العراق يواجه مخالب وأنياب وحوش النفط!

بقلم: نصر شمالي

مثلما تندفع الضواري الجائعة لقتل الفريسة والتهامها يندفع الأميركيون نحو العراق، وخلفهم بالتسلسل مختلف الوحوش من الضباع وأبناء آوى ينتظرون حصصهم من البقايا! إن الفريسة هنا هي نفط العراق الذي لا يمكن الوصول إليه من دون سحق الشعب العراقي، والنفط مادة نبيلة لا حصر لأهميتها وفوائدها، وليس الاحتراق سوى أسوأ استعمالاتها، وقد بدأت هذه المادة بالنضوب مهدّدة بذلك مجمل نظم الحياة العالمية، حيث من سوء حظ البشرية أنها وقعت في أيدي الأبالسة اللصوص الذين بدّدوها ودمّروها من أجل ملء خزائنهم بالأموال، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة التي يشكل سكانها 2% من سكان العالم تستهلك لوحدها 30% من النفط العالمي المنتج! إن التبذير والبذخ والهدر والإتلاف الأميركي لا مثيل له في التاريخ، ويستأئر الأميركيون لوحدهم بحوالي 25% من مجمل المنتوج والاستهلاك العالمي الإجمالي، وأمام الكارثة الماثلة التي تواجه العالم أجمع، المتمثلة بنقصان الموارد عموماً وخاصة النفطية، يتساءل رايموند كبير المديرين التنفيذيين في شركة إكسون موبيل الأميركية النفطية: هل تريدون أن نتخلى عن نمط حياتنا؟ إذا أجريتم استطلاعاً للرأي فإن الأغلبية الأميركية الساحقة سوف تقول: لا!، وهذا التصريح الوحشي الذي نشرته مجلة نيوزويك يعني أن حكام الولايات المتحدة وحلفاءهم لن يتردّدوا في الاستئثار بكل شيء مما تبقى ولتذهب جميع أمم الأرض إلى الجحيم!

لترتفع التكلفة، ولترتفع الأسعار!

لقد بلغ سعر برميل النفط خمسة وخمسين دولاراً، وهو مقبل غالباً على مزيد من الارتفاع، وبينما تحاول الحكومة الأميركية، التي يقودها أصحاب شركات النفط، وضع يدها على الاحتياطي الأهم في البلاد العربية والإسلامية، يندفع رجال الشركات النفطية إلى خليج المكسيك وفنزويلا والبرازيل وبلدان غرب أفريقيا والقطب الشمالي لاكتشاف أي مستودع نفطي طبيعي جدير بالجهد، بل يندفعون أيضاً إلى المناطق المهملة من الولايات المتحدة بالذات، حيث يعيش أصحاب البلاد الأصليين في ألبرتا، والويل لهم مرة أخرى وأخرى إذا ما جاءت نتائج الاستطلاعات النفطية إيجابية!

يقول ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي:" نحن تحت رحمة أسعار النفط الدولية لأننا منعنا التنقيب والتطوير في أجزاء كبيرة من البلاد"! غير أن تشيني لا يقول الحقيقة، وهي أن المناطق المهملة، التي فيها أثر للنفط، استبعدت بسبب التكاليف الباهظة لإنتاج النفط فيها، وأن قرب استنفاد النفط الجيد والرخيص هو الذي يدفع للعودة إلى المناطق المهملة، ففي المحصلة ما الذي يزعج تشيني وأمثاله من النهابين إذا ما ارتفع سعر النفط طالما أنهم سيجنون الأرباح الفاحشة في جميع الأحوال؟ إن خبراء تشيني يقدّرون أن ما مجموعه ثلاثة مليارات برميل نفط يمكن استخراجها من القطب الشمالي بكلفة تصل إلى عشرين دولاراً للبرميل الواحد (كلفة برميل النفط الكويتي دولارين فقط!) فإذا كانت الأسعار ترتفع فماذا يضير الشركات أن ترتفع التكلفة!

العراق ميدان الحسم المرحلي!

يبلغ حجم الاحتياطي النفطي المستكشف في العراق أكثر من 100 مليار برميل، أما المقدّر فيبلغ أكثر من 300 مليار برميل، وفي حمىّ توقع ازدياد الطلب العالمي على النفط وارتفاع الأسعار أكثر فأكثر علّقت منظمة أوبيك بشكل غير رسمي قرار تحديد حصص الإنتاج لأعضائها، ومن المرجح أن يستمر التعليق حتى تنخفض الأسعار، وهو ما لن يحدث على الأغلب، وقد رفضت إيران سابقاً التخلي عن قيود الإنتاج لأن ذلك يساعد الأميركيين في حربهم ضدّ العراق، لكن استمرار ضعف الإنتاج في العراق، بسبب المقاومة الفعالة والمستمرة، يغري البعض بالاستفادة من ضرورة تعويض إنتاج العراق والاتصال بزبائنه، وهكذا اقترب إنتاج السعودية من عشرة ملايين برميل يومياً، لتصبح طاقة الإنتاج غير المستعملة المتبقية لديها في حدود 500 ألف برميل يومياً فقط! أما إيران فإنها تنتج حالياً حوالي أربعة ملايين برميل يومياً، وهناك من يفكر جدّياً وعلناً في استدراج الاستثمارات الأجنبية إلى حقول النفط الإيرانية من أجل زيادة الإنتاج، إنما بالشروط الإيرانية! وبينما الحال كذلك فإن مصادر أجنبية تقول أن ضخ النفط في العراق استؤنف عبر خط الأنابيب الشمالي، من كركوك إلى ميناء جيهان التركي، وأن هذا الاستئناف تحقق في منتصف ليل 20 آب/ أغسطس الماضي، وأن النفط العراقي يتدفق عبر هذا الأنبوب بمعدل 450 ألف برميل يومياً، علماً أن طاقته قبل الاحتلال كانت تبلغ 800 ألف برميل يومياً، أما في جنوب العراق فقد نقلت وكالة "فرانس بريس" للأنباء أن صادرات النفط لا تزال على مستواها الطبيعي الذي يبلغ 82 ألف برميل في الساعة (أي 1.992 مليون برميل يومياً؟) الأمر الذي يعني عودة الصادرات إلى مستواها الطبيعي بعد انخفاضها إلى النصف لمدة 13 يوماً، وذلك لأسباب أمنية! غير أن الأميركيين كانوا يتوقعون رفع الإنتاج العراقي بسرعة، بعد الاحتلال، إلى ثلاثة ملايين برميل، ثم إلى ستة أو سبعة ملايين برميل يومياً، وبالطبع فإن نجاح الاحتلال لا يعني شيئاً آخر سوى ضمان الاستيلاء على النفط العراقي تماماً وحتى النهاية، وتحقيق الزيادات في الإنتاج حسب ما كانوا يتوقعون، ولو استدعى الأمر تدمير العراق وهلاك شعبه!

آن للعرب أن ينهضوا!

ولكن، إذا كان نضوب النفط الجيد والرخيص في المدى الذي بات منظوراً يدفع الشركات إلى استخراج نفط غير جيد وباهظ التكلفة، حيث ارتفاع الأسعار لا يهم وحوش النفط، فإن هذا الارتفاع يشكل عبئاً ثقيلاً على مجتمعاتهم التي اعتادت نمط عيش معين يصعب تخليها عنه طواعية، فقد حذّر غريغوري مانكيو رئيس مجلس الاستشاريين الاقتصاديين للرئيس بوش من أن أسعار الطاقة المرتفعة تمثّل الآن عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الأميركي، كما أنها تضغط على ميزانية الأسرة الأميركية! ويحدث هذا في وقت يتوقع فيه الأميركيون نمواً في الاقتصاد العالمي خلال السنوات العشرين القادمة سيؤدي إلى رفع الطلب على النفط من حوالي 65 مليون برميلاً إلى 85 مليون برميلاً في اليوم، ثم إلى 330 مليون برميلاً في السنوات التي تلي ذلك! أما البدائل الشمسية والنووية فلا تبدو حتى الآن، ولا في المدى المنظور، لا اقتصادية استثمارياً ولا كافية استهلاكياً! ولذلك يندفع الأميركيون إلى رمال ألبرتا، حيث تتكلف شركة شل 15 دولاراً للحصول على برميل واحد من النفط غير الجيد، ويندفعون إلى منطقة الوحول الفنزويلية المشبعة بالنفط المكلف والمحدود وغير الجيد!

لقد آن للعرب خصوصاً والمسلمين والأمم الأخرى عموماً أن يعوا جيداً أهمية النفط وخطورته في آن معاً، فأهميته العالمية تقتضي الحفاظ عليه وضبط إنتاجه وأوجه استهلاكه، وخطورته تكمن في أن شعوب البلدان المنتجة عرضة للدمار والإبادة على أيدي الوحوش الذين يريدون الاستئثار التام به ريثما ينضب نهائياً، وإنه لمن الواضح أن الشعب العراقي ممثلاً بفصائله المقاومة يعي هاتين الحقيقتين، وأنه لن يمكّن الوحوش من تدمير وطنه ومن إلحاق كل هذا القدر من الضرر بأمم العالم عموماً.

www.snurl.com/375h

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1