متى يتولّى فلسطيني رئاسة "إسرائيل"؟!

بقلم : نصر شمالي

من المؤكّد أنّ لدى قادة الإمبراطورية الأميركية الأنكلو سكسون مشروعاً للسلام، سواء داخل بلادهم أم على مستوى العالم الذي يعتبرونه عالمهم، ووجود هذا المشروع وتصريحاتهم عنه بلا انقطاع هو ما يبقي الحوار والتواصل قائماً بينهم وبين شرائح واسعة من الأوساط القيادية الحاكمة وغير الحاكمة في مختلف أنحاء العالم، الأمر الذي يوفّر لهم إمكانيات الحركة والفعل والتأثير في المجتمعات الأممية على أوسع نطاق، غير أنّ التواصل والحوار حول مشروعهم السلمي المعلن يتحوّل إلى معضلة، عن عمد وسابق تصوّر وتصميم من قبلهم، فيدخل في متاهات لا نهاية لها عندما يبدأ الحديث حول مفهومهم للسلام، وعلى الأغلب تضيع سنوات طويلة وجهود ثمينة وأرواح غفيرة وثروات هائلة قبل أن يتبيّن للذين يحاورونهم أنّ المدخل إلى السلام كما يفهمونه هو الانطلاق في سلسلة مفتوحة من العمليات المعقّدة للقضاء التام على أيّة حالة تتعارض ميدانياً مع استراتيجيتهم الإمبراطورية التي تنصبهم أسياداً على كلّ شبر من أراضي المعمورة، أي أنّ مفهومهم للسلام يتلخص في تحقيق الأمن لإمبراطوريتهم بالمفهوم البوليسي للأمن، وتحقيق السيادة لقادتها كنخب وكمجتمعات، ولعلّ ما حدث في الولايات المتحدة بالذات أخيراً، وهو انتخاب رئيس من أصول أفريقية، يشكّل المثال الأوضح عن مشروعهم السلمي وعن مفهومهم للسلام!

لقد تواصل العمل من أجل تحقيق السلام الداخلي في الولايات المتحدة على مدى أكثر من قرنين، ولقد عمل الجميع من أجله حسب المفهوم الإمبراطوري الأنكلوسكسوني، سواء أولئك الذين مارسوا عمليات الإبادة الشاملة ضدّ الشعوب الأصلية والأفارقة المستوردين عنوة أم أولئك الذين كانوا يناهضونهم ويعترضون على التمييز والعنف، فهدف الجميع كان تحقيق السلام حسب مفهوم السادة وبشروطهم، وبصدد السود فقد كان الوصول إلى السلام يقتضي إمّا إبادتهم نهائياً كالهنود الحمر وإمّا إعادة تشكيلهم وتأهيلهم، وقد سار الاتجاهان والجهدان كلاهما جنباً إلى جنب، وكان من الضروري سيرهما معاً جنباً إلى جنب كخيارين، حيث أوضاع السود لم يكن ممكناً إخضاعها لخيار الإبادة التامة وحده كالهنود الحمر، لأسباب مفهومة ولا مجال لاستعراضها هنا، فكان لا بدّ من إعطاء الخيار الآخر فرصته، نعني إعادة تشكيلهم وتأهيلهم، وهي العملية التي ما كانت لتتحقق لولا العنف الشديد والاضطهاد المريع الذي مارسته المنظمات العنصرية المقنّعة وغير المقنّعة على مدى أجيال! إنّ الرئيس الجديد الأسود باراك أوباما مدين لعصابات الكوكلاس كلان بالدرجة الأولى في وصوله إلى البيت الأبيض، فهذه المنظمة الرهيبة أسهمت إسهاماً عظيماً في جعل الأميركيين من أصل أفريقي، وخاصة نخبهم وأوساطهم الاجتماعية العليا، قابلين لإعادة التشكيل والتربية والتهذيب والتطوير إلى الحدّ الذي أخرجهم نهائياً من أصولهم وثقافتهم وخصوصيتهم، وجعلهم أشدّ حرصاً وتفانياً في خدمة الإمبراطورية الأنكلو سكسونية وفي العمل من أجل تحقيق مشروعها السلمي، سواء بصدد أبناء جلدتهم الأميركيين الذين مازالوا يعانون صنوف القهر والهوان والتهميش، أم بصدد القارات الأخرى والأمم الأخرى وأولها أفريقيا والأفارقة! بكلمة واحدة: إنّ الرئيس الأسود أوباما يتمتّع بروح بيضاء أنكلوسكسونية لوثرية، وبأهلية متفوّقة بما لا يقاس على روح وأهلية زملائه البيض اللوثريين الأنكلو سكسونيين، وإلاّ ما كان ليحتل أبداً المواقع الرفيعة التي احتلّها على التوالي وآخرها موقع الرئاسة!

والآن لننتقل إلى العراق ولبنان ومصر وغيرها، وإلى فلسطين خاصة، لنرى أين وصل مشروع السلام الأميركي في بنده المتعلق بالعرب، وأين وصلت عمليات إعادة التشكيل والتربية والتهذيب والتطوير الأميركية التي تخضع لها نخب سياسية وأوساط اجتماعية عليا؟ ولنلاحظ على الفور أنّ الأميركيين لا يتعاملون مع العرب ككتلة واحدة، ولا مع العراقيين أو اللبنانيين ككتلة واحدة، بل يجزّئون المجتمع إلى كتل متناحرة ويتعاملون مع كلّ منها على حدة، وإلاّ فكيف سينجحون ببثّ الروح الأنكلو سكسونية اللوثرية البيضاء في أقلّية تتولّى نيابة عنهم وفي خدمتهم إخضاع الأكثريّات لمشروع السلام الأممي الأميركي؟!

لقد مرّ الشعب الفلسطيني تحديداً بجميع الأطوار والأهوال التي مرّ بها الهنود الحمر والأفارقة الأميركيين، وسارت عمليات إبادته التامة جنباً إلى جنب مع عمليات الاضطهاد العنيف ضدّه، بسبب ترجيح إمكانية إعادة تشكيل وتأهيل نخبه وأوساطه الاجتماعية العليا، وهذا الترجيح أكّده زبيغنيو بريجنسكي قبل أيام (القدس العربي/19/11/2008) بحديثه عن احتمال إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح ومحمية بقوات الناتو، أي إقامة ولاية إسرائيلية، أو كانتون إسرائيلي يديره الفلسطينيون النخبة الذين أعيد تشكيلهم وتأهيلهم، وبالطبع فإنّ تحقيق ذلك سوف يتفق تماماً مع المفهوم الأميركي الإمبراطوري للسلام، حيث مثل هذا الكانتون، بالروح الأنكلوسكسونية اللوثرية التي تتمتع بها إدارته الفلسطينية، سوف يكون عظيم الفائدة والإخلاص والتفاني في خدمة الإمبراطورية وقاعدتها الإسرائيلية، سواء في مواجهة شعبه، أم في تعامله مع محيطه العربي كوسيط ودليل ومترجم وسمسار ومروّج وداعية..الخ، أي في جميع الميادين وخاصة الاقتصادية! إنّ القاعدة الإسرائيلية/الأميركية بأمسّ الحاجة إلى هكذا دولة أو كانتون فلسطيني، لكنّ إقامته لا تتحقق إلاّ عبر الاضطهاد العنيف للشعب الفلسطيني، والتدمير الواسع النطاق لبنيته وثقافته وخصوصيته وعمقه العربي الإسلامي، وبناء على محاضرة بريجنسكي الأخيرة يبدو أنهم اليوم على وشك الاقتناع بأنّ الوضع الفلسطيني بلغ الحدّ الذي يجعل إقامة مثل هذا الكيان ممكنة!

إنّنا إذا ما سلّمنا بصحة تقديرات بريجنسكي، وبإمكانية الأخذ باقتراحاته ، فلن يكون مستهجناً أن نتوقع تولّي فلسطيني رئاسة الكيان الإسرائيلي في المدى المنظور، ولم لا وقد فعلها أوباما في الولايات المتحدة بالذات؟ وبالطبع سوف يتمتع مثل هذا الرئيس من أصل فلسطيني بروح أنكلوسكسونية لوثرية عالية، وسوف يدين بمنصبه الرفيع في المقام الأول لعصابات القتلة الصهاينة من أمثال شترن وأرغون وهاغاناه، فهذه العصابات عملت من أجل السلام على الطريقة الإسرائيلية الأميركية الإمبراطورية، ومهّدت لإعادة تشكيل وتأهيل وتربية وتهذيب الفلسطينيين، وفتحت الباب على مصراعيه لوصول فلسطيني إلى موقع الرئاسة الإسرائيلية، لا يقلّ حماسة وتفانياً من أجل السلام الإمبراطوري عن بيغن وشامير وشارون!

الخلاصة التي ينبغي أن نعود ونؤكّدها هنا هي: إنّ مصير العرب عموماً هو مصير فلسطين، إن هلكت هلكوا وإن نجت نجوا، وهلاكها وهلاكهم يكون بتحقيق ما يقدّمه بريجنسكي وأمثاله الأميركيون والإسرائيليون والعرب من مقترحات يعتقدون أنّ تحقيقها بات ممكناً!

             [email protected]

 

Hosted by www.Geocities.ws

1