مجلس الوزراء الإسرائيلي برئاسة كلينتون!

بقلم : نصر شمالي

يعود ما تعيشه منطقتنا اليوم من تطوّر نوعي في الأداء العسكري والخطاب السياسي إلى عام 1996 وليس إلى عام 2000  أو 2003، إلى عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون وليس إلى عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الثاني، أي أنّ هذا التطور حدث في عهدين وعلى مرحلتين وبأسلوبين أميركيين، لكنه بقي واحداً في جوهره وفي أهدافه بغض النظر عن التغيير السطحي الذي طرأ على هذا الأداء وهذا الخطاب في عهد بوش، وبغض النظر أيضاً عن إعادة ترتيب نسب الحصص من الأرباح المتوقعة، في العراق خاصة، لصالح الرأسماليين الجمهوريين وشركاتهم النفطية!

في العام 1996 كانت الإدارة الأميركية الديمقراطية منهمكة في قصف العراق، وفي التأسيس لتقسيمه، بداية عن طريق التحكّم الحربي بسيادته الجوية، ومنهمكة في إحكام الحصار الشامل ضدّه إلى الحدّ الذي يجعله يستسلم دون قتال برّي عندما يؤون أوان تسلّم إدارته مباشرة أو بالوكالة، أيّ أنّ موضوع السيطرة عليه وإلحاقه بالولايات المتحدة كان أمراً مفروغاً منه، ولعلّه كان أكثر قابلية للنجاح لو تحقق بأسلوب كلينتون! ولقد كان ذلك الذي حدث للعراق في عهد كلينتون، في بعده الإستراتيجي، خطوة أساسية على طريق تحقيق مشروع الشرق الأوسط الأميركي الصهيوني الجديد!

وما ينبغي التذكير به هنا أنّ جورج بوش الأب، في عهده الجمهوري، هو من أطلق فكرة مشروع الشرق الأوسط الجديد في نطاق الفكرة الأوسع عن النظام الدولي الجديد، وذلك بعد ما يسمى  بحرب الخليج الثانية وما أحدثته من تغييرات جذرية في مواقف القوى الإقليمية والدولية لصالح الأميركيين، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وإعلان واشنطن عن تفرّدها في قيادة العالم، ، أي أنّ كلينتون تابع السير بالضبط على هدي تلك الفكرة!

لقد عمل كلينتون بنجاح على تنفيذ الفكرة التي أطلقها بوش الأب، فأحدث تطوّراً نوعياً ميدانياً في الأداء العسكري والخطاب السياسي شمل أداء وخطاب القوى الإقليمية أيضاً، فقد رأيناه في ذلك العام 1996، إلى جانب ما كان يفعله في العراق، وبتكامل مع ذاك الذي كان يفعله، يتوجّه إلى النظام الرسمي العربي، فيخترق خصوصيته التقليدية المقرّة أميركياً وأطلسياً، ويحدث تغييراً نوعياً في ترتيباته وفي اختصاصاته وفي أساليب عمله، بحيث اضمحلّ دور جامعة الدول العربية (التي أسّسها الإنكليز) ليحلّ محلّه دور القمم الشرق أوسطية الدولية، التي تنعقد بمبادرة من الرئيس الأميركي وحده، فيحدّد هو مكان انعقادها، والمدعوين إليها، وجدول ونتائج أعمالها! إنّه يقرّر ذلك كلّه مسبقاً دون الرجوع إلى أية جهة أخرى، بما في ذلك حلفائه الأطلسيين، إلاّ في الحدود التي تقتضيها المظاهر الدبلوماسية الشكلية! ولعلّ قمة شرم الشيخ التي انعقدت في ربيع ذلك العام كانت نقطة التحول النوعي الميداني الذي طرأ على أوضاع منطقتنا، والذي ما زال في أساسياته سائداً فيها حتى يومنا هذا!

لقد انعقدت قمة شرم الشيخ تلك، في ربيع العام 1996، بدعوة سريعة مفاجئة من الرئيس كلينتون، وهي كانت قمة أميركية/ دولية/عربية/إسرائيلية، حضرها جميع من وجهت إليهم واشنطن الدعوة عدا سورية ولبنان، فكان ذلك مؤشّراً على التغيير الذي طرأ على أداء النظام الرسمي العربي، وإعلاناً صريحاً عن اندماج هذا النظام في النظام الجديد الأميركي الصهيوني، فقد استدعى الرئيس الأميركي إلى القمة الحكام العرب كما لو أنّه يستدعي أعضاء مجلس أمنه القومي إلى اجتماع استثنائي طارئ، وعلى أثر ذلك أعلنت مادلين أولبرايت، التي كانت تشغل حينئذ وظيفة المندوب الأميركي الدائم في هيئة الأمم، أنّ قمّة شرم الشيخ هي أهمّ قمة في القرن العشرين! أمّا الحكّام العرب فقد راحوا يتحدّثون عن قمة استضافوها بنجاح، وأنّ أحدهم هو من دعا إليها بطريقة ما! هو وكلينتون أو كلينتون وهو! وافتخروا بكفاءتهم وسرعتهم في التحضير لها، وبالنجاح الباهر لأجهزة إعلامهم في تغطية أخبارها..الخ! أمّا شلومو أفينيري، المدير العام السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، فقد وصف حينئذ تلك القمة بقوله: "هذا هو الشرق الأوسط الجديد"! لقد شاهد أفينيري التحوّل الذي طرأ على وضعية النظام الرسمي العربي بحيث أفسح المجال للإسرائيليين كي يأخذوا مكانهم الذي يليق بهم في الوضعية الجديدة التي دشّنها بيل كلينتون!

وكان كلينتون قد اصطحب معه إلى قمة شرم الشيخ تلك كبار معاونيه، وفي مقدمتهم أنطوني ليك مستشاره للأمن القومي، وجون دويتش مدير وكالة المخابرات المركزية، وعدد كبير من القادة العسكريين والمستشارين الذين رافقوه بعد ذلك في زيارته للكيان الصهيوني في فلسطين العربية المحتلة، حيث شاهدناه جميعنا وهو يتفقّد بمنتهى الاهتمام أوضاع القاعدة الأميركية الأطلسية الصهيونية، وسمعناه جميعنا وهو يلقي خطابه التلمودي أمام الكنيست، ثمّ وهو يطلّ من شرفة جناحه في فندقه في القدس، ويشير بيده إلى أرض مساحتها ثلاثين ألف متر مربّع قائلاً لمن حوله بابتهاج وحماسة: "على هذه القطعة من الأرض سوف تنهض السفارة الأميركية"! وهو كان يشير، في الواقع, إلى مقرّ القيادة الأميركية الإقليمية للشرق الأوسط الأميركي الصهيوني الجديد، الأمر الذي جعله متحمّساً ومبتهجاً، بل منتشياً!

أمّا الحدث البارز الآخر في تلك المناسبة فهو ترؤّس كلينتون لاجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي، فقد كان ذلك بدوره إعلاناً عن فقدان الكيان الصهيوني لقدر كبير من خصوصيته وحريته النسبية في الحركة، وإعلاناً عن اندماجه أكثر، مثله مثل النظام الرسمي العربي، في السياسة الأميركية الجديدة وفي الشرق الأوسط الجديد! وجدير بالذكر أنّ ذلك التقدم الذي كان يحرزه كلينتون على طريق الشرق الأوسط الجديد، ابتداءً من العام 1996، كان يقابله ويترافق ويتناغم معه تقدّم المحافظين الأميركيين الجدد في اختراق المجتمعات العربية وبلورة تيارات الليبراليين العرب الجدد التي سوف تسير في ركابهم حين يصلون إلى البيت الأبيض في العام 2000، وفي اختراق المجتمع الإسرائيلي أيضاً، حيث أقنعوا القادة الإسرائيليين منذ ذلك الوقت المبكّر بضرورة التخلي عن الهستدروت  والكيبوتسات، وعن كلّ ما يمتّ للعمل النقابي والتعاوني بصلة، والتوجّه بقوة نحو الخصخصة، تمهيداً لاحتلال موقع قيادي أساسي مربح في النظام الشرق أوسطي الجديد الذي سينهض على أنقاض العراق بعد احتلاله المقرّر! أمّا عن المفاجآت التي أربكت هذا الاتجاه وجعلته يتعثّر فتلك مسألة أخرى تحتاج إلى مقالة أخرى.

   [email protected]

 

  

Hosted by www.Geocities.ws

1