تبسيط فكرة الدائرة :

خذ البيت التالي لأبي فراس:

لله درك من قرمٍ أخي كرمِ           لا ينطق المالُ إلا في تشكِّيهِ

وهو من البسيط، ولكنك لو قلت:

أخو كرمٍ لله درُّكَ من قرْمِ              يذمك ما أنفقت أنعِمْ بذا الذَّمِّ

لكان من الطويل، وكلمات صدري البيتين ذات الكلمات، واختلفت كلمة البداية في كل منهما لأنهما مكتوبان على سطر أفقي بشكل مستقيم، ولكن دعنا نكتب صدر البيت الأول على محيط دائرة كما في الشكل التالي:

 إنك تستطيع أن تقرأ كلا الصدرين من ذات الشكل-مع ملاحظة الإعراب في كلمة أخو- وهذه هي الفكرة الأساسية في دوائر الشعر.

لله درك من قرمٍ أخي كرمِ ........ من البسيط وكلمة (أخي) بداية الطويل

أخو كرمٍ لله درُّكَ من قرْمِ..........من الطويل وكلمة(لله) بداية البسيط

حصر الخليل أوزان الشعر التي وجدها عند العرب في خمسة عشر بحرا، ولاحظ وجود تشابه بين بعضها، فقسمها بناءا على ذلك إلى خمس مجموعات أو دوائر ، وسميت دوائر لأن المقاطع من أسباب وأوتاد فيها ترتب على شكل دائري ، ونحصل على أوزان البحور التي تشملها كل دائرة بالبداية من مقطع فيها معين بالنسبة لكل  بحر وترتيب بقية المقاطع بعده مع المحافظة على تتاليها كما هي على الدائرة.

ويقال بهذا الصدد فك الدائرة والمقصود به بيان المقطع الذي يبدأ منه كل بحر، مع بيان أوزان بحورها، وفك البحر ويقتصر معناه هنا على بيان مقطع بداية البحر وغالبا ما يصاحب ذلك وزن البحر ، ويقال بأن البحر ينفكّ من مقطع معين أي يبدأ منه.

وقد تعرضت فكرة الدوائر إلى الانتقاد من حيث المبدأ تارة ، ومن حيث بعض تطبيقاتها –كما في السريع- تارة أخرى ، ومنهم (4-ص161) من رآها "طرفة من طرف العروض ودليل على قوة ملكة الوضع والتأليف التي امتاز بها هذا الإمام الجليل." ومنهم من عرف لها أهمية تطبيقية وعلى رأس هؤلاء ابن عبد ربه في العقد الفريد عندما أوضح أن مواضع الزحاف والتراقب والتعاقب تعتمد على ترتيب السبب على الدائرة وعلاقته بغيره من الأسباب، وهو ما يفهم منه أن وجود ذات السبب في تفعيلتين من  بحرين في ذات الدائرة يؤدي إلى اختلاف الاسم الذي يطلق على زحافه الواحد في طبيعته في الحالين.

وجميل قول د. أحمد كشك (10-ص69):"…وهذا يعطينا الإحساس بأن الدائرة أصل تام تحاول أن تحوي إمكانات الفطرة العربية الموسيقية التي ألهمها الله للشعراء."

وأنا أرى أن الدوائر هي أول وأمثل تعبير رياضي رقمي عن الفطرية العربية ونظرة إلى ساعة البحور تبين ذلك حيث المقطع الممثل بخطين يرمز للسبب =2 والمقطع الممثل بثلاثة خطوط يرمز للوتد=3 وبهذا تكون ساعة البحور وهي جماع دوائر الخليل معبرة عن معظم العروض العربي كما يبين ذلك الشكل.

وأما ما يتبقى من إمكانات للدوائر أسماها بعضهم البحور المهملة فهي إمكانات نظرية ومعظم ما نظم عليها إن لم يكن كله لا تستسيغه الفطرة العربية كشعر.

وفي الصفحات التالية شرح لفكرة الدوائر ومحاولة لبيان أهميتها التطبيقية في مجال العروض مسترشدا في ذلك بنهج ابن عبد ربه.

أ- دائرة المختلف

 

البحور الثلاثة التي مرت بنا من دائرة واحدة تدعى دائرة المختلف ، ويعنى كونها من دائرة واحدة أن مقاطعها من أسباب وأوتاد تتوالى بذات الترتيب ، بحيث أن نفس المقاطع إذا وضعت على محيط متصل وروعي السير باتجاه واحد أمكن الحصول على وزن كل بحر من نقطة بداية مختلفة كما تراه في الشكل المرفق حيث ترى داخل المحيط الأرقام التي تمثل الأسباب (2=سبب) والأوتاد (3=وتد) وفي الخارج ترى أرقام المحاور باللون الأزرق ويوضح الجدول التالي ما تقدم

 

البحر

رقم المحور

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

1

2

3

قيمة المحور

3

2

3

2

2

3

2

3

2

2

3

2

3

الطويل

 

3

2

3

2

2

3

2

3

2

2

 

المديد

 

 

2

3

2

2

3

2

3

2

 

البسيط

 

 

2

2

3

2

3

2

2

3

2

3

 

والأطر المزدوجة والألوان تحدد التفاعيل. والزحاف في هذه الدائرة حذف لساكن السبب وهو ما يعني أن تؤول 2 إلى 1 (2ß1). ولنأخذ المحور 4 كمثال فعندما 2ß1 فإن ذلك يعني في الطويل قبض مفاعيلن 34ß33 ، وفي المديد كف فاعلاتن 232ß132 ، وفي البسيط خبن مستفعلن 322ß321 =33.وكلها مستساغ أما في محور 5 فعندما 2ß1فذلك يعني في الطويل كف مفاعيلن 34ß123 ،وفي البسيط طي مستفعلن 322ß312 وهما مستثقلان ، وفي المديد خبن فاعلن 32ß31

المحور في

الطويل

المديد

البسيط

الساعة

الدائرة

8

1

فعو

علن

علن

7

2

لن

فا

فا

6

3

مفا

علا

علن

5

4

عي

تن

مس

4

5

لن

فا

تف

3

6

فعو

علن

علن

1

7

لن

فا

فا

12

8

مفا

علا

علن

11

9

عي

تن

مس

10

10

لن

فا

تف

8

1

فعو

علن

علن

فا

7

2

لن

فا

6

3

مفا

علا

علن

 

                نرى في هذا الجدول تمثيلا لدائرة المختلف يبين ما تقدم ذكره من الاختلاف الاصطلاحي في تسمية المقاطع والتفاعيل ما بين بحر وآخر .فلو أخذنا على سبيل المثال المحور رقم 4 في الدائرة لوجدناه سببا = 2 قابلا للزحاف بحذف ساكنه ليصبح متحركا = 1  في البحور الثلاثة ،ولكن الذي اختلف هو اسمه واسم زحافه ما بين بحر وآخر ، فاسمه في الطويل (عي) وزحافه قبض مفاعيلن واسمه في المديد (تن) وزحافه كف فاعلاتن واسمه في البسيط (مس) وزحافه خبن مستفعلن . والتعاقب قائم بينه وبين السبب الذي يليه في محور رقم 5 من الدائرة1 في البحور الثلاثة والذي يختلف هو التعبير الاصطلاحي عن ذلك ، فيقولون لا يجتمع قي الطويل القبض والكف في مفاعيلن ، وإن بين نون فاعلاتن وألف فاعلن في المديد معاقبة ، وإن الخبل في البسيط قبيح وكل من هذه الأقوال تعبير عن ظاهرة واحدة تجسدها الدائرة بيسر .

لو أردنا التعبير عن وزن المديد بدلالة تفاعيل كل من الطويل والبسيط لأمكننا ذلك بإبدال مقاطع كل من الطويل والبسيط بمقاطع المديد كل مقطع بمجاوره على نفس المحور ولكان

الوزن بدلالة الطويل=لن مفاعيلن فعو لن مفاعي=2/43/23/23

وبدلالة البسيط=فاعلن مستفعلن فاعلن مس=32/34/32/2

المقاطع الحمراء وتضم المحاور (2،3،4)و (7،8،9) من الدائرة تمثل تفعيلة فاعلاتن=232 من بحر المديد. جاء في (أهدى سبيل) ص58 أن الشكَلَ في فاعلاتنßفَعِلاتُ=131 قبيح.ترى من المناطق المظللة أن ذلك يعادل ازدواج الزحافات:

أ-قبض فعولن ومفاعيلن التي تليها في الطويل.

ب-خبن فاعلن ومستفعلن التي تليها في البسيط.

فهل هما مستقبحان ؟. وتقع هذه الإزدواجات في الزحافات حسب ساعة البحور على زوجي المحاور (7،5)،و (1،11) وليس ثمة تعاقب بينهما ولم أطلع على قول بذلك ، ولكن لدى مراجعة الملحق رقم 4 (ص  ) تبين لي أنه في كل الأمثلة الواردة على الطويل لم يرد هذان الزحافان معا في أول كل من الصدر والعجز ووردا معا بكثرة في النصف الثاني من الصدر والعجز.

وكأن هذه القاعدة صحيحة ما لم تحجبها أحكام العروض والضرب.وفي البسيط فهي تنطبق في كل من الشطرين على حدة، ولكنها لا تنطبق على فاعلن التي في العروض ومستفعلن التي في أول العجز.

ومن الكافي المثالان التاليان (أ) على قبض فعولن فمفاعيلن في الطويل ثم (ب) على خبن فاعلن فمستفعلن في البسيط

أ-أتطلب من أُسود بيشةَ دونه                أبو مطرٍ وعامرٌ وأبو سعدِ =13/33/13/33                

ب-لقد خلت حقبٌ صروفها عجبٌ                   فأحدثت عبراً وأعقبت دولا        =33/31/33/31

هل في البيتين ثقل في الوزن كما يفترض الاستنتاج المتقدم من الدائرة ؟ هما دون الطويل والبسيط في حال عدم تتالي ازدواج الزحافين سلاسةً.مع الأخذ بعين الاعتبار شمول الزحافات لكافة التفاعيل الأمر الذي ربما خفف من كزازة الوزن كمن عرج لإصابة إحدى رجليه فلما أصيبت الأخرى قلّ عرجه.

ولعل القبح في الوزن يكون أظهر لو كان نص كل من البيتين:

أ-   أتطلبن من أسود بيشة دونه          أبو محْسنٍ وعامرٌ وأبو سعد=3 2/  33  / 3 1 / 3 3

 

ب-  لقد خلت أدهرٌ صروفها عجبٌ    فأحدثت واقعاُ وأعقبت دولا =33 / 32 /33  /31

          فكأن التركيب 3332 أقبح من 3331

ومما يجدر ذكره في هذا المقام رأيان متناقضان الأول للدكتور إبراهيم أنيس(14-ص60،ص 73) يرى فيه استثقال زحاف مستفعلن =34 على متفْعلن =33، ومفاعيلن =43 على مفاعلن=33 في الحشو باستثناء أول الشطر بالنسبة لمستفعلن.في حين يعتبر محمد العياشي2( أن الإيقاع العربي الصحيح هو فعولُ مفاعلن للطويل، ومتفْعلن فعلن للبسيط قبل أن يلحق هذا الإيقاع ما يعتبره تحريفا حوله إلى فعولن مفاعيلن ومستفعلن فاعلن.وترى نازك الملائكة (14-ص111) الزحاف بعامة محببا إن كان نادرا وثقيلا إن كثر. وأرى أوجز وأوفى رأي ما ذكره د. أحمد كشك في كتابه الزحاف والعلة (10-ص18) من أن علماء العربية يرون الزحاف رؤيتين:"رؤية بينة الحسن وهي منوطة بالاتزان والانسجام الموسيقي ورؤية قبيحة وأحسبها قرينة التفكك والاضطراب

          في الشكل (أ) تعبير بديل للدائرة، فالأرقام على محيط المضلع (1_10)تمثل ترتيب المقاطع، والمقطع (1) في كافة الدوائر يقع في منتصف الضلع العلوي من الإطار، وكما على الدائرة فالمقطع (1)هو فك الطويل، والمقطع (2)هو فك المدبد، والمقطع (4)هو فك البسيط. والأوتاد تقع

على محيط المضلع الخارجي وقيم النقطة المربعة عليه =الوتد=3. والأسباب تقع على محيط المضلع الداخلي وقيمة النقطة المربعة الواقعة عليه=السبب=2. وتقع على محيط الدائرة الصغرى المتحركات المنفردة وقيمة النقطة عليه = المتحرك=1 ويمثل الشكل (ب) ما تقدم شرحه من زحاف الشَّكل(الخبن والكف )على فاعلاتن=232 الممثلة على الشكل (أ) بالخطين الواصلين بين المحاور (2،3،4)، (7،8،9) والخطان السميكان ذاتهما على الشكل (ب) يمثلان فَعِلاتُ=131بعد الزحاف وبإمكانك أن ترى أن الشكل (ب) يمثل في الوقت ذاته ما تقدم من ازدواجي قبض فعولن ومفاعيلن في الطويل وخبن مستفعلن وفاعلن في البسيط ، ويتمثل أثر الزحاف في المساحة الواقعة بين الخط المتقطع المطابق لوضع ما قبل الزحاف والخط السميك المطابق للوضع بعد الزحاف ، وفي هذا ترجيح لما ذهب إليه د.أنيس على ما ذهب إليه محمد العياشي في الفقرة السابقة. ونظرا لأن شكل المضلع يعطي تمثيلا بيانيا للتفاعيل وأثر الزحاف عليها والعلاقة فيما بينها وبين زحافاتها جامعا في ذلك بين فائدتي الدائرة والجدول فسأعتمد عليه في الدوائر التالية مع تسميته بالدائرة تجوزا وتماشيا مع الدارج ودوران المقاطع بأرقامها عليه.أما في الشكل (ج) فترى أثر طي مستفعلن الأولى(322ß312) في البسيط المعادل حسب الدائرة لكف مفاعيلن الأولى في الطويل

 



1 عندما يرد رقم المحور في هذا الملحق فالمقصود به الرقم حسب الدائرة  ما لم ينص على أن المقصود هو الرقم حسب ساعة البحور الوارد في العمود الأول بغرض المقارنة بين الدوائر.

2 في كتابه نظرية إيقاع الشعر العربي وليس لدي الآن.

Hosted by www.Geocities.ws

1