وقائع واستنتاجات أساسية تجاهلها فينوغراد!

بقلم : نصر شمالي

نبدأ من النهاية فنقول أنّ الصور المتلفزة التي عرضت على المشاهدين للمحقّق الإسرائيلي فينوغراد وهو يسلّم تقريره لرئيس الحكومة أولمرت، عن الحرب ضدّ لبنان في العام 2006 ، أظهرت معدّ التقرير وقد تجنّب تماماً، بإصرار واضح، النّظر إلى وجه أولمرت حتى وهو يصافحه! لقد عكست تلك الصور إحساس من ارتكب جرم "شهادة الزور"! وشهادة الزور هنا هي انصياع المحقّق الإسرائيلي لتوجيهات الرئيس الأميركي الذي أعلن صراحة أثناء زيارته للكيان الصهيوني مؤخّراً أنه يريد بقاء أولمرت على رأس الحكومة الإسرائيلية! وبما أنّ فينوغراد كان على وشك الانتهاء من إعداد تقريره فقد اضطر كما يبدو، وكما أظهرت الصور التلفزيونية على الأقل، أن يسقط من تقريره كلّ ما من شأنه إسقاط رئيس الوزراء فوراً!

تقودنا حكاية الصور، وشهادة الزور الفينوغرادية بسبب ضغوط الرئيس الأميركي، إلى الإشارة لخصوصية العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وسوف نعتمد بصددها وبصدد ما سيليها من وقائع واستنتاجات الحرب ضدّ لبنان على ما جاء في أربع مقالات لداعية السلام الإسرائيلي الشهير أوري أفنيري، الذي كتب في 22/1/2005 أنّ :"أميركا مستعمرة إسرائيلية و"إسرائيل" مستعمرة أميركية"! فالرئيس الأميركي يرقص على أنغام النّاي الإسرائيلي، ومجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين مستعبدان تماماً، أكثر من الكنيست، لليمين الإسرائيلي! وبالمقابل فإنّ الحكومة الإسرائيلية لا تستطيع أن ترفض أمراً واضحاً يصدره الرئيس الأميركي، فعندما يعارض بيع طائرة استطلاعية للصين تلغى اتفاقية البيع على الفور! وإذا أراد أن يتّفق الأداء الاقتصادي الإسرائيلي مع الأداء الاقتصادي الأميركي عيّن موظفاً أميركياً مديراً للبنك المركزي الإسرائيلي، شريطة أن يكون هذا الموظف يهودياً! أمّا عن تفسير ذلك فيقول أفنيري أنّ العلاقة بين الأميركيين والإسرائيليين هي: "علاقة بين كائنين حيّين يعيشان من خلال اتصال أحدهما بالآخر، أو يعيش أحدهما داخل الآخر"! ويوضّح أنّ الصهيونية اللوثرية الأميركية سبقت الصهيونية اليهودية (في ظهورها وفي أدائها) وأنّ الأسطورة الوطنية الأميركية متطابقة تقريباً مع الأسطورة الصهيونية الإسرائيلية، فالدولتان هما دولتا هجرة (إبادة واستيطان) ومصالحهما متداخلة في وحدة واحدة، حتى أنّ الإسرائيليين يرفعون في "عيد استقلالهم" الأعلام الأميركية إلى جانب علمهم! يقول أفنيري: "إنّ رئيس الولايات المتحدة هو ملك إسرائيل أيضاً"!

 إنّ تقرير فينوغراد لم يأت على ذكر هذه الخصوصية في العلاقات الأميركية الإسرائيلية بما لها من دور حاسم في العمليات الحربية الإسرائيلية، ففي شهر كانون الثاني/ يناير 2005لم يكن سرّاً أنّ الإدارة الأميركية مصمّمة على "إحلال الديمقراطية" في إيران وسورية بعد العراق، وقد تنبّأ نائب الرئيس الأميركي تشيني أنّ "إسرائيل" ستهاجم إيران، فكأنما هو يهدّد بإطلاق الكلب (الإسرائيلي) المربوط، حسب تعبير أفنيري!

بعد شهر بالضبط، في 22/2/2005 ، كتب أفنيري أنّ الكلب (الإسرائيلي) أصبح على وشك الانطلاق ضدّ إيران، فقد أعلن الرئيس بوش أنه لو كان زعيم "إسرائيل" لكان قلقاً جداً من أعمال إيران، مضيفاً أنّ واشنطن ملزمة بالدفاع عن أمن "إسرائيل"! وفي الأسبوع ذاته حدث أمر مفاجئ لا مثيل له في تاريخ الجيش الإسرائيلي، فقد نحّي رئيس الأركان الجنرال يعلون ليحلّ محلّه الجنرال الطيار حالوتس الذي اشترك في تدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981 ! يقول أفنيري: "إنّ تعيين فرد من سلاح الجوّ رئيساً للأركان يرمز إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يستعدّ لإنجاز عملية أكبر بكثير، وفي الجوّ تحديداً"! غير أنّ فينوغراد لا يشير إلى ذلك!

 وقد حدث في ذلك الأسبوع من ذلك الشهر أن اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، فهل جاء الحادث في سياق الاستعداد لضرب إيران؟ أي لنشوب اضطرابات دموية في لبنان تغرق فيها المقاومة اللبنانية وتتعطل، وتنعكس على الأوضاع في سورية أيضاً، وهو ما يمهّد لعمليات في سورية ولبنان بعد عملية إيران؟ إنّ تقرير فينوغراد لم يشر إلى هذه الوقائع على الرغم من أهميتها الرئيسية الحاسمة! أمّا أفنيري فإنّه يقول معلّقاً في حينه: "إنّ عملية اغتيال الحريري ستسهّل على الأميركيين بناء المعارضة وإثارة موجة غضب مناهضة لسورية، وهي أتت في اللحظة المناسبة لمن هو معني بالانقضاض على سورية"!

غير أنّ العملية التي دخلت طور الاستعداد للتنفيذ ضدّ إيران قد تعطلت، على ما يبدو، لسببين رئيسيين ربّما: أولّهما تصاعد المقاومة في العراق، في الأنبار خصوصاً، وهو ما أعاق فتح جبهة حربية جديدة، والثاني أنّ مضاعفات اغتيال الرئيس الحريري لم تذهب إلى الحدّ المتوقّع لها أن تذهب إليه! وهكذا جمّدت العملية ضدّ إيران، لتتحوّل بعد حوالي عام ونصف إلى عمليّة جوّية ضدّ لبنان، وقد توقّعوا لها أن تكون بدورها مجرّد نزهة! غير أنّ تقرير فينوغراد لم يشر إلى ذلك!

في 3/8/2006، أثناء الحرب ضدّ لبنان، كتب أفنيري يقول: " يعتقد حالوتس أنّ بالإمكان الانتصار على حزب الله بسلاح الجوّ الأكثر تطوراً ونجاعة والأفضل في العالم! إنه لمن السهل شنّ الحرب ولكن من الصعب حسمها، فبينما تظنّ الحكومة (الإسرائيلية) أنها تسيطر على الحرب تؤكّد الحقيقة أنّ الحرب هي التي تسيطر على الحكومة، فقد امتطت ظهر النمر وأصبح صعباً عليها النزول لأنّ النمر سيفترسها"!

 ثم يمضي أفنيري في عرض الوقائع الحربية الخطيرة والاستنتاجات الإستراتيجية المذهلة، مما يكفي ليس لسقوط الحكومة الإسرائيلية وحدها بل ولسقوط الرئيس الأميركي أيضاً وعلى الفور! لكنّ تقرير فينوغراد يتجاهل كلّ ذلك، ونحن لا نستطيع هنا، في هذه المساحة الضيّقة، عرض جميع الوقائع والاستنتاجات التي تجاهلها تقرير فينوغراد، ولذلك نكتفي بالقول أنّ الحروب الإسرائيلية الخاطفة، الأشبه بالنزهات، التي تحسم الموقف خلال ساعات لصالح الأميركيين وقاعدتهم، قد ولّى زمنها إلى غير رجعة منذ الانتفاضة الأولى لأطفال الحجارة الفلسطينيين، وإذا كان من شبه المؤكد أنّ الأميركيين والإسرائيليين سوف يعرّضون بلادنا لمزيد من المآسي فإنّه لمن شبه المؤكّد أيضاً أنّ النتائج لن تأتي كما يريدونها، ولعلّها ستأتي قريباً بعكس ما يريدون!

 [email protected]

 

     

Hosted by www.Geocities.ws

1