القاهرة

- عضو الأمانة العامة ومنسق تقرير حال الأمة الأخ العزيز د. محمد السعيد إدريس

- ع/ ط مدير المؤتمر القومي العربي الأخت العزيزة رحاب مكحّل

- الموضوع: ملاحظات حول القسم الأول من مشروع تقرير حال الأمة.

- المصدر: نصر شمالي- عضو الأمانة العامة- دمشق

 

 

تحية واحتراماً وبعد:

 

فقد طالعت الصفحات الأولى من مشروع تقرير حال الأمة،  وتحديداً الجزء الأول المتعلق بالديمقراطية، من ص 7 إلى ص 17، وسجلت الملاحظات التالية، التي أحسست بضرورة إرسالها قبل الإنتهاء من المشروع بمجمله(440ص!.) لأنها وجهه ومدخله، ولا أدري إن كنت سأتمكن من موافاتكم بمزيد من الملاحظات:

 

1-       استغربت أن الحديث عن الديمقراطية ينطلق من كونها قضية مسلّم بها كونياً! علماً أنه ليس منطقياً ولا علمياً أن تكون كذلك، أن ينظر إليها ويجري التعامل معها باعتبارها الصورة المثلى والنظام الأمثل لمطلق حياة بشرية في مطلق زمان ومكان! والحال أنها مجرّد عنوان لعلاقة تعاقدية تنظيمية بين قوى اجتماعية متكافئة نسبياً، ومتضاربة المصالح، تسعى إلى معالجة الاختلافات والخلافات في ما بينها سلمياً، علماً أن كل قوة اجتماعية تستفيد من النظام الديمقراطي بمقدار ما تمتلكه من الحرية المادية والمعنوية.

2-       إن الديمقراطية الإغريقية القديمة، التي فرضت كمصطلح في عصرنا، كانت ديمقراطية السادة المالكين للأرض ومن عليها وما عليها، وتعدادهم لم يكن يتجاوز السبعين ألفاً على ما أذكر، بينما تعداد الشعب الإغريقي كان أكثر من ستمائة ألف روح، لا يملكون شيئاً إطلاقاً بما في ذلك ذواتهم، فهم مجرّد رقيق، خارج اللعبة الديمقراطية التي كانوا موضوعها باعتبارهم مجرّد ممتلكات.

3-       والديمقراطية الأوروبية /الأميركية ظهرت بالأمس، ابتداء من القرن السابع عشر فقط، فهي ليست أزلية، وقبل ذلك كان الاستبداد بأفظع أشكاله هو السائد في كل مكان من أوروبا، وكانت الشعوب الأوروبية أشبه بالرقيق، بل هي كانت في معظمها أقنان حقاً وفعلاً، وكان الملك ممثل الله على الأرض!

4-       إذن ، لماذا قرنتم الاستبداد عبر التاريخ بالعرب والمسلمين؟ لماذا؟! فالشعوب العربية والإسلامية ظلت تعيش على مدى قرون، بل عصور، أوضاعاً متقدمة جداً من الحرية الروحية والنفسية والذهنية والمادية، ومن حيث حقوق الإنسان وحرياته، الأمر الذي لم يعرفه الأوروبيون بالكامل تقريباً إلى ما قبل القرن السابع عشر!

5-       وحتى عندما بلغت الديمقراطية الأوروبية /الأميركية أوجها في أوروبا وأميركا، في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، كانت هناك طبقات اجتماعية واسعة مسحوقة تحت نير ديمقراطية النخب السياسية والاقتصادية، ويمكن العودة المريحة والسهلة إلى رواية جون شتاينبك (عناقيد الغضب) مثلاً، لنرى الفظائع الديمقراطية التي تضمنتها, وقد تداول الكونغرس في مضمون الرواية، وتساءل الرئيس الأميركي يومئذ: هل هذا يحدث في الولايات المتحدة؟!

6-       لا تستطيع الأمة العربية بوضعها الراهن، أو أية أمة أخرى، تحقيق الديمقراطية الفعلية، وليس الهزلية المأساوية، قبل نيل الحرية المادية والمعنوية ونيل الإستقلال الحقيقي وليس الشكلي، فدويلاتنا مجرّد مناطق مدارة لكل منها حكمها الذاتي، وبالتالي فأمتنا ليست حرّة، حيث أراضيها مقطعة ومسلوبة، ومجتمعاتها ممزقة ومبعثرة، وثرواتها مبدّدة ومنهوبة، وإرادتها معطلة، ولذلك فإن المهمة التاريخية البديهية الأولى المطروحة اليوم هي استرداد الأمة لذاتها ولممتلكاتها ولحقوقها، أي لحريتها واستقلالها، وهذا لا يتحقق إلا عبر معارك من نوع آخر قد لا يتفق مع شيوع علاقات ديمقراطية بلا أساس، هزلية، ومأساوية، تقلّد الديمقراطية الأوروبية/الأميركية!

7-       ثم إنكم تحدثتم عن العبث الأميركي الإنكليزي بالديمقراطية، وعن امتهانها دولياً من قبل واشنطن، فجاء ذلك الحديث متناقضاً ومتعارضاً مع غيره في أكثر من موضع وأكثر من صياغة، فأين ذلك المثل الديمقراطي الأعلى الذي اعتبرتموه قائماً، والذي يظهر العرب عجزهم عن الإقتداء به؟!

8-       لماذا هذا التقريع والجلد لأمتنا العظيمة الصابرة المجاهدة؟ ولماذا هذا الغمز من قناة أوساط واسعة من أبنائها البسطاء الغلابا المتدينين، الذين لا يحبون الديمقراطية الأميركية؟ هل هم حقاً يستمرئون الإستبداد عبر التاريخ؟! أليست هذه أحكام المستشرقين والمستغربين وحكام العالم الطغاة المجرمين؟ أليست هذه التهم للأمة مفردات من خطاب النظام الرسمي العربي (في مصر خاصة)؟ وأنا لا أدري ما إذا كان بؤس المصريين الراهن، في ظل هذا النوع من أنواع الديمقراطية، أفضل من أوضاعهم في ظل ما يسميه البعض نظام عبد الناصر الاستبدادي!

9-       أختم بالقول أنني صدمت وأنا أطالع فاتحة مشروع التقرير، فنحن نتطلع إلى الحرية والتحرير والاستقلال، وإلى صياغة علاقات إنسانية تتفق مع هذا التطلع، ولا أمانع في أن تحمل مثل هذه العلاقات عنوان الديمقراطية إذا لم نقع في لغتنا المحيط على مصطلح آخر!

10-     أخيراً لقد دفعتني الصدمة وضيق الوقت إلى الإسراع في إرسال هذه الملاحظات، آملاً أن أجد في بقية الفصول ما يخدم قضايا الأمة المركزية: التحرير والإستقلال والحرية، وأن لا تفتقر الموضوعات إلى الخلفية التاريخية الحضارية، وبالتالي إلى استشفاف المستقبل البشري الكريم الذي أجزم أن دور أمتنا العربية والإسلامية سوف يكون أساسياً في تحقيقه.

 

 

                        أقدّر جهودكم المخلصة، وأتمنى أن لا تضيع هباء.

                         أخوكم

                          نصر شمالي

                         عضو الأمانة العامة

                    

 

Hosted by www.Geocities.ws

1