أثناء مطالعتي لعدد من الشعراء لاحظت الكثير مما تفيد دراسته والإشارة إليه ارتقاء بالشعر، وهذه الملاحظات تكاد تكون مقصورة على الوزن وقد تتعداه إلى النحو أحيانا. وهذا لا يعتبر قدحا في قدرات أي منهم ولا ينقص من الصورة أو التعبير أو اللغة أو المضمون الشعري لدى أي منهم. ولهذه المواضيع أربابها ممن يتناولونها.

 

الشاعر والأخ مجدي الخاشقجي من أرقى الشعراء موهبة وأدمثهم خلقا وأشدهم تواضعا وهو إلى ذلك من أقرب الإخوان إلى نفسي. ويشاركه هذه الصفات بعض الإخوان.

قلت أبدأ بشعر هذا النفر ممن يدركون مقامهم عندي وأدرك حسن تقديرهم وسعة صدورهم، ثم أعرج على سواهم لكي لا يظن أحد أنني أقصده بسوء. يشجعني في ذلك أن الشعر إذا نشر صار ملكا للجمهور. وصار نقده أداة بناءة ترتقي به وخاصة لدى الناشئين من الشعراء.

وسيرى القارئ توسعا في بعض النقاط إتماما للفائدة

سبق لأخي الكريم مجدي أن أهداني مشكورا ديوانه شتات الشتات وأثناء مطالعتي له خرجت بالملاحظات التالية التي تقتصر على القصائد العمودية:

 

1-

قصيدة النفس (ص-15)

مطلعها :النفس ليس لها إلا لخالقها ... شكوى المحبّ فربُّ النفس آسيها

·       والظنّ بالخير نلقاه بدنْيَتِنا ........وحبّنا المصطفى للنفس ينْجيها

دنْيا هى الأصل فإذا أضيفت صارت دنيانا، ولا أعرف دنيَتنا في الفصيح.

يبدو لي أن المعنى الذي قصده الشاعر : أننا إن ظننا بالخير في دنيانا وجدناه، ولكن الصياغة لا تؤدي هذا المعنى، فالظن هنا مبتدأ وجملة (نلقاه بدنيتنا) نعت للخير لا للظن، ولا خبر في هذه الجملة، ولسائل أن يقول : ماذا عن هذا الظن الذي يعجل الخير؟ ولو قال: والظنّ بالخير نلقاه بدنْيَتِنا أمرٌ حكيم لاكتمل المعنى ولكانت أمر هي الخبر، ولو قال:(وظننا الخيرَ في الدنيا يعجّله) لكانت جملة يعجله خبرا للمبتدأ (ظننا) ولكان الضمير المستتر في يعجله عائدا للظن والضمير الموصول عائدا للخير ولكانت الجملة هنا في محل رفع خير (ظننا)، ولاستقامت الجملة كما استقامت في العجز.

·       وإنني بذنوبي جدّ معترفٌ (معترفٍ)...........فاشفع وربّي كفيلٌ أن يواريها

2-

القصيدة : الجريح (ص – 43)

إن للعشق والهوى خطراتٌ .........ومعانٍ يحار فيها الوضوحُ

الصواب (خطراتٍ) ولكن الإشكال هنا في (معانٍ) فهي بعطفها على منصوب يجب أن تكون منصوبة.

ويصلح الأمر بالقول: إن للعشق والهوى خطراتٍ ........لِمعانٍ (أو للمعاني) يحار فيها اللبيبُ

نقول جاء قاضٍ وذهبت إلى قاضٍ

3

القصيدة (قادرْ)

قد خطتَ في لجج الهوى ....وأخذت غصبا قلبَ شاعرْ =4 3 ((4)3....((4)3 4 3 2

أأحدث الرمان عن خديْـكَ وهُو (وهْوَ) بغير خدّك لم يناظر=((4)3 4 3 4 3 ((4)3 ((4) 3 2

الأصل أن القصيدة من مجزوء الكامل +2 (المرفل) ترد في البيت منه 4 3 أربع مرات وتكرر ورودها خمس مرات في عدة أبيات.

4

القصيدة: يا شاعر (ص – 51)

يا شاعرٌ (شاعراً) في الحب نهبُ أماني

(الياء هنا ضمير) وإن كان المقصود هو الأماني فتكتب (أمانِ) وتلفظ أمان (ي)

5

القصيدة : أشرقي (ص – 59)

وأقلّي الهجران وادنِ (وادني) فإني .......كلما خضت في الهوى ازددت جهلا

أقلّي ، أكثري، ادني، اعفي للمؤنث، أقلَّ ، أكثرْ، أُدنُ ، إعفِ للمذكر.

ولا أدري أنقول إدنِي، أم أُدنِي (للأمر أنتِ أُدني –فعلا لازما) ، لعلها أُدنِي  تتحول تيسيرا للنطق إلى إِدني ، وهي قياسا (أُدنُوي على وزن افعلي ثم استحالت ادني)

لكننا نقول ( أنا أدني فلانا ) وهي هنا فعل مضارع متعد على وزن أُفْعِلْ مثل أُكرِمُ

6

القصيدة الوعد (ص- 63)

·       أموعدتي والناس حولي شواهدُ .......بربّك ما فعلت بك الأوهامُ

الصدر وزنه = 3 1 3 4 3 2 3 3 من الطويل

العجز = 3 1 3 1 3 3 2 2 2 = 3 1 3 ((4) 3 ((4) 2.

أما العجز – وتكرر ذلك في القصيدة)  فقد حوى فاصلتين والموضوع مبحوث تفصيلا في الفاصلة،  وفي الفاصلة الثانية نظر إلى استساغتي (في الموزون) تحوير قول الشاعر ليصبح  :

أقيموا بني النعمان عنا صدوركم .......وإلا تقيموا صاغرين الرّوسا ( أو رؤوسا شعراً، والنص الرؤوسا)، ولعل شواهد جمع شاهدة، أما جمع شاهد فشهود

·       العين أنّى شاهدتك لم تزلْ.......دهرا ولو أن الأنامَ نيام

4 3 4 3 3 3 ........4 3 4 3 ((4) 2

هنا البيت من الكامل مع ثقل في الصدر لورود 3 3 في العروض والصدر خارج الطويل على كل حال. حتى لو اعتبرناه مخروما أي تنقصه حركة أوله وينقصه المتحركان الملونان ليكون من الطويل

1 2 2 3 4 3 1 3 3 = وعيني إذا ما أبصرتك فإنها (وذلك بغض النظر عن العجز)

كم ينشأ من اضطراب الأمر في الفاصلة من تداخل في البحور، وهنا نرى القصيدة تتراوح بين الطويل في أولها والكامل الجلي في آخرها واضطراب بينهما في كثير من ابياتها.

وهذه الأبيات من الكامل بلا شك

والبدر يؤنسني إذا اشتد الجوى....فيهلّ دمعي والدموع كلامُ

4 3 ((4) 3 4 3………...((4) 3 4 3 ((4) 3

وأقول بيتا واحداً من عاشقٍ .......فيه الوعود تبثّها الأنسام

((4) 3 4 3 4 3 ...........4 3 ((4)3 4 2

لا شيءَ دون الموتِ لي بمفرّقٍ ...ما دون شهر الصومِ عنكِ صيامُ4

4 3 4 3 ((4)3 .................4 3 4 3 ((4) 2

 

 

7

القصيدة : المزاد (ص 83)

هذه القصيدة من الخفيف وويح كثيرين من الخفيف

·       أين من نذروا العمر للعبادةِ........والتفّوا من كلّ صوبٍ سويّا

2 3 1 3 2 3 3 1 1..........2 2 2 2 2 3 2 3 2

الصدر وزنه 2 3 11 – 4 3 – 3 1 1 وهو بهذه التفاعيل ليس من الخفيف ولا ينتهي شطر الخفيف بمتحرك

والعجز أوله 222 بدل 2 3 2 ولا أراه يجوز

ويصلح البيت بالقول:

·       أين من مارسوا الحياةَ سجوداً ....والْتقَوا من كلّ صوبٍ سويا.

ولوا الشدة على فاء (التفّوا )لظننته خطأ مطبعيا.

·       أين من عطّلوا النجوم وجعلوا....من عيون الحبيب نورا عليا

الصدر = 2 3 2 3 3 111 3 ، هنا تتوالى خمسة متحركات ( النجومَ وجعلوا) مَ وَ جَ عَ لُ وهذا يخرج الكلام من الشعر، والتعديل بسيط ولكنني أحببت أن أعرض تفكيري على شكل جدول للفائدة

 

2

3

2

3

3

2 أو 1

3

2

العجز

منْ

عيو

نِلْ

حبي

بِنو

رَنْ

علِيْ

يا

الصدر

أيْ

نَمنْ

عطْ

طَلُنْ

نُجو

مَ

وَ جَ عَ

لو

وزن الصدر الحالي

2

3

2

3

3

1

1 1 1

2

نعدل لضبط الوزن

2

3

2

3

3

1

1 1 ه

2

النص المعدل

أيْ

نَمنْ

عطْ

طَلُنْ

نُجو

مَ

وَ جَ عْ

لو

بديل لِـ( وجعْلوا)

 

وَ صا

غو

النص الجديد

أين من عطّلوا النجوم وصاغوا

 

·       إنما أنا عاشق الروح فسلني..... ترى الجواب لديا

2 3 1 3 3 2 1 3 2 .....2 3 2 3 3 1 3 2

في الصدر زيادة وفي العجز نقص

ويصلح بالقول: إنما أنا عاشقٌ إن تسلني .....عن غرامي ترَ الجواب لديّا

·       دمنةً صرتَ يريقون عليكَ ........ ماء الحياةِ بعد ماء المحيّا

2 3 2 1 3 2 1 3 1......4 3 3 3 2 3 2

الصدرمن الرمل ولا يجوز أن ينتهي بمتحرك.

أما العجز فليس من الخفيف وهو يوافق وزن المسحوب في النبطي أو السريع+2

ويصلح بالقول:

دمنةً صرتَ كم أراقوا عليها ........ من مياه الحياةِ بعد المحيّا

·       معبد الحسن أنزلوك مزاداً ........وسيشريك من يزيد عليّا

شرى بمعنى باع، شراني بضاعتَهُ فاشتريتها، ومنها الشّراهُ اشترى الله منهم أنفسهم بأن لهم الجنة فشروها أي باعوها، ولا أظن ضرورة الشعر تسمح بهذا الاستعمال في غير معنى الكلمة

8

القصيدة: قالوا قديما-1(ص -111)

لا عقلَ يبلغه لاحدّ يحكمُه......فيه التجافـيَ والهجرانُ مغتفرُ

إن جاز عدم إظهار فتحة الياء في حال نصب (التجافي) لضرورة الشعر فليس بجائز نصب هذه الكلمة للضرورة الشعرية وهي في غير محل نصب. ويسع الشاعر القول: فيه التجافي كما الهجرانُ مغتفر.

9-

القصيدة: قالوا قديما-2 (ص – 113)

وقالوا قم تسلّى عن هواه.....وكان جوابَ أمرهم امتثالي

وهنا أيضا لا أرى الضرورة تجيز جعل تسلَّ تسلّى لا سيّما وأن في التعبير متّسعا كالقول

وقالوا قم تسلّ وذرْ هواه، أو وقالوا لي ألا تنسى هواهُ، ولعل جعل الصدر فكان جواب أمرهم أبلغ من وكان

10

القصيدة: قالوا قديما -3 (ص – 115)

فقد كنت تلهو بالقلوب كثيرةٍ ........فما بال قلبٍ أنت منه كسيرُ

جر كثيرة على أنها نعت القلوب لا يصح فهي ليست بنعت للقلوب لأن النعت يبتبع المنعوت في التعريف والتنكير، وهي هنال حال، وربما لو كانت كسيرة لكنت حاليّتها أوضح في المعنى، وعلى كلٍّ النص الصحيح يقتضي القول : (بالقلوبِ كثيرةً) وكان يسع الشاعر أن يصف القلوب بالكثرة كما يقتضي قصده بالقول:

بكم من قلوبٍ قد لهوتَ ولم تزلْ

10

قالوا قديما – 4 (ص – 117)

فاحكم بما قد شئتَ لن .......تلقى سوى شكرا وحمدا

ما بعد سوى يكون مجرورا فسوى وغير من أسماء الإشارة وما بعد كل منهما يعتبر مضافاً إليه، ولكني أرى وجها يسوغ ما ذكره الشاعر باعتبار (شكرا جمله المصدر القائم مقام الفعل فيها محذوف تقديره (قولي) ويحسن هنا أن يبين الشاعر ذلك بكتابة العجز هكذا :  تلقى سوى ( شكرا وحمدا )

11

يوم الشرطة العربية (ص – 120)

·       رجال الأمن للحفل استعدّوا ............فهذا اليومُ لمّ الشملَ عقدُ

لو قال الشاعر : رجال الأمن للحفل استعدّوا ............فهذا اليومُ لمّ الشملَ فاغدوا

لكان رفع كلمة اليوم صحيحا باعتبار اليوم فاعلا، أما وأن ( عقدُ) هي الفاعل المرفوع فلا أرى (هذا اليوم) سوى ظرف وأرجح القول (فهذا اليومَ) وإتباع (هذا ) لظرفية اليوم أمر ظني لدي، مع تيقني من صحة النصين التاليين:

بهذا اليومِ لمّ الشمل عقدُ

فهذا يومُ لمّ الشملَ عقدُ

·       وعشتَ لطيبةَ الغراءَ راعٍ .........فمجد العرْب منك إليك مجدُ

غرّاء ممنوعة من الصرف ولكن إذا عُرِّفت جُرّت بالكسرة بإتباعها حكم طيبة إعرابا ،وراعٍ هنا حال وصحتها راعياً ولا أرى ضرورة الشعر تجيز رفع الحال.

وبمكن القول: وترعى طيبةَ الغراءَ تبقى

وإن طلبَ المعونةَ أيُّ شاكٍ ...........يلاقي ألْفَ ألْفَ يسدّ ثغرا

العجز الأصل فيه أن يقال لو كان نثرا : (ألفَ ألفٍ) أو ( ألفاً ألفا) في الأولى بمعنى مليون وفي الثانية تكون ألف الثانية تأكيدا للأولى. وهنا ربما جاز للشاعر منع (ألفَ ) الثانية من الصرف للضرورة، ولكن إن أمكن تجاوز ذلك فأفضل، ولعل ذلك يكون بالقول:

يلاقي ألْفَ ألْفٍ سدّ ثغرا

 

ألاحظ أن بحور التفعيلة الواحدة كالكامل والوافر والمتقارب خلت من الأخطاء العروضية.

وعادة ما يبدأ الالتباس لدى الشعراء في بحور التفعيلتين مثل البسيط والطويل وأوله إحلال ((4)=31  فيهما محل 4=22 ومن ثمّ تختلط الأمور، والخفيف أكثر البحور مظنة للمطبات العروضية.

 

إن كنتُ أنير الطريقَ لأخي مجدي في العروض فإنه إمامي في كريم الخلق والتواضع والموضوعية ولو كان الجميع بإخلاصه لهذه اللغة وإيثارهم إياها لكانت أحسن حالا.

 

الفهرس

Hosted by www.Geocities.ws

1