العراق يفاجئ الأميركيين ويذهلهم ويربكهم !

بقلم: نصر شمالي

تتلخص السمات البارزة للمشهد العراقي اليوم في أن المقاومة تبرهن عن وحدتها وقوتها، وذلك بفضل مناعتها ضدّ محاولات اختراقها وتفتيتها وعزلها عن الشعب، وفي أنها تستثير وتستفّز المحتل بعملياتها الناجحة فتجبره على فضح حقيقة أهدافه، وكشف مقدار استعداده المسبق لممارسة أفظع الجرائم في سبيل تحقيق أهدافه، وبالمقابل فإن إسفار المحتل عن وجهه الحقيقي أكثر فأكثر يجعل المقاومة تستنبط وسائل هجومية أقوى فأقوى! إن هذا هو عين ما يحدث اليوم في العراق، وهو يتطابق تماماً مع الشروط النموذجية للصراع بين الحق والباطل في أي مكان وأي زمان!

قرار مسبق بتمزيق الشعب العراقي !

منذ احتلال بغداد، اتضح تماماً أن الانجلوسكسون يحملون سلفاً مشروعاً لتمزيق اللحمة التاريخية التي توحّد المجتمع العراقي، وهم باشروا على الفور تنفيذ مشروعهم، مع أنهم اعتقدوا أن جميع الفئات الاجتماعية سوف تستقبلهم بالورود، أي أن تدمير المجتمع العراقي كان هدفاً مقرراً، لا تراجع عنه، حتى وإن كان المجتمع العراقي موالياً لهم بكامله! وهكذا، ومن دون أية فجوات زمنية، أدرك العراقيون جميعاً أنهم يمضون نحو صراع مسلح مفروض عليهم، وأن هذا الصراع سوف يكون دامياً، رهيباً، لا هوادة فيه، وسرعان ما أظهروا ازدراءهم للموت، وانحيازهم للمقاومة التي انطلقت منذ اللحظة الأولى، مدركين أن الهجوم وليس الدفاع هو ما يجب أن يكون شعارهم، وأن إلحاق الهزيمة الكاملة بقوات الاحتلال هو ما يجب أن يكون هدفهم! والحقيقة أنه لم يحدث في تاريخ الصراعات بين الحق والباطل أن انجلت حقائق الموقف، وطبقت قوانين الكفاح، بمثل هذه السرعة التي شهدناها في العراق، ولابد أن ذلك يعود إلى تجربة الشعب الفلسطيني الفذّة أولاً، وإلى ما تعانيه الأمة العربية على مدى العهود السابقة من أهوال ثانياً!

مفاجآت لم يتوقعها الأميركيون !

لم تعد أكاذيب المحتلين ونواياهم خافية على أحد في جميع أنحاء العالم، وهي ما كانت لتنكشف لولا ظهور المقاومة فعالة منذ الأيام الأولى. لقد ارتبك برنامجهم عندما لم تتحقق تنبؤاتهم بصدد أمرين: الأول بصدد أسلحة الدمار الشامل، والثاني بصدد إمكانية ظهور المقاومة! وهكذا وجدوا أنفسهم، في الشهر الأخير من عام 2003، أمام معضلة تستدعي إجراءات استثنائية، فصادق الرئيس الأميركي على تصعيد العمليات الحربية، وزج بالقوات الخاصة في الميدان، على الرغم من خطورة التصعيد الذي سيفتح الأبواب على مصاريعها لجميع الاحتمالات التي لم تكن متوقعة قبل أشهر قليلة فقط!

لقد حاول الأميركيون طمأنة أنفسهم أن لجوءهم إلى مغامرة التصعيد سوف يكون محدوداً وقصيراً، فقط لمجرد الحسم السريع ضدّ المقاومة التي تتشكل من بقايا النظام السابق، وذلك بتحييدها وتعطيلها عن طريق اعتقال واغتيال عناصرها، أي أنهم أرادوا اعتبارها منفصلة عن إرادة الشعب العراقي ومتناقضة معها، غير أن هذا التصور لم يكن سوى أمنية لم يقتنعوا هم بالذات بصحتها!

في ذلك الشهر دار جدل كبير في البنتاغون حول ما إذا كان استهداف عدد كبير من أفراد المقاومة هو الأسلوب العملي والفعال سياسياً لتحقيق الاستقرار في العراق، خاصة بعد أن فشل الأميركيون تكراراً في تأمين مصادر عراقية ثابتة وموثوقة تأتيهم بالمعلومات الضرورية عن المقاومة! وقد بدأت أصوات الصهاينة ترتفع داعية إلى التنسيق بين الميدانين العراقي والفلسطيني، وإلى إرهاب الشعب العراقي عموماً من أجل إخضاعه! إن المحتلين، الذين هم على باطل، ينزلقون إلى الهاوية كالعادة، وكما يعلمنا التاريخ، لأن المنطق والواقع الموضوعي، يبقيان ضدهما طوال الوقت!

العقلاء الأميركيون يبوحون بمخاوفهم!

لكن الإدارة الأميركية لم تخل من العقلاء الذين عبّروا عن خشيتهم من تحوّل مغامرة "الاصطياد الوقائي" للمقاومين إلى برنامج فينكس الفيتنامي، الذي أغرق القوات الأميركية في دماء الأبرياء! قال أحدهم: إن مشكلة اصطياد الرؤوس المطلوبة تفترض أن نكون على يقين من أنها هي حقاً الرؤوس المطلوبة! غير أن اليقين ظل صعب المنال، حيث لا يوجد متعاونين عراقيين كاستخبارات، وحيث المقاومة تخطط لعملياتها بواسطة الاتصال الشخصي المباشر، فهي أذكى من أن ترتكب خطأ التعامل مع الهواتف النقالة وأجهزة الراديو، ونظامها يصعب اختراقه، تماماً كما كان مستحيلاً اختراق المقاومة الفيتنامية!

بالطبع، لم يكن ثمة خيار سوى الولوغ أكثر فأكثر في دماء العراقيين، فعمليات المقاومة لابد من الردّ عليها، وقد عوّل المتشدّدون الأميركيون على ذلك قائلين: إذا رأيت بعض رجالك يقتلون فلابد أن تتغيّر الأمور. لقد كنا نقوم بعملنا حتى الآن على الطريقة الأميركية. كنا أشخاصاً طيبين، والآن سنكون أشخاصاً شريرين، فالأعمال الشريرة هي الكفيلة بتغيير الأمور!

وبناء على ذلك بدأ التعاون الميداني الإسرائيلي الأميركي ، وقدّم الإسرائيليون خبرتهم في تفكيك المقاومة، مقابل إطلاق يدهم في إبادة الفلسطينيين، وقد لخص ضابط إسرائيلي عملية التعاون بأنها تركّز على كيفية القيام بالاغتيال والقتل المحدّد، الضروري لتحقيق النصر، وراح الإسرائيليون يحثّون الأميركيين على اعتماد أساليب وحدات الكوماندوز الإسرائيلية الصغيرة، التي تعمل بالخفاء في الضفة والقطاع، وأن يتعلموا كيفية تشكيل شبكة من المخبرين العراقيين، وبناء على معلوماتها يمكن اعتقال واغتيال المقاومين!

غير أن تلك الاقتراحات الإسرائيلية لم تكن قابلة للتطبيق في العراق، ناهيكم عن أنها لم تنجح في فلسطين على الرغم من نصف قرن من الاحتلال الصهيوني، وقد أدرك الأميركيون أنهم في العراق بحاجة إلى حكومة دمية تؤمن لهم دريئة بشرية عسكرية محلية، وتؤمن لهم جهاز الاستخبارات المحلي الضروري، فبدأ الحديث عن تسليم السلطة للعراقيين في حزيران /يونيو 2004!

لكن التحضير لعملية صنع حكومة عراقية مع تشكيلاتها لم يكن يعني عدم المضي قدماً في حرب الوحدات الخاصة ضدّ المقاومة، وبالفعل جرى توسيع دائرة الاعتماد على هذه القوات التي يبلغ تعدادها 47 ألفاً، والمتخصصة في إنجاز أشد المهمات قذارة، ورفعت ميزانيتها في عام 2004 بنسبة 34% ، وهاهي اليوم منخرطة في الحرب ، بمناظيرها الليلية وأسلحتها الفتاكة، تقتحم بيوت المواطنين العزّل، فتقتل وتسرق وتعتقل على الشبهة، بل من دون شبهة في معظم الأحيان، ولمجرّد الإرهاب!

مصير القرن يتقرر في العراق!

كما هو متوقع بالضبط، وحسب قوانين الحياة والتاريخ ، فإن عمليات الوحدات الخاصة فعلت فعلها العكسي، وإذا بالمقاومة تشتد أكثر ، ثم تنطلق دفعة واحدة في جميع مدن العراق مترافقة مع انتفاضة شعبية أبرز سماتها الوحدة الوطنية الراسخة، والإجماع على طرد المحتلين!

لقد تطلع الأميركيون إلى تحقيق برنامجهم (الشرق الأوسط الأكبر) بسهولة ، ومن دون معوقات تستحق الذكر، فينزلون في العراق، ويضعون يدهم على صناعة النفط، ويشكلون حكومة تابعة تنوب عنهم في تحييد الشعب بإشغاله بالحريات الكلامية، وبضبطه استخباراتياً لصالحهم وبإشرافهم، ثم يقيمون خمس أو سبع قواعد عسكرية في البادية بعيداً عن التماس مع الأهالي، وينطلقون لترتيب الشرق الأوسط الأكبر، من إندونيسيا إلى موريتانيا، حسب مصالحهم وبما يحقق سيادتهم الدولية على مدى القرن الجديد بكامله! غير أن تطلعاتهم اضطربت، وبرنامجهم ارتبك إن لم يكن توقف، فالخطوة الأولى ، وهي السيطرة على العراق منضبطاً وخانعاً، تبدو بعيدة المنال كما هو الحال في فلسطين، وبالتالي فإن مشروع الحكومة التابعة، والقواعد العسكرية الراسخة، والنفط المتدفق بالراحة، تبدو اليوم جميعها في مهبّ الريح أمام اندلاع عمليات المقاومة العراقية على أوسع نطاق!

لقد صنّف الرئيس الأميركي العراق على أنه جبهة المواجهة الأولى في العالم، وقال أنه غير مسموح بالفشل في هذه الجبهة، الأمر الذي يعني حرباً طويلة ضارية، قابلة للاتساع، يتوقف عليها مصير القرن الجديد الذي يريدونه أميركياً عبودياً، وتريده الأمم، وفي مقدمتها العرب والمسلمون، حراً وإنسانياً!

www.snurl.com/375h

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1