الخطاب الأميركي كراهية مزمنة وسمّ زعاف!

بقلم نصر شمالي

 

يكاد لا يخلو خطاب للرئيس الأميركي من شجب للكراهية ودعوة إلى شنّ الحرب ضدّ الأمم الأخرى، خاصة ضدّ العرب والمسلمين الذين يحملونها ويشيعونها كما يزعم! وهذا من أغرب غرائب الوقاحة التي يقلب صاحبها المعاني والمواقف من دون أن يرف له جفن! إن كل نأمة تشير إلى عدم الرضى، وكل تململ يعبّر عن الاحتجاج، وكل عويل على الضحايا الأبرياء، وكل مقاومة للدفاع عن النفس، يعتبرها الرئيس بوش وأمثاله لوناً من الكراهية وضرباً من الإرهاب! إن اللاكراهية التي يتطلع إليها لابد وأن تكون الصمت المطبق والقبول التام بأن يحتكر أقل من خمس البشرية أكثر من أربعة أخماس المنتوج والاستهلاك العالمي، وإن اللا إرهاب هو أن لا تدافع الشعوب عن حياتها ووجودها عندما يتقاطر اللصوص لنهب ثرواتها، والاستيلاء على أراضيها، وتسخيرها واستعبادها، بل وإفنائها إذا اقتضت مصالح طغاة العالم ذلك!

لقد رفضت الإدارة الأميركية وحليفاتها بحزم الدعوات الملحة لتعريف الإرهاب، ولتمييزه عن المقاومة المشروعة، وأصرّت أنه يشمل كل من يتململ تحت ضغوطها، ويحتج على ظلمها، ويدافع عن نفسه أمام عدوانها، وقد أعلن رئيس وزراء بريطانيا توني بلير قبل أيام أن مستقبل "الإرهاب العالمي" متوقف على نتائج الحرب الدائرة في العراق! وهذا يعني أن العدوان على العراق ليس سوى البداية، وأنه ما أن ينصاع الشعب العراقي حتى تنتقل عمليات الاحتلال والاستعباد إلى بلدان أخرى، فما هي الكراهية إن لم تجسّدها مثل هذه السياسات التي تنضح لؤماً وبغضاً، وتبثّ سمّها الزعاف المصفّى في جميع أنحاء الأرض؟!

 

جذور عقيدة الكراهية الأنكلوسكسونية!

والحال أن كراهية الآخر واحتقاره، واستباحة دمه وعرضه وأرضه، هي حقاً عقيدة أنكلوسكسونية قديمة تعود بجذورها إلى ظهور اللوثرية مطلع القرن السادس عشر، وقد خطب جيمس بولدين، عضو الكونغرس الأميركي خلال الأعوام 1834-1839، قائلاً: "قدر الهندي الذي يواجه الأنكلوسكسوني مثل قدر الكنعاني الذي يواجه الإسرائيلي: إنه الموت"!

ومع أن جورج بوش الجدّ قد كتب عام 1831 يقول: "ما لم يتم تدمير إمبراطورية السارزن (المسلمين) فلن يتمجد الربّ بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم"، فإننا لا يجوز أن نعيد حماسة الرئيس الأميركي الحالي، جورج بوش الحفيد، إلى تأثره بأفكار جده الأكبر فقط، فهذه الكراهية المزمنة هي بمنزلة عقيدة لقادة العصر الأوروبي الأميركي، وخاصة الأنكلوسكسون، وكما يقول روجيه غارودي فإن الكراهية التي ظهرت لاحقاً عند الشعوب الأخرى، وكذلك ما يسمى "سلفية وأصولية" ليست سوى مجرّد ردود أفعال للأصولية والسلفية والكراهية الأنكلوسكسونية تتفجر عند المغلوبين على أمرهم الذين لم يترك لهم أي مجال لخلاص إنساني منطقي!

وتجدر الإشارة إلى أن دار نشر سعودية ترجمت مؤخراً كتاب جورج بوش الجدّ الأكبر، وعنوانه: (محمد مؤسس الدين الإسلامي ومؤسس إمبراطورية المسلمين) وهو كتاب، كما يقول مترجمه الدكتور عبد الرحمن الشيخ، يمثل واحداً من أهم مصادر الكراهية الأنكلوسكسونية للإسلام، حيث جاء في الكتاب أن العرب مجرّد أعراق منحطة متوحشة، يستحقون الإبادة كما حدث للهنود الحمر، وأن الإسلام مجرّد بلاء جاء به "الدعي" محمد، والربّ ساعد على انتشاره عقاباً للكنيسة التي فرقتها خلافات الباباوات! إن جورج بوش الجدّ يصف نبينا الكريم بأبشع الأوصاف، ويعتبره "إنسان الخطية"، ويصف الدعوة الإسلامية بالهرطقة، ويبشر بهزيمة الإسلام، وبزوال العذاب المتمثل في دين محمد، بعد أن تعود الكنيسة إلى ينابيعها الأولى!

 

هم فقط، وليذهب الآخرون إلى الجحيم!

ولكن، يجب الانتباه إلى أن عقيدة الكراهية اللوثرية لا تستهدف العرب وحدهم، ولا المسلمين وحدهم، بل هي تستهدف المسيحيين من الطوائف الأخرى وتشمل اليهود أيضاً، حيث اللوثريون من هذه الشاكلة (18% من الشعب الأميركي) يعتبرون أنفسهم "يهود الروح" المخلصين ويعتبرون اليهود "يهود الدم" المنحرفين، لكن هؤلاء المنحرفين المكروهين لا بد من احتضانهم ودعمهم بلا حدود لأن المجيء الثاني للسيد المسيح مرهون بعودتهم إلى "أرض الميعاد" فلسطين، وحيث سيهتدون بظهوره وعلى يديه، ويشكلون إلى جانب اللوثريين رعيته، بينما جميع البشر من الأقوام والأديان والطوائف المسيحية الأخرى، سوف يهلكون ويذهبون إلى الجحيم!

إن جورج بوش الابن وطاقمه يتبنون عقيدة الكراهية هذه، سواء عن إيمان أم كذريعة تبرّر تعبئة الدهماء وشنّ الحروب، وأياً كان الأمر فإن البشرية، والعرب والمسلمين أولها، لن تحرز أي تقدم جدّي على طريق الخلاص والحرية والعدالة إذا لم تتعرف جيداً على عقيدة الكراهية اللوثرية الصهيونية هذه، وإذا لم تدرك أنها الأساس الأيديولوجي الذي ينهض عليه هذا النظام العالمي، ليس اليوم بل منذ خمسة قرون!

لقد أعلن الرئيس الأميركي قبل أيام أنه "لابد للولايات المتحدة من أن تقود العالم وتفرض سيادتها"! وقال أنه يدعو الآخرين (من حلفائه) لمساندته في العراق، وأنهم إذا لم يستجيبوا فإن الولايات المتحدة قادرة لوحدها على خوض المعركة الصعبة"! وفي مقابلة مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية قال الرئيس الأميركي: "ما دمت رئيساً للعالم الحرّ فستظل الولايات المتحدة تحارب التيارات المعادية للسامية، فإسرائيل صديق قديم ودولة ديمقراطية ومن مسؤوليات الولايات المتحدة أن تدافع عن أصدقائها"! أي أنه ربط بوضوح وبحزم بين دول العالم الحرّ (خمس البشرية!) التي هو رئيسها كما قال، وبين الكيان الصهيوني الذي هو قاعدة العالم الحرّ وامتداده في بلادنا العربية والإسلامية!

غير أن الجانب العملي من المسألة هو المصالح المادية بالطبع، التي نهضت عقيدة الكراهية قبل خمسة قرون من أجلها، وبما أن العالم تشتد ضائقته اليوم فإن خمس البشرية (العالم الحرّ) مرشح بدوره للانقسام والتمييز بين خمسه وأربعة أخماسه! إن الأنكلوسكسون وحلفاءهم ومرتزقتهم من اليهود يتطلعون إلى وضع اليد على ثروات العالم، أما غيرهم، بمن فيهم شركاءهم في العالم الحرّ، فليذهبوا إلى الجحيم! وهذا يعني بدايات ظهور أشكال جديدة من الصراعات العالمية التي سوف تتبلور اتجاهاتها سلباً أو إيجاباً بتأثيرات المقاومة العربية والإسلامية، وهي المقاومة التي يجسدها أعظم تجسيد أهلنا في فلسطين والعراق، والتي قال الرئيس الأميركي أنها جبهة أولى في الحرب العالمية الدائرة!

 

www.snur1.com/37

Hosted by www.Geocities.ws

1