الصلة الوثيقة بين جبهة دارفور والجبهة العراقية!

بقلم: نصر شمالي

قتل الأميركيون منذ احتلالهم للعراق و حتى اليوم عشرات الآلاف من العراقيين, وخلال عقد التسعينات أهلكوا بحصارهم المحكم و بمخلفاتهم النووية مئات الآلاف, خاصة من الأطفال! وفي فلسطين صعّد المجرمون الصهاينة عملياتهم الإبادية المستمرة منذ عقود طويلة إلى مستوى التدمير الشامل بعد أن أطلقت الديكتاتورية الأميركية يدهم بلا حدود و لا قيود! و اليوم يستعد الأميركيون الصهاينة لتنظيم عمليات إبادة شاملة في السودان, فقد وسعوا نطاق العدوان ليتجاوز الجنوب إلى بقية المناطق السودانية, و خاصة إقليم دارفور الذي بدأت أصابعهم تعبث بأمنه منذ عام 2000! أما لماذا منذ عام 2000, فلأن قرار الإحتلال المباشر للعراق كان قد تبلور, سواء بقي الديمقراطيون في البيت الأبيض أم نجح الجمهوريون! وتجدر الإشارة إلى أن الحزبين الأميركيين هما حزب واحد, مثل الليكود والمعراخ, يتداول السلطة مع نفسه, موهماً الأميركيين البسطاء, وما أكثرهم, أنهم يمارسون الديمقراطية! وهكذا, ما أن تحقق احتلال العراق حتى بدأ التصعيد في إقليم دارفور السوداني, وهو التصعيد الذي مهدوا له بصنع عدد من القادة الدمى, برزوا بسبب انهماك الحكومة السودانية في معالجة حرب الجنوب الطويلة, المفتعلة بدورها وفي معظمها, فأعلنت تلك الدمى نفسها مدافعة عن حقوق الإنسان وعن حق تقرير المصير في دارفور على طريقة قادة شمال العراق, بل هم استعاروا لميليشياتهم اسم ميليشيات شمال العراق, فما هي العلاقة بين ما يتعرض له السودان, خاصة في دارفور, وبين أحداث العراق؟

مشروع أنبوب النفط العملاق!

منذ سبعينات القرن الماضي رصدت الإدارة الأميركية ومن خلفها شركات النفط مليارات الدولارات لصالح تمديد أنبوب نفطي عملاق ينطلق من ميناء "ينبع" على ساحل الجزيرة العربية, ويعبر البحر الأحمر, متقدماً عبر وسط السودان, مقتحماً إقليم دارفور غرباً إلى حيث يتصل بالأنبوب الحالي في تشاد, الذي يبدأ من حقول "دبا" التشادية، ثم يتقدم عبر عدد من الدول الإسلامية الأفريقية التي أطلق عليها العرب اسم "بلاد السودان" ليصب في المحيط الأطلسي!

لقد تكونت فكرة أنبوب النفط العملاق في العامين 1969-1970, حين بدأت الشركات الأميركية تلمس لمس اليد حقيقة دخول الاحتياطي النفطي العالمي طور الانحسار على طريق النضوب, وحين تحوّلت الولايات المتحدة من مصدّر إلى مستورد, وبدأت الفكرة العجيبة تتحول إلى إجراءات بعد حرب 1973, ولم يكن تأجيج نيران الحرب في جنوب السودان سوى مظهر من مظاهر التنفيذ العملي لمشروع الأنبوب, فقد صاروا يصرفون على الحرب من مخصصات الأنبوب، باعتبار الحرب جزءاً تمهيدياً لا يتجزأ من مجمل المشروع، مثلما هم يصرفون الآن من مخصصات "إعادة إعمار العراق" لصالح ما يسمونه "استتباب الأمن"، أي القضاء على المقاومة العراقية! بكلمة واحدة: إن الاضطرابات والحروب هي، في معظمها، جزء لا يتجزأ من المشاريع "الاستثمارية التجارية الاقتصادية" يصرف عليها من مخصصات هذه المشاريع!

لقد كان مشروع الأنبوب النفطي العظيم، ولا يزال، محاولة أميركية لمواجهة ما سيأتي به المستقبل مما يؤثر سلباً على أرباح الشركات، وعلى طراز الحياة ومستواها في بلدانها، وعلى السيادة الأميركية العالمية، فهذا المشروع، بعد وضع يدها بالكامل على العراق ومنطقة الخليج، سوف يمكّن الولايات المتحدة من الاستيلاء التام على الاحتياطي النفطي العالمي الأكبر والأجود والأرخص، الاحتياطي النفطي العربي الإسلامي، بعد دفعه عبر الأنبوب العملاق إلى سواحل الأطلسي الأفريقية، حيث تستقبله ناقلاتها وتحمله بكامل حريتها إلى الولايات المتحدة وإلى أسواق العالم، إذ لا يوجد بين الولايات المتحدة وسواحل أفريقيا الأطلسية غير مياه المحيط، فلا معوّقات جغرافية ولا معوّقات سياسية، ليغدو نفط منطقة الخليج العربي وأفريقيا كأنما هو ينتج داخل الولايات المتحدة!

دارفور معبر الأنبوب العملاق!

منذ ذلك التاريخ (عقد السبعينات) بدأ استغلال المشاكل والسلبيات العربية والأفريقية لصالح مشروع الأنبوب عابر القارات، بل هم اصطنعوا ورعوا بعضاً من أهم تلك المشاكل والسلبيات (مثل الاستبداد!) وهم غذوها وضخموها وعمّموها، ثم بدأوا ينتقدونها ويستثمرونها! لقد جعلوا بعضاً من المشاكل والسلبيات خطيرة ومستعصية على أيّ حلّ سوى الحلّ الأميركي.. لصالح الشركات الأميركية!

لقد حدث كل ذلك في جّو من التمويه والغموض والتعتيم، واليوم تتكشف شيئاً فشيئاً، في وقت متأخر ولكن قبل فوات الأوان، الصلة الوثيقة بين تأجيج نيران الاضطرابات في إقليم دارفور السوداني تحديداً وبين عملية احتلال العراق، فإقليم دارفور هو معبر الأنبوب النفطي الأميركي العملاق إلى تشاد، والسودان مثله مثل أشقائه العرب، يجب أن يعامل كالعراق وفلسطين، أي أن ينصاع سكانه كعبيد أو يبادوا! فهذا المعبر السوداني يجب أن يكون آمناً تماماً لصالح الأنبوب، الأمر الذي يقتضي تغييب العرب تماماً، حيث العربي الطيب هو العربي الميت فقط!

في عهد الرئيس ريغان شهدت تشاد حروباً مروّعة، ظلت غامضة الأسباب والأهداف، إلى أن اتضح على نطاق ضيق أنها توقفت برضوخ الفرنسيين لوجود الأميركيين إلى جانبهم في تشاد وتنازلهم عن أجزاء مهمة من استثماراتهم فيها، وهاهي الشركات الأميركية، في عهد بوش الابن، تتأهب لإنهاء كل وجود فرنسي في تشاد والانفراد بالسيطرة على البلد، وفي الوقت نفسه بدأ التصعيد إلى مستوى الحرب الشاملة في دارفور، وعندما زار وزير الخارجية الأميركي كولن باول السودان مؤخراً، بذريعة الاطلاع على مأساة دارفور، كان معه عدد من رجال شركات النفط الأميركية الذين أرادوا معاينة الإقليم ميدانياً قبيل التصعيد الحربي الكبير، باعتباره بوابة العبور الإجبارية للأنبوب العملاق، وأيضاً لاستطلاع ثرواته التي لا تقل أهمية!

المقاومة العراقية ومصير المنطقة!

أخيراً، تقول التقديرات أن إنتاج السودان من النفط سوف يبلغ نصف مليون برميل يومياً خلال أقل من عام، وهذا النفط المتصاعد في زياداته ينتجه السودان بالتعاون مع شركات بترول صينية وماليزية وأوروبية، وقد صمم الأميركيون على طرد هذه الشركات من السودان، لصالح الأنبوب العملاق عابر القارات من جهة وللحلول محلها في السودان من جهة ثانية!

إن المتوقع والحال كذلك أن تتعاظم الاضطرابات في السودان لتبلغ مستوى العمليات الحربية الكبرى، كما هو الحال في الخليج العربي، غير أن ذلك التعاظم يشترط "استتباب الأمن" في العراق لصالح الأميركيين، لأن مشروع الأنبوب العملاق لن يكون ممكناً ومضموناً قبل القضاء على المقاومة العراقية، والفلسطينية أيضاً، أي قبل سقوط المنطقة العربية بمجملها في أيدي الأميركيين، وتمكّنهم من التصرف بها كما يشاؤون، حيث على أنقاضها ستنهض الإمبراطورية الأميركية العالمية طوال القرن الواحد والعشرين، وقد تعهّد كولن باول بالقضاء على المقاومة العراقية قبل الانتخابات أي قبل نهاية العام الحالي، لكننا نعتقد أنه لا يقول قناعاته الحقيقية، أو أنه يخطئ الحساب والتقدير على الرغم من خبراته العالية السياسية والعسكرية!

Hosted by www.Geocities.ws

1