تأجيل الانتخابات وشبح الاستبداد في واشنطن!

بقلم: نصر شمالي

منذ عام 1845 حدّد القانون الأميركي موعد إجراءات انتخاب الرئيس تحديداً صارماً: إنه أول يوم ثلاثاء من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر! أما الأسباب، كما يقال، فمنها أن هذا الشهر ملائم للمزارعين، ولا يتعارض مع مناسبات دينية ومواسم تجارية.. الخ، وسوف تأتي انتخابات العام الحالي، إذا ما جرت، في اليوم الثاني من الشهر المذكور! إن هذا اليوم المحدّد لانتخاب رئيس الولايات المتحدة يكاد يكون مقدساً عند الأميركيين من سلالات المستوطنين الروّاد خاصة، أي الأنكلوسكسون اللوثريين، ولم يحدث أبداً أن أجلت الانتخابات طوال تاريخ هذه الأمة الحديثة، حتى خلال الحرب الأهلية الرهيبة، التي حصدت حوالي نصف مليون من الأرواح ما بين العامين 1861 – 1865، فقد جرت حينئذ في موعدها الذي حدّده القانون بالضبط!

التأجيل بحجة العمليات الإرهابية!

لكن الأحوال الأميركية تغيّرت كما يبدو اليوم، حيث الإدارة الحالية تفكّر مبدئياً بتأجيل الانتخابات، أي بالتمديد للرئيس الحالي، متذرعة باحتمال وقوع أعمال إرهابية تعيق عمليات التصويت! وبسبب هذا التوجه، الذي يعتبره الأميركيون غاية في الخطورة، يسود جوّ من القلق أوساطاً واسعة لا يستهان بأهميتها الاجتماعية والسياسية، لكن هذه الأوساط تعبّر عن مخاوفها بحذر، وتكتفي بإشارات عامة مقتضبة إلى ما سوف يعنيه التأجيل من حدوث فراغ قانوني لا سابق له، غير أن الكثيرين يدركون أن الخطر الحقيقي الماثل هو احتمال زعزعة "الأسس الديمقراطية" التي ينهض عليها النظام، وأن تنفتح الأبواب على مصاريعها لتلك الدوائر الصناعية العسكرية الضيقة المتربصة، التي لم يعد خافياً أنها لن تتردّد في الاستئثار بالسلطة. وباختصار، فإن الأميركيين يرون اليوم شبح الاستبداد محوّماً في سماء واشنطن وعينه على البيت الأبيض!

الخطر الماثل والمماحكات القانونية!

لا يتضمن القانون الأميركي آلية واضحة يمكن اتباعها في حال تأجيل الانتخابات، وبالفعل تقوم السلطات الأميركية الحالية بدراسة الخيارات القانونية في ما لو لجأت الإدارة إلى التأجيل، وقد أرسل رئيس لجنة دعم الانتخابات (ديفورست سواريس) رسالة إلى وزير الشؤون الأمنية الداخلية (توم ريدج) يتساءل فيها عن الإجراءات التي سوف تتبع في حال حدوث التأجيل! وصرّح (وريان روركاس) الناطق باسم وزارة شؤون الأمن، أن وزارته حوّلت الرسالة إلى وزارة العدل باعتبارها الجهة المناسبة لدراسة هذه القضية القانونية. وطبقاً لنص رسالة لجنة سواريس التي نشرتها مجلة "نيوزويك" فإنه لا يوجد في الحكومة الفيدرالية هيئة تمتلك السلطة القانونية لإلغاء الانتخابات أو تأجيلها، بينما يحذّر ممثل وزارة الأمن (ريدج) من أن تنظيم القاعدة يخطط لشنّ هجوم واسع النطاق في الولايات المتحدة من أجل تعطيل "العملية الديمقراطية"، لكن (ريدج) يقرّ في الوقت ذاته أن الاستخبارات الأميركية لا تمتلك أية معلومات حول مخطط معين!

يقول جوناثان سيغيل، أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن، أن القانون الأميركي لا يسمح بتأجيل الانتخابات، وبالتالي يتعين وضع قانون جديد يصادق عليه الكونغرس ويسمح بالتأجيل خلال الفترة الواقعة بين الوقت الحالي وموعد الانتخابات! قال سيغيل:" لقد كنا دائماً، عبر تاريخ بلادنا، نتعامل مع يوم الانتخابات على أنه مقدس، وأنه لا يمكن لأي سبب أن يؤجل موعد الانتخابات، فإذا كان هناك أي قانون يسمح بالتأجيل فيجب أن يكون هناك شخص مكلف له الحق باتخاذ مثل هذا القرار، ومن المرجح أن يكون من أعضاء الحكومة الحالية، وبالطبع فإن ذلك سوف يوفرّ فرصة كبيرة لإساءة استعمال هذا الحق"! يضيف سيغيل:" إن هناك أسباباً عملية وإجرائية قوية لإجراء الانتخابات في موعدها بغض النظر عما يمكن أن يحدث"!

تقدمهم يشترط تخلفنا!

إن تاريخ الولايات المتحدة حافل بأخبار عمليات الاستبداد المحدودة، إنما القاسية والحاسمة إلى أبعد الحدود، سواء في الداخل أم في الخارج، فقد قمعت دائماً، منذ تأسيس الدولة، كل محاولة تظلمية يمكن أن تنال من امتيازات الأرستقراطية الحاكمة سرمدياً، والمتمثلة بالدرجة الأولى في الحزبين الرئيسيين اللذين هما في الواقع حزباً واحداً، أما اليوم فإن الخطر الماثل هو أن تتحول تلك العمليات الاستبدادية القمعية التي كانت محدودة إلى حالة شبه دائمة، وتعود إمكانية حدوث ذلك إلى تحوّل الولايات المتحدة منذ ثلاثة عقود تقريباً إلى دولة مستوردة بعد أن كانت مصدّرة دائماً، وإلى دولة مديونة بعد أن كانت دائنة دائماً، وهذا التحوّل جعل الاحتكارات الأميركية أعظم شراهة وأشدّ قسوة في تعاملها مع الأمم الأخرى، وبسبب تفاقم الأوضاع المعيشية لأمم العالم عموماً، وبسبب تعاظم نزعة المقاومة عند هذه الأمم التي باتت تدافع ضدّ الأميركيين عن أقوات يومها، فقد بدأ ذلك ينعكس على السياسة الداخلية الأميركية معبّراً عن نفسه بنزعات الاستبداد التي بدأت تظهر بصورة شبه دائمة منذ عهد الرئيس الأميركي رونالد ريغان وزميلته مارغريت تاتشر في بريطانيا، فالإدارات الأميركية يمكن أن تسخو على رعاياها سياسياً ومادياً طالما توفر لها الفائض الذي تنهبه من ثروات الأمم الأخرى! إن الوفرة والديمقراطية في الولايات المتحدة ومثيلاتها تشترطان النقص والاستبداد في البلدان الأخرى (مثل بلادنا) فإذا ما تعذّر تحقيق النهب إلى مستوى الفيض، فإن الأرستقراطية الأميركية (ومثيلاتها) لن تتردّد في تخفيض مستوى معيشة رعاياها وفي الحدّ من حقوقهم السياسية!

مقاومتنا تعرّي نظامهم الفاسد!

تنظر الإدارة الأميركية إلى أحداث الحادي عشر من آذار/ مارس الماضي في إسبانيا، وكيف أدّت إلى هزيمة الحزب الحاكم في الانتخابات التي جرت بعدها، لكنها تنظر بصورة أساسية وبتمعن إلى المقاومة التي تواجهها في العراق وفلسطين، حيث لا قيمة تاريخية لأي حادث مهما كان عظيماً مجلجلاً في غياب المقاومة الفعالة المستمرة، ولذلك يردّد الأميركيون والبريطانيون أن مستقبل الحرب ضدّ "الإرهاب العالمي"، أي ضدّ تململ الأمم وتظلمها، متوقف على حسم المعركة لصالحهم في فلسطين والعراق، أي على انصياع واستسلام الفلسطينيين والعراقيين، ويصفون الجبهة العراقية بأنها الرئيسة في هذه الحرب العالمية الدائرة! والحال أن الأميركيين فجعوا بتوقعاتهم المتفائلة في العراق، حيث ألقوا بأموالهم وقواتهم على أمل تحقيق أرباح خرافية بعد أشهر من الإحتلال وليس بعد سنوات، وهاهم أهالي الجنود القتلى يندبون، وأصحاب رؤوس الأموال يلطمون، لأن القتلى الأميركيين يتساقطون من دون طائل، ولأن أصحاب رؤوس الأموال الجبانة لا يخشون فقط عدم تحقيق الأرباح الموعودة بل باتوا يخشون ضياع رساميلهم، وهكذا فإن الجبهات العربية والإسلامية تفعل فعلها في فضح حقيقة النظام الأميركي المستبد في جوهره، وفي تعرية النظام العالمي الربوي، الفاسد حتى النخاع، الذي تقوده واشنطن إلى حتفه!

www.snurl.com/375h

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1