الخلفية الانكلوسكسونية للاغتيالات الفردية والجمعية !

بقلم: نصر شمالي

ونحن نواجه العمليات الإبادية على مدار الساعة، ومنها اغتيال الشهيد المجاهد الشيخ أحمد ياسين، يتوجب علينا الكف عن المماحكات المهلكة حول قضايا آنية ثانوية، حيث لا ينجم عن ذلك سوى تمكين العدو من حصد أرواحنا بسهولة، أما الضروري فهو التمعن في العبر التاريخية، والعودة إلى الوقائع الثابتة التي تقطع بأن وجودنا كأمة مهدّد برمته ومن جذوره.

ففي كتابه عن نظريات الاستعمار الإنكليزي يعتقد كلاوس كونور أن الانكلوسكسون هم أكثر القوى الاستعمارية الأوروبية تعمداً لممارسة الإبادة، حيث هدفهم النهائي إفراغ الأرض من أهلها وتملكها، وأنهم خلال مسيرتهم الاستعمارية، التي بدأت بإيرلندا ولم تنته بعد، تحكمت بسلوكهم وبنادقهم عقدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي، وتحولت إلى ذهان هذياني جعلهم يؤلهون ذاتهم، ويتوهمون امتلاك حق تقرير الحياة والموت لكل من عداهم، وأنهم في حلّ من أي التزام إنساني أو قانوني تجاه الشعوب، ليس باعتبارها أعراق منحطة وحسب بل لأنها في الغالب مخلوقات متوحشة لا تنتمي للنوع الإنساني! إن الكيان الصهيوني قاعدة إبادية انجلوسكسونية، والعراق يحتله الانكلوسكسون، وهم يؤكدون اليوم في خطابهم وأدائهم على ستراتيجيتهم الإبادية أكثر من أي زمن مضى.

تشبيه الهنود الحمر بالكنعانيين !

غير أن عمليات الإبادة التي مارسوها ضدّ الايرلنديين البيض، الذين اعتبروهم متوحشين، لم تكن أكثر من شجار عائلي مقارنة بما ارتكبوه في أميركا وفي غيرها حتى يومنا هذا، فشعوب أميركا، التي لا تشاركهم لونهم ولسانهم، خضعت لمعايير سفر التكوين، وطبقت عليها قصص اجتياح أرض كنعان كما وردت في العهد القديم، وقد استمدوا من تشبيه الهنود الحمر بالكنعانيين ومن تشبيه أميركا بأرض فلسطين (أرض الميعاد) الأسس الأخلاقية الضرورية كي تتماسك سيكولوجيتهم الاستعلائية ولتبرير عنصريتها وعنفها المميت، فلم يساورهم الشك في أن الإبادات تدبير الهي مبارك! وكان من الشروط الأولية لتنفيذ الإبادة الجماعية التأكيد على لا إنسانية الهنود، وأنهم بالوراثة كائنات منحطة، وقد كتب أوليفر هولمز، في عام 1855، أن اصطياد الهنود كالوحوش مهمة أخلاقية ضرورية كي يبقى الإنسان فعلاً على صورة الله! وهذا التصنيف يمارس اليوم قولاً وفعلاً ضدّ العرب والمسلمين.

لقد بدأت دعوات الإبادة تتردد بقوة في وقت لم يكن يوجد في مجمل الشمال الأميركي أكثر من ألفي إنكليزي، ثم ازدادت الدعوات حدّة وجنوناً حين تأكد الإنكليز أن الهنود يرحبون بهم ضيوفاً، ويكرمونهم بما يكفيهم من الأرض والرزق، ولا يمانعون في العيش معهم بسلام، لكنهم لن يتنازلوا عن أراضيهم طوعاً، ولن يتقبلوا فكرة السخرة والاستعباد، فكانت كل بادرة رفض ومقاومة للجشع والتعصب برهاناً إضافياً على صحة الإدعاء بأن الهنود متوحشون عدوانيون لا تنفع معهم إلا الإبادة! وفي ما بعد، كتب فرانك باوم: لقد أبيد أصحاب البشرة الحمراء ولم يبق منهم إلا مجموعة صغيرة من كلاب هجينة تعض اليد التي تطعمها ولا تتوقف عن النباح، وإن أفضل أمن لمستوطنات الثغور يجب أن يتحقق بالإبادة التامة لهذه البقية الباقية من الهنود، فموتهم خير لهم من الحياة! إن البدايات في فلسطين كانت مثل البدايات في أميركا، وإن ما يحدث اليوم في الضفة والقطاع يشبه تماماً ما حدث لبقية الهنود في المراحل اللاحقة!

الإبادة هي مفهومهم للسلام!

كان وليم برادفورد، حاكم مستعمرة ماساشوسيتس، يعتبر الهنود كنعانيين متوحشين يهيمون على وجوههم، وأنهم أحقر من وحوش البراري! أما روجر وليامس، مؤسس مستعمرة رود آيلاند، فكان يقول أنهم ربما كانوا مخلوقات ممسوخة من نسل آدم، وأنهم ربما من نسل حام! وكتب فيليب فنسنت، عام 1638، أن مظهر الهنود مظهر بشر وأفعالهم أفعال عقلاء، لكن قتلهم مبرّر من أجل أن يحلّ السلام! وفي عام 1677 أكد الطبيب الإنكليزي وليام بيتي، عضو الجمعية الملكية، أن الهنود ليسوا وحوشاً وليسوا بشراً، بل وسطاً بين البشر والوحوش! ومثل هذا القول يعتبر لطيفاً قياساً بما كان يقوله جون سميث، مؤسس مستعمرة جيمس تاون، وهو أنهم بهائم كالهوام والحشرات والذباب والقمل، ومثل الجرذان والفئران! وعندما بدأ الإنكليز انطلاقتهم خارج القارة، باعتبارهم أميركيون، وتوجهوا للاستيلاء على الفيلبين انطلاقاً من إيمانهم بحقهم في حكم العالم، أقلقهم ضم أمة منحطة داكنة البشرة، فقدّم الجنرال جاكوب سميث، عام 1902، المثال على ضرورة التطهر العرقي بأن اجتاح جزيرة سامار الفيلبينية وأباد كل ذكر فيها تجاوز العاشرة من عمره!

ولقد وصف المؤرخ الأميركي فرنسيس باركمان الهنود بأنهم بشر وذئاب وشياطين في آن واحد، وأنه قدّر عليهم التلاشي أمام تقدّم موجات الحضارة الانكلوسكسونية، وأن الهندي هو المسؤول عن هلاكه لأنه لم يتعلم فنون الحضارة، فلابد من زواله، والأمر يستأهل!

وأولبرايت تقول: الأمر يستأهل !

الأمر يستحق، أو يستأهل! لقد تكررت هذه العبارة القديمة على لسان وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت حين سئلت عن رأيها في هلاك مئات آلاف الأطفال العراقيين جراء الحصار الإبادي الأميركي الإنكليزي. أجابت أولبرايت: الأمر يستأهل! (it is worth it) ومضمون هذه العبارة يطبّق اليوم على الفلسطينيين والعراقيين، وإذا سارت الأمور كما يريدون فسوف يطبّق على غيرهم أيضاً، فمنذ عام 1831 قال جورج بوش الجدّ (1796-1859) في كتابه (إحياء رميم إسرائيل) أنه: ما لم يتم تدمير اميراطورية السارزن ( أي الكفرة ويقصد المسلمين) فلن يتمجّد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم! إن كتاب بوش الجدّ موجود في مكتبة الكونغرس، وهو من أبرز محطات الصهيونية الأميركية غير اليهودية الداعية إلى تجمع يهود العالم في فلسطين، ولفظة (السارزن) هي الصفة التي كان يطلقها الأوروبيون الفرنجة (الصليبيون) على العرب والمسلمين، وهي مأخوذة من مفردات الرومان الذين كانوا يطلقونها على بعض رعاياهم تحقيراً! ولنلاحظ اليوم تجنب ذكر العرب والمسلمين باسمهم، فهم شرق أوسطيون، وإرهابيون!

حقل الدم الفلسطيني العراقي !

قبل أن يصدر رامزي كلارك، وزير العدل الأميركي الأسبق، كتابه عن جرائم واشنطن ضدّ الإنسانية في حربها على العراق، أصدرت الفرقة العسكرية الجوية الأميركية السابعة والسبعون كتاب أناشيد تعرض فيه ما سوف تفعله في العراق، وتنذر العراقي ( المتوحش، القميء، ابن الأفاعي!) بأن يستعدّ للإبادة! إن واحداً من تلك الأناشيد ينتهي بخاتمة تقول: الله يخلق، أما نحن فنحرق الجثث! ويصف كريستوفر هيتشينس كتاب الأناشيد العسكرية الأميركي بأنه خليط من السادية والفحش، ومعظمه تشنيع وتشهير وشتائم بذيئة ضدّ العرب والمسلمين باعتبارهم أعراق منحطة! وهي بذاءات مقتبسة من كتاب لجورج بوش الجدّ الأكبر عنوانه"حياة محمد"! وهو كتاب يحتوي على أشنع ما كتب ضدّ العرب والمسلمين وضدّ نبينا محمد (صلعم) في الولايات المتحدة الأميركية!

وفي ما بعد، اعترف الجنرال نورمان شوارزكوف في عدة مقابلات تلفزيونية أنه كان يريدها معركة إبادية تامة للعراق، وأنه كان يخطط لمعركة من طراز معركة كاناي القرطاجية، التي يطلق الطليان على الميدان الذي دارت فيه اسم "حقل الدم"!

ذهب أميركا، وتحرير أورشليم!

إن العالم المعاصر كله يعيش تحت رحمة إسرائيل الكبرى الأميركية التي دشنتها مافيا كولومبس، والتي سوف تبلغ ذروة كمالها بتدمير وإبادة أمتنا وتملّك بلادنا! فقد أوصى كولومبس باستثمار ذهب أميركا لتحرير أورشليم! أما الهنود الحمر فقد أبيدوا قبلنا وباسمنا نحن الكنعانيين، لكنهم ما زالوا يعيشون فينا ولابد من استئصالهم باستئصالنا من وجهة نظر الإباديين، الأمر الذي يعني أن العملية الإبادية الهائلة لم تنته، بل بدأت! أما الصهاينة اليهود، المرتزقة، الذين انخرطوا لاحقاً في المشروع الاستعماري الصهيوني غير اليهودي، والذين كانوا طلائعه في فلسطين، فقد اندمجوا اليوم مباشرة وعلناً في القوات الانجلوسكسونية التي نزلت بنفسها إلى الميدان، وها هم جميعاً يتأهبون كي تأخذ الإبادة بعدها الحقيقي المنتظر، باستئصال الهدف الكنعاني!

أخيراً ، أعود فأنصح مرة أخرى أن يقرأ بتمعن كتاب الأستاذ منير العكش، وعنوانه: أميركا والإبادات الجماعية!

 

Hosted by www.Geocities.ws

1