موقع غزّة في المشروع الصهيوني

بقلم: نصر شمالي

يعود ذكر قطاع غزة والضفة الغربية في المشاريع الصهيونية الإنكليزية/ الأميركية إلى العام 1850، أي إلى ما ينوف عن مائة وسبعة وخمسين عاماً! ففي ذلك التاريخ جاء إلى فلسطين الكابتن البريطاني وليام آلان، الموظف في جمعية المهندسين الملكية البريطانية، وأعدّ دراسة عن إمكانية ربط البحر الأبيض المتوسط والبحر الميت بقناة تصل ما بين خليج حيفا ووادي الأردن، وتؤمن للإنكليز طريقاً إلى الهند بدلاً من قناة السويس التي يملكها الفرنسيون، حيث يمكن أيضاً وصل البحر الميت بخليج العقبة على البحر الأحمر!

 وعلى الرغم من احتلال الإنكليز لمصر أواخر القرن التاسع عشر، حيث سقطت ذريعة سيطرة الفرنسيين على قناة السويس، تواصل العمل في هذا الاتجاه، ففي العام 1899 أعدّ المهندس السويسري ماكس بوركارت دراسة،عرضها على رئيس المؤتمر الصهيوني اليهودي تيودور هرتزل، تدعو إلى التحضير لمشروع يتشكّل من قناتين مائيتين تزوّدان الدولة اليهودية بعد قيامها بالكهرباء: قناة من حيفا إلى البحر الميت، وثانية من جنوب بحيرة طبريا إلى البحر الميت أيضاً، وقد تبنى هرتزل المشروع، وراح يتحدث عن عنفات مائية تقام قرب البحر الميت، على مساقط المياه المجرورة من المتوسط، تنتج كمية من الكهرباء تغذي المنطقة الصناعية التي ستنهض على سواحل البحر الميت!

غزّة في مشاريع القرن العشرين!

في عام 1938 أوفدت الحكومة الأميركية خبير الريّ لوذر ميلك إلى فلسطين، حيث أمضى عاماً كاملاً في إعداد تقرير لصالح الوكالة اليهودية تضمّن، في ما تضمّن، الفقرة التالية:" هناك أدلة كثيرة تؤكد أن استغلال منخفض وادي الأردن سيجعل مع الوقت استيطان أربعة ملايين مهاجر يهودي من أوروبا أمراً ممكناً"!

منذ ذلك التاريخ توالت المشاريع المائية الإنكليزية الأميركية الصهيونية ، التي تناولت فلسطين كأنها أرض بلا شعب، إلى أن استقرت الدراسات، بصدد ربط المتوسط بالميت، على فكرة الانطلاق بالقناة من قطاع غزة، وأنّها فكرة قابلة للتنفيذ أكثر من غيرها، ففي 24/8/1980 أقرت الحكومة الإسرائيلية اعتماد الطريق التي تبدأ من منطقة القطيف قرب خان يونس، وتمرّ في النقب الشمالي جنوب بئر السبع، وتصل إلى بوكك على البحر الميت، فعلى هذه الطريق يمكن أن تشقّ قناة مفتوحة بطول 22 كيلومتراً، يليها ويكملها أنبوب قطره خمسة أمتار وطوله 80 كيلومتراً، وقرب المصبّ على البحر الميت تقام بحيرتان أو ثلاث لخزن المياه التي ستدير أربعة مولّدات كهربائية قبل أن تواصل مياه المتوسط طريقها إلى البحر الميت!

مصير غزّة بعد كامب ديفيد!

لقد قدم وفد فلسطين إلى المؤتمر الثاني عشر لوزراء خارجية الدول الإسلامية الذي انعقد في بغداد (1-6 حزيران/يونيو 1981) مذكرة أجملت قضية المشروع الصهيوني لربط المتوسط بالميت بكل ما يعنيه ذلك وما يترتب عليه من أخطار تتناول وجود العرب ومصير فلسطين، فقد كان مستثمرون من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا قد أعلنوا حينئذ عن استعدادهم لتمويل وتنفيذ المشروع الذي ينطلق من قطاع غزة، وشكّلت لجنة قانونية صهيونية أفتت بتجاهل العرب أصحاب البلاد، وجاء في فتواها ما يلي:" كان قطاع غزة تحت الحكم المصري حتى حرب عام 1967 حيث احتله الإسرائيليون، وانتهى الحكم المصري بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد التي أزالت صفة الاحتلال، فأصبح القطاع يتمتع بالحكم الذاتي، ولذلك فإنه لا يوجد في القانون الدولي ما يمنع إسرائيل من تمرير القناة المقترحة عبر أراضي القطاع، لأن القانون الدولي ينطبق فقط على حالة وجود الاحتلال الذي لم يعد موجوداً، فلا مجال لتطبيق القانون الدولي عليه .. الخ"!

المشرق العربي مستهدف بكامله!

إنّ هذه الفتوى الصهيونية، التي لا تصمد أمام أبسط مبادئ المنطق الإنساني السليم، تنطلق كالعادة من حقّ تصرّف الصهاينة بأرض فلسطين على أنّها خالية من البشر، أو كأنها محتلّة من قبل العرب الذين ينبغي إجلاءهم عنها! وبالفعل، فإنّ هاجس الإسرائيليين الرئيسي منذ احتلال عام 1967 هو إجلاء العرب من الضفة والقطاع "المحرّرين" أو "المستردّين" حسب المنطق الصهيوني، وقد رأينا ذلك واضحاً تمام الوضوح في جميع خطاباتهم وتصرفاتهم!  وكيف لا يتصرّف الإسرائيليون كذلك والدوائر العليا الأميركية والبريطانية وحليفاتها تقف بقوة وحزم خلف مشاريعهم؟ وكيف لا يتصرّفون كذلك وقد بلغ الأمر حدّ وقوع الاختلافات والعداوات بين العرب حول "سلطة فلسطينية" في ظلّ الاحتلال؟ ثمّ كيف لا يتصرّفون كذلك وقد ضمنت لهم واشنطن تواطؤ عدد من حكومات النظام الرسمي العربي، الذي انصهر بعضه عضوياً في الاستراتيجية الأميركية الصهيونية؟

  في ذلك الحين، في العام 1981، أثناء تعاظم النشاط بصدد المشاريع المائية/الكهربائية الصهيونية ومصير قطاع غزّة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قالت مجلة "يو.إس.نيوز" الأميركية: "إن القناة ستحوّل البحر الميت إلى بحيرة لإنتاج الطاقة الكهربائية التي ستكفي استهلاك الأردن وسوريا والعراق وفلسطين"! ولا ندري لماذا استثنت المجلة الأميركية لبنان من أنوار المشروع الصهيوني التي ستشمل كامل المشرق العربي، بمساحته التي تزيد على 755 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانه الذي يقارب الثمانين مليوناً!

مصيرنا هو مصير فلسطين!

اليوم، ونحن نواجه حملة التدمير والقتل الشامل التي تشنّها القوات الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، بدعم معلن من الولايات المتحدة وحليفاتها، ومن الأنظمة العربية التي تسير في ركابها، ينبغي أن لا يغيب عن بالنا حجم المشروع الصهيوني الذي يستهدف بلادنا جميعها، وأن لا تخدعنا العناوين المضلّلة، بصدد الخلافات الداخلية وتسويتها ومشاريع الحلول السياسية الدولية وتطبيقها، فهذه الخلافات والمشاريع ليست سوى أدوات ووسائل ثانوية من جهة ومفتعلة من الجهة الأخرى، ولا علاقة لها بجوهر الصراع المصيري الذي هو صراع وجود، حيث مصيرنا جميعاً هو مصير فلسطين: إن هلكت هلكنا وإن نجت نجونا!   

   [email protected]

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1