التحررية الجماعية      Communism libertarian

الحرية دون مساواة استغلال  المساواة دون حرية استعباد

**********************************

الصفحة الرئيسية

عشوائيات ومعضلات

ترجمات

متنوعات ومختارات

مقالات الراية العربية

مقالات سؤال الهوية

شريف يونس

الفسائل

مقالات إنهيار عبادة الدولة

العلم والأسطورة منهجان للتغيير الاجتماعى

تقدم علمى و تأخر فكرى

الجات ونهب الجنوب

الناصرية فى الثورة المضادة

مواقع أخرى
ENGLISH

مراسلات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
كتاب الناصرية فى الثورة المضادة

عادل العمرى

لقسم الثانى: الناصرية

 

القسم الثانى

الناصرية

تمهيد :

لا تعبر سياسة الحكومة بشكل مباشر عن مصالح فئات اجتماعية معينة، ولكنها تعبر عن العلاقة بين ضغوط هذه الفئات وبين تصور الحكومة الخاص للمصالح التى تمثلها. أى أن الدور الخاص للنخبة السياسية الحاكمة يتوسط بين المصالح الحقيقية للفئة المسيطرة والممارسة الفعلية لجهاز دولتها. وتبنى الحكومة قراراتها على أساس حسابات محددة لكل من الفعل ورد الفعل؛ أى على أساس الوقائع وإمكاناتها.

وعلى وجه العموم لا يرتبط سلوك الناس مباشرة بمصالحهم الفعلية، بل بالفكرة التى كوّنوها عن هذه المصالح و ليس من الممكن فى كل الحالات استنباط تلك المصالح. لهذا السبب نعتقد أن تحليل سلوك الناس وسياسة الحكومة لا يكون أشمل ما يمكن إلا على ضوء التحليل العينى  فى حركته وآفاقه و فى تفاعله مع الأفكار التى يهتدى بها الجميع فى كل من الفعل و رد الفعل . 

وقد تناولنا فى الباب السابق السياق السياسى الذى جرى فيه الانقلاب الناصرى، وكيف استوى الحكم البونابرتى بشكل كامل على العرش. ورأينا كيف أن الناصريين لم يضعوا خطة محكمة مسبقًا لتحقيق أهدافهم ورسم خطواتهم المقبلة، بل وجدوا أنفسهم يقفزون إلى السلطة فى سياقات غامضة – بالنسبة إليهم. ومن هذه اللحظة أصبحت الناصرية كسلطة رجال الدولة، موجودة، ولكنها فى حالة بدائية من الوعى. ومن ثم راحت فى نفس الوقت الذى كانت تكوِّن فيه فكرة عن نفسها تبتكر سياساتٍ تلائمها. وقد عبر زعيمها عن هذه الحالة بمصطلح "التجربة والخطأ". وفى كل خطوة كانت التجربة تكسبها خبرة جديدة .. ولكن ما أن تبلورت سياساتها فى منظومة فكرية كاملة حتى أخذت السلطة وتجاربها فى التصدع، وسارت بسرعة نحو حتفها. ذلك أن التجربة والخطأ – أو السياسة الناصرية – كانت تحاصر نفسها بحدود ثابتة لا تتخطاها، لأنها هى نفسها – الناصرية – كانت محاصرة فى السلطة، ومن ثم راحت السياسة تتجه تلقائيًا نحو الانفجار لتحطم الإطار المحيط بها، وتتحول عبر الحطام الناتج إلى"الساداتية"  ؛ حكومة الأوليجاركية ( و هى ما زالت مستمرة حتى الآن ). لقد كانت السياسة الناصرية مضطرة إلى محاصرة نفسها لأنها لم تكن متطابقة تمامًا مع الهوية الحقيقية للنظام الاجتماعى، أى أن النظام السياسى: البونابرتية، لم يكن متطابقًا تمامًا مع ماهية النظام الاجتماعى. صحيح أن السلطة الجديدة كانت سلطة النظام، ولكنها لم تكن مجرد حكومة للطبقة المسيطرة. وبوجه عام يوجد دائمًا تمُّيز بين الطبقة المسيطرة ونظامها الاجتماعى؛ فالأخير يستطيع أن يتحرك فى دائرة أوسع من حدود المصالح المباشرة للطبقة، ولكن هذه المصالح المباشرة للطبقة لا تستطيع، مهما كان ُبعد نظرها، أن تعمل من أجل بقاء النظام فى حد ذاته؛ لأنها – باعتبارها مجموعة من الأفراد – لا يستطيع أن تنتظر تحقق مصالحها المباشرة إلا فى المدى المنظور. ولكن النظام – بما هو كذلك – ينزع إلى البقاء والنمو على المدى البعيد. وبتعبير آخر، تتميز مصالح الطبقة المسيطرة إلى نوعين من المصالح: المصالح المباشرة – أى مصالح أفرادها، المصالح غير المباشرة – أى مصالحها كطبقة؛ مصالح نظامها الاجماعى.  ووجود سلطة لا تمثل سوى مصالح الطبقة بوجه عام و بقدر كبير من الصرامة ، بل و من خلال فئة صغيرة  من رجال الدولة ، لا يحرم الطبقة المسيطرة تمامًا من مصالحها المباشرة، لكن لابد وأن يولَّد هذا الوضع قلقا  ويدفع  كل الفئات، حتى المنتعشة منها إلى التبرم، لأنها لا تضمن أن غدها كيومها. وقد تضمن انقلاب 1952 بالفعل انتقال السلطة من يد كبار ملاك الأراضى بالذات إلى مجمل الطبقة المسيطرة، من خلال حكم  "الضباط الأحرار ". و كانت السلطة الجديدة مضطرة للعمل داخل حدود النظام دون أن تنسى أبدا تقديم ما يلزم لامتصاص الصراع الطبقى .

وقد توصلنا فى الباب الأول إلى أن النظام الاجتماعى كان مهددًا بالانهيار قبل عام 1952، لأن الطبقة المسيطرة لم تكن قادرة بنفسها على تركيز اهتمامها الأساسى على مصالحها الأبعد مدى. وكان انقلاب يوليو نتاجًا لهذه المعضلة، التى تمثلت عمليًا فى صراع اجتماعى – سياسى حاد، بلغ الحد الذى نتجت عنده حالة توازن بين القوى السياسية المختلفة، حيث هددت الانتلجينسيا و الطبقات الأدنى مجمل النظام الاجتماعى، متجاوزة تمامًا فكرة تقديم عدة مطالب جزئية رغم أن خطة واضحة المعالم و تصورا محددا لنظام آخر لم ُيطرحا، مما مكن "الضباط الأحرار" من استلام دفة الحكم، مقدمين أنفسهم فى البداية كمصلحين للنظام الاجتماعى – السياسى القائم .

 

**********************

 

تسلحت خطوات الضباط بالحذر الكافى. وحيث أنهم لم يستولوا على السلطة من أجل عيون رجال الأعمال أو العمال والفلاحين، أو حتى "الامبرياليين" الأمريكيين، فقد كانت مصالحهم الخاصة (بمعنى معين) هى أفقهم المباشر. وفى تلك الظروف لم يكن بإمكان النخبة الجديدة  و لا فى خيالها أن توزع  ثروة البلاد على أفرادها مباشرة. فمصالحها الأسمى كانت تتمثل أساسًا فى استمرارها فى السلطة[1]، من أجل امتيازاتها. وكان عليها، من أجل المحافظة على سلطتها، أن تسلك بطريقة تمكنها باستمرار من تجميد  الصراع الاجتماعى. وقد كان الإطار الذى جاء فيه حكم الضباط يكبلهم بمطالب شتى الفئات الاجتماعية. فالأمر الذى ميز الحركة السياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (كما ذكرنا من قبل) هو تصاعد حركة مستقلة للطبقات الأدنى. وكان صراعها ضد الطبقة المسيطرة هو الذى  منح "الضباط الأحرار" فرصة اعتلاء مقعد الحكم، لذا لم يكن بإمكان هؤلاء تناسى مطالب الشعب العديدة والملحة  دون خطر عودة شبح الثورة.. كما لم يكن بإمكانهم تصفية النظام كله، لأن هذا كان لابد وأن يقود إلى صدام هائل مع الطبقة المسيطرة، التى كانت تستطيع أن تنتفض من الأعماق فى مواجه عملية تصفية حقيقية لها، بالرغم من أنها كانت منهكة سياسيًا. ومن ثم كانت تصفية النظام تتطلب فعالية جماهيرية واسعة النطاق. وفى الحالتين كان الأمر ينطوى على بلوغ الصراع الاجتماعى  مداه ، الأمر الذى كان يهدد سلطة الضباط مباشرة . اذن أصبحت مصلحة الضباط هى مصلحة النظام الاجتماعى القائم برغم التمايز. فالنظام يسير الآن بقصوره الذاتى، أى بآلة الدولة.

وكانت عملية تثبيت السلطة بين عامى 1952 و1954 هى أول خطوة فى طريق الناصريين. فتم لهم بذلك إخماد الصراع الاجتماعى و السياسى. ولكن أصبح عليهم بعد ذلك أن يتفادوا ميله التلقائى إلى الاشتعال، وذلك باتباع عدد من السياسات الثابتة:

أولاً: كان ينبغى منع أية فئة اجتماعية من التعبير عن نفسها إلا من خلال الدولة، وبالتحديد بإذن من النخبة الحاكمة الجديدة.

ثانيًا: التحقيق المتوالى لبعض الإصلاحات الاجتماعية الكافية نوعًا وكمًا للحصول على التأييد الشعبى وامتصاص المعارضة.

ثالثًا: وهذا يتطلب التضحية ببعض المصالح المباشرة للطبقة المسيطرة على نحو دورى. ولتقليل خسائر هذه الطبقة كان على النظام أن يسعى بأقصى جهده لتنمية مصادر الدخل.

رابعًا: كان الحفاظ على هذا التوازن الاجتماعى يتطلب التقاء السلطة بتلك الفئات الوسيطة التى تملك أكثر من غيرها القدرة على التكيف مع ظروفها؛ خاصة صغار ملاك الأراضى، بالإضافة إلى تحييد (على الأقل) أو استقطاب الانتلجينسيا.

خامسًا: التصرف فى القضايا القومية بالطريقة التى لا تصدم الروح القومية المتصاعدة فى البلاد والمنطقة ككل، وبحيث يتحقق أقصى قدر من المكاسب للنظام.

سادسًا: استلزم تأميم الصراع الاجتماعى بالضرورة سياسة محكمة من الدمججة الأيديولوجية، تعتمد على تحقيق نجاحات جزئية داخلية وخارجية، حقيقية أو وهمية، مع تضخيم ما تعده السلطة نجاحات فعلية. وقد تضمنت هذه السياسة ضرورة عدم السماح لأحد بتجاوز الناصرية على يسارها سواء برفع شعارات أكثر راديكالية أو بتشويه هذه القوى أو حتى تصفيتها تمامًا مع إبراز فشلها.

وداخل هذ الحدود راح النظام يعمل كيفمًا شاء. ولكن هذه الحدود الضرورية للنظام نفسه تصبح بعد فترة غير ضرورية، وحتى قابلة للتفجر. فالنظام الاجتماعى لا يعمل فى دائرة تعيد بناء نفسها، وهو يناضل فى كل الأحوال من أجل توسيع حدود لم يفرضها على نفسه إلا مضطرًا وتحت ضغط شديد، وكان ينتظر أية لحظة مناسبة لإعلان تمرده.

لقد كان الشىءالجوهرى  الذى أهمله معظم المحللين ومؤرخى الفترة هو أهم شىء على الإطلاق؛ فقد أُهمل دور ثورة الطبقات الأدنى، أى أهمل دور السياسة. فقد كان ضروريًا، وفقًا لمنهجهم ، أن يصنع الاقتصاد السياسة، بل وأن تكون البونابرتية نفسها نتاجاً تطورات اقتصادية سعى البعض لإثبات وجودها. والأمر الجديد فى تحليلنا هو أن السياق الذى جاءت فيه الناصرية هو سياق الصراع السياسى -الاجتماعى حينما انتهى بأزمة سياسية لكل الطبقات، ولم يكن مجيئها تتويجًا مباشراً لكفاح إحدى القوى الاجتماعية[2].

إن سياسة السلطة الجديدة تبلور طبيعتها الخاصة وسياق وجودها الخاص. وبرغم ذلك فالتحليل العينى وحده هو الذى يمكِّننا من إصدار الحكم النهائى على ما حدث فى مصر خلال تلك الفترة من التاريخ .. ولنرى ..

 


 

[1]           قد تبدو هذه الفكرة لأول وهلة غريبة للغاية، فليس من المعقول – كما قد يبدو -  أن تكون كل دوافع الضباط هى مصالحهم الخاصة !. وقد ينتج هذا التفكير عن فهم ضيق "للمصالح الخاصة" . صحيح أنه لم يضع كل ضابط فى 23 يوليو هدف الحصول على كمية من المال أما عينيه، ولكنه كان يحمل البذرة منذ البداية : إنه يريد تنظيم البلاد وإعادة الاستقرار، ولديه رؤية عامة للنظام السياسى الذى يتوق إلى بنائه، رؤية غامضة فحسب، كما  كان يرى فى نفسه على العموم البطل الذى تنظره البلاد؛ السلطة المقبلة. ومع تطور الوقائع تنمو البذرة؛ فوجود الضباط فى السلطة يصبح فى نظر الضباط الضمانة الوحيدة للبلاد، وهذا تعبير صريح عن المصلحة الخاصة؛ فرجل الدولة هنا يفكر فى سلطته الخاصة ووجوده الشخصى فى السلطة، ولا يفكر فى مجرد دور  فى صيانة نظام محدد  أو حتى لصالح فئة محددة. وربما كان بعضهم لا يعى أن مجرد سعيه وراء مصلحته، ولكن اعتقاد البعض أن الوجود ليس سوى وهم لا ينفى كونه حقيقيًا.

               ومع ذلك بدأ الضباط "الأحرار" فى توزيع الغنائم على أنفسهم منذ أول يوم لانقلابهم، من مناصب ومزايا مادية مباشرة واستغلال لمناصبهم الجديدة لتحقيق مصالح مادية خاصة … الخ، وسوف نتناول هذه المسألة فى مكان فى آخر من الكتاب.

[2]           لعبت أزمة الجماهير الاقتصادية دورًا كبيرًا، بجانب القضية الوطنية، فى إشعال الصدامات الاجتماعية – السياسية خلال الفترة التالية للحرب الثانية، ولكن انقلاب 23 يوليو لم يأت تعبيرًا عن صعود اجتماعى لإحدى الطبقات، ولكن الصراع السياسى الناجم عن اختلافات جذرية بين مصالح القوى الاجتماعية القائمة هو الذى كان مقدمة لحالة من التوازن السياسى أدت إلىصعود الضباط إلى السلطة وانفرادهم بها، ليعبروا عن مصالح النظام الاجتماعى ككل، وسوف نرى بعد ذلك كيف تحققت مصالح بيروقراطية الدولة العليا نفسها كمقابل لمحافظة هذه البيروقراطية على النظام الاجتماعى.

وقد حاول محمود حسين (الصرع الطبقى فى مصر من 1945 – 1970، دار الطليعة، بيروت، أبريل  1971  ، الطبعة الأولى ) أن يثبت كيف عبر انقلاب يوليو عن طموحات "الملاكات المتوسطة فى جهاز الدولة وفى الاقتصاد" ، فقد رأى أن هذه "النخبة" – كما يسميها – لديها " طاقات رأسمالية كامنة" لديها فرصة للتحول إلى "مصالح رأسمالية مستقرة" ( ص 69)، وأن هذه النخبة كانت تعانى من احتجاز الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية، وأن القوى المسؤولة عن هذا الاحتجاز هى الاستعمار البريطانى والارستقراطية العقارية وكبار موظفى الدولة. وقد شكلت هذه النخبة الصلة بين جميع المستويات المنفصلة فى المجتمع (ص 52).

وفى حالة التوازن الاجتماعى (حقوق صراع الطبقات) كان تلك النخبة هى التى تحجز بين الطبقة المسيطرة والجماهير البرولتبارية وشبه البروليتارية (ص 52). إلا أن محمود حسين لم يعتبر انقلاب يوليو بمثابة ثورة أو حلقة ثورية ما، ولم يعتبر صعود "النخبة" تاريخيًا أو عملاً تقدميًا. وتكمن نقطة الضعف فى تحليله فى عدم تحديده لما أسماه بالطاقات الرأسمالية الكامنة لدى النخبة المذكورة (ص 49)، وكذلك عدم تحديده للسبب الذى جعل من هذه النخبة. الحصان الرابح فى 1952، فى حالة التوازن (الذى يقر  بوجوده) .

 

القسم الأول: الانقلاب

الباب الأول : مسارالأوضاع المحلية بعد الحرب العالمية الثانية

الباب الثانى: حكومة الضباط

الباب الثالث : الثورة و الثورة المضادة

القسم الثانى: الناصرية

الباب الأول: الحكم الناصري

الفصل الأول  منطق الحكم

الفصل الثانى تشكُّل الحكم

الفصل الثالث   فلسفة الحكم

الباب الثانىالسياسة الناصرية

الفصل الأول السياسة العامة(1)

الفصل الأول السياسة العامة(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(1)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(3)

الفصل الثالث:التوجه العام للسياسةالناصرية

الباب الثالث: حقيقة الناصرية

القسم الثالث: سقوط الناصرية

الباب الأول انهيار النظام

الباب الثانى انقلاب السادات

الباب الثالث الساداتية و الناصرية

 

للاتصال

 [email protected]

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفين ومحظور الاقتباس منها دون الإشارة لمؤلفيها

 بعض المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف و رأى الموقع و تيار اليسار اللاسلطوى

Hosted by www.Geocities.ws

1