سألني غير سائل عن سبب تسمية البحور بأسمائها وعن ملاءمة بعض البحور لبعض المعاني والمناسبات. هذه

إجابة ليس لي فيها سوى تجميع مادتها.

 

 

البحور

1- بعض ما جاء في كتاب الكافي للخطيب التبريز

2- (العروض، تهذيبه وإعادة تدوينه) للشيخ جلال الحنفي

3-علم العروض التطبيقي –د. نايف معروف و د. عمر الأسعد

المتقارَِب

1

سمي متقاربا لتقارب أوتاده بعضها من بعض لأنه يصل بين كل وتدين سبب واحد فتتقارب الأوتاد، فسمي لذلك متقارِبا

2

ويُلفظ المتارب بكسر الراء وفتحها والكسر هو الأشهر في المصطلح العروضي الشائع

 

3

..........ويصلح المتقارب للموضوعات التي تتسم بالشدة والقوة أكثر من صلاحه لواطن الرفق واللين. وقد نظم الشاعر  الفردوسي شاهنامته الشهيرة المؤلفة من ستين ألف بيت على هذا البحر

المتدارَِك

2

يلفظ بكسر الراء وفتحها، وهو من جملة البحور التي ألمّ بها الخليل بن أحمد ولم تخْفَ عليه، وقد يكون الأخفش قد يكون أضاف إلى هذا البحر أوزانا وقف عليها، فظُنّ أن الأخفش هو الذي تدارك أصل الوزن على الخليل.

وفي الهامش:" كثرت الأسامي التي أطلقت على هذا البحر كثرة ملحوظة فمن ذلك: الغريب والشقيق والخبب والمُحْدَثُ والمتقاطر والمتداني والمتّسق. والحقيقة في أمر المتدارك أنه من غرائب البحور ويبدوأن الخليل سئم منه فترك حبله على غاربه ولذا بات أمشاجا وأنماطا لا يجمعها إطار واحد (ص_275).

 

3

.........وأكثر ما يستخدم هذا البحر إيراد نكتة أو زحف جيش. علما أنه من البحور القليلة الاستعمال في الشعر قديمه وحديثه.

الطويل

1

سمي طويلا لمعنيين، أحدهما أنه أطول الشعر، لأنه ليس في الشعر ما يبلغ عدد حروفه ثمانيةً وأربعين حرفا غيره، والثاني أن الطويل يقع في أوائل أبياته الأوتاد، والأسباب بعد ذلك، والوتد أطول من السبب، فسمي لذلك طويلا.

2

ذكروا في تسميته بالطويل تعليلات غير مقنعة وفي "تبسيط العروض" للدكتور نور الدين صمّود ما نصّه:"ويقال إن العرب كانت تسمي الطويل بالرّكوب لكثرة ما كانوا يركبونه في أشعارهم"

3

سمي هذا البحر طويلا لأنه أتمّ البحور استعمالا. وم خصائصه أنه يبقى على تمامه، فلا يأتي مجزوءاً ولا مشطورا ولا منهوكا.

أهم أغراضه الحماسة والفخر والقصص، مما جعل الشعراء الجاهليين يلجؤون إليه لواية قصص حياتهم وبواديهم، كما نجد في مطولات امرئ القيس وطرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى وغيرهم.

المديد

1

سمي مديدا لأن الأسباب امتدت في أجزائه السباعيّة فصار أحدهما في أول الجزء والآخر في آخره، فلما امتدت الأسباب في أجزائه سمّي مديدا

2

بحر هادئ رهْوٌ ذو رزانة ظاهرة وبذاك أصبح أكثر احتشاما من المننسرح ومن الغريب أن غير واحد من العروضيين كرهه دون ما يدعو إلى الكره، على أن كل ما نظم على وزنه أو جلّه عرفت فيه الجزالة والأناقة وجود العبارة وقلّما يُرى في المديد ما هو ركيك ممجوج أو مكسور أو ضحل الماء.

3

سمي هذا البحر مديدا لامتداد سببين خفيفين في كل تفعيلة من تفاعيله السباعية، وقيل لامتداد الوتد المجموع في وسط أجزائه. وهذا البحر قليل الاستعمال قيساسا مع البحور الشائعة الأخرى. وهو من البحور التي تصلح للغناء والأناشيد.

البسيط

1

سمي بسيطا لأن الأسباب انبسطت في أجزائه السباعية فحصل في أول كل جزء من أجزائه السباعية سببان، فسمي لذلك بسيطا. وقيل سمي بسيطا لانبساط الحركات في عروضه وضربه.

2

من بحور الشعر التي أولع الشعراء بركوبها منذ الجاهلية وذلك لاتساع أفقه وامتداد رقعته وجمال إيقاعه.

3

سمي هذا البحر بسيطا لانبساط أسبابه وتواليها في أوائل أجزائه السباعية. وهو أكثر رقة من الطويل، ولذلك كثر في شعر المولّدين في حين لم يلتفت إليه كثيرا شعراء الشعر الجاهلي.

الرجز

1

سمي رجزا لأنه يقع فيه ما يكون على ثلاثة أجزاء وأصله مأخوذ من البعير إذا شدت إحدى يديه فبقي على ثلاث قوائم وأجود منه أن يقال ناقة رجزاء، إذا ارتعشت عند قيامها لضعف يلحقها أو داء، فلما كان هذا الوزن فيه اضطراب سمي رجزا تشبيها بذلك..

2

الرجز نمط من الشعر يتمثل فيه النقيضان السرعة والبطء. لذا استعمل في مواطن مختلفة القصد والغاية، وقد جعلته هذه الخصيصة مركبا مطواعا لمن ركبه من الشعراء والرّجّازين.

وهو في الأصل ذو تفعيلة واحدة متكررة تتلاءم وتتوافق مع التصفيق باليد أو النقر بالعصا أو ركل لأرض بالأقدام، أو ترقيص الأطفال ونحو ذلك.وبذلك أمكن التحكم بالنوق والإبل في تحديد سيرها ، إن أريد له أن يكون بطيئا أو يكون سريعا.

وقد ساعد ذلك على تركيز المعاني في الأسماع عند الاستنفار وتجميع الأنصار، والتعبير به عن حالات الفرح والحزن، ففي كل حالة من هذه الحالات يكون للرجز مذاق خاص مقبول، فهو في البطء ذو لذعات وحوافز عظيمة التأثير على النفوس، وفي التعجيل والتدفق يصلح الرجز للتعبير عن انفعالات النفس واهتزازات الجسم المهتاج المنفعل، لذا استعمله المحاربون خاصة.........ومن الرجز ما يحصى بالأشطر وليس بالأبيات

لقد كان الرجز أول مسالك الكلام إلى القصيدة، ويمكن عده أصل الأنواع العروضية فقد وجدت له جذورا في معظم الأوزان الشعرية كالهزج والبسيط والتدارك وغيرها

3

سمي هذا البحر رجزا لتقارب أجزائه وقلة حروفه أو لاضطرابه، وإنما كان مضطربا لأنه يجوز حذف حرفين من كل جزء منه. والعرب تسمي الناقة التي يرتجز فخذاها رجزاء. والرجز وزن سهل على السمع، قريب من النفس، كان العرب يترنمون به  في أعمالهم ويحدون لبه الإبل . كما أنه من أكثر البحور الشعرية اقترابا من النثر، لذلك فهو يعرف بحمار الشعر لكثرة ما يتحمل من تحويرات وتغييرات.

وقد كثر النطم بهذاالبحر في أواخر عهد بني أمية وأوائل عصر بني العباس. ويعرف ما ينظم به بالأرجوزة. وأكثر ما يستعمل في الشعر الحماسي الارتجالي الذي كان ينظم عادة في ساحات القتال. ولا يعد أبو العلاء المعري الرجز من الشعر ، وهو القائل في لزومياته:

قصّرت أن تدرك العلياء في شرف ............إنّ القصائد لم يُلحق بها الرجز

وكذلك:

ومن لم ينل في القول رتبة شاعرٍ...............تقنّع في نظم برتبة راجز

الرَّمَل

1

سمّي رَمَلا لأن الرَّمَل نوع من الغناء يخرج من هذا الوزن فيسمى بذلك، وقيل سمي رمَلا لدخول الأوتاد بين الأسباب، وانتظامه كرمَل الحصير الذي نسج، يقال رمَلَ الحصيرَ إذا نسجه.

2

سمي باسم نوع من أنواع الغناء الجاهلي، وهو بحر يمكن عده من فصيلة الرجز لانسيابه على اللسان والارتجاز به في المعارك وغيرها. وأحسبه مما كانوا يحدون به الإبل في السير،  وتصبيرا لها على الرحلات الطويلة الأمد.

3

سمي الرمل رمَلاً لسرعة النطق به، وذلك لتتابع تفعيلته فيه. والرمل لغة – الإسراع في المشي. وأكثر ما يجود الرمل في التعبير عنه حالات : الفرح ، والحزن والزهد.

الهزَج

1

سمي هزجا لتردد الصوت فيه، والتهزّج تردد الصوت، يقال هذا يهزَج في نفسي، فلما كان الصوت يتردد في هذا النوع من الشعر سمّي هزجا. أو نقول لما كان التهزّج تردد الصوت وكان كل جزء منه يتردد في آخره سببان سمّي هزجا

2

هذا البحر غنائي الجرس والأداء، وقد جاءت تسميته من كون هذا الإسم يعني لونا من ألوان أغانيهم وأنشادهم في الجاهلية

3

سمي هذا البحر هزجا لأن العرب كانت تهزج به أي تغني.

السّريع

1

سمي سريعا لسرعته في الذوق والتقطيع، لأنه يحصل في كل ثلاثة أجزاء منه ما هو على لفظ سبعة أسباب لأن الوتد المفروق أول لفظه سببٌ والسبب أسرع في لفظه من الوتد، فلهذا المعنى سمّي سريعا

2

يعد هذا البحر نمطا من أنماط الرجز، ولكنه لذيوع تسميته واستقلاله في شخصيته أبقيناه على ما هو عليه في مجموعة البحور الشعرية، وقسمناه إلى أقسام تختص به0 ويغلب على الظن أنه كان يسمى الرجز السريع ثم عد بحرا مستقلا باسم السريع.

3

سمي هذا البحر سريعا لسرعة النطق به ، وذلك لأن في كل ثلاث تفاعيل منه سبعة أسباب، والأسباب كما هو معلوم أسرع من الأوتاد في النطق بها وفي تقطيعها.

ويجود السريع في الوصف وتصوير الانفعالات الإنسانية، ويلاحظ أن الشعراء الجاهليين لم يستخدموه إلا نادرا.

المُنْسَرِح

1

سمي منسرحا لانسراحه مما يلزم أضرابَه وأجناسه، وذلك أن مستفعلن متى وقعت ضربا فلا مانع يمنع من مجيئها على أصلها، ومتى وقعت مستفعلن في ضربه لم تجئ على أصلها لكنّها جاءت مطوية، فلانسراحه مما يكون في أشكاله سمّي منسرحا

2

من البحور التي تمتاز بعض أوزانها بأناقة التميز ورصانته، وهو في بعض صوره يبدو مشدودا إلى النثر شيئا من الشد، مما يفهم منه أنه من أسبق البحور ظهورا إلى المجالات الشعرية، وأقدمها في مضمار التطور. والمظنون لدينا أن المنسرح منبثق من الكامل أطلق عليه لقب "الكامل المنسرح " ثم انفرد معروفا بلقبه الذي صار اسما له فقيل المنسرح

2 2 3 1 3 3 1 3 3 = الكامل

2 2 3 2 3 3 1 3 3 = المنسرح

الخفيف

1

سمي خفيفا لأن الوتد المفروق فيه اتصلت حركته الأخيرة بحركات الأسباب فخفت، وقيل سمّي خفيفا لخفته في الذوق والتقطيع، لأنه يتوالى فيه لفظ ثلاثة أسباب، والأسباب أخف من الأوتاد

 

2

لم نقنع بعد بالأسباب التي أدت إلى تسميته هذه التسمية والأسباب التي عللت بها تسميات بعض البحور الشعرية عمومية تنطبق على أكثر من بحر.........والذي يميل إليه الحس أن الخفيف من بعض مشتقات المنسرح فلعله قيل فيه المنسرح الخفيف – كما قيل المنسرح البسيط – ثم استقرت تسميته على الصفة التي وصف بها.

2 2 3 2 2 2 3 1 3 = المنسرح = 4 3 6 3 1 3

22 3 2 2 2 3 2 3 2= الخفيف = 2 3 6 3 2 3 2

المُضارِع

1

سمي مضارعا لأنه ضارع الهزج بتربيعه وتقديم أوتاده.

 

2

من بحور الشعر الرائقة المترفة التي قلما تُسلك وتُمخر، وقد يكون هذا هو السبب في أنّ أناسا من رجال الأدب والعروض أنكروا أن يكون المضارع من الشعر الذي عرفته العرب في جاهليتها

 

3

سمي هذا البحر مضارعا لمضارعته (مماثلته) البحر الخفيف. وذلك أن أحد جزئيه مجموع الوتد والآخر مفروق الوتد. وهو بحر قليل الاستعمال.

المُقْتَضَب

1

سمي مقتضبا لأن الاقتضاب في اللغة هو الاقتطاع ومنه سمي القضيب قضيبا، وليس في دائرة من الدوائر بحر يُفك من بحر فيحصل في البحر الثاني الأجزاء التي في البحر الأول بلفظها وعينها إلا في هذه الدائرة، فلما كان يقع في هذه الدائرة المنسرح وهو مستفعلن مفعولاتُ مستفعلن مرتين، وهذه الأجزاء بعينها على لفظها تقع في المقتضب، وإنما تختلف من جهة الترتيب فقط، فكأنه في المعنى قد اقتطع من المنسرح إذ طُرِح متفعلن من أوله ومستفعلن من آخره وبقي مفعولاتُ مستفعلن فسمي لذلك مقتضبا.

2

نقل عن كل من الخطيب التبريزي والدكتور صفاء الخلوصي أنه سمي المقتضب لأنه اقتضب من المنسرح.

المنسرح هو كل الوزن والمقتضب الملون = 4 3 6 3 1 3

 

3

...............والمقتضب من الأبحر النادرة الاستعمال.

المجتث

1

سمي مجتثا لأن الاجتثاث في اللغة الاقتطاع كالاقتضاب، ويقع في هذه الدائرة الخفيف وهو فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن، يقع المجتث وهو مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن، فلفظ أجزاءه يوافق لفظ أجزاء الخفيف بعينها وإنما يختلف من جهة الترتيب، فكأنه اجتث من الخفيف.

الخفيف هو كل الوزن والمجتث الملون = 2 3 2 4 3 2 3 2

2

أحد بحور الشعر الرباعية الرباعية وهو عندنا تام غير مجزوء وجوبا. ولا حاجة لتمحل أصل له سداسي يُزعم فيه التمام ، كالذي يدعيه العروضيون من قولهم إن المجتث مجزوء وجوبا وأن أصله:

مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن

الوافر

1

سمي الوافر وافرا لتوفّر حركاته لأن ليس في الأجزاء أكثر حركات من مفاعلَتن، وما يُفكّ منه وهو مُتَفاعلن. وقيل سمّي وافرا لوفور أجزائه.

2

من بحور الشعر الجميلة ذات الإيقاع الغنائي الذي ينساب في الأسماع ويأتلف والأذواق. أصل اسمه" الهزج الوافر" إذن أن الهزج بعد تطوره نشأ منه بحر مستقل هو بحر الوافر.

3

سمي هذا البحر وافرا لوفور حركاته لأنه ليس في أجزاء البحور المختلفة حركات أكثر مما في أجزائه. وهو من أكثر البحور مرونة واستعمالا، حيث يشتد ويرقّ كما يحلو للشاعر، وأجود ما يكون في الفخر والرثاء.

الكامل

1

سمي كاملا لتكامل حركاته وهي ثلاثون حركة، ليس في الشعر شيء له ثلاثون حركة غيره. والحركات وإن كانت في أصل الوافر مثل ما هي في الكامل فإن في الكامل زيادة ليست في الوافر ، وذلك أنه توفرت حركاته ولم يجئ على أصله، والكامل توفرت حركاته وجاء على أصله، فهو أكمل من الوافر فسمّي بذلك كاملا.

3

سمي هذا البحر كاملا لأنه كملت أجزاؤه وحركاته. وهو أكثر البحور حركات، فالبيت فيه يشتمل على ثلاثين حركة . ويصلح الكامل لجميع أغراض الشعر، ولهذا فقد كثر استعماله عند القدامى والمحدثين.

 

وتحت عنوان العاطفة والوزن يقول الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه موسيقى الشعر (ص 175):

(والأزرق تعليق مني)

" يربط الغربيون في بحثهم وزن الشعر، بينه وبين نبض القلب الذي يقدره الأطباء في الإنسان السليم بعدد 76 مرة في الدقيقة  ويرون صلة وثيقة بين نبض القلب وما يقوم به الجهاز الصوتي، وقدرته على النطق بعدد من المقاطع. ويقدرون أن الإنسان في الأحوال العادية يستطيع النطق بثلاثة من الأصوات المقطعية كلما نبض قلبه نبضة واحدة. فإذن عرفنا أن بحرا كالطويل يشتمل على 28 صوتا مقطعيا - (وجاء في الههامش تعليقا على هذا أنظر الأصوات اللغوية ص 88 ولم أطلع عليه. ولعله يقصد بها عدد المقاطع من 1 و 2 في الوزن التالي: 1 2 2 1 2 2 2 1 2 2 1 2 2 2 فعددها = 14 في الشطر أو 28 في البيت) – أمكننا أن نتصور أن النطق ببيت من الطويل يتم خلال تسع نبضات من نبضات القلب.

على أن نبضات القلب تزيد كثيرا مع الانفعالات النفسية، تلك التي يتعرض لها الشاعر في أثناء نظمه فحالة الشاعر النفسية في الفرح غيرها في الحزن واليأس ونبضات قلبه حين يتملكه السرور سريعة يكثر عددها في الدقيقة ولكنها بطيئة حين يستولي عليه الهم والجزع ولا بد أن تتغير نغمة الإنشاد تبعا للحالة النفسية فهي عند الفرح والسرور سريعة متلهفة مرتفعة وهي في اليأس والحزن بطيئة حاسمة.

 كل هذا جعل الباحثين يعقدون الصلة بين عاطفة الشاعر وما تخيره من أوزان لشعره. والمرء وإن كان يستطيع في النفس الواحد أن ينطق بمقاطع كثيرة إلا أن قدرته في هذا محدودة يسيطر عليها ما هو فيه من حالة نفسية.

وهو حين يكون هادئا وادعا أقدر على النطق بمقاطعه الكثيرة دون أن يشوبها إبهام في لفظها وهو أقل قدرة على هذا حين يكون متلهفا سريع التنفس كما هو الحل في الإنفعالات .

ويجد المنشد مشقة وعنتا حين يحاول وصل بيتين من البحر الطويل في نفس واحد ولا يكاد ينتهي من البت الثاني حتى نسمعه ينطق بالألفاظ مع جهد كبير وقد تخللها بعض الإبهام ولم تتضح للسامع ويظهر أن اقصى ما يستطيعه المرء في الإنشاد دون مشقة وإجهاد ومع وضوح الألفاظ هو ذلك القدر من المقاطع الذي نجده في البحر الطويل أو البسيط فالمنشد يحتاج إلى إعادة التنفس بعد كل بيت من أبيات هذين البحرين إن لم يكن في وسط البيت الواحد. (يبدو لي أن المنشد يتوقف بعد كل شطر لأي بحر كان طويلا أو قصيرا وليجرب ذلك القارئ بنفسه ) ذلك هو السر في أن الأوزان الشعرية عند كل الأمم لا تزيد مقاطع البيت منها على قدر معين.وربما كان العرب القدماء من أطول الأمم نفسا في الشعر لكثرة نظمهم من بحر كالطويل أو البسيط وندرة المجزوءات في أشعارهم .

والشاعر حين ينشد شعره يستعيد تلك الحالة النفسية التي تملكته في أثناء النظم حتى يشركه السامع في كل أحاسيسه ويشعر بشعوره. أم نحن الآن حين ننشد شعر القدماء فيندر أن نضع أنفسنا في ذلك الوضع النفساني الذي كان عليه الشاعر القديم في أثناء نظمه ويؤدي هذا حتما إلى نقص التعبير أو التصوير في إنشادنا.  ولكن المنشد المجيد والممثل الماهر يستطيع أن يحل نفسه مكان الناظم وأن يشعر بشعوره ثم ينقل مثل هذا الشعور إلى سامعيه .

ونحن بعد هذا نسأل أنفسنا : هل كان الشاعر القديم يتخير لسعره من الأوزان كا يلائم عاطفته ؟ وهل جاء ت هذه الأوزان المختلفة تبعا لاختلاف الشعور عند الناظمين من القدماء ؟

قد يكون من العسير أن نجيب عن مثل هذه التساؤلات إجابة مقنعة وذلك لأنا لا نرى في مقاطع هذه الأوزان المتباينة ما يوحى بمثل هذا فهي كلها تخضع لروح عام في توالي المقاطع ولا يفرق بينها إلا كثرة المقاطع أو قلتها فمنها الكثير المقاطع ومنها المتوسط في عدد المقاطع ومنها القصير المجزوء .

فإذا نحن استعرضنا الموضوعات التي نظم فيها الشعر الجاهلي رأيناها لا تخرج عن : الفخر والحماسة والمدح بما  في ذلك الرثاء هو عندهم مدح الميت والغزل والوصف في بعض الأحيان .

ثم زاد في العصر الأموي كثرة النظم في الغزل و أصبح فنا مستقلا من فنون الشعر كما زاد النظم في الشئون السياسية.

ولما استقر الملك للعباسيين أكثر شعراؤهم مع الموضوعات السابقة من الشعر المجوني ووصف الخمر ومجالس اللهو العبث ووصف الرياض والأزهار أو المناظر الطبيعية .

فهل اتخد القدماء لكل موضوع من الموضوعات وزنا خاصا أو بحرا خاصا من بحور الشعر التي رويت لنا ؟

إن استعراض القصائد القديمة وموضوعاتها لا يكاد يشعرنا بمثل هذا التخير أو الربط بين موضوع الشعر ووزنه: فهم كانوا يمدحون ويفاخرون أو يتغزلون في كل بحور الشعر التي شاعت عندهم. ويكفي أن نذكر المعلقات التي قيلت كلها في موضوع واحد تقريبا ونذكر أنها نظمت من الطويل والبسيط والخفيف والوافر والكامل لنعرف أن القدماء لم يتخيروا وزنا خاصا لموضوع خاص. بل حتى ما سمّاه صاحب المفضليات بالمراثي جاءت من الكامل والطويل والبسيط والسريع والخفيف.

وقد يكون من المبالغة أن تصور أن اشتراك الشعراء في القافية لمجرد اشتراكهم في موضوع الشعر. فالحالة النفسية للخنساء حين كانت ترثي أخاها غير الحالة النفسية التي تملكت أصحاب المراثي من القدماء. شعور الشاعر إذن وإن توقف إلى حد ما على موضوع الشعر، يختلف باختلاف الشعراء واختلاف تأثرهم بعوامل أخرى لا يمكن حصرها.

على أننا نستطيع ونحن مطمئنون أن نقرر أن الشاعر في حالة اليأس والجزع يتخير عادة وزنا طويلا كثير المقاطع يصب فيه من أشجانه ما ينفس عنه حزنه وجزعه. فإذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع تأثر بالانفعال النفسي، وتطلب بحرا قصيرا يتلاءم وسرعو التنفس وازدياد النبضات القلبية. ومثل هذا الرثاء الذي قد ينظم ساعة الهلع. والفزع لا يكون عادة إلا في صورة مقطوعة قصيرة لا تكاد تزيد أبياتها على عشرة. أما تلك المراثي الطويلة فأغلب الظن أنها نظمت بعد أن هدأت ثورة الفزع، واستكانت النفوس باليأس والهم المستمر.

هذا قدر من كلام الدكتور إبراهيم أنيس رأيته ذا علاقة بالموضوع وإن أتيح لي أن أكمل نقل الفصل كله فعلت بإذن الله.

ويخطر لي هنا أن مؤشر م/ع

http://www.geocities.com/khashan_kh/43-numericalindex.html

 في أي بحر كان قد يكون له علاقة بالموقف المراد التعبير عنه. وطبعي أن يكون الشعر ساعة الانفعال ذا مؤشر أكثر تعبيرا عن الموقف. على أنني أجد أنه حتى في الأشعار التي يكتبها الشاعر في مدة طويلة فإن للمعنى علاقة بتقرير المؤشر، ذلك أن من عبقرية هذه اللغة أن الصيغ – وخاصة الفعلية- المقترنة بمواقف تتطلب قوة تعبير تأتي مجزومة كفعل وجواب الشرط وفعل الأمر. إضافة إلى ما لسليقة الشاعر من تخير للألفاظ الأخرى من غير الأفعال من تعبير عن الموقف. خذ مثلا قول امرئ القيس في وصف حصانه:

مكر مفر مقبل مدبر معاً ..... كجلمود صخرٍ حطّه السيل من علِ

حيث م/ع = 8

وخذ قوله في وصف فاطمته

وجيدٍ كجيد الريمِ ليس بفاحشٍ .........إذت هي نصّته ولا بمطّلِ

حيث م/ع = 0.67

الفهرس

Hosted by www.Geocities.ws

1