الخبير النفطي نقولا سركيس:

يــســتـطيـع الـعــراق سلب السعـوديـة سيـادتـها النـفطـيـة

 

أجرت صحيفة "الموند" الفرنسية هذا الحوار مع الخبير النفطي المعروف نقولا سركيس:

* الموند: تتابع ومنذ اكثر من ثلاثين عاما تطور الشرق الاوسط والصناعة النفطية. كيف تحلل الوضع الراهن؟

- سركيس: ما يجري اليوم للمنطقة والصناعة النفطية يذكر بشكل كبير بما حصل بعد الحرب العالمية الاولى، اي سباق مصادر التموين من جانب الشركات النفطية الكبرى (الاميركية والبريطانية والهولندية والفرنسية) والتي يلقى كل منها دعم حكومته. اليوم، يبدو جليا ان الرهانات الاقليمية هي نفسها، لكن برز اختلافان مهمان: من جهة اولى، وجود فاعلين جدد، اولا مع الصين التي انتقلت في خمسة عشر عاما فقط، من كونها مصدرة الى مستوردة للنفط الخام مع توقعات استهلاك يومية قد تبلغ العشرة ملايين برميل بعد عشرين عاما، وثانيا مع روسيا التي تملك شركات نفطية وتضطلع بدور مهم.

الاختلاف الآخر هو نشوء رؤيا سياسية وذات هوية للشعوب العربية التي شهدت تيارات مختلفة (القومية والاشتراكية والاسلامية وحتى الارهابية) بالتوازي مع انفجار ديموغرافي. هذا كله يغير عملية التوزيع بعض الشيء. في هذا الاطار الاقليمي، يضطلع العراق بدور اساسي. فالبلد يملك احتياطا اثبتت اهميته (112 مليار برميل) وطاقة كبيرة من الحقول غير المستثمرة تقدر بين 150 و250 مليار برميل، اي ما يعادل الاحتياط المؤكد في المملكة العربية السعودية، المنتج الاول في العالم.

* لا تزال المنطقة والنفط اذاً - وحتى اكثر من قبل - رهانا اساسيا للولايات المتحدة؟

- قد يثير العكس العجب. فالولايات المتحدة التي تستند الى شتى انواع الاسباب غير الطاقة لتبرر هجومها، تكتم اهدافها الحقيقية بطريقة مشبوهة لا بل مثيرة للسخرية. يبقى الرهان المركزي النفط. وكدليل على ذلك وحتى قبل احداث الحادي عشر من ايلول ،2001 التقرير حول امن الطاقة المحركة في الولايات المتحدة الذي اعدته مجموعة عمل يرأسها ديك تشيني (نائب الرئيس الحالي) وصدر في شباط من العام نفسه، يشكل اهم مرجع اعد حول نفط المنطقة. وقد ذكر فيه ان احد الاهداف الاولوية لدى واشنطن يجب ان يكون "مدخلا افضل الى الثروات النفطية في الخليج العربي - الفارسي". وما ان يتم ارساء حرية التجارة حتى لا يعود "المدخل الافضل" يعني سوى فرض سيطرة/ تحكم مباشر.

ولفهم السياسة الاميركية حيال دول الخليج، يجدر الاخذ في الاعتبار مميزات العراق في معزل عن الازمة الراهنة. فسيكون هذا البلد العملاق النفطي الجديد للعقود المقبلة. من اصل الـ73 حقلا المعروفة حتى الساعة، 15 منها فقط يتم استثمارها. ومن بين الـ58 المتبقية، تعتبر مجموعة كبيرة منها "عملاقة". على سبيل المثال، ان الحقلين اللذين دارت حولهما مفاوضات اتفاقات - لكنها لم توقع بعد - بين فرنسا (عبر توتال - فينا ألف) والعراق يحتويان على احتياط اثبتت كميته بين 15 و16 مليار برميل، اي ضعف الاحتياط الذي كانت الشركة الفرنسية لتستثمره في العالم بعد ثمانين عاما من وجودها! واكثر من نصف مجموع الاحتياط النفطي لدى الولايات المتحدة. فضلا عن ذلك، ونظرا الى الحاجات المتزايدة للطاقة في العالم بطريقة متصاعدة، سيبقى النفط لعقود اضافية المصدر الاساسي للطاقة. فالاستهلاك العالمي الحالي اليومي من النفط الخام يرتفع الى 77 مليون برميل وسيصل الى 90 مليونا في عشر سنوات و120 مليونا مع العام ،2030 اي ارتفاعا بـ43 مليون برميل في اليوم خلال ثلاثين عاما. وهذا ضخم. انه يمثل تقريبا مرة ونصف مجموع القدرات الحالية لانتاج منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبيك) او حتى اكثر بأربع مرات من القدرات الحالية لانتاج المملكة السعودية. ولمواجهة الحاجات، قد يستلزم الامر مضاعفة الانتاج اليومي في الشرق الاوسط (حيث يتواجد ثلثا الاحتياط العالمي) خلال ثلاثين سنة، لجعلها ترتفع من 21 الى 43 مليون برميل في اليوم. انه تحد هائل.

غير انه من بين الدول الخمس الرئيسة المنتجة (الامارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، وايران، والكويت، والعراق) العراق هو البلد حيث الاحتياط الموجود هو الاكثر  اهمية والاسرع استخراجا والاقل كلفة لاستثماره. مع الامكان المقدم لهذا البلد بتخطي السعودية يوما ما ليحتل المرتبة الاولى في العالم.

* لقد سبق واعلنت واشنطن عن نيتها زيادة الانتاج العراقي. هل سنشهد مشادة بين الشركات النفطية؟

- تبلغ قدرة العراق الحالية على الانتاج النفطي وقد تم حصرها بفعل نظام العقوبات 2.8 مليوني برميل في اليوم بينما كانت 3.7 ملايين في العام .1979 ويحظى البلد اذاً بهامش مهم لزيادة انتاجه. لكن النزاع الحقيقي الذي يثيره الذهب الاسود الذي يتواجد بين البلدان المنتجة وزبائنها المستهلكين (في معزل عن مسألة السعر) بقدر ما يتواجد بين الشركات الكبرى نفسها التي تسعى لضمان اكبر قدر من الاحتياط والاحتكار بغية تشكيل مصادرها الخاصة للتموين. ومن الممكن ان يبدو تضارب المصالح هذا شرعيا وطبيعيا.

* ما هي التطورات الممكنة لأسعار النفط الخام اذا ما اندلعت الحرب؟

- يتراجع على نحو متزايد وخصوصا خلال الاشهر المنصرمة، ارتباط الاسعار بالتوازن السياسي بين العرض والطلب. ان زيادة المخاطر (او زيادة الحرب) التي تأخذ في الاعتبار العامل السياسي الاضافي، هي التي تؤدي الى مبالغة (عشوائية) في تقدير الاسعار بنسبة 3 الى 8 دولار في البرميل. زد على ذلك ان المخاوف من احتمال اندلاع حرب خليج ثانية تدفع الى حجم مهم من الصفقات التقديرية (مخاوف النقص) او النظرية تحت شكل "النفط الورقي". وهذا كله يؤدي الى توترات متزايدة على صعيد الاسعار. لا تعكس الاسعار الحالية اذاً بأي شكل من الاشكال عدم كفاية محتملة في العرض.

في فرضية الحرب، نستطيع تصور حالتين قصويين: اذا كانت الحرب قصيرة وتم احتلال المناطق النفطية في شمال العراق وجنوبه بسرعة وامكن استثمارها، فستنخفض الاسعار مجددا بحسب ما تتمناه اميركا.

هذا السيناريو ممكن خصوصا ان الطلب العالمي على الطاقة خلال الفصلين الاولين من السنة المدنية يهبط (ينخفض مليوني برميل في اليوم). لكن اذا تعقدت على العكس الاحداث (تورطات وردود فعل اقليمية) فمن الممكن حدوث هلع على صعيد الاسعار من غير وجود مشكلات نقص حقيقية، لكن هذا الاحتمال ضئيل. وبين هذين السيناريوين، ثمة فروقات متعددة ممكنة. لا يستطيع احد ان يتوقع فعليا ما سيحصل.

ترجمة نادين نصرالله عن الفرنسية

(*) نقولا سركيس:

:1961 دكتوراه في العلوم الاقتصادية، جامعة باريس،

:1965 مستشار لدى الدول المنتجة للنفط والمجتمعات الدولية،

:1966 مدير المركز العربي للدراسات النفطية،

 

م

Hosted by www.Geocities.ws

1