 

2-  تحقيق فائض فى ميزان المدفوعات فى نهاية الخطة يبلغ 40 مليون جنيه عن طريق زيادة الصادرات وانخفاض الواردات [80].

3-  تحقيق إحلال إجمالى صافى للواردات بـ 117 مليون جنيه.

4-  تحقيق معدلات النمو الآتية للصناعة والزراعة.


 

جدول (43)

المعدل المستهدف للنمو السنوى للصناعة والزراعة

خلال خطة 1960-1965[81]

معدل النمو السنوى المستهدف

القطاع

14.5% بدلاً من 6.5% عام 1960

الصناعة

5.2% بدلاً من 2.5% عام 1960

الزراعة

 

كما تقرر أن يتم البدء فى تنفيذ خطة جديدة من 1966 – 1970.

ولم يتقرر تغيير نمط التصنيع القائم؛ أى إحلال الواردات، بل وتوقعت الخطة على ضوء هذا أن يتحسن ميزان المدفوعات.

وحين جاء العام 1964- 1965 لم تكن الخطة قد أنجزت بالشكل المتوقع، فتقرر مدها ثلاث سنوات أخرى، ثم تم صرف النظر عن استكمالها، وجاءت حرب 1967 لتوقف التفكير فى وضع خطط جديدة[82].

 

وجاءت كافة التوقعات بعكسها:

1-  فلم يتحقق معدل النمو المطلوب؛ قدر رسميًا بـ 6.5 سنويًا[83]. ويقدر نفس المصدر زيادة الدخل القومى فى الفترة المذكورة بـ 37.1%[84]. ولكن هانس - مرزوق يقدرانه بأقل من ذلك؛ 5.7% سنويًا، وهما يحددان معدل نمو ناتج القطاعات أثناء الخطة على النحو التالى:

 

جدول (44)

معدل النمو السنوى للصناعة والزراعة خلال خطة (1960-1965)[85]

 

معدل النمو السنوى %

فى فترة الخطة الخمسية

القطاع

1.7

الزراعة

9.3

الصناعة والكهرباء

11.3

بناء وتشييد

11

نقل

6.2

تجارة ومال

5.9

أخرى

5.7

الناتج القومى ككل

 

وبالنسبة للصناعة التحويلية وحدها، بلغ معدل نموها حسب تقدير مابرو – رضوان – الأكثر تعاطفًا مع الناصرية – 50% خلال الفترة كلها بالأسعار الثابتة، أى 8.5% سنويًا[86]. وهو معدل يقل عن تقدير هانس – مرزوق بـ 0.8% (فلنلاحظ أن المخططين توقعوا نموًا يبلغ 15% سنويًا للصناعة ).

بل وانتهت الخطة بكارثة اقتصادية، فبينما بلغ معدل نمو الناتج المحلى الإجمالى 8.7% بالأسعار الجارية عام 63-1964، راح يتدهور بعد ذلك، فبلغ 4.4% عام 65-1966، ثم بلغ صفر تقريبًا عام 66-1967 ثم ــ1 % عام 1967 – 1968 وفقًا للإحصائيات الرسمية، فإذا حسبنا الرقم الأخير بالأسعار الثابتة لعام 64-1965 يصبح – 2.5% بدلاً من –1% [87].

والأسوأ من ذلك أنه رغم عدم تحقيق أكثر من 60% من النمو المتوقع لقطاع الصناعة، راحت المنتجات الصناعية تتراكم فى المخازن منذ أواسط الستينات، مما يعنى عودة مظاهر الأزمة القديمة (أزمة 49-53) [88]، بل ووفقًا لمابرو – رضوان كانت معدلات زيادة الإنتاج أثناء الخطة تعبر جزئيًا عن استثمارات سابقة (1955-1960) حيث أن الاستثمارات الصناعية لاتؤتى ثمارها فورًا [89]، وهو رأى له وجاهته، إلا أنه يتضمن فكرة أخرى؛ فجزء من استثمارات الخطة يكون قد أتى ثماره بعد نهايتها لا أثناء تطبيقها، إلا أن هذه الملاحظة ليست فى صالح الخطة الناصرية، حيث ان السنوات اللاحقة كانت سنوات أزمة وكساد وتدهور فى معدل النمو بما فى ذلك نمو الناتج الصناعى.

وقد تحققت النسب التالية من توقعات المخططين لنمو إنتاج القطاعات المختلفة حسب الخطة[90] 

:

جدول (45)

النمو المتحقق للإنتاج /المستهدف (%)

القطاع

135

الخدمات

55.4

الصناعة

13.1

الزراعة

 

رغم أن معدل المنفذ من الاستثمارات فى هذه القطاعات كان:


 

جدول (46)

الاستثمارات الفعلية بالنسبة إلى

المستهدف منها[91]

النسبة %

القطاعات

125

الخدمات

90.8

الصناعة

101.1

الزراعة

208.5

السد العالى

75.4

الرى والصرف

    

وهذه الاختلافات الصارخة بين الوقائع والتوقعات رغم تنفيذ نسبة عالية من الاستثمارات المقررة يعكس مدى سواء التخطيط واضطراب العمل.

2- لم يتغير تركيب الناتج القومى ولم تتحقق التنبؤات المرغوبة:

-   انخفضت مساهمة الزراعة من 31% إلى 28% من الناتج القومى الإجمالى، وارتفع نصيب الصناعة والكهرباء من 20% إلى 23%[92].

وإذا اختصت الصناعة التحويلية وحدها بالذكر نجد أنها حققت 21% بدلاً من 18% من الناتج القومى الإجمالى. ومن الملاحظ أن دور القطاعات الثالثية ( التداولية والبنية الأساسية والخدمات ) فى زيادة الناتج قد ارتفع من 42.2% خلال الفترة من 52/1953 – 59/1960، إلى 47.8% خلال الفترة من 59/1960 – 69/1970[93] رغم أن مصر كانت وفقًا للرأى الرسمى بلدًا ناميًا وكانت بادئة من مستوى منخفض للتطور الصناعى، وهو وضع مختلف عن الوضع فى البلدان الرأسمالية حيث تميل القطاعات الثالثية إلى النمو بمعدل أسرع من معدل نمو الاقتصاد ككل لأسباب تختلف جذريًا عن أسباب وجود نفس الظاهرة فى البلدان المتخلفة.

ورغم الضجيج الإعلامى تشير المعطيات إلى أن ما تحقق من تراكم رأس المال الدائم فى الصناعة كان شديد التواضع.

جدول (47)

تراكم رأس المال الصناعى (مليون جنيه)[94]

الاستثمارات

السنوية فى الصناعة

التركم السنوى

تراكم رأس

المال الدائم فى

الصناعة

العام

26

20.15

122.9

1945-1950

43

25.36

126.8

1952-1956

53

10.07

40.3

1957-1960

60

17.64

88.2

1961-1965

كما كانت درجة التنويع فى الصناعة أقل منها فى الخمسينات[95]. حيث تركز رأس المال الجديد فى الفروع القائمة بدلاً من الاتجاه إلى فروع جديدة.. هكذا كان إحلال الواردات فى الخمسينات أكثر فعالية منه فى الستينات من ناحية الكيف.

3- ازداد خلل الميزان التجارى (وميزان المدفوعات)، فازدادت الواردات بنسبة 59% بينما زادت الصادرات  بنسبة 24% خلال الفترة[96].

جدول (48)

الصادرات والواردات بالمليون جنيه (1965)[97]

حسب المتحقق بأسعار 59/1960

حسب المخطط له

(المتوقع)

 

228.6

229.2

الصادرات

313.5

215

الواردات

ــ 84.9

+ 14.20

الحساب الإجمالى

 

وكانت زيادة الواردات بالنسبة للناتج القومى كالتالى (%):

جدول (49)[98]

الواردات بالنسبة للناتج القومى %

الأعوام

16.50

1960/1961

21.10

1965/1966

 

ليس هذا فحسب، بل زاد نصيب مجمل السلع الاستهلاكية من إجمالى الواردات من 24.9% عام 1959/1960 إلى 26.4% عام 1965 [99]، كذلك زادت نسبة المستورد منها إلى العرض الكلى من 4.7% إلى 6% وتعود هذه الزيادة إلى زيادة نسبة الواردات من السلع الغذائية، وخاصة القمح والدقيق. ولكن معدل الإحلال من السلع الاستهلاكية قد ازداد بالفعل خلال نفس الفترة، إلا أن أثره قد تلاشى بفعل زيادة واردات الغذاء التى أضاعت أثر نمو الصناعة الاستهلاكية (بالإضافة إلى أحلام المخططين أيضًا )[100].

وقد ارتفعت نسبة الواردات من السلع الوسيطة من 50% إلى 52.4% من مجمل الواردات الصناعية، ولكنها انخفضت بالنسبة لمجمل الواردات من 39.4% إلى 38.2% ذلك أن نصيب المواد الغذائية من الواردات قد ارتفع فى نفس الفترة من 21.3% إلى 27.15%[101]. والحقيقة أن درجة الاعتماد على استيراد السلع الوسيطة قد ازدادت خلال الخطة، ناهيك عن الاستمرار فى الاعتماد على استيراد السلع التجهيزية رغم انخفاض مساهمتها فى الواردات من 24.8% إلى 23.5% (انخفاض نسبى أيضًا عائد إلى الزيادة الكبيرة فى الواردات الغذائية).

وبدلاً من الفائض الذى توقعه واضعو الخطة فى ميزان المدفوعات (40 مليون جنيه) حدث العكس تمامًا؛ فبلغ العجز فى نهاية الفترة 417 مليون جنيه[102]. يعود معظمه لسنوات الخطة. فمنذ 1949 إلى 1958 كان العجز السنوى لميزان المدفوعات 20 مليون جنيه، ومن 1958 –1965 بلغ 75 مليون جنيه [103]، وقد ارتفعت نسبة العجز فى ميزان المدفوعات من الناتج القومى من 1% فى بداية الخمسينات إلى 6% فى نهاية الخطة [104]. ويعود العجز المتزايد أساسًا إلى عجز الميزان التجارى، مما يعنى أنه مرتبط بشكل وثيق بتحولات الاقتصاد وليس بعوامل خارجية مباشرة.

 

جدول (50)

تطور عجز الميزان التجارى  ( بالمليون جنيه)[105]

العجز

السنة

34.7

1960

74.8

1961

142.6

1962

171.6

1963

180

1964

142.6

1965

202.2

1966

 

وقد اضطرت الحكومة منذ 65-1966 إلى بتر المستوردات بشدة لعلاج أزمة ميزان المدفوعات، على حساب النمو الاقتصادى[106]

4- فى حقل التمويل تحقق من المتوقع بالنسبة للتمويل الخارجى 23% ( 27.5 % إذا حسبنا السد العالى) بدلاً من 33%. وفى العام الأول من الخطة كان من المقرر استثمار 350 مليون جنيه، أنفق منها 90 مليون جنيه فقط، حيث لم يندفع القطاع الخاص إلى الاستثمار مما كان له دور فى دفع عبدالناصر إلى تأميم الشركات الكبرى، ورغم هذا بلغت نسبة مساهمة القطاع الخاص نحو 40% من الاستثمارات الكلية، أنفق 70% منها فى الإنشاءات، التى استأثرت وحدها بنحو 40-50% من مجمل استثمارات الخطة[107]. وإذا علمنا أن مساهمة قناة السويس (390.3 مليون جنيه) بالعملة الصعبة[108] كانت تعادل 25% من الاستثمارات لتخيلنا كم كان يمكن أن تسير الأمور لو تم الاعتماد على مصادر التمويل الداخلية وحدها، مضافًا إلى ذلك المساعدات الغذائية الأمريكية (كانت معظمها فى الحقيقة قروض بشروط سهلة) والتى بلغت ابان سنوات الخطة مبلغًا طائلاً؛ نحو مليار دولار أمريكى [109]. وقد وفر هذا كثيرًا من العملات الصعبة للنظام (ما يعادل تقريبًا كل دخل قناة السويس، أى 25% من حجم الاستثمارات من 1960-1965 وهذا الوفربالعملة الصعبة يضاف بالتأكيد إلى حساب الاستثمار( حيث كان لابد من اقتطاعه من موارد الاستثمار فى حالة عدم توفره بفضل الدعم الأمريكى ، و رغم أنها كانت قروضاً الا أنها كانت مؤجلة الدفع و طويلة المدى ). وقد بلغت نسبة المساهمة الصافية للقطاعات التى تشكل بنية الاقتصاد المحلى فى الاستثمارات ابان الفترة كلها نحو 47.5% من مجمل الاستثمارات، وإذا طرحنا جانبًا مساهمة قناة السويس يصبح هذا الرقم 22.5% فقط !!

ورغم المعونات الخارجية الضخمة ودخل قناة السويس عجزت الحكومة عن توفيركل التمويل المعتمد أصلاً ، أى 1636.4 مليون جنيه وتم استثمار 1513 مليون جنيه[110] بعجز 123.4 مليون جنيه (8%). واضطرت إلى زيادة الضرائب غير المباشرة ورفع الأسعار فى 1964 – 1965. ويضاف إلى ذلك أن جزءًا كبيرًا من الأموال المنفقة قد نهبها القطاع الخاص ضمن التكلفة !![111] ، هذا بالإضافة إلى نهب البيروقراطيين كما سنرى فى مكان آخر.

إذن استمرت مشكلة التمويل قائمة وتراجع دور المدخرات المحلية فى الاستثمار وعجزت الحكومة عن زيادتها رغم سيطرتها الكاملة على الجهاز المصرفى والشركات الكبرى،  فلم تتخذ إجراءات فعالة لزيادة حجم هذه المصادر للتمويل بل شجعت الاستهلاك الفردى والعام تشجيعًا كبيرًا ، فزاد الاستهلاك الفردى الحقيقى بـ 34% وزاد الاستهلاك العام بنسبة 77% أثناء فترة الخطة[112]، وتعود معظم هذه الزيادة إلى زيادة حجم العمالة غير المنتجة وغير الضرورية فى الجهاز الحكومى والى زيادة مخصصات الأمن وبقية أجهزة الدولة.

كما لعبت حرب اليمن دورًا هامًا فى أزمة التمويل، فبلغت تكلفتها الكلية نحو 500 مليون جنيه، ولم تكن الحرب مجرد عامل عرَضى فى تأزيم الاقتصاد، فكانت ضرورية لتعويض الانفصال السورى، حولتها الشعارات القوموية إلى ورطة. وقد كانت فى الحقيقة ضرورة وورطة للنظام نفسه، بكل مكوناته وخلله الاجتماعى – السياسى. وبالإضافة إلى ذلك، عجزت المشاريع الجديدة عن استيعاب أعداد يُؤبه بها من العمالة، مما اضطر الحكومة إلى تشغيل عدد كبير من خريجى الجامعات والمدارس المتوسطة فى الدواوين الحكومية. ولم تزدد نسبة العاملين بالصناعة إلا بـ 11% (من 10% إلى 11.1% من مجمل العمالة الجديدة).

 

الأداء أثناء تنفيذ "الخطة":

يمكننا أن نوجه الانتقادات التالية لأداء الخطة:

1- لم تتول هيئة بعينها التنسيق بفعالية بين القطاعات المختلفة وظلت الأجهزة منفصلة يعمل كل منها على حدة [113]. وعلى سبيل المثال لم تحدد سياسة سعرية ملزمة للقطاعات، فلم يكن هناك دومًا انسجام بين أسعار المواد الأولية وأسعار السلع المصنعة، كما لم يراع توفر كافة عوامل الإنتاج اللازمة لإقامة المشاريع (مثل إنشاء مصانع بدون توفر الخامات اللازمة أو عدم كفايتها ).

2-  تم تخصيص 1% من الاستثمار الصناعى لصناعة مواد البناء رغم ضرورة توقع ازدياد الاحتياج لمواد البناء فى خطة للتنمية الاقتصادية  تتكلف 1.5 مليار جنيه[114].

3-  كانت الخطة السنوية تتم بعد 6-9 شهور من موعدها المحدد[115].

4-  كان هناك اهتمام زائد بإنشاء الواجهات والمنشآت الضخمة، واهتمام بالكم على حساب الكيف. ويبدو أن رغبة الضباط فى إثبات صحة قرارهم بتأميم الشركات كانت حافزًا قويًا للغاية لإظهار نجاح خططهم التصنيعية رغم الصعوبة الموضوعية  مما دفعهم للاهتمام بالمظهر، وهو الأسهل. ولذلك أيضًا وجدنا محاولات لإنشاء صناعة الطائرات فى بلد عاجز عن إقامة صناعة أية سلع تجهيزية، وتكلف المصنع 80 مليون جنيه ولم يحقق نجاحًا [116]. ولذلك أيضًا لم تنجح محاولة صناعة الصواريخ رغم الاستعانة بالخبراء الألمان[117]. ورغم ادعاءات عبدالناصر بأنه ينتج من الإبرة إلى الصاروخ (ورغم المؤتمر الصحفى الكبير الذى أقامه يوم إطلاق صاروخى القاهر والظافر، وادعاء بلوغ أحدهما مسافة 280 ك.م. والثانى 600 !![118] )، وهذا الاهتمام عالى التكلفة بالمظاهر وبالجانب الإعلامى للاستثمار هو انعكاس آخر لضخامة البعد السياسى لهذه العملية نفسها.

انتهت الخطة بكارثة اقتصادية كما أسلفنا، فبدأ الإنتاج الزراعى يتناقص بمعدل 0.45% سنويا منذ عام 1965[119]، وبلغت الطاقة المعطلة فى الصناعة درجة ملموسة[120]، واضطرت الإدارات إلى زيادة ساعات العمل[121] والى العودة لممارسة الفصل التعسفى للعمال (عمليًا) والى رفع الأسعار وزيادة الضرائب غير المباشرة كما أشرنا من قبل، كما راح الاستهلاك الفردى يتناقص[122]، وتدهور معدل نمو الناتج الإجمالى وزاد عجز ميزان المدفوعات.. وتفاقمت أزمة فائض الإنتاج فى عدد من فروع الصناعة …

و من الواضح الآن أن الخطة الناصرية قد فشلت فى تحقيق أغراض أصحابها، تلك الأغراض التى تكن أحلامًا عظيمة، بل طموحات متواضعة، ولكنها ظلت مع ذلك عظيمة للغاية بالقياس إلى قدرة الناصرية على تحقيقها. وقد حققت بلدان متخلفة أخرى أكثر كثيرًا مما حققته الخطة الناصرية ، خاصة فى أمريكا الجنوبية والهند و ايران  وشرق آسيا .

ونحن نرجع فشل الناصرية فى تحقيق طموحاتها الاقتصادية البسيطة، إلى أسباب " ناصرية" خالصة أساسًا. وتتمثل هذه الأسباب فى:

1-  لم يُسيَّر الاقتصاد وفقًا لآليات السوق أو لاعتبارات اقتصادية بحتة أو غالبة ، بل  بأفق سياسى إصلاحى ، كاستجابة "للضغوط الاجتماعية" دون العمل على مواجهتها بطريقة راديكالية. وبذلك :

2-  ارتبط هذا الأفق عضويًا باستقلال الدولة عن كل من الطبقة المسيطرة والغرب، دون إزالة الأساس المادى لهيمنتهما غير المباشرة.. فى كل من البناء التحتى والبناء الفوقى.

     وقد أدى السبب الأول بشكل مباشر إلى عدة مضاعفات؛ أولها إهدار جانب ملموس من الموارد فى سياسة الرشوة (تشغيل العاطلين شكليًا وخدمات أخرى)، وثانيها أن هذا كان معرقلاً لعملية ضرورية على نحو مطلق لتحقيق التنمية الحقيقية، هى تجميع رأس المال الفردى، فقد تُرك القطاع الخاص (الطفيلى منه بالذات) متحكمًا فى معظم أعمال المقاولات والتجارة والزراعة والنقل البرى (عدا السكك الحديدية)، بل وُمنح امتيازات جديدة فى الريف خاصة، واحتفظ – كما سنرى بعد – بعلاقات ممتازة مع جهاز الدولة وهو ما يتناقض مع السياسة الاقتصادية المركزية ويعرقلها بالضرورة . وثالثها كان وضع "خطة" ضيقة الأفق تستهدف تحقيق زيادة كمية خالصة فى الدخل فى المدى القريب، دون أدنى اهتمام بتثوير البنية الاقتصادية – الاجتماعية لكى تعطى نتائجاً أفضل على المدى البعيد. أما السبب الثانى فكان دوره المباشر هو خلق عنصر المقامرة وروح الاندفاع فى وضع وتنفيذ الخطة، كما كان عاملاً مهمًا فى استشراء الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ وكافة ألوان النهب البيروقراطى ونهب القطاع الخاص (التداولى فى معظمه) لموارد الدولة، وإنفاق أموال طائلة على أجهزة الأمن وعلى مظاهر الفخامة البيروقراطية لأجهزة الدولة ورجالها،ناهيك عن الإسراف فى المغامرات الخارجية ومختلف تكاليف سياسة العظمة القومية.

وبقدر ما تمتع به النظام الناصرى من الدلال على الصعيد العالمى فى فترة الخطة كان فشله فى تحقيق أهدافه بالغاً، وكانت "إنجازاته" لا تقارن بإنجازات بلدان "تمتعت" (ويا للأسف!) بالهيمنة الطاغية للغرب.. وإذا كان الدلال قد أدى إلى انتفاخ صدور الناصريين فقد ساهم فى النهاية فى قصر عمر تجربتهم التنموية وعجزهم عن تكرارها. ومن الملاحظ – كميل عام – فى العالم الثالث أنه بقدر اتساع النفوذ المباشر للغرب، حقق الاقتصاد درجة أكبر من النمو. وقد أعطت الليبرالية الاقتصادية و هيمنة أو - على الأقل – التواجد القوى لرأس المال الخاص الأجنبى نتائجا أفضل كثيرا -  على الصعيد الاقتصادى – من الاقتصاد المركزى ، كما أعطت المركزة الكاملة ؛ المسماة بالاشتراكية نتائجا اقتصادية  أفضل مما حققته النظم نصف " الاشتراكية " على شاكلة الناصرية .

 

الخلاصة أن العامل "الناصرى" كان لـه الدور الرئيسى فى فشل السياسة الاقتصادية الناصرية نفسها. ويختلف فشل الناصرية عن فشل كثير من البلدان المتخلفة التى عانت هى الأخرى من تجاربها الإنمائية. فالفشل فى كل الحالات تمثل فى العجز عن تجاوز التخلف، أما الفشل الناصرى الخالص فقد تضمن كذلك عنصرًا إضافيًا، هو ضعف ما تحقق من نمو التخلف نفسه، مقارنة ببلدان متخلفة أخرى، تديرها حكومات عميلة بشكل مباشر[123].

 


 

[1] تم إلغاء القانون 138 العام 1947 فى يوليو 1952 – أوبريان: المرجع السابق، ص97

[2]           ذكر أوبريان فى كتابه سابق الذكر كل هذه القرارات، ص ص 97 – 99.

[3]           سبق أن أصدرت الحكومة عام 1946 قانونًا ينص على أنه لا يجوز لأى شخص أن يجمع بين عضوية مجلس الإدارة المنتدب لأكثر من شركتين أو أن يكون أحد أعضاء مجلس الإدارة فى أكثر من 10 شركات. محمود متولى: الأصول التاريخية للرأسمالية المصرية وتطورها، ص 169.

[4]           أوبريان: المرجع السابق، ص 102.

[5]           أوبريان: المرجع السابق، ص 97.

[6] Hansen – Marzouk, op. cit  

  [7] محمود متولى: المرجع السابق، ص 280.

[8]      Radwan S., op. cit., p. 130

[9] أوبريان: المرجع السابق، ص ص 355 – 256.

                مابرو: المرجع السابق، ص 235.

[10]      Hansen – Marzouk, op. cit., pp. 196-198

[11]         أنشأ الضباط "المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومى" عام 1952، وكان يضع دراسات لمشاريع إنتاجية ويعرضها على رجال الأعمال.

[12] محمود متولى: المرجع السابق، ص 279.

[13]         نفس المرجع، ص 279.

[14]    Hansen – Marzouk, op. cit., pp. 225-228

[15]         نفس المرجع، ص 279 .

[16]         جُمعت من المراجع الثلاثة التالية:

            Issawi, op. cit. 

            محمود متولى، المرجع السابق.

            أوبريان، المرجع السابق.

[17]         محمود متولى: تغلغل رأس المال الأجنبى فى مصر (1)، مجلة الكاتب، عدد 149.

[18]         ف. أ. لوتسكفتش. عبدالناصر ومعركة الاستقلال الاقتصادى (1952 – 1971). ترجمة: سلوى أبو سعدة، محمد واصل بحر، دار الكلمة للنشر، بيروت، ط1 1980، 184.

[19]         لوتسكفتش: المرجع السابق، ص 20، هامش 3، نقلاً عن "الأهرام"، 26/1/1961.

[20]         Radwan S., op. cit., pp. 98-99

كذلك قدم عمرو محيى الدين الأرقام التالية:

معدل نمو رأس المال الصناعى:

1945 – 1950  5% سنويًا.

1952- 1955    14% طوال الفترة.

1955- 1959    5.2% سنويًا.

معدل نمو الإنتاج الصناعى:

1945 – 1950  6.4% سنويًا.

1952- 1955    15% طوال الفترة.

1955- 1959    25% طوال الفترة

(المرجع: بحث مقدم للمؤتمر العلمى السنوى الثانى للاقتصاديين المصريين – 1977).

ووفقًا لما أورده فؤاد مرسى، بلغ معدل نمو الإنتاج الصناعى النسب التالية:

1939 – 1949 = 6%

1949 - 1954 = 4%.

1956           = 6%

(هذا الانفتاح الاقتصادى – دار الثقافة الجديدة – القاهرة 1976- ص 27).

 

[21]    op. cit., p. 115

[22]    مرجع سبق ذكره، ص 227.

[23]         مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص 289.

[24]      Hansen – Marzouk, op. cit., p.138

[25]         ط. ث شاكر: مرجع سبق ذكره ص 101.

            عادل غنيم: مجلة "الطليعة" عدد نوفمبر 1966.

            بيليايف – بريماكوف: المرجع السابق، ص 13، نقلاً عن:

La Voie Egyptienne vers la Socialisme, le Caire, 1970, p. 464

[26]     Hansen – Marzouk, op. cit., p.133

[27]         مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص 148.

[28]         أوبريان: المرجع السابق، ص 398.

[29]         أوبريان: المرجع السابق، ص 357.

[30]         أوبريان: المرجع السابق، ص 357.

[31]         محمود متولى: الأصول التاريخية للرأسمالية المصرية وتطورها، ص 279.

[32]         أوبريان: المرجع السابق، ص 62، ص 108.

[33]         مثلا :أوبريان: المرجع السابق، ص 94.

            و محمود متولى: المرجع السابق، ص 257.

[34]         متولى: المرجع السابق، ص 274.

[35]         المرجع السابق، ص 275.

[36]         مابرو: المرجع السابق، ص 197.

[37]         أعيد العمل ثانية بالقانون 138 لعام 1947 فى 1958، وذلك بعد إلغائه فى أعقاب انقلاب يوليو 1952، وهو الذى يقضى بتحديد نسبة مساهمة رأس المال الأجنبى فى المشاريع المشتركة بـ 49% كحد أقصى، وتحديد نسبة عدد وأجور العاملين الأجانب.

            أوبريان: المرجع السابق، ص 268.

[38]         بيليايف – بريماكوف: مصر فى عهد عبدالناصر، ص 90.

[39]         نعتقد أن الولايات المتحدة كانت تستطيع ببعض الحكمة أن تحرك الأمور بدرجة ما فى اتجاه مختلف. إلا أنها لم تستطع أن تقرر وضع حكومة عبدالناصر وإمكانياتها، فلم تستوعب نوع ومدى الالتزامات التى تقيد هذه الحكومة تجاه مختلف طبقات المجتمع بضغوطها المختلفة. وباختصار؛ لم تقدر الولايات المتحدة أن عبدالناصر لم يكن ليستطيع – حتى لو رغب – أن يستسلم لها كليةً.

[40]         أوبريان: المرجع السابق، ص 119.

[41]      Hansen – Marzouk, op. cit., P.195, p. 197

[42]         أوبريان: المرجع السابق، ص 121.

[43]         محمد رشدى: التطور الاقتصادى فى مصر، دار المعارف بمصر، الجزء الثانى، ص 235.

[44]         اسماعيل صبرى عبدالله: تنظيم القطاع العام، دار المعارف بالقاهرة 1969، ص ص 262-263.

[45]         أوبريان: المرجع السابق، ص 167.

[46]         محمود متولى: المرجع السابق، ص 247.

[47]         محمود متولى: المرجع السابق، ص 287.

            أوبريان: المرجع السابق، ص 135.

[48]         بيليايف – بريماكوف: المرجع السابق، ص 91.

[49]         مابرو – رضوان: المرجع، ص 97.

[50]         قدرها مابرو – رضوان بـ 90 (ص 97) أما دويدار (الاقتصاد المصرى بين التخلف والتطوير) فقد قدرها بـ 78.3، استثمرت فى الشركات الكبيرة (ص473). ويرجح مابرو- رضوان أن 83 مليون جنيها هى كل ما تم استثماره فى مشاريع كاملة كما أضاف سمير رضوان أن هذا المبلغ يشتمل على 6.2 مليون جنيها استثمرت فى قطاع تجارة التصدير.

[51]    Hansen – Marzouk, op. cit., p.193

[52]         مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص 97.

[53]         وقدره "معهد التخطيط القومى" بـ 2.5 – 2.9٪ سنويًا خلال الفترة من 52/1953 – 56/1957.

            على الجريتلى: التاريخ الاقتصادى للثورة (1952-1966)، دار المعارف بمصر، ص 194.

[54]  أوبريان: المرجع السابق، ص 399.

[55] حُسب على أساس معطيات أوبريان، (ص 388)، وما برو، الذى اعتمد على مجموعة هانسن – ميد، نفس المرجع، ص 258).

[56]      حُسبت على أساس معطيات سمير رضوان، مرجع سبق ذكره.

[57]     مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 139.

[58]      مصطفى السعيد: الامرجع السابق، ص 220.

[59]       بريماكوف – بيليايف: المرجع السابق، ص 86.

[60]         مابرو: المرجع السابق، ص 287.

[61]       قدر الباحث السوفيتى لوتسكفتش أنه فى 1955-1956 أنقذت الدول الطية مصر "من كارثة اقتصادية".

            المرجع السابق، ص 135، بينما تدهورت التجارة مع نفس البلدان عام 1958 بسبب عودة العلاقات مع الغرب. نفس الموضع

[62]         أوبريان: المرجع السابق، ص 262، ص 263.

[63]  بريماكوف – بيليايف: المرجع السابق، ص 89.

[64]         أنور عبدالملك: المرجع السابق، ص 131.

[65]       Hansen – Marzouk, op. cit., p.143

[66]         مابرو – رضوان، المرجع السابق، ص 235 (فى المشاريع التى يعمل بها أكثر من 10 عمال).

            والصورة خلال الفترة من 39-1950 كانت على عكس ذلك، فقد ارتفعت نسبة الأجور والمهايا من الدخل القومى من  31.2% عام 1939 إلى 35.6% عام 1942، إلى 36.8 عام 1945، إلى 38% عام 1950 (عبدالمغنى سعيد: إلى أين يسير اقتصاد مصر، ص 18 – سبق ذكره ). ونحن نميل – وفقا لقراءة تسلسل الوقائع - إلى الربط بين التدهور النسبى للأجور منذ انقلاب يوليو وبين السياسة الاقتصادية لحكومة الضباط.

[67]    Hansen – Marzouk, op. cit., p.136

[68]         محمود متولى: المرجع السابق، ص 309.

[69]      بريماكوف- بيليايف: المرجع السابق، ص 233.

            أنور عبدالملك: المرجع السابق، ص ص 199 – 224.

[70]         عادل حسين: الاقتصاد المصرى من الاستقلال إلى التبعية 1974-1979، الجزء الأول، ص 287.

[71]         أوبريان: المرجع السابق، ص 202، ص 203.

[72]         أوبريان: المرجع السابق، ص 139.

            مابرو: المرجع السابق، ص ص 189 – 194.

Hansen – Marzouk, op.cit., p. 205

[73]         المرجع السابق، ص 203.

[74]         مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص ص 190-191.

[75]         نفس المرجع، ص 98-99.

[76]         أوبريان: المرجع السابق، ص ص 201 - 205.

[77]       مابرو: المرجع السابق، ص 183.

[78]       مابرو: المرجع السابق، ص 289.

[79]       مابرو: المرجع السابق، ص 187.

[80]     Hansen – Marzouk, op. cit. , p.309

[81]     عمرو محيى الدين، فتحى عبدالفتاح، مابرو (مراجع سبق ذكرها).

[82]    واجهت الحكومة مصاعبا مالية كبيرة منذ 1964، مما اضطرها لضغط الاستثمارات ووقف الإنشاءات التى لم تُقطع مراحل كبيرة فى إنشائها. على الجريتلى: التاريخ الاقتصادى للثورة 1952-1966، ص 188.

[83]     على صبرى: سنوات التحول الاشتراكى وتقييم الخطة الخمسية الأولى، دار المعارف بمصر، ط2، ص 57.

[84]     نفس المرجع، ص 50.

[85]      Hansen – Marzouk, op. cit., p.297

[86]    قمنا بحساب هذه النسبة على أساس الفائدة المركبة وفقًا لمعطيات مابرو- رضوان الخاصة برقم قياس الإنتاج الصناعى. التصنيع فى مصر (1839-1973)، ص 120.

[87]    مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص 67.

[88]    مابرو – رضوان: نفس المرجع ص 151، ص 207.

[89]    نفس المرجع، ص 119.

[90]     ط. ث. شاكر: المرجع السابق، ص 113 (هامش)

[91]     لو تسكفتش: المرجع السابق، 53.

[92]     فتحى عبدالفتاح: القرية المعاصرة، ص 109.

[93]     مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص ص 258- 259.

[94]     حسبت باستخدام معطيات سمير رضوان. (بالأسعار الثابتة لعام 1960، وبعد خصم 2% استهلاك سنوى للمبانى، 6.25% استهلاك سنوى للآلات ولا يشمل التخزين والنقل والكهرباء والتشييد).

[95]     مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص 142.

[96]     قمنا باستخلاص هذه النتيجة اعتمادًا على معطيات مابرو – رضوان، نفس المرجع، ص 61، ص 253، وعلى أساس الأسعار الثابتة لعام 1959-1960.

وقد تدهور نصيب مصر من صادرات العالم من 1% فى 1949 إلى 0.3% فى الستينات، إلى 0.2% فى أوائل السبعينات (مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 278).

[97]    لوتسكفتش: المرجع السابق، ص 42.

[98]    مابرو- رضوان: المرجع السابق، ص 253.

[99]  كريمة كريم: أثر العوامل الخارجية على ارتفاع الأسعار فى مصر. بحث مقدم للمؤتمر العلمى الأول للاقتصاديين المصريين، 1976.

[100]    انخفضت خلال الفترة نسبة السلع الاستهلاكية المصنعة لمجمل الواردات من 14.5% إلى 11%.

عمرو محيى الدين: المرجع السابق.

[101]    عمرو محيى الدين: المرجع السابق.

[102]    على صبرى: المرجع السابق، ص 103.

[103]    على الجريتلى: التاريخ الاقتصادى للثورة (1952-1966)، ص 125.

[104]    عمرو محيى الدين: المرجع السابق.

[105]    لوتسكفتش: المرجع السابق، ص 41.

[106]    مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 69-70. د بلغ عجز الميزان التجارى عام 1968: 19.3 مليون جنيه فقط، بل وحقق فائضًا بلغ 46.6 مليون جنيه فى العام التالى، وعجزا بلغ 10.9 مليون جنيه عام 1970، ثم بدأ العجز يتزايد من جديد.

            لوتسكفتش: نفس المرجع، ص 41.

            ونلاحظ أن معدل العجز التجارى قد ارتفع خلال الفترة الناصرية كالآتى:

% من الناتج القومى

مليون جنيه

متوسط سنوى

4

31.9 ملوين جنيه

1952-1955

4.7

47.6 مليون جنيه

1956-1960

8

147.5 مليون جنيه

1961-1965

محمد فخرى مكى: التغيرات الهيكلية فى ميزان المدفوعات المصرى (1952 – 1976). بحث مقدم للمؤتمر العلمى السنوى الثالث للاقتصاديين المصريين، 1978.

[107]     على صبرى: المرجع السابق، ص 102.

[108]    بيلياييف – بريماكوف: المرجع السابق، ص 81.

 [109]    لوتسكفتش: المرجع السابق، ص 100.

[110]    على صبرى: المرجع السابق، ص 103.

[111]    للوقوف على بعض التفاصيل يمكن للقارئ أن يرجع لكتاب على صبرى سابق الذكر، ص ص 101-103.

[112]    ارتفع معدل الاستهلاك الفردى نتيجة السياسة "الاشتراكية " التى اتبعتها الدولة فى أوائل الستينات، كتلبية لمطالب الجماهير التى طُحنت خلال الخمسينات. كذلك كان من الضرورى تصريف الإنتاج من السلع المعمرة والذى ارتفع بسرعة وزاد معه تعطش الجماهير.

[113]    على صبرى: المرجع السابق، ص ص 96-97.

[114]    مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 99، ص 101.

[115]    مابرو: نفس المرجع، ص 193.

[116]    مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 99.

[117]    انظر فى ذلك :سعد الدين الشاذلى: مذكرات حرب أكتوبر.

[118]    ذكر سعد الدين الشاذلى فى مذكراته أن أقصى مدى للصاروخ بلغ 8 كيلو مترات، وأن القوات المصرية التى استخدمته فى حرب أكتوبر 1973 كانت تخشى سقوطه على مواقعها قبل أن يصل للعدو. وهذا ينفى مزاعم عبدالناصر بخصوص هذه الصواريخ. (انظر حواره مع الصحفيين الأجانب فى 21 يوليو 1962- مجموعة خطب وتصريحات وبيانات الرئيس جمال عبدالناصر، القسم الرابع).

[119]     ط. ث. شاكر: المرجع السابق، ص 159.

[120]     بلغت مثلاً فى مصانع النسيج المؤممة 10-20٪ عام 1966، وفى بعض هذه المصانع بلغت 40 وحتى 70%.

بريماكوف - بيليايف: المرجع السابق، ص 169.

وقد صرح لطفى عبدالعظيم بأن الطاقة العاطلة قد بلغت 10-15% للصناعة ككل فى منتصف الستينات. المرجع السابق، ص 212.

[121]    مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 193.

[122]     ط. ث. شاكر: المرجع السابق، ص ص 122- 123.

[123]     للوقوف على مزيد من تحليل خطة 60-1965 ارجع إلى:

- Hansen – Marzouk: op. cit.

-           على الجريتلى: التاريخ الاقتصادى للثورة، سبق ذكره.

-           جودة عبدالخالق: دراسة التجربة المصرية خلال الفترة من 1960-1974. بحث مقدم للمؤتمر العلمى السنوى الأول للاقتصاديين المصريين، 1976.

-           على صبرى: المرجع السابق.

 

القسم الأول: الانقلاب

الباب الأول : مسارالأوضاع المحلية بعد الحرب العالمية الثانية

الباب الثانى: حكومة الضباط

الباب الثالث : الثورة و الثورة المضادة

القسم الثانى: الناصرية

الباب الأول: الحكم الناصري

الفصل الأول  منطق الحكم

الفصل الثانى تشكُّل الحكم

الفصل الثالث   فلسفة الحكم

الباب الثانىالسياسة الناصرية

الفصل الأول السياسة العامة(1)

الفصل الأول السياسة العامة(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(1)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(3)

الفصل الثالث:التوجه العام للسياسةالناصرية

الباب الثالث: حقيقة الناصرية

القسم الثالث: سقوط الناصرية

الباب الأول انهيار النظام

الباب الثانى انقلاب السادات

الباب الثالث الساداتية و الناصرية

 

للاتصال

 [email protected]

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفين ومحظور الاقتباس منها دون الإشارة لمؤلفيها

 بعض المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف و رأى الموقع و تيار اليسار اللاسلطوى

Hosted by www.Geocities.ws

1