منجم الذهب والفضّة الديمقراطي!

بقلم:نصر شمالي

يتطلع الناس في بلادنا بلهفة وحرقة الى علاقات ديمقراطية منظمة تمكّنهم من التصدّي للفساد الداخلي والعدوان الخارجي، فقد اختزلت الديمقراطية في أذهان الكثيرين على أنّها وسيلة وقائية دفاعية أكثر منها وسيلة حياة طبيعية! غيرأن هذا الذي يتطلعون إليه يبدو بعيد المنال حتى في حال إقامتهم الأنظمة البرلمانية الديمقراطية أواللبيرالية، لأنّ الديمقراطية لا تقوم لهما قائمة إلا في مناخ الاستقلال الوطني والقومي، وفي ظل الحرية الاقتصادية والسياسية، فليس للبشر في هذا العالم سوى واحدة من علاقتين : علاقة المنطق أو علاقة الحرب! أمّاعلاقة المنطق فتتحقق في ظل العلاقات الدولية الطبيعية، وفي ظلّ الاستقلال الاقتصادي والحرية السياسية، وتقود الى نظام الديمقراطية، وأما علاقة الحرب فتنتج أنظمة استبدادية صريحة أو مقنّعة، محلية أو دولية!

الإقليم الصربي يصبح أميركياً!

هاهو إقليم كوسوفو الصربي، أو اليوغسلافي، وقد تحوّل بقرار حربي إلى "دولة ديمقراطية"! أي إلى محميّة طبيعية أميركية تحتوي على كميّات تجارية من الرصاص والزنك والفضة والذهب والكروم والحديد والنيكل والفحم الحجري والمنغنيز والألمنيوم والنحاس والزئبق..الخ! لقد كان إقليم كوسوفو دعامة الدولة الاتحادية اليوغسلافية المتآخية المستقرّة، وهاهو يتحوّل على أيدي الأميركيين باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى مجرّد منجم للمواد الأولية الثمينة! إلى منجم ديمقراطي يحمل اسم دولة!

  إنّ أمتنا مدعوة للتمعن أكثر في مثال كوسوفو، الإقليم الذي يعادل لبنان مساحة ويسكنه حوالي مليوني نسمة، لترى كيف فصل عن أهله ومحيطه البلقاني الحميم وألحق بدولة أخرى، في قارة أخرى، تستأثر بثرواته دون أي وجه حق وتحرم منها اهلها البلقانيين! فأمتنا لاتزال محكومة بعلاقة الحرب ذات البعدين : الخارجي أولاً والداخلي ثانياً، ومهدّدة بمثل حادث كوسوفو في العديد من أقطارها!

العالم محكوم بعلاقات الحرب!

بالطبع، إنّ العالم بمجمله محكوم بعلاقات الحرب المفتوحة التي تشنّها البلدان القويّة في الشمال والغرب ضدّ البلدان الضعيفة في الجنوب والشرق! وهكذا فإنّ جذر المشكلة في بلادنا ليس في فساد النظام البرلماني ولافي عسف النظام الاستبدادي، في هذه المرحلة أو تلك وفي هذا البلد العربي أو ذاك، فقد تكون نوايا الحكام في كلا النظامين البرلماني والاستبدادي طيبة وإنسانية وقد لاتكون، إنّما جذر المشكلة يكمن في أنّ النظامين هما نتاج علاقات ما قبل الاستقلال والحرية ، أي نتاج علاقات الحرب التي توظفهما توظيفاً شريراً!

   إنّ أمتنا محكومة بعلاقات الحرب، سواء أخذت هذه العلاقات شكل عدوان خارجي أو شكل صراع داخلي،  حيث هذه العلاقات تشمل اليوم العالم أجمع بنسب متفاوتة وبطرائق مختلفة،  وحيث الديكتاتورية الاميركية الصهيونية أطلقت العنان لعنفها العسكري ضدّ جميع البلدان انطلاقاً من حق زعمته لنفسها بالتدخل في تفاصيل حياة الآخرين باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وحيث هي تعلن بلا مواربة أنها تريد إحلال إرادتها وجنودها محل إرادة الآخرين وجنودهم، وتريد إحلال سياستها وثقافتها محل سياستهم وثقافتهم!

عالم من آلاف الدول!

 والحال أنّ واشنطن تستخدم اليوم قواتها المسلحة لتعديل موازين القوى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عالمياً بالصورة التي تخدم مصالحها المتقهقرة، وهي المصالح التي لا تتحقق إلاّ بعلاقات الحرب، وبينما الميزانية العسكرية الحربية للولايات المتحدة تتعدّى 700 مليار دولار فإنّ الميزانية العسكرية الروسيّة، على سبيل المثال، لا تتعدّى 32ملياردولار! إنها الماساة البشرية التي تجعل خوض الحرب إلزامياً من أجل تحقيق السلام والعدالة في العلاقات الاجتماعية والدولية!

 وبحكم خصائص منطقتنا غدت بلادنا مسرحاً رئيسياً للعمليات العدوانية الأميركية الصهيونية والخطوط الأمامية لحروبها، وهكذا يغدو الطريق الى تحقيق الخلاص والاستقرار في بلادنا طويلاً جداً، لأنّه يمرّ إلزاميّاً عبرميادين الحروب المفروضة علينا فرضا،ً والتي لا خيار لنا أبداً سوى خوضها كمقاومين أو الفناء من دون خوضها كمقاومين!

 إنّ الأميركيين يسعون لتحويل بلادنا إلى عدد كبير من "الدول الديمقراطية"، على صورة إقليم كوسوفو ومن قبله إقليم تيمور الشرقية الأندونيسي وغيرهما! وبالمناسبة، فإنّ " الدولة الديمقراطية" التيمورية ليست سوى احتياطي من النفط والغاز يساوي عشرة تريليونات من الدولارات! إنّها حقل النفط الديمقراطي! وقد توهّم تحالف الخيانة والانتهازية والجهل في تيمور أنّه، بانفصاله عن بلاده والانحياز لأعدائها، سوف يحقق الحرية والديمقراطية والرفاه والنعيم، فوقع في مخالب وأنياب الذئاب، وإذا بشعب تيمور يخسر كلّ شيء بعد انفصاله، لأنّ الأميركيين والأستراليين والإسرائيليين خصوصاً لا يعطون أبداً أبداً، بل يأخذون دائماً ودائماً! فإذا سارت الأمور في بلادنا كما يريد الأميركيون والإسرائيليون وحلفاؤهم وأتباعهم فسوف يصبح عدد أعضاء جامعة الدول العربية بالمئات! ولم لا والإدارة الأميركية تتطلع إلى عالم من آلاف الدول، ولا تمانع في انضمامها جميعها إلى هيئة الأمم المتحدة؟

[email protected]

 

Hosted by www.Geocities.ws

1