التحررية الجماعية      Communism libertarian

الحرية دون مساواة استغلال  المساواة دون حرية استعباد

**********************************

الصفحة الرئيسية

عشوائيات ومعضلات

ترجمات

متنوعات ومختارات

مقالات الراية العربية

مقالات سؤال الهوية

شريف يونس

الفسائل

مقالات إنهيار عبادة الدولة

العلم والأسطورة منهجان للتغيير الاجتماعى

تقدم علمى و تأخر فكرى

الجات ونهب الجنوب

الناصرية فى الثورة المضادة

مواقع أخرى
ENGLISH

مراسلات

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
كتاب الناصرية فى الثورة المضادة

عادل العمرى

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(1)

الفصل الثانى

السياسة الاقتصادية

 

 

"كان صوته يرتعش وهو يلقى خطابه فى إحدى فرق الجيش بالعباسية فى أبريل 1959، كانت الكلمات تخرج من بين شفتيه مصطكة وهو يقول: "سأقضى على هؤلاء العملاء وسألقن الشيوعيين درسًا لن ينسوه ".

طاهر عبدالحكيم - الأقدام العارية

 

السياسة هى كما يُقال - اقتصاد مكثف، والاقتصاد بدوره هو السياسة فى لحظة تعينها. إذن تتجسد السياسة العامة للناصرية فى سياستها الاقتصادية، وتحليل الأخيرة هو الذى يفض لنا ذلك القناع الذى تبرقعت به سياستها العامة؛ فعلى أرضية الاقتصاد تتضح الحقائق الفعلية بشكل أكثر تحديدًا، ويصبح الاستقلال المباشر عرضة للاختبار الدقيق والحقيقى، فتتكشف لنا بكل سطوع طبيعة ومدى عمق ذلك التناقض الذى حللناه من قبل بين مضمون وشكل الأفكار الناصرية.

     وقد أدلت الناصرية بدلوها فى مختلف أوجه السياسة الاقتصادية، فمن وجهة نظرها هى وحلفائها من منظرى الفترة قامت بتحرير البلاد من الامبريالية ؛ بتأميم الشركات الأجنبية وتقييد نشاط رأس المال الأجنبى، كما أنجزت الثورة الصناعية فى "خطتها" الخمسية … الخ.

وسوف نستعرض فيما يلى مجمل السياسات الاقتصادية لحكومة الضباط مع محاولة تحليلها واكتشاف طابعها العام، استنادًا إلى مركباتها وآليات فعلها ونتائجها.

ونعتقد أنه من الأفضل أن نبدأ باستعراض وتحليل بنية الاقتصاد المصرى فى منتصف القرن..

 

* حالة الاقتصاد قبل الانقلاب:

 

تميز الاقتصاد المصرى بالسمات العامة لهيكل الاقتصاد التابع – المتخلف، فى ثوب خاص تبدى فيما يلى:

أولاً: خلل البنية:

شكِّلت الزراعة فى مصر الحديثة أهم فروع الإنتاج، ومع ذلك ظلت الاستثمارات الرأسمالية فى هذا القطاع محدودة للغاية، بينما كانت أكبر بما لا يقاس فى القطاعات الأخرى؛ التى تخدم الزراعة، وغيرها. كذلك كان النشاط المالى واسعًا بحيث يمكننا أن نرصد بسهولة كيف أن القطاع التداولى قد احتل – من ناحية الحجم – موقعًا هامًا للغاية فى البنية الاقتصادية ككل، بينما ظل الالتواء داخل القطاع المنتج لصالح الزراعة:

قدر شارل عيسوى الثروة الاجتماعية فى مصر عام 1939 بـ 1200 مليون جنيه تُوزع كالآتى:

جدول (1)

توزيع ثروة مصر القومية[1].

القيمة (بالمليون جنيه)

الفرع

100

أملاك أجانب وودائع مصرية فى الخارج

660

أراضى

170

بيوت سكنية

130

صناعة وتجارة

140

أملاك الدولة

1200

المجموع

ويتضح من هذا الجدول، رغم الطريقة غير الدقيقة التى استخدمها عيسوى، مدى غلبة الزراعة فى الاقتصاد.

ويعطينا الجدول الآتى فكرة عامة عن استخدام الفائض:

جدول (2)

توزيع الفائض الاجتماعى 1939 - 1953[2]

38%

استهلاك فاخر

35%

توظيف عقارى

15%

توظيفات سائلة وشبه سائلة

14%

استثمارات إنتاجية

 

ومن الواضح أن نسبة ضئيلة من الفائض كانت توجه للاستثمار المنتج بينما وُجَّه معظمه إلى مجالات أخرى، يتعلق جزء ملموس منها بالنشاط العقارى. ويتضح فى الجدول التالى كيف توزعت الاستثمارات على القطاعات:

جدول (3)

توزيع الاستثمارات بين عامى 48/1949 – 52/1953[3]

الاستثمارات %

القطاع

11.6

الزراعة

29.8

صناعة وكهرباء

16.1

نقل

31.8

مساكن

10.8

خدمات

100

المجموع

 

ويوضح هذا الجدول أن الزراعة كانت تحصل على نسبة من الاستثمارات لا تتناسب  مع نسبة مساهمتها فى إنتاج الفائض (35% فى نفس الفترة). إذن كانت الزراعة تُعد مصدرًا للتراكم فى بقية القطاعات.

وفى الوقت نفسه كان دور النشاط الإنتاجى ككل يتقلص نسبيًا داخل البنية:

جدول (4)

مساهمة القطاعات المختلفة فى القيمة المضافة عام 1953

بالمليون جنيه[4]

57.7

إسكان

272,8

زراعة

20.3

بناء

75.7

صناعة وكهرباء

110

إدارة حكومية

71.6

نقل ومواصلات

106.3

خدمات أخرى

20.8

خدمات مالية

864.6

المجموع

129.4

تجارة

    

توضح لنا  المعطيات السابقة حجم القطاع المنتج فى الاقتصاد واتجاه القطاعات المسماة بالثالثية إلى النمو على حساب القطاع المنتج للسلع. وقد أخذ نصيب الزراعة النسبى الصافى[5] فى القيمة المضافة فى التناقص منذ الثلاثينات لصالح ما يسمى بالقطاعات الثالثية( أى التداول و الخدمات والبنية الأساسية ) والصناعة ( بدرجة أقل كثيرًا)[6].

واستكمالاً لما سبق رصده من قبل نلاحظ أن شبكة السكك الحديدية كانت متطورة بالنسبة لمجمل قطاعات الاقتصاد؛ فكان لكل 100 كيلو متر مربع من المناطق المسكونة 14 كيلو مترًا من السكك الحديدية، وهو معدل يقترب من معدلات أوروبا. وقد علق شارل عيسوى على تطور السكك الحديدية فى مصر قائلاً: "إنه لأمر غير مؤكد إذا ما كانت أية منطقة فى العالم تتمتع بما تتمتع به مصر العليا من السكك الحديدية". وقد بلغت قيمة استثمارات الدولة فى هذا النوع حتى عام 1949 نحو 42 مليون جنيه، كما بلغ طول السكك الحديدية فى العام المذكور: 4270 كيلو مترًا، بالإضافة إلى 1400 كم للقطاع الخاص، و2832 كيلو مترًا من الخطوط غير المستعملة والتى أُنشئ جزء منها أثناء الحرب العالمية الثانية لأغراض حربية[7]. هذا بينما نلاحظ أن النقل البرى والنهرى لم يكونا على نفس الدرجة من التطور، وكان استعمالهما محدودًا على وجه العموم.

ويلاَحَظ أن قطاع الكهرباء كان عاجزًا عن تلبية معظم متطلبات القطاعات الأخرى، فكانت بعض الشركات تضطر إلى شراء مولدات كهربائية خاصة، مما أدى إلى ارتفاع التكلفة [8]. ولم تكن الكهرباء قد أُدخلت إلى الريف وكان ضعف إنتاجها يُعد أحد العقبات أمام النمو الصناعى بعد الحرب العالمية الثانية.

ولم يكن الأمر كذلك بخصوص المبانى والإنشاءات، حيث أن التوظيف العقارى بلغ حدًا هائلاً بالنسبة لحجم الاقتصاد عمومًا (30 مليون جنيه عام 1950 ) [9] وكان هذا الفرع يمتص الجزء الأكبر من الاستثمارات (انظر جدول 3)، بل وكان يصب فيه أيضًا (ضمن القطاع "الثالثى") جزء كبير من الأرباح الصناعية؛ فقد بلغ معدل الربح فى الصناعة قبل الحرب الثانية 13% من رأس المال، بينما بلغ بعد الحرب 20%[10]، ومع ذلك لم يرتفع معدل نمو رأس المال الصناعى فى الفترة من 1939-1945 (بل بلغ نسبة سلبية)، ونما فى الفترة من 1945-1950 بنسبة 5% سنويًا[11].

كذلك كانت التجارة الداخلية والخارجية مجالاً جذابًا لرأس المال على وجه العموم ولكنه كان آخذًا فى التشبع بمعدل سريع.

أما اقتحام رأس المال لقطاع الزراعة فكان أمرًا بالغ الصعوبة؛ ففى ظل هيمنة الملكية العقارية الكبيرة مع ضعف الرأسمالية الصناعية، فائض العمالة الزراعية الرخيصة و الطلب الكبير على استئجار الأراضى من قبل الفلاحين الفقراء بإيجار مرتفع لا يغرى بتطوير الزراعة . وفى حقيقة الأمر كان دخول رأس المال إلى الزراعة على نطاق واسع يتطلب نمو رأس المال الصناعىالى الحد الذى يمكنه من امتصاص العمالة الزراعية الفائضة. إلا أن قطاع الصناعة بمشاكله العديدة وفى ظل سيطرة الاحتكارات الكبرى، كان توسعه صعباً، لذلك اتجه رجال الأعمال إلى الإنفاق بشكل متزايد على الاستهلاك الترفى والاستثمار فى المبانى والعقارات، خاصة أن الفترة التالية للحرب الثانية قد شهدت هجرات متتالية من الريف إلى المدن، مما شكل طلبًا كبيرًا على المساكن. كذلك نشطت حركة المضاربة على الأراضى والمحاصيل والأوراق المالية.

يتضح من هذا أن الاقتصاد المصرى كان يتميز بالتواء لصالح القطاعات غير المنتجة للفائض، وذلك على حساب تراكم رأس المال فى الصناعة والإنتاج الزراعى.

 

التواءات واختلالات القطاع المنتج:

 

يمكننا أن ندلل بسهولة على غلبة دور الزراعة فى الإنتاج بالنسبة لدور الصناعة.

بلغت العمالة الزراعية الفعالة عام 1952 نحو ثلاثة ملايين (عمالة دائمة) بينما بلغت العمالة الصناعية حوالى 0.8 مليون (شاملة عمال الصناعة والكهرباء والتشييد والتخزين). وكانت غلبة الزراعة على النشاط الإنتاجى هى أبرز مظاهر هذا النشاط، ولكن الصورة لا تكتمل بدون رصد دور القطن فى اقتصاديات البلاد ككل، فقد لعب دور الصدارة (إنتاجه وتجارته وتصنعيه) فى مجمل الاقتصاد، فكان المحصول الرئيسى للبلاد، وقد بلغت مساحة الأرض المزروعة قطنًا فى الفترة من 50-1954 : 1.765 مليون فدان[12] أى نحو 20% من المساحة المحصولية. وكان القطن هو المحصول الأول فى قائمة الصادرات:


 

جدول (5)[13]

نسبة القطن فى الصادرات %

السنة

81

1885-1889

80

1890-1894

88

1895-1899

87

1900-1904

91

1905-1909

93

1910-1914

79

1935-1939

77

1940-1944

81

1951-1952

89

1952-1953

 

وكونه المحصول التجارى الأول (يليه قصب السكر) جعله يلعب دورًا خطيرًا فى سد حاجات البلاد من الواردات. فمن أجل تصديره أُنشئت شبكة محترمة من السكك الحديدية، كما تم توسيع وتطوير ميناء الإسكندرية، بالإضافة إلى إنشاء صناعة حلج القطن وكبسه منذ عصر محمد على [14]، ثم صناعة الكُسب والزيوت والصابون لإحلال الواردات استنادًا إلى وجوده، وكان إدخال الصناعة الكيماوية بعد الحرب العالمية الثانية موجهًا أساسًا لإحلال الواردات من الأسمدة التى كانت تستورد من أجل زراعته[15]، ومن أجله اهتمت الدولة باستصلاح الأراضى وإنشاء شبكات ضخمة للرى والصرف، وإنشاءالقناطر.

وقد لعب التجار والمرابون دورًا كبيرًا فى حياة الريف، بسبب دورهم فى تمويل ذلك المحصول التصديرى والتجارة فيه، إذ كان الفلاح يقترض آملاً أن يسدد من ثمنه ديونه وفوائدها، مما مكن المرابين من انتزاع آلاف الأفدنة من الفلاحين بهذه الطريقة، ولم تسلم أراضى كبار الملاك من الرهن، بل وكادت أن تُنتزع منهم فى السنوات التى انخفضت فيها أسعار القطن.

     هكذا، توقفت عملية النمو كلها على قيمة الصادرات السنوية من القطن، فمن عائداته كانت تسدد ديون البلاد، ومن أجل تمويل زراعته وتجارته أنشئت البنوك، وانتعشت المضاربة المالية والتجارة والسمسرة استنادًا إلى إنتاج القطن وتسويقه.

نستطيع القول بأن هذا المحصول التصديرى قد لعب الدور الأول فى ربط اقتصاد البلاد بالسوق العالمى، وكان القنطرة التى اقتحمت الاحتكارات الرأسمالية الأجنبية عبرها اقتصاد البلاد وقامت بتكييفه طبقًا لحاجاتها الخاصة. كما كانت زراعة القطن (بغرض التصدير أساسًا) هى التى أدت إلى بلوغ الاقتصاد درجة عالية من التنقيد. وبسبب اعتماد كافة الأنشطة الاقتصادية على هذا المحصول التصديرى، اتسم الإنتاج ككل بأنه اقتصاد  وحيد المحصول.

أما قطاع الصناعة فقد ساهم عام 1937 بـ 5% من الناتج القومى الخام ثم ارتفعت مساهمته عام 1947 إلى حوالى 9% ثم بلغ حوالى 8% عام 1952 (دون الصناعة الاستخراجية والكهرباء والغاز والماء) [16]. وفيما يلى جدول بأهم مكونات الصناعة وأوزانها بالنسبية فى 1947 (قمة النهوض الصناعى فى مصر بعد محمد على):

جدول (6)

الفروع الصناعية الرئيسية عام 1947[17]

القيمة المضافة

(مليون جنيه)

الناتج

(مليون

جنيه)

العمالة

رأس المال

(ألف جنيه استرلينى)*

القوى

المحركة

(ألف حصان)

عدد المشاريع

الفرع

14.342

6.6682

88157(**)

14846

183

6260

الغذائية

22.431

4.7358

144654

12644

63

12400

النسيج

2.988

1.6289

21328

7800

25

84

حلج  و كبس

القطن

2.549

1.1068

16646

7059

7

310

الكيماويات

2.148

4.865

17895

5698

6

1512

منتجات معدنية

5.622

2.9717

9822

4826

1

61

دخان

4.090

5.484

5318

4405

114(***)

41

ماء وغاز

وكهرباء

1.045

3.830

3611

1763

3

2

منتجات بترولية

1.830

4.137

15636

3364

21

963

منتجات معدنية

أخرى

1.912

4.077

11321

2106

11

543

ورق وطباعة

1.143

3.162

8746

1405

-

1998

ملابس وأحذية

0.803

2.938

4672

1083

3

415

جلود ومطاط

4.418

4.656

6362

918

18

31

تعدين وتنقيب

0.273

0.418

2543

713

-

55

آلات****

ومعدات نقل

0.973

2.035

8538

693

3

1713

خشب     وأثاث

0.396

2.054

2287

585

1

355

منوعات

66.963

208.770

367.336

69908

(*****)

465

25.343

المجموع

* كانت قيمة الجنيه المصرى فى ذلك الوقت تزيد قليلاً عن قيمة الجنيه الاسترلينى.

* شاملاً عمال الأنوال اليدوية + 10 آلاف عامل فى غزل الصوف.

***        منها 88 ألف كهرباء، 24 ألف طاقة مائية، 1000 طاقة غاز.

****      المقصود "بالآلات" هنا السلع الدائمة مثل: الثلاجات والبوتاجازات … الخ.

***** باستثناء استخراج البترول.

 

السمات العامة للصناعة المصرية فى منتصف القرن:

كانت معظم الصناعات مخصصة لإحلال الواردات (من السلع الاستهلاكية والوسيطة) ونظرًا لتأخر ظهور الصناعة المصرية الحديثة وصعوبة النشأة ومشاكل المنافسة الأجنبية، لم يكن لأى مشروع مخصص للتصدير أو يرمى إلى ذلك – فرصة كبيرة للنجاح، وقد استطاعت الصناعة المحلية أن تحل محل كثير من الواردات فى أواخر الأربعينات (بلغت جملة المصنوعات المحلية بالنسبة إلى العرض الكلى عام 1947: 70.5%[18] ، و 86% من حاجات السوق من السلع الاستهلاكية غير الدائمة فى 1945[19] ) ولكن درجة الإحلال الكلية تقل عن هذه النسبة، حيث أن الإحلال محل السلع النهائية والوسيطة فقط يؤدى تلقائيًا إلى زيادة استهلاك وبالتالى استيراد السلع التجهيزية.

ولم يكن  دور الصناعة الحالة محل الواردات المانيفاكتورية فى الحد من الحجم المطلق للواردات الكلية كبيرًا ، بل لقد زادت نسبة الأخيرة إلى الناتج المحلى الإجمالى من 11.8% عام 1945 إلى 24.2% فى عام 1950 ثم إلى 26.4% عام 1952[20]، وربما حدث فقط انخفاض فى الواردات المحتملة.

و قد تميزت بنية الصناعة المصرية بالالتواء لصالح الصناعات التحويلية الخفيفة، فبلغت مساهمة التعدين عام 1947: 4.4 مليون جنيه من جملة القيمة المضافة فى الصناعة ككل والتى بلغت 66.93 مليون جنيه شاملة حلج وكبس القطن والكهرباء والماء والغاز (7 مليون جنيه)، أى أقل من 7% من القيمة المضافة فى الصناعة ككل (حتى بعد حذف الفروع الأخيرة). وقد صاحب هذا الالتواء اعتماد الصناعة المصرية على استيراد المواد الوسيطة، ومنها الخامات المعدنية، بينما كادت أن تكون منفصلة عن قطاع التعدين.

أما الصناعة التحويلية نفسها فقد تميزت بعدد من السمات:

1- الالتواء لصالح الصناعات الاستهلاكية:

جدول (7)

التوزيع النسبى للقيمة المضافة فى الصناعة ( نسب مئوية)[21].

عام 1952

عام 1950

نوع السلعة

69.8

72.8

استهلاكية

25.2

23.8

وسيطة

3.8

2.2

رأسمالية (*)

1.2

1.2

أخرى

                         (*) غالبًا ما يكون المقصود: صناعة وسائل النقل والسلع المعمرة وليس السلع التجهيزية.

 

وكانت الفروع الأكبر فى الصناعة الاستهلاكية هى الصناعات الغذائية، والمنسوجات (انظر جدول رقم 6) وقد بلغت القيمة المضافة فى هذين الفرعين 65% من مجمل القيمة المضافة فى الصناعة عام 1952[22]. كما بلغت جملة الاستثمارات فى قطاع الغزل والنسيج وحده فى الفترة التالية للحرب العالمية الثانية نحو 40% من الاستثمارات الصناعية[23]. وكان يعمل بالقطاعين المذكورين نحو 70% من عمال الصناعة[24].

أما مغزى الالتواء لصالح هذين القطاعين  فهو أن ارتباط الصناعة بالزراعة كان أقوى من ارتباطها بالتعدين، ومع ذلك كان هذا الارتباط نفسه بالغ الضعف، حيث لم تكن صناعة النسيج (وهى أكبر فروع الصناعة) تحفز الإنتاج المحلى من القطن، ذلك الذى كان ينتج أساسًا من أجل التصدير. نستطيع إذن أن نعتبر هذا الارتباط ارتباطًا عَرضيًا، ويعضد هذا الرأى أن صناعة المنسوجات فى مصر قد أقيمت قبل صناعة الغزل [25]، كذلك كان جزء كبير من المواد الأولية الزراعية يستورد من الخارج. إذن فقد كرَّس الالتواء لصالح صناعة المنسوجات والمواد الغذائية خللاً هامًا فى البنية الاقتصادية، فقد أُنشئت وتوسعت هذه الصناعات لإحلال الواردات، وبالتالى ظلت تمثل الحبل السرى الأهم الذى يربط الصناعة المحلية للاقتصاديات الرأسمالية ويكرس تبعيتها، خاصة وأن الصناعة ككل كانت تستورد جل حاجاتها من السلع التجهيزية من الخارج. كما أن لهذا الالتواء دلالة أخرى؛ حيث أن الصناعات المعدنية كانت تعد آنذاك أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية، وتحتاج إلى تركيب عضوى أكثر ارتفاعًا لرأس المال والعمل أيضًا، وقد أضفى ضعفها على الصناعة المصرية ككل مزيدًا من طابع التأخر.

2- تميزت الصناعة المصرية الحديثة رغم تأخر نشأتها – مثلما الحال فى العالم المتخلف كله – بطابعها الاحتكارى وبركودها:

جدول (8) [26].

 

مجموع إنتاج المشاريع التى من نفس الحجم فى عام 1950

حجم إنتاج المشروع الواحد سنويًا

276.9 مليون جنيه

1000 جنيه فأكثر

3.1 مليون جنيه

500 – 1000 جنيه

1.9 مليون جنيه

أقل من 500 جنيه

 

جدول (9)

درجة تمركز رأس المال سنة 1950[27].

نسبة المشاريع %

 فئات رأس المال

81.4

أقل من 50 جنيه

4.6

50 -99 جنيه

4.3

100-199 جنيه

5.5

200-499 جنيه

2.1

500-999 جنيه

2.1

1000-1999 جنيه

1.2

2000 جنيه فأكثر

 

و كان يوجد كذلك 1000 مشروع يزيد رأسمال كل منها عن 10.000 جنيه [28]. وكان 9.1% من المساهمين يملكون 61.7% من أسهم الأفراد، بينما كان 49.5% يملكون 12.1% من قيمة هذه الأسهم، وامتلك 1145 فردًا 65 مليون جنيها موظفة فى الشركات.

وقد تمتعت الصناعة المصرية بنظام حماية جمركية عالية، مما شجعها على رفع أسعارها لزيادة معدل الربح حتى بلغ 20% سنويًا بعد الحرب، وكانت الصناعة تعتمد على نفسها فى التمويل، فلم تلجأ – عادة – إلى البنوك[29]. وشهدت الصناعة أيضًا ظاهرة الاندماجات وتكوين الكارتيلات بضغط من اتحاد الصناعات والحكومة، فتكوَّن  عام 1950-1951 كارتل واحد للأسمنت (أنشئ رغم ذلك مشروع صغير عام 1950)،وفى صناعة السجائر كانت الشركة الشرقية تهيمن على تسع شركات[30]. كما عقدت شركتا النسيج اتفاقًا كارتليًا بينهما، وتكون اتحاد للحلاجين، وعقدت اتفاقات كارتلية بين أصحاب مكابس القطن الأربعة … الخ[31].

ولذلك كانت الصناعة راكدة لا تقوم بعمليات تطوير تذكر، خاصة وأنها تخصصت فى إنتاج سلع لا يتصف الطلب عليها بمرونة عالية (مثل المنسوجات والصناعة الغذائية)، فى الوقت الذى فرضت فيه الجمارك العالية على الواردات من هذه السلع. وكانت الصناعة المصرية شديدة التأخر إذا ما قورنت بالصناعة الأوروبية أو الأمريكية[32]، رغم موقعها القوى فى السوق المحلى، مما يؤكد الأهمية المطلقة لهذه العوامل فى حمايتها. وقد عوَّض الطابع الاحتكارى للصناعة تأخر الفروع التى تعتمد على المواد الأولية والوسيطة المنتجة محليًا، فاللبن المصرى مثلاً كان يتكلف أكثر من المستورد وسعر القطن المصرى أعلى من سعر القطن المنتج فى الخارج، كما تكلفت الأغلفة تكلفة باهظة لأنها صنعت من منتجات محلية (غلاف الشيكولاته تكلف ثلث ثمن الشيكولاته نفسها، كما يتكلف نصف ثمن المادة الخام بالنسبة لمستحضرات التجميل والأسمنت والخضر والفواكه المحفوظة) [33].

3- وقد شهدت الصناعة المصرية أيضًا ظاهرة بالغة الغرابة، ألا وهى احتكار الإدارة بواسطة عدد صغير من المديرين (انظر القسم الأول).

 

2- توزيع العمالة:

بلغ عدد سكان مصر عام 1952 نحو 22 مليونًا. وقد انتمى 10% من سكان المدن إلى العاطلين أو حثالة البروليتاريا فى الخمسينات، بينما كان 79% من سكان الريف فلاحين معدمين أو شبه معدمين [34]. وحسب تقدير سمير أمين، بلغ عدد العاطلين عن العمل نحو ثلثى قوة العمل ككل: 80% من قوة العمل فى الريف، 56% من قوة العمل فى المدن[35]. وقدرت العمالة الإجمالية عام 1947 بـ 6.995 مليون على أحسن تقدير[36]، أى أقل من 70% من قوة العمل 31.5% من السكان البالغين (فوق 15 سنة). وهى تُعد نسبة متواضعة إذا أخذنا فى الاعتبار أن نسبة ملموسة من العاملين تشكل عمالة غير دائمة، ويتضح لنا ذلك إذا ما علمنا أن عمال الزراعة الذين جاوز عددهم 2 مليون عامل عام 1952[37]، كان الواحد منهم يعمل 150 يومًا فى السنة فى المتوسط بينما بلغت نسبة العاطلين منهم 42%[38].

 

وكان توزيع العمالة شديد الالتواء لصالح الأنشطة التى تعتمد على الطاقة العضلية:

جدول (10)

توزيع العمالة عام 1952

56.1%

 زراعة

10%

 صناعة

1.6%

 تشييد

 

كما بلغ عد عمال النقل عام 1947: 203.3 ألفًا وعدد العاملين بالتجارة فى نفس العام 590.4 ألفًا [39].

أما عمال الصناعة فقد بلغ عددهم 650 ألفًا عام 1952، منهم 250 ألفًا يعملون فى المنشآت التى تشغل أكثر من 10 عمال[40]، وكانوا يساهمون بـ 87% من القيمة المضافة فى الصناعة [41]، والباقين يعملون بالورش (أقل من 10 عمال) [42].

وهكذا تميز توزيع العمالة بالسمات الآتية:

1- ارتفاع كبير فى نسبة البطالة والبطالة المقنعة.

2- تركز العمالة فى القطاعات الأكثر تأخرًا.

3- انخفاض التركيب العضوى للعمل.

3- توزيع الداخل:

فى منتصف هذا القرن كان توزيع الدخل فى مصر يعكس بوضوح غلبة الأنشطة التداولية (ضمنها تأجير العقارات) ويفسر ذلك لنا أيضًا – تفسيرًا مباشرًا، وعلى الأقل بشكل جزئى، الأزمة الاجتماعية الحادة التى برزت فى تلك الفترة.

جدول (11)

توزيع الدخل القومى تبعًا لمصادر الداخل الرئيسية ( نسب مئوية)[43]

إيراد الحكومة

الدخل من العمل

الأرباح والفوائد

ريع الأرض والمبانى

السنة

3.6

31.2

36.5

28.7

37-1939

3.3

35.6

42.4

18.7

1942

2.2

36.8

40

21

1945

3

38

38

21

1950

     ويتضح مستوى الأجور مما يلى:

بلغت نسبة مرتبات الموظفين (بالحكومة) سنة 1952: 8.6% من الدخول بينما كانوا يشكلون 9.6% من قوة العمل[44].

أما أجور العمال فكانت كما يأتى: (عام 1952 = 100).

جدول (12) [45]

تكلفة المعيشة للعامل الواحد

الأجر الحقيقى

السنة

95

88

1948

99

89

1949

103

98

1950

98

100

1951

100

100

1952

124

118

1953

 

وكانت نسبة ما يحصل عليه العمال الصناعيون من القيمة المضافة ضئيلة، إذ بلغت نحو 45% فى الصناعة التحويلية، أى نحو 33.5 مليون جنيها، بينما كان نصيب رجال الصناعة وأصحاب الأسهم 41.5 مليون جنيهًا.

وبحساب هذه النسب من الناتج المحلى يصبح نصيب عمال الصناعة أكثر بقليل من
4٪ (ونصيب أرباح الصناعة حوالى 5%)[46]، رغم أن نسبة عمال الصناعة إلى مجمل العمالة بلغت 10% عام 1952.

وتذهب معظم الريوع إلى كبار ملاك الأراضى والعقارات، ويقدر "حبشى" قيمة الريوع عام 1939 بـ 59.5 مليون جنيها للأرض والمبانى، أى 28% من الدخل القومى، يحصل كبار الملاك على 21% منها[47] .

أما الأرباح والفوائد فتشمل إلى جانب أرباح التجار والمضاربين والسماسرة وكافة الأنشطة التداولية، أرباح رأس المال الصناعى، التى تمثل جزءًا صغيرًا من هذه النسب كما سبق أن أوضحنا.

ويتضح لنا الآن أن الجزء الأكبر من الدخل كان يذهب إلى المستثمرين، بالإضافة إلى العاملين فى الأنشطة غير المنتجة، خاصة تأجير الملكية العقارية والنشاط المالى، ولا تحصل الصناعة (أصحاب الأسهم ورجال الأعمال والعمال معًا) إلا على نسبة ضئيلة للغاية من الدخل الكلى ويعكس لنا مباشرة هذه التوزيع للدخل الحجم المباشر لكل قوة اجتماعية من الناحية الاقتصادية البحتة ولكل قطاع اقتصادى.

 

دور رأس المال الأجنبى فى الاقتصاد:

 

قبل الثلاثينات كان الأجانب يتملكون معظم أسهم الشركات الصناعية والتجارية، ولكن منذ بدأ بنك مصر نشاطه، راح رأس المال المحلى يلعب دورًا متزايدًا فى النشاط الصناعى، حتى بلغت نسبة مساهمته فى الاستثمارات الجديدة خلال الفترة من 1933- 1948   78.7%، وبات يملك 39.3% من رؤوس الأموال المستثمرة حتى نفس السنة [48] . وقد ساعد على زيادة نصيب رأس المال المحلى فى الاقتصاد تدفق رؤوس أموال البلدان الرأسمالية إلى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة بناء اقتصادها، وعزوفها عن دخول مصر بسبب اضطراب الأحوال السياسية. ورغم هذا ظل رأس المال الأجنبى يمثل 60.7% من رأسمال الشركات واستمر فى تحويل أرباح ضخمة إلى الخارج.

وبغض النظر عن الحجم، كان رأس المال الأجنبى يسيطر على قطاعات هامة وحساسة فى الاقتصاد، أهمها على الإطلاق: البنوك (بما فيها بنك مصر بعد 1939[49]). وقد اختصت البنوك فى مصر بتمويل تجارة القطن قبل أى شىء آخر ؛  أهم فروع الاقتصاد. كما استمرت قناة السويس مملوكة للأجانب. وكانت لرأس المال الأجنبى اليد العليا فى الشركات الصناعية، خاصة شركات صناعات السلع الوسيطة وصناعة وسائل النقل، وهى الصناعات الأكثر حداثة والتى كانت  تحتاج إلى تركيب عضوى مرتفع لرأس المال بالمقارنة بالصناعات التقليدية (الأغذية – المنسوجات)، وان لم يخلُ الأمر من نفوذ ملموس لرأس المال الأجنبى فى تلك الأخيرة[50].

 

ثانيًا: تفاوت النمو وطابعه المركب:

تميز الاقتصاد بتباينات شديدة فى درجة تطور القطاعات المختلفة بالإضافة إلى التباينات داخل القطاع الواحد :

جدول (13)

إنتاجية وحدة قوة العمل فى القطاعات الأساسية (1952)[51]

63.4 وحدة

إنتاجية وحدة قوة العمل فى الزراعة

153 وحدة

إنتاج وحدة قوة العمل فى الصناعة التحويلية

168.7

إنتاج وحدة قوة العمل فى التشييد

وداخل قطاع الصناعة نفسه تفاوتت الإنتاجية باختلاف أحجام المنشآت، فتميزت المنشآت الأكبر رأسمالاً (أو ذات العمالة الأكبر) بارتفاع إنتاجيتها بالمقارنة بالمنشآت الأصغر.

جدول (14) [52]

حجم المشروع حسب عدد العمال

إنتاجية العامل سنويًا بالجنيه

(من القيمة المضافة)

10-49 عامل

180

50-499 عامل

271

500 عامل فأكثر

345

 

هذا بالنسبة للصناعة الكبيرة (أكثر من 10 عمال للمستخدم الواحد ) ، أما إذا أخذنا الصناعة الصغيرة فى الاعتبار فسوف يتسع التفاوت، وقد استوعبت المشاريع الصغيرة نحو 60% من عدد العمال الصناعيين [53] وساهمت بـ ثلث القيمة المضافة فى الصناعة التحويلية[54]. وكانت الإنتاجية داخل قطاع الزراعة نفسه تتفاوت بين عدد صغير جدًا من المزارع الواسعة التى تعتمد على الآلات المتقدمة وبين المزارع الصغيرة المعتمدة على العمل اليدوى وعمل الحيوان.

ويلاحظ أن النمو المتفاوت كان لصالح الاحتكارات الرأسمالية الكبرى، خاصة تلك التى يساهم فيها ويهيمن عليها رأس المال الأجنبى. وبعكس الحال فى العديد من البلدان المتخلفة، لم يكن القطاع التصديرى (القطن فى مصر) هو الأكثر تحديثًا (باستثناء بعض المزارع الواسعة) بل كان أكثر تأخرًا حتى من الصناعة التحويلية الصغيرة، إذ استمر معتمدًا على أدوات زراعية استخدمها الإنسان المصرى منذ بضعة آلاف من السنين، وكان الجديد فى الأمر يتعلق باستخدام المخصبات الصناعية (فى أقل الحدود بالنسبة للفلاح الصغير). وقد ساهم فى تكريس هذا الوضع جودة الأرض فى مصر وارتفاع إنتاجيتها، وكذلك وفرة ورخص الأيدى العاملة فى الزراعة . كذلك كان اتباع سياسة تجميع الأرض يصطدم بعقبات اجتماعية – سياسية بالغة الخطورة. وقد اتبعت الحكومات المتعاقبة طوال عصر الاحتلال سياسة تستهدف رفع إنتاجية الفدان وزيادة مساحة الرقعة الزراعية دون الاهتمام بزيادة إنتاجية الفرد العامل فى الزراعة عن طريق تطوير عملية الإنتاج نفسها، ولذلك ظل قطاع القطن يستوعب عددًا كبيرًا من الأيدى العاملة.

كما تميز النمو أيضًا بطابع مركب ، أى تواجد قطاعات تنتمى لعصور تاريخية مختلفة ، و غير متماهية . فبينما شهدت البلاد نموًا للصناعة الحديثة الضخمة، خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ظلت آلاف الورش الصغيرة قائمة وتعمل بنفس وسائل الإنتاج البدائية. فظل النول اليدوى – على سبيل المثال- واسع الانتشار فى الأحياء الشعبية والمدن الصغرى والريف وظلت الزراعة فى مجملها بدائية قائمة على نمط إنتاج صغير (سلعى وطبيعى أيضًا). ووجدت بجانب الزراعة المعتمدة على العمل اليدوى، مزارع متقدمة تزرع آلاف الأفدنة وباستخدام العمل المأجور. واستمرت كل هذه المتناقضات جنبًا إلى جنب.

وبينما شهدت المدن الكبرى (القاهرة والإسكندرية) نموًا تجاريًا ضخمًا ونشاطًا ماليًا كبيرًا وأنشئت بها البنوك الكبرى وبورصة منتعشة، ظلت المقايضة والأسواق الموسمية تلعب دورًا كبيرًا فى حياة سكان الأرياف والمدن الصغرى.

والى جوار السلع المستوردة الفاخرة وبدائلها محلية الصنع استمرت أشكال الحياة البدائية تظلل معظم سكان القطر، وخاصة فى الريف، بل واستعملت فى داخل كل بيت من بيوت الفئات الوسطى والدنيا وسائل معيشة تنتمى إلى كل من العصر الحديث وعصر سيطرة المماليك والعثمانيين.

وقد ميز الازدواج المركب بين أكثر من عصر تاريخى مجمل الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية ، بل و الثقافة أيضا. فظلت شبكة السكك الحديدية المحترمة تنقل القطن المنتج بالعمل اليدوى، وظلت المياه المنقاة بالأساليب الحديثة تنقل فى كثير من الأحيان – فى داخل المدن الصغرى- بعربات ترجع إلى القرون الوسطى. وفى الجيش كان الجندى المنتزع من وسط المزارع البدائية والذى لم ير آلة حديثة فى حياته يحمل بندقية صنعت فى أوربا. وهكذا تعايشت، بل وتشابكت كل "المتناقضات". ولكن ظل هذا التوفيق يخدم فى نهاية الأمر نشاطًا محدودًا، هو إنتاج وتصدير القطن إلى أوروبا، وهذه قضية سنعود إليها بعد قليل.

 

ثالثًا: الطابع المتخلف للبنية ككل:

نمط الإنتاج هو- بأعرض المعانى الممكنة - الشكل الاجتماعى لعملية الإنتاج، وهو الشكل الذى يقوم الناس من خلاله بإنتاج الثروة الاجتماعية[55]. فالانتقال إذن من نمط إنتاج إلى آخر هو - من الناحية الجوهرية – انتقال من طريقة إلى أخرى لإنتاج الثروة الاجتماعية. وإذا ما تطرقنا إلى مفهوم نمط الإنتاج الرأسمالى نجد أنه يعنى بالضرورة: الإنتاج بواسطة العمل المأجور ، فهذا هو جوهر المسألة. وبغض النظر عن أية سمات أخرى فإن فائض القيمة( أى الفرق بين ما ينتجه العامل وما يأخذه ) هو بالضرورة شكل الفائض الاجتماعى فى نمط الإنتاج الرأسمالى، ويحدد الأخير نمطًا معينًا فى التوزيع (ريع – فائدة – ربح – أجر) كما يحدد طريقة التبادل ( سعر الإنتاج والاستهلاك) وهكذا بقدر ما يكون الفائض هو فائض القيمة، يكون مدى انتشار نمط الإنتاج الرأسمالى، هذا هو المقياس الوحيد الجوهرى، ورأس المال التجارى نفسه لا يعد رأسماليًا إلا بقدر ما يكون هو نفسه جزءًا من رأس المال الصناعى . لذلك نتفق مع "دوب" فى أنه لم تكن هناك مرحلة فى تاريخ الرأسمالية تسمى بمرحلة الرأسمالية التجارية، و"علينا أن نتلمس بداية المرحلة الرأسمالية فى التغيرات التى تحدث فقط فى أسلوب الإنتاج"[56].

فى منتصف القرن كانت أحوال الزراعة المصرية (بخصوص أنماط الإنتاج) كالآتى:

فى عام 1947 توزع العاملون بالزراعة كما يلى:

 

جدول (15)

توزيع العمالة الزراعية[57]

نسبة قوة العمل (%)

 نوع العمل

15.3

 - أصحاب العمل

50.5

- يعملون لحسابهم أو لدى ذويهم

0.25

- موظفون ومستخدمون

33.3

- عمال وصناع وصبيان

0.25

- متعطلون

    

لنلاحظ أن نسبة الـ 33.3% تشمل عمال الزراعة المأجورين وأشباه الأقنان الذين يمارسون "خدمة العمل"، وكان الشكل الأخير من الاستغلال واسع الانتشار، خاصة بين العمال الدائمين [58].


 

جدول (16)[59]

طريقة استغلال الأرض الزراعية فى مصر عام 1952

طريقة الزراعة

% من

مساحة الأرض

تزع بطريقة المشاركة. وهى من أراضى كبار الملاك ويعمل بها فقراء الفلاحين والمعدمين.

 20

مستأجرة نقدًا بواسطة فقراء الفلاحين.

24

ملكيات صغيرة يزرعها أصحابها.

10.7

تزرع بواسطة "خدمة العمل".

8.2

ملاك 5 أفدنة (3-7): تزرع بواسطة أصحابها بالإضافة إلىعمال مأجورين .

12.7

مستأجرة بواسطة مزارعين رأسماليين (وتزع بالعمل المأجور).

16

مزارع رأسمالية يملكها كبار الملاك.

8.2

 

99.8

وتبين الدراسة سابقة الذكر أن حجم العمل المأجور فى الزراعة عام 1952 =45% من العمل الكلى[60]، ولكن يلاحظ مايلى:

1- هذه النسبة تشتمل العمال الدائمين؛ أشباه الأقنان، وهم الأغلبية.

2-  إن عدد أيام العمل للعامل الزراعى تقل عن عدد أيام عمل الفلاح الصغير.

وعلى هذا الأساس فإن هذه النسبة يمكن أن تقل بدرجة ملموسة إذا وضعنا فى الاعتبار الملحوظتين السابقتين[61].

يتضح من المعطيات السابقة أن حوالى (ثلث) مساحة الأرض كانت تزرع بطريقة رأسمالية، وكان دور قوة العمل المأجور بوجه عام فى الزراعة يقل عن (ربع) قوة العمل الزراعية الكلية. وبذلك يكون نمط الإنتاج الأكثر انتشارًا فى الزراعة هو نمط الإنتاج السلعى الصغير ونمط الإنتاج العائلى [62] والأشكال الانتقالية بين الإقطاع والرأسمالية وكان ما يزرعه كبار الملاك بطريقة رأسمالية لا يتعدى 20% مما يملكونه من أرض، بينما يقومون بتأجير أراضيهم للغير، خاصة لصغار الفلاحين، وفى كثير من الحالات عن طريق وسطاء من التجار، وكان هذا هو الأسلوب الأساسى للاستغلال الذى مارسه كبار الملاك[63].

اذن كان نمط الإنتاج الرأسمالى محدود الانتشار فى الريف المصرى فى منتصف القرن، وإن كنا لا نستطيع – فى حدود المعطيات السابقة – أن نحدد حجم دوره بالضبط فى إنتاج الفائض. وهنا نجد أنفسنا أمام قضية جديدة: أى أنماط الإنتاج كان سائدًا فى تلك الفترة ؟ وسوف نحدد وجهة نظرنا بعد استكمال عرض ملامح "البنية" ككل.

سبق أن تناولنا وضع الصناعة ودورها فى الإنتاج والاقتصاد عمومًا. ونود أن نؤكد هنا على وجود قطاع ضخم من الصناعة الصغيرة (بالقياس إلى الصناعة ككل) يعمل به 400 ألف عامل عام 1952. والغالبية العظمى من هذه المشاريع يديرها ويعمل بها أصحابها أنفسهم مع الاستعانة بعامل واحد أو اثنين، بحيث نستطيع القول بأن الطابع الحرفى كان يغلب على كثير من هذه المشاريع، وأنها كانت تنتمى فى أغلبها إلى نمط الإنتاج السلعى الصغير.

وقد بلغ الاقتصاد درجة عالية من التنقيد، فكان الإنتاج الزراعى موجهًا فى معظمه نحو السوق، سواء السوق الخارجى أم المحلى (الصناعة، استهلاك المدن) رغم بقاء نسبة لا يستهان بها من الإنتاج الزراعى ينتجها الفلاح لاستهلاكه الشخصى، خصوصًا من الحبوب.

كما مارس كبار ملاك الأراضى أنشطة تجارية ومالية واسعة النطاق، ابتداءًا من تأجير الأرض للفلاحين الفقراء غالبا (وهذا نشاط تجارى لا يتعارض، بل يؤكد، أن نمط الإنتاج فى معظم هذه الأراضى كان هو نمط الإنتاج السلعى البسيط)، وإقراض الفلاحين بالربا، إلى تجارة القطن والحبوب..

كما شهدت المدن نشاطًا ماليًا واسعًا، ابتداءًا من التجارة حتى اليانصيب والمضاربة بالأوراق المالية وكانت البنوك تمول التجارة الخارجية بشكل أساسى، ولم يكن لها دور ملموس فى تمويل الصناعة.

وقد وقع الاستغلال على صغار الفلاحين من جانب كبار ملاك الأرض أو الوسطاء (تمثل فى شكل الايجارالمرتفع )، ومن جانب التجار والمرابين، ومن جانب رجال الصناعة الاحتكاريين، حيث كانت أسعار السلع المصنعة مرتفعة فى حماية الاحتكارات الكبرى مما كان يؤدى إلى المزيد من اعتصار الفلاحين...

وإجمالاً نرى أن الهيمنة الاقتصادية فى المدينة كانت لرأس المال التجارى، فرأس المال الصناعى فى المدينة (فى مصر المتخلفة) يشكل جزءًا من رأس المال التجارى وليس العكس (ونقصد أنه كذلك من الناحية  المنطقية). أما فى فى المجتمعات الرأسمالية فرأس المال التجارى هو جزء من رأس المال الصناعى، يتخصص فى الدورة التجارية ويحقق بالتالى نفس معدل الربح الذى يحققه رأس المال الصناعى (المعدل الوسطى للربح)، الذى يتحكم رأس المال الصناعى فى تحديده  فى التحليل الأخير. ولكن رأس المال التجارى فى البلاد المتخلفة ومنها مصر، لا يخضع بهذا الشكل لرأس المال الصناعى، لسبب جوهرى وهو أن رأس المال الصناعى يعاد إنتاجه من الخارج، أى بواسطة السوق الدولى. فالتبعية تمحور الاقتصاد (وضمنه رأس المال الصناعى) فى البلد المتخلف حول رأس المال الصناعى فى البلدان الرأسمالية. وتتم هذه العملية من خلال التبادل الدولى أساسًا، الذى يستند له تصدير رأس المال، أو يشكل لحظة منه. ولا شك أن التبادل هو لعبة رأس المال التجارى، وهو العملية التى تجد دعمًا هامًا لها فى حقيقة أن جزءًا كبيرًا وهامًا من الفائض الاجتماعى يتم إنتاجه خارج القطاع الرأسمالى، أى كون فائض القيمة ليس هو المصدر الوحيد أو الأساسى للفائض. وقد تمثل المصدر الآخر فى مصر فى قطاعات الإنتاج السلعى الصغير والإنتاج الصغير نصف السلعى – نصف الطبيعى، بل نستطيع القول أن أرباح رجال الصناعة لم تكن تتحدد بشكل أساسى بفائض القيمة الذى ينتجه العمال فقط، بل وأيضًا بالفائض قبل الرأسمالى من خلال عملية التبادل، وساعد على ذلك الطابع الاحتكارى للصناعة. وينتقص هذا الوضع إلى حدٍ ما من الطابع الرأسمالى للصناعة الكبيرة التى وجدت نفسها تتعامل فى السوق مع جمهور يعمل معظم منتجيه فى وحدات إنتاج صغيرة. فقد أضفى ذلك على رأس المال الصناعى طابعًا تجاريًا كما سنرى لاحقًا.

أما فى الريف، فقد أدت غلبة الملكية العقارية الكبيرة، بمعنى غلبة أسلوب استغلالها التجارى فى جملته والمتمثل فى الايجار العينى والنقدى والمزارعة بالإضافة إلى المضاربة فى الأراضى الزراعية، وعبر تجارة القطن وتأجير الأرض، إلى هيمنة رأس المال التجارى فى الريف أيضًا. ورغم أن نمط الإنتاج الصغير كان هو الأكثر انتشارًا، فان حركته وآلية عمله كانتا خاضعتين لرأس المال التجارى الوسيط بين المنتج وكل من السوق العالمى وسوق المدينة، والوسيط الثانى بين المنتج ووسيلة الإنتاج الرئيسية: الأرض (أى مالك الأرض الكبير). والحقيقة أن سطوة الملكية العقارية الكبير لم تكن إلا شكل لسطوة رأس المال التجارى؛ إذ كان النشاط الاقتصادى الأساسى لتلك الطبقة (الغائبة عن القرية) هو أعمال الوساطة، وأهمها طبعًا تأجير الأرض استنادًا إلى احتكارها لملكيتها، ولم يكن لها أى دور تجاه الفلاحين ولم تتحمل أية مسئولية، وكل ما كان يهمها هو الحصول على كمية من العوائد بغض النظر عن أسلوب الإنتاج فى الأرض. والخلاصة أن أفراد هذه الطبقة لم يكونوا طرفًا فى نمط الإنتاج الذى كان يتم فى أملاكهم (النمط السلعى الصغير) إلا حين كانوا يديرون مزارعهم بأنفسهم وهنا كان مالك الأرض يدخل فى علاقة محددة مع الفلاح، تتمثل فى مشاركته فى التكاليف والعوائد، وحتى هنا لا يكون مالك الأرض، بالإضافة لصفته الأخيرة، إلا مجرد تاجر بمعنى من المعانى. أما المزارع الرأسمالية القليلة فلم تكن تلعب دورًا كبيرًا فى الإنتاج الزراعى، وكان أغنياء الريف هم الأقرب نسبيًا إلى الملاك – الرأسماليين، إلا أنهم مارسوا أسلوب المزارعة على نطاق واسع واستخدموا كافة أساليب نهب من الفلاحين بالربا وغيره من الأساليب قبل الرأسمالية.

وقد قامت الدولة بحماية التركيبة ككل. وبينما اختفى "الخراج"؛ نصيب الدولة القديمة من الفائض، كان دخل الدولة الحديثة يستخدم فى تدعيم البنية الاقتصادية ذات التوجه التصديرى والطابع التجارى المنقَّد باضطراد مع آثار عديدة من مجرد ملامح إقطاعية شرقية.

يمكننا الآن إيجاز الوضع كالآتى:

1 - كان نمط الإنتاج الصغير واسع الانتشار فى الريف خاصةً.

2-  كان قطاع الزراعة الرأسمالية بالغ الضعف.

3-  كانت كل من الصناعة الكبيرة والمزارع الرأسمالية، بالإضافة إلى ضعفهما، تتحصلان على جزء هام من الفائض قبل الرأسمالي[64].

4-  قطع الاقتصاد شوطًا طويلاً على طريق التنقيد.

5-  كان الدور الأساسى للبنوك هو تمويل التجارة الخارجية.

6-  الخلاصة أن رأس المال التجارى كان يسيطر ليس فقط على رأس المال المنتج، بل أيضًا على الإنتاج الصغير ونحن هنا نصنف رأس المال البنكى ورؤوس الأموال الموظفة فى القطاعات الخدمية وأعمال الوساطة المختلفة ضمن رأس المال التجارى، خاصة وان رأس المال البنكى لم يكن هو الآخر يشكل جزءًا من رأس المال الصناعى (لم يكن مدرجًا إلى حد يذكر فى دورة الإنتاج الرأسمالى فى الداخل)[65].

7-  لعب رأس المال التجارى دور الحبل السرى بين اقتصاد متخلف تم دمجه فى السوق العالمى قسرًا، وبين هذا الأخير، وكان هذا هو نشاطه الأول، بقدر الدور الذى لعبته التجارة الخارجية فى مجمل التبادل ومجمل النشاط الاقتصادى.

8-  بهذا المعنى الأخير وحده نستطيع القول بأن نمط الإنتاج الرأسمالى كان سائدًا من الخارج من خلال رأس المال التجارى، ولكن فى الداخل لم يكن رأس المال الصناعى مسيطرا على رأس المال التجارى، ولم يكن الأخير من ذلك النوع الذى ينتمى للنظام الرأسمالى بل كان رأسمالاً ذا طابع مزدوج: قبل رأسمالى ورأسمالى فى وقت واحد، ولذلك ظل دوره الأساسى يتعلق "بالتجارة البعيدة"، يليه دوره فى التبادلات الداخلية الأضعف، وفوق هذه كله لم يكن العمل المأجور يسود فى قوة العمل المحلية ولم يكن مجمل الفائض منتجا بواسطته.

9-  لهذا كله لا نستطيع أن نقرر وجود نمط إنتاج سائد فى مصر فى منتصف القرن، فنمط الإنتاج الإقطاعى الشرقى قد تحطم، ولم تعد له سوى آثار بسيطة من القنانة المعممة أو القنانة الفردية، أما الإنتاج "الرأسمالى" فكان خاضعًا لرأس المال التجارى وعاجزًا عن إخضاع نمط الإنتاج الصغير ولم يسهم فى إنتاج الفائض بنسبة حاسمة، بل ولم يكن يعول نسبة ضخمة من السكان. فإذا حللنا الفائض من حيث شكل توزيعه (علاقات التوزيع) نجد أنه كان يتكون من: الريع – الأرباح – الفوائد – دخل الحكومة. (انظر جدول رقم 11).

أما الريع، فلا ينتمى فى جانبه الأعظم إلى النوع الرأسمالى لأنه ناتج فى أغلبه من عمل المنتج الصغير.. من اعتصار الوحدات الإنتاجية الصغيرة بواسطة الملكية العقارية الكبيرة. وتعود معظم الفوائد والأرباح إلى رأس المال التجارى والبنكى، ومصدرها الأساسى كان أيضًا عمل المنتج الصغير، بالإضافة إلى العامل الأجير. أما دخل الدولة فيأتى الجزء الأعظم منه عن طريق الضرائب غير المباشرة، التى تتحمل معظمها الطبقات الأدنى المكونة من الأجراء وصغار الملاك. وإذا كان الجزء الأكبر من الفائض يأتى من عمل المنتجين الصغار فإن رأس المال التجارى هو الذى يوجه هذه العملية ويسيطر عليها وليس رأس المال الصناعى. ولا تقتصر السيطرة على الاستيلاء على الجزء الأكبر من الفائض ولكن جانبها الأهم هو الحركة الأكثر استقلالاً لرأس المال التجارى، أى دوره القيادى فى توجيه عملية إنتاج وتوزيع الفائض. ويبدأ تكوين الفائض هنا جزئيًا فى عملية الإنتاج وجزئيًا بعدها، لأن الفائض الذى ينتجه المنتج ينتزع منه فى عملية التبادل والإقراض بالربا وكافة ألوان النهب. والإنتاج توجهه أصلاً حاجة السوق العالمى من خلال رأس المال التجارى وبالتالى: يحكم التبادل الإنتاج، كذلك نجد أن ما يحدد نمط الاستهلاك سلفًا – فى القطاع الحديث – هو التأثير الأجنبى بواسطة رأس المال التجارى ولذلك نشأت الصناعة مستهدفة إحلال الواردات.

وخلاصة الأمر أن عملية التبادل مع الخارج هى التى حددت- من خلال رأس المال التجارى- أنماط الاستهلاك والتوزيع والتبادل... والإنتاج أيضًا. كذلك لا تشكل هذه العناصر الأربعة كلاً واحدًا على قدر ملموس من التماسك. ودور الإنتاج هنا معكوس.. فهو متغير تابع للتبادل (والتوزيع والاستهلاك)، بينما المتغير المستقل هو علاقات التبادل، مع الخارج، والتى تعيد إنتاج التخلف من خلال إعادة إنتاج نمط الاستهلاك التابع.

قد تشكل التخلف بواسطة الغزو الرأسمالى الأجنبى (دون أن نغفل تهيؤ الظروف الداخلية لهذا التحول ولممكنات أخرى أيضًا). وارتبطت بهذا الوضع مصالح "طبقة" يُعد الطابع الغالب لنشاطها طفيليًا؛ طبقة ذات أفق يتفق مع نمو التخلف نفسه، ولذلك لم يعد من الضرورى لكى يستمر فى حركته "الطبيعية" أن يرتبط بالسوق العالمى بأساليب مباشرة (معاهدات – جيوش احتلال – وصاية أجنبية مباشرة من أى شكل).

 

هذه البنية المركبة من أكثر من نمط إنتاج و أكثر من ثقافة و تتميز بسيطرة التداول على الإنتاج نسميها "بنية التخلف"[66].

 

الأزمة والنمو:

انتهت الحرب ولدى الطبقة المسيطرة 200 ألف عامل تدربوا فى المعسكرات البريطانية أثناء الحرب، منهم 80 ألفًا من العمال المهرة ونصف المهرة، وفائض متراكم ضخم للغاية تمثل أساسًا فى 400 مليون جنيه استرلينى لدى بريطانيا، وشبكة سكك حديدية محترمة، كما كانت الفترة الممتدة من 1939 حتى 1953 فترة مواتية فى التبادل الدولى للمواد المصدرة من البلاد المتخلفة حيث تحسنت حدود التبادل لصالحها (ارتفعت أسعار القطن من 10.78 ريالاً عام 1939 إلى 177 ريالاً عام 1951 [67]. كما انخفضت أسعار السلع التجهيزية نتيجة لاتباع بريطانيا سياسة التقشف وتجميد الأسعار[68].

وقد حققت الصناعة بعد الحرب نموًا كبيرًا، إذ زادت الطاقة الصناعية فى
46-1947 فقط بـ 23%. وبينما شهدت فترة الحرب توسعًا كبيرًا فى الطاقة الإنتاجية للصناعة صاحبه انخفاض واضح فى حجم رأس المال الدائم (أى الآلات والمعدات والمنشئات الثابتة )، بسبب توقف استيراد الآلات والمعدات، كما شهدت الفترة التالية للحرب توسعًا كبيرًا فى التراكم الرأسمالى فى الصناعة؛ إذ جرت عملية إحلال وتجديد واسعة كما أُنشئت شركات جديدة. وأصبحت الصناعة المحلية قادرة على سد حاجة البلاد من الكحول والسكر والسجائر والملح والدقيق، ولم تعد بحاجة للتمويل الخارجى بالنسبة للصناعات القطنية والأحذية والأسمنت والصابون والبيرة والأثاث والكبريت والزيوت النباتية، كما أدخلت صناعات جديدة فى مصر لأول مرة: الكاوتشوك والسيارات فى عام 1949، بالإضافة إلى صناعة منتجات البلاستيك وتجميع الثلاجات والأسمدة (باختصار: السلع المعمرة والكيماويات). وشهدت نفس الفترة توسعًا فى صناعات غير تقليدية فى مصر مثل الورق والزجاج والأسمنت والنحاس والحديد والأدوية[69].

وقد وجدت الصناعة فى سوق العمالة مئات الألوف من العاطلين فى المدن، مستعدين لتلقى أجور بالغة الانخفاض، بالإضافة إلى أرباح طائلة متراكمة، وكان لدى الطبقة المسيطرة فوائض هائلة وقابلة للاستثمار فورًا، تمثلت أساسًا فى ريع الأرض المتنامى فى ذلك الوقت.

إلا أن الصناعة بدأت منذ 1949 تواجه أزمة حادة، بلغت أوجها فى 51 – 1952، وتمثلت مظاهرها فى: البطالة؛ فبينما بلغ معدل التشغيل فى 1947 100%، بلغ فى 1950: 87% من عمال الصناعة [70]، والكساد الذى أدى إلى إغلاق آلاف الورش والمصانع، وازدياد صعوبات تصريف الإنتاج، مما دفع رجال الأعمال إلى تخفيض الأسعار وساعات العمل وزيادة المخزون[71]. كما شهد معدل النمو الصناعى تراجعًا واضحًا، فبينما بلغ 8% كمتوسط سنوى خلال الفترة من 1946-1951، تراجع إلى 3.1% فى 1952 ثم إلى 1% عام 1953[72].

وقد ارتفعت الطاقة الصناعية عام 1950 عما كانت عليه عام 30-1934 بنسبة 56٪ بينما ازدادت بمعدل سنوى بلغ 7%عام 1951، زاد إلى 8% عام 1952 ثم تقلص تمامًا فى 1953 إلى 1%[73]. وفى عام 1951 لم تُنشأ سوى 11 شركة جديدة (صناعية وتجارية) برأسمال قدره 1.512.500 جنيه بينما زاد رأسمال الشركات القائمة بـ 6.477.089 جنيهًا فقط [74]، و زاد معدل الادخار عن معدل الاستثمار فى نفس الفترة (بلغت استثمارات القطاع الخاص فى الصناعة عام 1951: 2.1 مليون جنيه، وفى عام 1952: 1.8 مليون جنيه، وفى 1953: 1.3 مليون جنيه[75].

 

كما أن معدل الادخار نفسه قد انخفض:

جدول (17)[76]

معدل الادخار بالنسبة للناتج القومى %

السنة

5

1939

23

1942

29.1

1944

13

1950

لا يكفى لتفسير هذه الأزمة أن نذكِّر أنفسنا بالأزمة السياسية، بل نستطيع أن نقرر أن أزمة الصناعة قد أدت إلى زيادة حدة الأزمة السياسية، بإطلاق يد البطالة على نطاق واسع وارتفاع الأسعار. والحقيقة أن توفر فرص حقيقية لنمو الصناعة كان يمكن أن يخفف من الأزمات السياسية. وفى الواقع كانت الأزمة اجتماعية – اقتصادية فى الأساس. وليس هناك من شك فى أن الأزمة السياسية قد ساهمت فى تأزيم الصناعة المصرية فى منتصف القرن، إلا أن الدور المباشر لهذه المساهمة كان محدودًا للغاية، بعكس دورها غير المباشر؛ المتمثل – ولكن ضمن عوامل أخرى – فى تخويف رأس المال الأجنبى الخاص، ومن ثم عرقلة تدفقه من الخارج. ولكن الأهم من هذا كله أن الأزمة السياسية كانت – أساسًا – نتاجًا لأزمة النظام الاجتماعى ككل، شاملاً أزمة الصناعة، والتى هى أزمة مزمنة، وفقط تفاقمت فى منتصف القرن بفعل نمو تناقضاتها الخاصة أساسا كما سنرى بعد، بالإضافة إلى عوامل أخرى. وفى حقيقة الأمر أنه إذا كانت الصناعة المصرية المتخلفة فى حاجة إلى الاستقرار السياسى التام، والى الدولة القوية بشكل استثنائى لكى تستطيع أن تتغلب على أزمتها، فهذا يعنى أنها تعانى من أزمة داخلية، ونقصد بالضبط أزمة ذات طابع اجتماعى – اقتصادى[77].

وقد ترافق تراجع الاستثمار فى الصناعة ومعدل نمو الإنتاج الصناعى مع زيادة معدل الاستثمار فى العقارات (30 مليون جنيه سنة 1950[78])، مما يشير إلى محدودية الدور المباشر للأزمة السياسية. ومن المفارقات الطريفة أن أزمة 1947 فى البلدان الرأسمالية قد انتهت مع بدء التوتر الدولى فيما عرف "بالرخاء الكورى" الذى امتد لعدة سنوات، وعلى العكس كان للرخاء الكورى أثر معاكس على الصناعة المصرية، بل ونستطيع أن نجزم بأنه قد لعب دورًا مدمرًا بالنسبة للنمو الصناعى؛ فبينما شهدت البلدان الرأسمالية انتعاشًا كبيرًا منذ 1949، وجدنا الأزمة تتعاظم فى مصر ابتداءً من هذا التاريخ بالذات. فقد أدت الحرب الكورية إلى تحسن حدود التبادل للمواد الأولية المنتجة فى الدول المتخلفة ومنها القطن المصرى الذى ارتفع سعره ارتفاعًا هائلاً خلال فترة التوتر الكورى، مما أدى إلى نمو دخل ملاك الأراضى بشكل لم يسبق لـه مثيل، ولم يترتب على ذلك انتعاش الصناعة، بل ازداد الشره للسلع المستوردة مما أدى إلى زيادة الاستيراد.

جدول (18)

نسبة الواردات والصادرات إلى الناتج المحلى بأسعار تكاليف العوامل  ( % )[79]

صادرات

واردات

السنة

16.3

19.4

1947

11.2

26.2

1948

17.6

23

1949

19.6

24.2

1950

21.7

30.2

1951

16.8

26.4

1952

 

وادى ذلك بالطبع إلى وضع العراقيل أمام توسع الصناعة المصرية بسبب نقص الطلب عليها. كما عزز الرخاء الكورى من الإقبال المتزايد على العقارات فى المدن نتيجة لتزايد الهجرة إليها من الريف، فتدفقت رؤوس الأموال إلى قطاع الإسكان بشكل لم يسبق له مثيل. وكان ارتفاع أسعار الخامات الزراعية الناتج عن الحرب وبالاً آخر على الصناعة، إذ أنها تعتمد على استيراد نسبة ملموسة من المواد الوسيطة، بالإضافة إلى أن ارتفاع أسعار القطن المحلى أدى إلى زيادة التكلفة. وقد جاء ارتفاع سعر القطن المصرى فى الوقت الذى لا يشكل فيه تجار القطن وكبار ملاك الأراضى الذين أنعشتهم الحرب الطلب الفعَّال الرئيسى على المنتجات الصناعية، بل يتشكل الطلب من متوسطى الدخل من سكان المدن، وبشكل أساسى من الذين لم يستفيدوا من ارتفاع أسعار الخامات، فكان على الصناعة أن ترفع أسعارها أمام قوة شرائية ثابتة، أو فى الحقيقة متناقصة، بسبب استمرار التضخم، اذ واجه المستهلكون أسعارًا مرتفعة للسلع الغذائية المستوردة، بل والمحلية أيضًا. وادت منافسة السلع المستوردة المرتفعة الثمن والتى اقبل عليها كبار الملاك بالصناعة المحلية إلى إغلاق آلاف الورش والمصانع[80].

وفى الوقت ذاته ظلت صعوبات التصدير قائمة بسبب المنافسة الأجنبية فى الخارج أيضًا وأدى ذلك – خصوصًا بعد قرار الخروج من كتلة الاسترلينى عام 1947 – إلى نقص العملات الأجنبية مع صعوبة سحب الأرصدة الاسترلينية من بريطانيا.

وكان للنمو غير المتوازن للقطاعات المختلفة خلال الحرب دوره أيضًا فى احتدام أزمة الصناعة، فلعب ضعف قطاع الكهرباء، الذى يحتاج إلى تكنولوجيا متطورة، دورًا كبيرًا فى الأزمة، فكانت الشركات تضطر إلى استيراد مولدات كهربائية خاصة، مما أدى لارتفاع التكلفة. كما كانت الصناعات الأكثر تقدمًا تعانى من نقص العمالة الماهرة، مما أعاق نمو الصناعات الجديدة. فقد شهدت فترة الحرب توسعًا كبيرًا فى الطاقة الصناعية دون توسع موازٍ فى التعليم الفنى ومشاريع الطاقة، وبالتالى قابلت الصناعة بعد الحرب عقبات ملموسة.

كما كان الانخفاض الكبير فى معدل تدفق رأس المال الأجنبى عاملاً جوهريا فى نمو الأزمة، فبجانب قرار الخروج من الكتلة الاسترلينية، لعب ذاك الإحجام دورًا كبيرًا فى نمو أزمة العملات الأجنبية، كما أن الصناعة المصرية قد حرمت من خبرة رأس المال الأجنبى، خاصة وأن صناعة السلع المعمرة والصناعات الكيماوية والوسيطة عمومًا وهى مجالات التنفس الجديدة للصناعة المصرية فى تلك الفترة، كانت تحتاج إلى خبرة لا تتوفر لدى رجال الصناعة المحليين، فلم يكن الأمر متعلقًا بالتمويل فقط.

ولهذا كله راح رجال الصناعة يصرخون طالبين معونة الدولة، وسجل الاقتصاديون حقيقة أن الدولة لم تكون تعمل بالجدية الكافية لدعم الصناعة، مع أنها اتخذت عددًا من الإجراءات، منها على سبيل المثال [81]:

1- رفع التعريفة الجمركية عامى 1930، 1949 على المستوردات الصناعية.

2-  خفض أجرة النقل بالسكك الحديدية للصناعة المحلية.

3-  منح الصناعة قروضًا بفوائد منخفضة.

4- المساهمة بـ 50% من رأس مال البنك الصناعى بعد أزمة 1949.

5-  القيام بعمل دراسات خاصة بصناعات الصلب، والأسمدة الكيماوية ودراسة خاصة بمشروع إقامة سد على النيل.

6-  اتخذت عدة إجراءات أخرى لتفضيل الصناعة المحلية على الأجنبية.

ولكن لم تكن هذه الإجراءات كافية لدفع النمو الصناعى إلى أقصى حد ممكن، فرغم أن التعريفة الجمركية الصادرة عام 1930 كانت مرتفعة، ولكنها لم تكن كذلك مقارنةً ببلدان مختلفة أخرى، مثل تركيا ولم تكن منصفة تمامًا للصناعة، فعلى سبيل المثال فرضت على الجلد الخام المستورد ضرائب جمركية بلغت 15% بينما كان يدفع عن المصنوعات الجلدية 8% فقط[82]. كما كانت الدولة متحيزة ضد الصناعة فيما يتعلق بالضرائب، فبينما دفعت هذه 20 مليونًا من الجنيهات عام 1945، نجد أن الزراعة قد دفعت 5 ملايين جنيهًا فقط، رغم أن الدخل الناتج من الزراعة كان يعادل أربعة أمثال ذك الناتج من الصناعة [83]. كما تقاعست الدولة عن سن التشريعات اللازمة للنشاط الصناعى، فلم تحدد على سبيل المثال طريقة منظمة للائتمان الصناعى ولم تضع تشريعًا خاصًا بالعلامات التجارية. وكانت هناك صعوبات أخرى، مثل ارتفاع مصاريف التأسيس وصعوبة الحصول على تصاريح لاستيراد الآلات. كما كانت أسعار النقل داخل البلاد للسلع المستوردة أقل منها بالنسبة للسلع المنتجة محليًا[84].

لا شك أن كل هذه العوامل المباشرة قد لعبت أدوارًا متباينة فى نمو أزمة الصناعة، ولكن ما زلنا نتساءل: ما هو محتوى هذه الأزمة ؟ فرغم تعدد العوامل لا زال تشخيص الآزمة غير واضح : لقد حققت الصناعة المصرية نموها فى ظل ظروف استثنائية، وهى فى حاجة دائمة إلى الظرف الاستثنائى (رأس مال أجنبى – سوق مدعم بحماية جمركية عالية – دولة تخلق معظم عوامل الإنتاج بما فى ذلك جزءًا من رأس المال نفسه) دون أن تكون قادرة بنفسها على التغلب على مشكلاتها (الطاقة – العمالة الماهرة – نقص العملات الأجنبية – ضيق السوق المحلى... الخ) وهذا يعنى أن الأزمة لا تتعلق بعوامل اقتصادية بحتة أو عَرَضية؛ فالصناعة تستطيع أن تحل بنفسها هذه المشاكل إذا ما كانت مجرد مشاكل اقتصادية، بل وتستطيع أيضًا أن تواجه العراقيل الاجتماعية إذا ما كانت تلك العراقيل تقف خارجها، ولكن الأزمة التى نحن بصددها قد كشفت مدى هشاشة بنية الصناعة المصرية، فالمشكلة تقع داخل البنية الاقتصادية – الاجتماعية للصناعة نفسها، البنية الاجتماعية لرأس المال الصناعى.. فقد عجز عن حل مشاكله الخاصة وتطلع إلى الدولة، خصوصًا مع تدهور تدفق رأس المال الأجنبى. ويكفى أنه على صعيد الأفكار لم يستطع – فى تلك الفترة – أن يقدم حلولاً راديكالية وأن يشكل حزبًا قويًا وأن "يناضل" سياسيًا وأن يكسب إلى صفوفه طبقة الفلاحين. وسوف تتضح الأمور أكثر كلما تعمقنا فى البحث خلال الصفحات التالية، وستكون لنا أكثر من عودة إلى أزمة الصناعة المصرية الحديثة.

ورغم هذه الحقيقة، كانت الأزمة الاجتماعية فى الريف المصرى تبدو أمام الناظرين متفجرة من داخلها بوضوح ساطع، بعكس أزمة الصناعة التى بدت كأنها ناتجة عن عوائق خارجية تمامًا، مثل سيطرة كبار ملاك الأراضى على السلطة [85]، ونظام الضرائب ونقص العملات... الخ. ونظرًا لأنها قد أضافت بأزمتها تلك المزيد من الوقود للصراع الاجتماعى، ونظرًا لعجزها المتزايد عن الانطلاق فى ظل الظروف القائمة، بالإضافة إلى أن النمو الصناعى كان هو المجال الأكثر ملاءمة لزيادة الإنتاج المحلى وامتصاص البطالة... الخ، فقد تمتعت بعطف معظم دوائر رجال الأعمال باعتبارها طوق النجاة للنظام فى ظل هذا الركود، ولذلك ساد الاعتقاد فى الأوساط السياسية للطبقة المسيطرة بأن الصناعة – ممثلة فى رجال الصناعة- ينبغى لها من الآن فصاعدًا أن تتمتع ببعض الدلال.


 

  [1] Charles Issawi, Egypt at Mid- Century, p. 84 وقد أضاف عيسوى أن القيمة الاسمية لهذه الثروة قد تضاعفت     ثلاث مرات بعد نهاية الحرب، نفس الموضع

[2]           سمير أمين: التراكم على الصعيد العالمى، ترجمة حسن قبيسى، دار ابن خلدون، بيروت، ط2، 1978، ص 33.

[3] Hansen B. and Marzouk G: Development and Economic Policy in U.A.R. (Egypt), North   Holland Publishing Company - Amsterdam, 1965, p.8                                                                         

[4]           باتريك أوبريان: ثورة النظام الاقتصادى فى مصر، ص 388.

[5]           أى بعد خصم تكاليف القطاعات غير المنتجة، والمسماة "بمساهمتها" فى الناتج الخام حسب طريقة الحساب التقليدية.

[6]           أنظر:

            روبرت مابرو: الاقتصاد المصرى من 1952 – 1972، ص ص 29–39.

[7] Issawi, op. cit., p. 181.

[8]           أوبريان: المرجع السابق، ص 44.

[9]         Issawi, op. cit., p. 90

[10] Issawi, op. cit., p. 162      

[11]         عمرو محيى الدين: تقييم استراتيجية التصنيع فى مصر والبدائل المتاحة فى المستقبل – بحث مقدم إلى المؤتمر العلمى السنوى الثانى للاقتصاديين المصريين (1977)، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

[12]         مابرو: المرجع السابق، ص 83.

[13] حازم سعيد عمر: القطن فى الاقتصاد المصرى وتطور السياسة القطنية، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1970، ص 54.

[14]         مابرو - رضوان: المرجع السابق، ص 31.

[15]         وعلى العكس؛ لعب القطن بالنسبة لصناعة المنسوجات دورًا فى عرقلة نموها بسبب ارتفاع سعره، الراجع إلى ارتفاع جودته وبسبب قانون القطن، حيث منعت الحكومة استيراد القطن الرخيص من الخارج.

[16]         حُسبت هذه النسب استنادًا إلى معطيات كل من: عيسوى، مابرو – رضوان، وأوبريان. سبق ذكرها.

[17]        Issawi. op. cit., p. 144

[18]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، 256.

[19]      Samir Radwan: Capital Formation in Egyptian Industry & Agriculture 1882-1967, London, 1974, p. 244

[20]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، 253.

[21]         مصطفى السعيد: التنمية الصناعية فى ج.ع.م واستراتيجية إشباع الحاجات الأساسية للسكان (52-1970). بحث للمؤتمر العلمى السنوى الثانى للاقتصاديين المصريين، 1977. بينما ذكر محمود متولى النسب التالية: 74%، 24%، 2% على التوالى: الأصول التاريخية للرأسمالية المصرية وتطورها، ص 173، نقلاً عن:

Charles Issawi: Egypt in Revolution, p. 237

[22]         محمود متولى: المرجع السابق، ص 137.

[23]         المرجع السابق، ص 166.

[24]         أوبريان: المرجع السابق (حُسبت على أساس الجدول رقم (5)، ص 37).

[25]      Issawi , op. cit., p 148

[26]         أوبريان: المرجع السابق، ص 39.

[27] محمود متولى: المرجع السابق، ص 137.

[28]            المرجع السابق، ص 172.

[29]    Issawi ,op. cit., p. 160

[30]    Issawi, op. cit., pp. 160-161

[31]         محمد دويدار: الاقتصاد المصرى بين التخلف والتطوير، دار الجامعات المصرية - الإسكندرية، ص 223.

[32]         إنتاجية العامل الصناعى بأسعار 1937 (بالجنيه الاسترلينى) :

 

الولايات المتحدة

ألمانيا

بريطانيا

مصر

(1937)

(1936)

(1935)

1944 = 56

595

294

264

1947 = 74

 Issawi, op. cit., pp. 160-165

[33]       Issawi. op. cit., pp. 160-164

[34]         محمود حسين: الصراع الطبقى فى مصر من 1945-1970، ص 60

[35]         التراكم على الصعيد العالمى، ص 366. (المقصود السكان القادرين على العمل).

[36]         روبرت مابرو: الاقتصاد المصرى (1952-1972)، ص 312.

[37]         عطية الصيرفى: عمال التراحيل، دار الثقافة الجديدة، 1975، ص 71.

[38]         إبراهيم عامر: الأرض والفلاح، ص 156.

[39]      روبرت مابرو: المرجع السابق، ص 312.        

[40]      محمود متولى: الأصول التاريخية للرأسمالية المصرية وتطورها، ص 173.

[41]         محمد دويدار: المرجع السابق، ص 421.

[42]         محمود متولى: المرجع السابق، ص 173.

[43]         عبدالمغنى سعيد: إلى أين يسير الاقتصاد المصرى – مكتبة الأنجلو 1997، ص 18.

[44]         مابرو: المرجع السابق، ص 339.

[45]       Hansen – Marzouk, op. cit., p. 139

[46]         حُسبت هذه النسب على أساس معطيات مابرو – رضوان، أوبريان، محمود متولى، وهى تشمل كل الصناعة التحويلية بما فيها الماء والغاز والكهرباء.

[47]     نقلا عن  Issawi. op. cit., p.84          ويقدر سمير أمين الدخل السنوى لملاك أكثر من 20 فدانًا عام 1950 بـ 134 مليون جنيه. ذكرها أيضا محمود متولى: المرجع السابق، ص 175.

[48]         محمود متولى: المرجع السابق، ص 164.

[49]         راجع محمود متولى: المرجع السابق، الفصلين السادس والسابع.

[50]         للوقوف على مدى تواجد رأس المال الأجنبى فى مصر فى منتصف القرن ارجع إلى:

            كتاب محمود متولى سابق الذكر، الفصل السابع، ومحمود متولى: تغلغل رأس المال الأجنبى فى مصر، مجلة الكاتب، عدد 149، أغسطس 1973، وعدد 150، سبتمبر 1973، وراشد البراوى: حقيقة الانقلاب الأخير فى مصر، ص ص 60-64.

[51]         تم استنباط هذه النسب بالاعتماد على معطيات: روبرت مابرو، باتريك أوبريان، ومحمود متولى، مراجع سبق ذكرها.

[52]         د. محمود متولى: المرجع السابق، ص 174.

[53]         استوعبت الصناعة الصغيرة 400 ألف من 650 ألف عامل صناعى عام 1952 (محمود متولى، ص 173).

[54]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 116.

[55]         قمنا بتناول هذا المفهوم تفصيلا من وجهة نظرنا بالاشتراك مع شريف يونس بالتفصيل فى: "الراية العربية". الكتاب الثالث، القاهرة، أبريل، 1991، تحت عنوان: التكوين المنطقى لمفهوم نمط الإنتاج.نشر أيضا علىالانترنت : www.geocities.com

[56]         موريس دوب: دراسات فى تطور الرأسمالية. ترجمة: رؤوف عباس حامد، دار الكتاب الجامعى، القاهرة، ص 25.

            انظر أيضًا الفصل الأول من ص 13 إلى ص 47 حيث يناقش بالتفصيل مفهوم الرأسمالية.      

[57]         المسألة الزراعية. لم يذكر الكاتب اسمه رغم أنه معروف لكل من قرأ الكتاب، القاهرة، 1985، ص 87. ومصدر ثقتى فى إحصائيات المؤلف أنه اعتمد منهجا عقلانيا فى التحليل واعتمد على مصادر قيمة ولم يعمد إلى المبالغات.

[58]         خدمة العمل هى طريقة استغلال قبل رأسمالية، حيث يقوم الفلاح بالعمل فى أرض السيد عدة أيام فى الأسبوع ويعمل فى أرضه عدة أيام أخرى.. و قد اتخذت فى مصر الصورة التالية: يعمل الفلاح لدى مالك الأرض مقابل "أجر" فى صورة قطعة من الأرض يحوزها ويستخدمها لفترة يتفق عليها.

[59]    نفس المرجع ، ص 51

[60]   المرجع السابق، ص 153.

[61]   يمكننا هنا إضافة ملحوظة ذكرها محمود عبدالفضيل نقلاً عن جابرييل صعب؛ وهى ان الحيازات التى كانت تزرع بنظام المشاركة كانت تُصنف ضمن الحيازات المزروعة على الذمة. التحولات الاقتصادية والاجتماعية فى الريف المصرى (1952-1970)، ص 37.

[62]         و هو نمط يقوم فيه المزارع الصغير بزراعة أرضه مستعينًا بأسرته لسد حاجة العائلة فى إطار إنتاج طبيعى.

[63]         سيد مرعى: الإصلاح الزراعى ومشكلة السكان فى مصر. ويمكن للقارئ أن يرجع إلى تفاصيل هذه العملية فى كتاب عاصم الدسوقى: كبار ملاك الأراضى الزراعية ودورهم فى المجتمع المصرى (1914-1952)، دار الثقافة الجديدة، القاهرة 1976، ص ص 65-67، ص ص 149-167.

[64]         لا شك أن الشركات الاحتكارية فى البلدان الرأسمالية تحصل على ما يزيد عن الفائض المتولد بواسطة عمالها، ولكن هذا الفائض يأتـى من الفائض  فى وحدات أصغر، أى من داخل القطاع الرأسمالى أيضًا.ولا شك أن الصورة المذكورة هنا كانت موجودة فى مرحلة نشوء الرأسمالية فى الغرب، إلا أن هذا كان يتم فى سياق انتقال فعلى إلى الرأسمالية، ولكن هذا الانتقال محتجز هنا، أن النمو المركب هو نمط مستقر.

[65]  و كما قال بول باران كانت البنوك التى أقامها البريطانيون فى مصر والهند وأمريكا اللاتينية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر مجرد "غرف مقاصة كبيرة". الاقتصاد السياسى للتنمية. ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، دار القلم، 1967، ص 304.

            وفى تقديرنا أنه وصف ينطبق على كافة البنوك المصرية  فى منتصف القرن عمومًا إلى حد كبير،  ويمكن أن نستثنى فقط بنك مصر جزئيًا خلال العشرينات والثلاثينات.

   [66] قمنا بالاشتراك مع شريف يونس بتحليل مفهومنا ل"بنية التخلف" فى "الراية العربية" – كتاب غير دورى –الكتاب الثانى-سبتمبر 1988. نشرت أيضاً على الانترنت فى : www.geocities.com

[67]         حازم سعيد عمر: المرجع السابق ص 58، 2 71.

[68]         قامت بريطانيا بعد نهاية الحرب بتخفيض أسعار الآلات والتجهيزات لتعويض الانكماش الذى حدث خلال الحرب.

Emmanuel A., Unequal Exchange, New York and Londan, Monthly Review Press, 1972, page 83

[69]         روبرت مابرو: المرجع السابق ص 221.

[70]         أوبريان: المرجع السابق، ص 398.

            وذكر شارل عيسوى أن صناعة الصلب قد أدخلت أيضًا وبلغ الإنتاج عام 1949 25 ألف طن، وفى1950 بلغ 32 ألف طن، ثم 52 ألف طن عام 1951. op. cit., p. 11                                              

[70]    Issawi: op. cit., p. 142

ط.ث. شاكر: المرجع السابق، ص 90.

            فوزى جرجس: المرجع السابق، ص 215.

            عمرو محيى الدين: المرجع السابق.

            وقد أورد محمد رشدى الجدول الآتى:

 

 

عدد المشتغلين %

المؤسسات الصناعية فى مصر

 

%

عدد

السنة

100

100

22.216

1944 =

116

112

26.741

1947 =

97

88

19.522

1950 =

86

16

3.445

1952 =

 

[72]      Radwan S., op. cit., p. 200 , Table 5. 18

[73] مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 116

[74] محمود متولى: مرجع سبق ذكره، ص 176

[75] محمود متولى: نفس المرجع، ص 277.

[76]   Issawi, op. cit., p. 90

[77]         لم تنفرج الأزمة فى 1954-1955 إلا بفضل تدخل الدولة القوى، وهى عمومًا لم تنفرج أبدًا على أيدى رجال الصناعة المحليين، بل من خارجهم بالذات.

[78]     Issawi, op. cit., p. 90

[79]         مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 253.

[80]         طارق البشرى: المرجع السابق، ص 198.

[81]         أوبريان: المرجع السابق، ص ص 78 – 79.

            مابرو – رضوان: المرجع السابق، ص 77، ص 85.

[82] Radwan S., op. cit., p. 183  .

[83]     Issawi, op. cit., p. 170 .

[84] Radwan S., op. cit., p. 183 

[85] فلنتذكر كيف وقف كبار رجال الصناعة ضد إلغاء قانون القطن ! – راجع القسم الأول

 

القسم الأول: الانقلاب

الباب الأول : مسارالأوضاع المحلية بعد الحرب العالمية الثانية

الباب الثانى: حكومة الضباط

الباب الثالث : الثورة و الثورة المضادة

القسم الثانى: الناصرية

الباب الأول: الحكم الناصري

الفصل الأول  منطق الحكم

الفصل الثانى تشكُّل الحكم

الفصل الثالث   فلسفة الحكم

الباب الثانىالسياسة الناصرية

الفصل الأول السياسة العامة(1)

الفصل الأول السياسة العامة(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(1)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(2)

الفصل الثانى: السياسة الاقتصادية(3)

الفصل الثالث:التوجه العام للسياسةالناصرية

الباب الثالث: حقيقة الناصرية

القسم الثالث: سقوط الناصرية

الباب الأول انهيار النظام

الباب الثانى انقلاب السادات

الباب الثالث الساداتية و الناصرية

 

للاتصال

 [email protected]

جميع الحقوق محفوظة للمؤلفين ومحظور الاقتباس منها دون الإشارة لمؤلفيها

 بعض المواد المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف و رأى الموقع و تيار اليسار اللاسلطوى

Hosted by www.Geocities.ws

1