معاني وأبعاد دحر العراقيين لوحوش النفط!

بقلم: نصر شمالي

يمنع البيت الأبيض أجهزة الإعلام من تصوير توابيت الجنود القتلى الملفوفة بالعلم الأميركي عند وصولها إلى القواعد العسكرية الجوية في الولايات المتحدة قادمة من العراق، لكن بقايا جثمان باتريك ماكفري وصلت إلى مطار سكرامنتو الدولي، فاستطاعت والدته دعوة الصحفيين لتصويره، بينما إدارة بوش تتوقع أن لا يسأل أهل الجنود القتلى عن الأسباب الحقيقية غير الوطنية وغير الشريفة التي أودت بحياة أبنائهم، وتتوقع أن تتغلب روحهم الوطنية التي تدغدغها بالأكاذيب. وفي حفل التأبين الذي أقيم لباتريك ماكفري وقف القسيس بول هاريس التابع للكتيبة 579 التي انتمى إليها ماكفري وقال:" إن ما كان باتريك ماكفري يؤديه هو عمل جيد وصحيح ونبيل، فهناك الألوف، لا بل الملايين من العراقيين الذين يشعرون بالامتنان لتضحيته في سبيلهم"! لكن والدة الجندي القتيل قالت أن ابنها كان يشعر بالعار الشديد، وأنه كتب إليها يقول أن لا شأن له بالتواجد في العراق، وأنه يجب أن يكون في مكان آخر! بل إن السيدة ناديا ماكفري ذهبت إلى أبعد من ذلك في تحديها للرقابة العسكرية وفي إظهار شكوكها القوية بصدد الدوافع الحقيقية للحرب ضدّ العراق، فقالت للصحفيين أن ابنها كتب إليها يقول:" ما الذي أصاب (الرئيس) جورج؟ إنه يحاول أن يكون مثل أبيه بوش الكبير، وهو أرسلنا إلى هنا (إلى العراق) من دون هدف (مشروع). أماه! إنني أحسّ بالحنق"! يجب أن نشير إلى أن الرقابة العسكرية الأميركية تمنع الجنود من التحدث عن مشاعرهم وآرائهم، وإذا حدث وعبّر أحدهم عن "حنقه" مثل ماكفري فإن الإدارة الأميركية تصفه بالمريض المصاب بداء الكراهية للذات! إنها التهمة التي اخترعتها الصهيونية اليهودية واستخدمتها ضدّ كل يهودي شريف خالفها وحاول أن ينصف ضحاياها!

هناك جندي آخر بريطاني يدعى غوردون جنتل، في التاسعة عشر من العمر، قتل أيضاً في العراق ونقل جثمانه إلى غلاسكو. وعندما تبلغت والدته السيدة روز جنتل نبأ مصرعه قالت من دون مواربة:" "إن ابني لا يعني لطوني بلير أكثر من قطعة لحم! إنه بالنسبة إليهم مجرّد رقم! إنها ليست حربنا! لقد مات ابني في حربهم من أجل النفط"!

حصص المرتزقة من عائدات النفط !

لسوف نواصل من حيث ختمت الأم الثكلى روز جنتل فتقول أن جنودهم يقتلون، مثل أبناء أمتنا، من أجل النفط، لكن شتان بين ما أصاب أمتنا منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم بسبب النفط، حيث تتعرض الأمة طوال الوقت بمجملها لخطر الإبادة، وبين ما أصاب أممهم من خسائر في أرواح الجنود تحديداً فقط. لقد بقي أطفالهم ونساؤهم وشيوخهم في مأمن، وكذلك حقولهم وبيوتهم ومدارسهم، أما عندنا فإن حروب وحوش النفط تأتي على الجميع وعلى كل شيء، في فلسطين ولبنان والجزائر والسودان والعراق، وغيرها!

في عام 1982 كان المرتزق شارون وزيراً للحرب، وقد صرّح حينئذ أن كيانه المصطنع يستحق لقاء خدماته الثمينة في المنطقة العربية والإسلامية حصة لا تقل عن سبعين ملياراً من الدولارات سنوياً، بينما هو لا يحصل سوى على أقل من أربعة مليارات! لقد كان هذا المجرم منتشياً يومها بانتصاراته في صبرا وشاتيلا، ففقد حذره وأطلق مثل هذا الكلام الذي يفوق بكثير حجمه، والذي – أعتقد – أنه كان السبب الرئيسي وراء إخراجه من الوزارة حينئذ! اليوم، ونحن نتابع علاقة شارون الحميمة بالرئيس الأميركي، وكيف أطلق يده في عمليات الإبادة ضدّ الفلسطينيين إلى أقصى مدى، لا يخامرنا الشك في أنه موعود بزيادة مخصصاته السنوية! ويجدر بنا أن نتساءل هنا عن الطريقة الحسابية التي جعلت شارون يحدّد بواسطتها مقدار مخصصاته السنوية كمرتزق، والتي قدّرها بسبعين مليار دولار، يعطونه منها ثلاثة أو أربعة، ويأكلون عليه الباقي وهو معظمها! ولابد أن عمليته الحسابية انطلقت من الأرقام الهائلة التي يجنيها الاحتكاريون من المنطقة سنوياً (عشرات آلاف المليارات!) والتي لا تشكل السبعون ملياراً التي طالب بها شارون رقماً يستحق الذكر قياساً بها، ولنتذكر أن في العراق اليوم أكثر من عشرين ألف مرتزق، يتقاضى الكثيرون منهم راتباً شهرياً، معفياً من الضرائب، يبلغ العشرين ألفاً. ولنا أن نحسب ما يتوقعونه من عائدات نفطية خرافية، عراقية وغير عراقية، كي يدفعوا للمرتزقة هذه المبالغ الفاحشة!

لن يكون العراق فريسة نفطية!

تستهلك الولايات المتحدة لوحدها من النفط يومياً أكثر من 9.6 ملايين برميل! إنه رقم يفوق الإنتاج النفطي اليومي في العربية السعودية! وهم يتوقعون خلال مدة، أقصاها سبع سنوات، أن ينجحوا في رفع الإنتاج النفطي العراقي إلى أكثر من 10 ملايين برميل يومياً! ويحدث هذا في وقت وصل فيه الطلب العالمي على النفط (العام الحالي 2004) إلى 80.3 مليون برميل يومياً، ومن المتوقع أن يرتفع في العام القادم إلى 120 مليون برميل، الأمر الذي يعطينا السبب الرئيسي الحاسم لاحتلال العراق، حيث يقدّرون احتياطاته المستكشفة بكمية 110 مليارات برميل، والمتوقعة بكمية 310 مليارات برميل! وجدير بالذكر أن منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبيك) أعلنت في 10 نيسان/أبريل الماضي، لأسباب مختلفة، قرارها خفض سقف إنتاجها إلى 23.5 مليون برميل يومياً، وهذا القرار قوبل باعتراضات شديدة من الدول الصناعية، فإذا أخذنا بالاعتبار أن الأميركيين يتوقعون رفع الإنتاج النفطي العراقي إلى ما يقارب نصف كمية إنتاج الأوبيك، في ظل الاحتلال وخلال السنوات السبع القادمة، أدركنا سرّ الحرب، وسببها الرئيسي القاطع، وهو ما أدركته بكل بساطة الأم البريطانية الثكلى روز جنتل، بينما لا يزال الكثيرون من فهمائنا المفوّهين منشغلين عن هذا الأمر المصيري بأمور أخرى تبقى جانبية وثانوية مهما عظمت. غير أن العراق لن يكون بالتأكيد مجرّد فريسة نفطية وهو الذي حوّل المعتدين إلى فرائس!

دحر الوحوش وإنقاذ النفط!

في العام 2005، سوف يصبح الطلب العالمي ضعف ما كان عليه قبل ثلاثين عاماً (من 60 مليون برميل إلى 120 برميل) ومع ذلك فإن الخبراء (مثل الأستاذ نقولا سركيس) يتساءلون حول ما إذا كان العرض سيكفي لتلبية الطلب! وبما أن المنطقة المسماة بالشرق الأوسط تتكفل لوحدها بتقديم القسم الأكبر من العرض فإن المتوقع أن يترتب على هذه المنطقة مضاعفة إنتاجها لتفادي النقص الذي ستسببه الزيادة المتواصلة في الطلب!

إن احتياجات الولايات المتحدة إلى النفط من خارجها سوف ترتفع في العام 2005 إلى 71%، واحتياجات أوروبا الغربية إلى 68.6%، والصين 37.2%، ناهيكم عن بقية البلدان المستهلكة! ويحدث هذا في وقت تتضاءل فيه اكتشافات النفط، وما يكتشف كل عام لا يعوض ما يستهلك، كذلك يحدث هذا في وقت تتعاظم فيه الحاجة العالمية الإنسانية إلى مادة النفط ومشتقاتها، وهي المادة التي دخلت كأساس في ما لا يحصى من الاحتياجات الإنسانية اليومية، ابتداء بالاحتياجات المنزلية وانتهاء باحتياجات سفن الفضاء!

إن حرب النفط تدور بين الدول الكبرى، وبين الشركات الكبرى، وإذا كانت لا تأخذ هنا وضع الاشتباك المسلح (من دون استبعاده إذا تطلب الأمر ذلك) فإنها في العراق، وبداهة في فلسطين، تأخذ وضع الاحتلال المباشر والعدوان المسلح المستعد للمضي إلى أبعد الحدود من أجل وضع اليد على الثروة النفطية وعلى موطنها بعد إقصاء أو استئصال الشعب مالكها! غير أن أمتنا تبرهن كل يوم، في الميدانين العراقي والفلسطيني، أنها قادرة على دحر المعتدين، وعلى إنقاذ مادة النفط النبيلة من براثن الوحوش لما فيه مصلحتها ومصلحة البشرية جمعاء.

www.snurl.com/375h

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1