حرب العراق النفطية ومصير العالم!

بقلم: نصر شمالي

احتاج كوكب الأرض إلى 300 مليون سنة كي تتكون في جوفه خزانات النفط الطبيعية، ويفترض أن نضوب هذه المادة سوف يعني حاجة كوكبنا إلى ملايين السنين كي يعوضها! وعملية استخراج واستهلاك المخزون النفطي العالمي بلغت ذروتها قبل سنوات وبدأ انحدارها فعلاً، حيث حجم المكتشفات الجديدة في ضمور بينما حجم الإنتاج والاستهلاك في صعود، وحيث أصبح تحديد العلماء لمدة نضوب احتياطي النفط العالمي يحسب بعشرات السنين وليس بمئات السنين، بينما لم تتبلور حتى الآن بصورة عملية وعامة بدائل للطاقة النفطية! وخلاصة القول أن العالم يبدو مقبلاً حقاً على كارثة في ميادين الطاقة الحالية والبديلة في المدى المتوسط، بينما لا يبدي القادة السياسيون الحمقى، وأولهم قادة الولايات المتحدة، ما يشير إلى إحساسهم بالمسؤولية إزاء الوضع البشري، بل هم يفاقمون الأزمة في بداياتها بتكالبهم الأناني الأعمى على تأمين مصالح شركاتهم الخاصة في المدى القريب المنظور، غير عابئين بمصير البشرية وكوكب الأرض!

النفط كالدماء في شرايين البشرية!

لقد بدأ استخدام النفط على نطاق عالمي في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي قبل قرن ونصف تقريباً، واقتصر استخدامه في البداية على الإنارة بمصابيح الكيروسين، وفي العقد الأول من القرن العشرين شرعت الأساطيل الحربية والتجارية باستخدام النفط بدلاً من الفحم، ثم كانت تلك الثورة الهائلة باستخدامه في المحركات. وحتى يومنا هذا فإن المعدات الحربية والسلمية التي ينهض عليها النظام العالمي لا تساوي فلساً من دون النفط ومشتقاته! فبالإضافة إلى ميزته الحاسمة في مجال الاحتراق، من حيث قدرته الحرارية واستخراجه الرخيص وشحنه السهل، تميّز أيضاً بالشحوم والزيوت المستخلصة منه كمواد لا غنى عنها إطلاقاً في قطاعات الصناعة، فمن هذه المشتقات تنتج عشرات الآلاف من مختلف أصناف المنتوجات الواسعة الاستخدام: الصابون والكولونيا والأصباغ واللدائن وبعض أنواع المتفجرات والكاوتشوك والزلال الصناعي..الخ، وأين وجهنا أنظارنا، إلى الثياب، وجدران البيوت، وموائد الطعام، في الشارع وفي البحر والجو، سوف تقع أعيننا على النفط ومشتقاته ومنتجاته، فهو مادة عظيمة الضرورة في تفاصيل حياتنا اليومية، بل هو مثل الدم يسري في شرايين البشرية، وإحراقه من أجل التدفئة، مثلاً، يشبه تماماً إحراق رزم من النقود لمواجهة البرد، أما إحراقه في الحروب العدوانية فهو فعل يتراوح بين الحمق والجريمة!

الجنس البشري يخوض معركة البقاء!

وقد حدث أن مادة النفط النبيلة وقعت منذ البداية في قبضة قادة هذا النظام الاحتكاري العالمي السائد منذ خمسة قرون، وهو نظام ربوي رهيب تميز دائماً بالظلم وانعدام العقلانية والافتقار إلى الشفقة والرحمة، سواء إزاء البشرية أم إزاء الطبيعة! وقادت عملية التطور الحتمي لهذا النظام إلى خطرين كبيرين فتاكين، تبلورا خلال نصف القرن الأخير، وهما: خطر التطور التكنولوجي لأسلحة التدمير الشامل، وخطر تطور وسائل الإنتاج والاستهلاك التي وضعت شروط الحياة الطبيعية على طريق التدمير المنتظم والمتسارع، بحيث بات كوكب الأرض يواجه فعلياً خطر الفناء!

لقد جاء في رسالة بعث بها الرئيس الكوبي فيدل كاسترو مؤخراً إلى الأمم المتحدة (13/6/2004) مايلي:"في هذا المفترق، ليس من خيار أمام البشرية سوى: إما أن يتغيّر الوضع العالمي الراهن، وإما أن يواجه الجنس البشري خطر الانقراض الفعلي! وأضاف الرئيس الكوبي أن الشعوب سوف تتحول إلى شعوب غير قابلة للخضوع لأنظمة الحكم! لن تستطيع الأساليب القمعية، ووسائل التعذيب، والخطف وأعمال القتل الجماعي، أن تجعلها خاضعة للسلطات الحاكمة! إن النضال من أجل البقاء، بقاء الأبناء وأبناء الأبناء، سوف لن يقتصر على الجائعين في بلدان العالم الثالث فقط، بل سيلتحق به أيضاً جميع العقلاء في البلدان الغنية!

احتياطي النفط بدأ بالانحسار!

يقول العلماء أنه عند نقطة معينة يبلغ إنتاج النفط قمته، بعدها يبدأ بالانحسار بشكل ثابت، بغض النظر عن الطلب! وكانوا قد تنبأوا، منذ عام 1956، أن نفط الولايات المتحدة سوف يبلغ ذروته في عام 1970، ثم يبدأ بالانحسار، وقد سخر المرابون النهابون من هذا الاستنتاج وشككوا في صحته، غير أن هذا ما حدث فعلاً! لكنهم لم يستخلصوا من ذلك العبرة التي يستخلصها الإنسان السوي، بل انطلقوا إلى القارات الأخرى ينهبون حقول النفط ويدمّرونها، وهاهم اليوم في العراق لا يتورعون عن فعل أي شيء من أجل الاستيلاء على النفط لصالحهم، وليأت من بعدهم الطوفان!

والحال أن احتياطي النفط العالمي اليوم هو في حدود 908.1 مليار برميل، يستهلك منها يومياً حوالي 80 مليون برميل، في وقت بلغ فيه الإنتاج ذروته وبدأ بالانحسار، حيث مقابل كل عشرة براميل منتجة ومستهلكة هناك فقط أربعة براميل جديدة مكتشفة في المقابل! إن السعودية والعراق هما وحدهما اللذان يزيد الاحتياطي فيهما عن 400 مليار برميل، بينما الاحتياطي الأميركي حوالي 30 مليار، والروس حوالي 48 مليار، والفنزويلي حوالي 77 مليار! إن الاحتياطيات الكبرى، التي تقارب المائة مليار برميل، والتي تلي السعودية والعراق، موجودة فقط في الإمارات والكويت وإيران، تليهما مباشرة فنزويلا! وهكذا نستطيع أن نفهم بسهولة خفايا هذه الحرب التي تشن ضدّ العرب والمسلمين، وضدّ فنزويلا، والتي بلغت ذروتها باحتلال العراق!

الأميركيون لن يربحوا حرب العراق!

إن قادة الولايات المتحدة، وخدمهم الصهاينة في فلسطين المحتلة، وجميع التابعين من المغامرين والمرتزقة واللصوص، يخوضون في بلادنا حرباً ضدّ البشرية جمعاء، حيث استيلائهم على النفط العراقي، إضافة إلى تحكمهم المسبق بحقول بلداننا الأخرى (التي بلغ إنتاجها الذروة وبدأ بالانحسار) سوف يدفع بالعالم أجمع بوتائر متسارعة على طريق الدمار الشامل، بشراً وكوكباً! لكن جميع الدلائل تشير إلى أن البشرية، وفي مقدمتها العرب والمسلمين، سوف تجعلهم يخسرون هذه الجولة انطلاقاً من العراق وفلسطين! إن العقلاء الذين لا تخلو منهم الأوساط القيادية الأميركية يدركون ذلك ويقولونه بدورهم، فقد كتب السيد جون جي في صحيفة الواشنطن ريبورت يقول: إن واشنطن قادرة، إن أرادت حقاً، على مجابهة الإرهاب والمشاعر المعادية لأميركا، وذلك بأن تبدأ بداية قوية وصحيحة، فتعلن انسحابها غير المشروط من العراق، وتبلغ الإسرائيليين بوضوح أن عليهم الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلوها عام 1967، وأن تطرد إلى الأبد من أروقة السلطة (الأميركية) جميع أصحاب الإيديولوجيات التي صاغت السياسة الأميركية الحالية في الشرق الأوسط! أما السناتور بول فندلي فقد كتب يقول: بغض النظر عما يقوله الرئيس بوش ووزير دفاعه وغيرهما، فإنهم جميعاً يدركون، بكل تأكيد، أن الحرب في العراق لا يمكن كسبها، وعليهم أن يتحلوا بالحكمة الكافية لإصدار الأوامر بإنهاء جميع العمليات القتالية هناك على الفور. واعتباراً من هذا اليوم يجب أن تكون لقواتنا في العراق مهمة رئيسية واحدة هي تجنب موت أي شخص إضافي سواء أكان أميركياً أم عراقياً. لقد كانت الحرب على العراق خطأ في الأساس وخطأ في الممارسات، وهي سوف تدخل كتب التاريخ بصفتها حماقة كبرى!

 

Hosted by www.Geocities.ws

1