من كان المغامر المقامر في لبنان ؟!

بقلم : نصر شمالي

على نواقصه الفادحة المقصودة، جاء التقرير الإسرائيلي النهائي الذي صدر عن لجنة فينوغراد حاسماً بصدد مشروع الحرب ضدّ لبنان في العام 2006، حيث تبيّن أنّ المشروع معدّ منذ مدّة طويلة، وجاهز للتنفيذ في أيّة لحظة، سواء أسرت المقاومة اللبنانية الجنديين الإسرائيليين أم لم تأسرهما، وهكذا فإنّه لمن المفترض الآن، بعد صدور تقرير لجنة التحقيق الإسرائيلية، أن يبادر أولئك الحكّام العرب الذين اتهموا المقاومة اللبنانية بالمغامرة وبالتسبب في الحرب، إلى الاعتذار منها علناً مثلما اتهموها علناً، بل وتوجيه الشكر لها وإعلان الحرص عليها ودعمها، لأنّ المغامرة، أو المقامرة الإجرامية، كانت إسرائيلية وليس لبنانية، ولأنّ المقاومة أفشلتها وردّت كيد العدو إلى نحره، غير أنّ ذلك لن يحدث للأسف الشديد، ولسوف تستمرّ المؤامرات الرسمية العربية ضدّ المقاومة في لبنان وغيره، فهيهات هيهات أن يقتنع أبو لهب بالحق!

لقد جاء تقرير فينوغراد عن المقامرة الحربية الإسرائيلية في لبنان عام 2006 ناقصاً نقصاناً فادحاً كما أشرنا، لأنّ الرئيس الأميركي طلب علناً بقاء حكومة أولمرت أثناء زيارته لفلسطين المحتلة، فكان طلبه يعني أن تحجب لجنة فينوغراد تلك الحقائق الكثيرة المتعلقة بالحرب، التي لو وردت في التقرير لكان ورودها كفيلاً بسقوط الحكومة الإسرائيلية على الفور، وربما كان سيطيح برؤوس دولية بارزة في الولايات المتحدة وفي غيرها، وعلى سبيل المثال فإن تعيين الجنرال الإسرائيلي الطيار دان حالوتس على رأس هيئة الأركان في شباط/فبراير 2004 كان رغبة أميركية إن لم نقل قراراً أميركياً، حيث الاستعداد لقصف إيران كان جدّياً إلى درجة تعيين طيار لأول مرّة رئيساً لهيئة الأركان الإسرائيلية، خاصة وأن حالوتس اشترك في قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، غير أنّ العمليات المتصاعدة للمقاومة العراقية وما ترتّب عليها من مضاعفات إقليمية ودولية أربكت مشروع قصف إيران، وصار وارداً تركيز الجهد العسكري الإسرائيلي ضدّ لبنان وسورية، وهاهو حالوتس، المأخوذ بالعزّة بالإثم وباهتمام الأميركيين باختصاصه وخبرته، يعرض على رؤسائه مشروع انتصار سهل ضدّ المقاومة اللبنانية يحققه سلاح الجوّ الإسرائيلي لوحده!

 يقول داعية السلام الإسرائيلي أوري أفنيري (مقالة بتاريخ 3/8/2006) أنّ حالوتس اعتقد بأنّه سينتصر على حزب الله بعد عدّة أيام من القصف المكثّف، بآلاف الأطنان من القنابل تلقى على الأحياء السكنية وعلى الطرقات ومحطات توليد الكهرباء والموانئ .. الخ، وينتهي الأمر! يضيف أفنيري: لكنّ الأمر لم ينته! فصواريخ حزب الله واصلت تساقطها بالمئات كلّ يوم، والجمهور (الإسرائيلي) راح يصرخ! وصار لا بدّ من تنفيذ عملية برّية!

لقد قصد أفنيري أنّ المقامرة الجويّة فشلت في تحقيق الهدف رغم إطلاق يدها في ارتكاب أقصى ما يمكنها ارتكابه من عمليات التدمير الشامل الواسعة النطاق! وها هم الإسرائيليون، ومعهم الأميركيون وبقية ما يسمى بالمجتمع الدولي، يأملون بعمليات حربية برّية تستدرك ما فشل سلاح الجوّ في تحقيقه، وهو السلاح الأكثر تطوّراً وفعالية بل الأعظم في العالم، بغض النظر عن المعاني الخطيرة لفشله وعمّا سيترتّب على ذلك!

في البداية، وبعقلية المغامر المقامر بالضبط، قرّر الإسرائيليون، بموافقة ودعم الأميركيين، إدخال وحدات عسكرية برّية صغيرة إلى ميدان المعركة، ودار الرّوليت في غير صالحهم، فاضطروا إلى إدخال ألويةعسكرية، غير أنّ الخسائر استمرّت متوالية كالدوائر الهندسية، وتعالى الصراخ أكثر فأكثر، مع المطالبة بإدخال فرق عسكرية كاملة إلى الميدان!

لقد ظلّوا يأملون أن يدور الرّوليت لصالحهم بعد زجّ القوات البرّية الإسرائيلية في الميدان، فيتحقق على الأقل القضاء على مواقع المقاومة على امتداد الحدود، لكنّ المقاومين كانوا في انتظارهم، وألحقوا بهم خسائر فادحة، بينما صواريخ حزب الله تواصل تساقطها على أهدافها في فلسطين المحتلة! وهنا بدأ الجنرالات الإسرائيليون، بإشراف الأميركيين، يفكّرون أنّه لا بدّ من احتلال كلّ المنطقة، حتى الليطاني، أي على عمق 24 كم من الحدود، لكي يتحقق وقف إطلاق الصواريخ من تلك المنطقة، وراحوا يرتجلون الخطط في هذا الاتجاه!

 إنّ ّالإسرائيلي المغامر، المقامر الخاسر، يواصل اللعب ويواصل الخسارة ممنّياً نفسه بتعويض خسائره ثمّ بالربح! وقد بدأ الجنرالات يفكّرون فعلاً بتوسيع مساحة العمليات كلما منوا بمزيد من الخسائر، فلماذا لا يتقدّمون برّياً حتى نهر الأولي، أي إلى عمق 40كم؟ بل لماذا لا يتقدّمون في اتجاه الشمال أكثر، في اتجاه بيروت؟ وأيضاً إلى الشرق في اتجاه دمشق؟ لقد كانوا يرتجلون ويتخبّطون! إذ من الذي يضمن أنّ انتشار الجيش الإسرائيلي على مساحات واسعة لن يعرّضه لعمليات المقاومة في كل مكان، بينما صواريخ حزب الله تواصل انهمارها داخل فلسطين المحتلة ؟ لقد كان واضحاً لهم، رغم الارتباك والتخبط وروح المغامرة، أنّ الأوضاع لم تعد كما كانت في الماضي، في زمن النّزهات الحربية الممتعة، أو "الحرب الصغيرة الجميلة" كما يقول أفنيري ساخراً!

لقد قدّم حالوتس قبل الحرب لحكومة أولمرت الهزيلة اقتراحاً لا يمكن رفضه: حرب صغيرة جميلة! الخطط العسكرية جاهزة وتمّ التدريب عليها، والنصر مضمون، ناهيكم عن أننا لسنا أمام عدو حقيقي، بل أمام "منظّمة إرهابية" فقط! وبعد أن بدأت الحرب اتضح يوماً بعد يوم، وأكثر فأكثر كلما طالت،  أنّ أهدافها متغيّرة وغير واقعية، كما يقول أفنيري! وكيف لا تكون كذلك وهي حرب الأميركيين قبل أن تكون حرب الإسرائيليين؟ كيف لا تكون كذلك والرئيس بوش يتابع وقائعها لحظة فلحظة وينتظر نتائجها قلقاً بفارغ صبر؟

 أخيراً، يقول افنيريً، بينما الحرب دائرة على أشدّها، أنّ الحكومة اللبنانية لا تمثّل أحداً سوى تلك الطبقة الصغيرة من الأثرياء المفسدين في الأرض، وأنّ الجيش اللبناني لا يستطيع ولا يريد القتال ضدّ المقاومة، وأنّ الحزام الأمنيّ سوف يكون معرّضاً للعمليات الانتحارية، وأنّ القوّة الدولية لن تدخل إلى المنطقة دون موافقة حزب الله، وأنّ الجيش الإسرائيلي غير قادر على إحراز النصر! هذا ما كتبه أفنيري في خضمّ تلك الحرب، في 3/8/2006، فمن كان المغامر المقامر في لبنان حينئذ ، أيها السادة العقلاء؟!        

Hosted by www.Geocities.ws

1