المرابون وقطعانهم المتوحشة في العراق !

بقلم: نصر شمالي

ليست الولايات المتحدة التي فرضت نمطها عالمياً سوى دولة المال الربوي، والأعمال غير المشروعة، التي يديرها رجال المال والأعمال الشايلوكيون لصالحهم ولصالح النخبة من شاكلتهم، وقد وضع حكماء الوول ستريت (شارع الربا والاحتيال الأنكلوسكسوني) مئات الدراسات عن تلازم حضارتهم والمغامرة والنجاح الفردي والملكية الفردية، فالمغامرة في عرفهم هي البطولة بغض النظر عن تدمير الطبقات الدنيا والشعوب الأخرى، والنجاح في قاموسهم هو المجد والشرف مهما كانت دناءة ووضاعة وسائل تحقيقه، والملكية الفردية مقدسة وإن كانت مسروقة شرط أن ينجح اللص في طمس الأدلة على جريمته، أما الذين لا يؤمنون بمكونات حضارتهم هذه وبتلازمها فقد اعتبروا غير متحضرين وإرهابيين مارقين! وترتكز دراسات حكماء الوول ستريت، وأمثالهم في عواصم الربا الاحتكاري، إلى القاعدة الإيمانية التي وضعها مؤسس المذهب البروتستانتي مارتن لوثر (1483-1546م) الذي نقل العهد القديم إلى الألمانية، ومهّد للاندماج العضوي بين أتباع مذهبه وبين الصهيونية اليهودية! لقد اعتبر لوثر الملكية الفردية معياراً للتفريق بين الإنسان والحيوان، ليس لتعميمها على الناس جميعاً، بل لتبرير التعامل مع من لا يملكون باعتبارهم حيوانات! وهو، مارتن لوثر، اتهم القديس فرانسيس الأسّيزي بأنه "مختل العقل وطائش وأحمق وشرير" لمجرّد أنه كان يطلب من أتباعه التخلّي للفقراء عن بعض ما يملكونه! وبالطبع، فإن هذه التعاليم اللوثرية تتنافى مع أبسط التعاليم المسيحية كما جاء في الكتاب المقدس:"بع كل مالك ووزع على الفقراء فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني"! لقد أسست اللوثرية، في الواقع، للديانة الاقتصادية الإنكليزية الأميركية، الربوية البراغماتية، التي يتحكم أتباعها اليوم بالعالم عموماً، وإنه لمن الصعب أن نفهم شيئاً مما يدور حولنا، ويعصف بأمتنا، إن لم ندرك جيداً هذه الحقيقة.

العسل واللبن أم اللؤلؤ والذهب؟!

في معرض التطبيق العملي، اعتبر الأنكلوسكسون الإنجيليون أنفسهم يهود الروح الجدد وشعب الله المختار، وأدانوا انحرافات يهود الدم الذين خذلوا ربهم، لكنهم اعتبروهم في الوقت نفسه قوماً لا غنى عنهم، يجب الأخذ بيدهم في فلسطين المحتلة وإن على مضض، من أجل تحقيق نبؤة الظهور الثاني للسيد المسيح التي لن تتحقق إلا بعودة يهود الدم المنحرفين إلى أرض الميعاد! غير أن يهود الروح الأنكلوسكسون طوّروا موضوعة أرض الميعاد التوراتية، جاعلين العالم بمجمله، ابتداء بالقارة الأميركية، ميدان تحقيقها! وبما أن الكنعانيين يستحقون الموت، لأنهم يشكلون عائقاً يحول دون تحقيق النبؤات، فقد غدت الشعوب الأخرى جميعها تستحق الموت إذا ما شكلت عائقاً يحول دون تحقيق المفهوم المتطور لموضوعة أرض الميعاد العالمية ! وهكذا، في العام 1607، عندما وضع القديسون اللوثريون الأنكلوسكسون أقدامهم لأول مرة على الأرض الأميركية، كتب أحدهم، المدعو وولتر كوب، إلى اللورد سالزبوري في لندن يبشّره بسعادة الدين والدنيا، قائلاً:" لقد وجدنا أرضاً واعدة أكثر من أرض الميعاد، فبدلاً من اللبن وجدنا اللؤلؤ، وبدلاً من العسل وجدنا الذهب"!

غير أن الطريق إلى اللؤلؤ والذهب، بدلاً من اللبن والعسل، كانت تستدعي تعبيدها بجثث الضحايا من الكنعانيين غير العرب، ثم العرب في ما بعد، و قد تحدث عالم الإنسانيات جيمس موني عن مرحلة من مراحل تعبيد الطريق، فوصف ساحة من ساحات المذابح الأنكلوسكسونية البيوريتانية ضدّ الهنود على النحو التالي:" تحت ركام الثلج كانت هناك نساء مازلن على قيد الحياة، لكن الجنود تركوهن للموت البطيء، وكذلك كان حال الأطفال الرضع المقمطين المرميين إلى جانب أمهاتهم المحتضرات. كانت جثث النساء متناثرة فوق الأرض المحيطة بالقرية الهندية. وتحت علم الهدنة كانت هناك امرأة صريعة ومعها طفلها. ولم يكن الطفل يعرف أن أمه ميتة، فكان يرضع من ثديها. وبعد أن قتل معظم أهالي القرية أعلن الجنود أنهم يضمنون سلامة الجرحى وكل من بقي على قيد الحياة إن هم ظهروا، فخرج الأطفال من مخابئهم، لكن الجنود أحاطوا بهم وذبحوهم! لقد كان واضحاً أنهم يتعمدون قتل الأطفال والنساء كي يجعلوا مستقبل الهنود مستحيلاً"! في اليوم الرابع للمذبحة كان أحد المجرمين، المدعو باوم، مزهوّاً بنشوة الانتصار، وقد كتب في يومياته:" لقد فعلنا حسناً. يجب علينا متابعة المسيرة لحماية حضارتنا. علينا قطع دابر هذه المخلوقات الوحشية ومحو ذكرها من على وجه الأرض"!

لا مجال للرحمة، ولا معنى للمواثيق!

إن فلسطين تشهد مذابح من النوع نفسه على أيدي اليهود الصهاينة خدم الأنكلوسكسون، الذين يريدون أيضاً جعل مستقبل العرب في فلسطين مستحيلاً. وكذلك فإن القوات الأنكلوأميركية في العراق بدأت عملاً مشابهاً. لكن بعض أبناء أمتنا يغفلون عن طبيعة هذا الخطر الإبادي، بل يتوقعون من حكومات الإباديين العون في معالجة قضايا تبقى ثانوية عابرة مهما عظمت قياساً بأخطار الاستئصال الثقافي والجسدي.وقد كتب أحد الذين أرّخوا لعمليات اجتياح أميركا يقول:" إن وعود الإنكليزي مهما بدت صادقة مضمونة فسوف يخلفها بمجرد تعارضها مع مصالحه التي لا تعرف حدوداً. إن أسلوب الحرب الإنكليزية لا يعرف معنى للرحمة أو الشرف أو المواثيق أو التردّد. ولقد حفظ الهنود هذا الدرس غيباً، لكن بعد فوات الأوان، وحين لم تعد تنفع الدروس والعبر"!

إن دولة المال الربوي والأعمال غير المشروعة هي دولة النخبة العرقية الدينية خصوصاً والثرية عموماً، في بلدانها وفي العالم أجمع. إنها تنهض في مواجهة الطبقات الدنيا من شعبها وفي مواجهة أمم الأرض عموماً. لقد أعطتها العقيدة اللوثرية، مندمجة بالعقيدة التلمودية، هذه الثقة المروّعة بصواب أقوالها وأفعالها الفظيعة. غير أن بعض أبناء أمتنا لا يرون هذه الحقيقة الأساسية المعاشة، بل يتوقعون من هذه النخبة الخطرة على الحياة بمجملها أن تساعدهم في تحقيق الازدهار والرفاه والتقدم!

المقاومة العراقية تعي طبيعة العدو!

إن الحرب ميدان رئيسي من ميادين النشاط المالي الربوي، الذي يدمّر البلدان من أجل إعادة بنائها لصالحه، ويفتعل الأزمات من أجل حلّها على حساب أصحابها. وتساعده في ذلك، بالطبع، قوى محلية رسمية وغير رسمية، حليفة أو جاهلة، الأمر الذي يجعل مشهد الحرب غاية في الغموض والتعقيد، فترى البعض ينشغلون بما يعتبرونه أخطاء المقاومة، أو ببعض الأفعال المريبة التي تنسب إليها، ويشيحون عن جوهر الحرب ودوافعها ومراميها التي تتناول وجود أمتهم من جذوره!

إن قادة الولايات المتحدة وبريطانيا، الذين حوّلوا العراق إلى ميدان للصراع المسلح، فعلوا ذلك عن سابق تصميم وتصوّر من أجل مصالحهم الخاصة، لأنهم جميعهم من رجال المال الربوي، والأعمال غير المشروعة، الذين يقودون تشكيلات جديدة متطورة من الشركات الخاصة العاملة في ميدان تجارة الحروب. إن هذه الشركات، التي يساهم في رأسمالها وأعمالها بوش وتشيني ورامسفيلد وغيرهم، تقوم ببناء القواعد العسكرية، وتأمين الطعام والماء للقوات المسلحة وتزويدها بالوقود، وتنظيف دورات المياه في الثكنات، وغسل ملابس الجنود، ويحضر ممثلوها اجتماعات هيئات الأركان، ويتعهدون بناء المعتقلات، وعمليات التحقيق والتعذيب، والحراسات للأشخاص والمنشآت. إن شعار هذه الشركات هو عدم رفض القيام بأي نوع من الأعمال، بما في ذلك المساهمة في العمليات الحربية بواسطة الموظفين المرتزقة من الجنود المتقاعدين. وهكذا فهي وحدات ضمن القوات النظامية تعدادها بعشرات الألوف، ومقاولاتها بمئات مليارات الدولارات، ومع ذلك فإن بعض أبناء أمتنا يتسقطون ما يعتبرونه أخطاء المقاومة العراقية، التي يبدو واضحاً أنها تعي جيداً طبيعة العدو الذي تتصدى له، وكيفية التعامل معه بما يتفق مع طبيعته.

إن المقاومة العراقية تبدو مدركة أنها تتصدى للمرابين وقطعانهم من الذئاب الشرسة الشرهة، ولذلك نراها تركز عملياتها ضدّ الشركات النفطية وغير النفطية، برجالها أياً كانت جنسياتهم، وبأدواتهم أياً كانت نوعيتها، فهي واعية أن حرمان الوحوش من الفرائس، وتحويلهم هم إلى فرائس، هو الكفيل بردعهم، خاصة وأن عصر الربا والأعمال غير المشروعة قد آذن بالانكفاء، ولعله بدأ يخوض حربه التراجعية في فلسطين والعراق وأفغانستان!

Hosted by www.Geocities.ws

1