ما الردّ المناسب على خطط الناتو؟

 بقلم : نصر شمالي

بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقة القوقاز أصبح الفارق هائلاً بين الوضع الحالي للمواجهات الدولية وبين ما كان عليه الوضع في مثل هذه الفترة من العام الماضي 2007، حيث كان حلف الناتو، في أحد توجهاته بقيادة الولايات المتحدة، ماض قدماً في اتجاه التوسّع شرق أوروبا، ليضمّ إليه المزيد من الدول والدويلات التائهة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، وصولاً إلى القوقاز الذي يعطي الحلف ميزة اختراق روسيا وتفتيتها إذا تطلب الأمر ذلك، وميزة السيطرة على منطقة بحر قزوين بثرواتها الهائلة وبموقعها الاستراتيجي الهام المناسب لإحكام الحصار على روسيا وإيران، ولتوجيه ضربة عسكرية سهلة إلى الثانية بحجة مفاعلها النووي، وهي الضربة المقرّرة والتي لا يزال احتمال تنفيذها قائماً!

 لقد كانت جورجيا وأوكرانيا وغيرهما بمنزلة مخلب القط في هذه الترتيبات الهائلة قبل أن ينقلب الموقف اليوم ضدّهما وضدّ من ورائهما، وإضافة إلى ذلك كان الناتو بقيادة واشنطن قد حسم أمر "استقلال" إقليم كوسوفو اليوغسلافي وتحويله إلى حقل للمواد الأولية والصناعات الرخيصة التكلفة، وإلى ممرّ للتجارة والتهريب، خاصة تهريب المخدّرات برعاية رسمية غالباً، وتحويله إلى قاعدة للتآمر والعدوان على الممانعين والمقاومين، هذا كلّه مضافة إليه إقامة ما يسمّى بالدرع الصاروخي الأطلسي على أراضي بولونيا وتشيكيا، وذلك بحجة خطر الصواريخ الإيرانية على أوروبا، وهي الصواريخ التي لا يتجاوز مداها أكثر من حوالي ربع المسافة بين إيران وأوروبا، بينما إقامة الدرع الصاروخي الأطلسي كفيلة بإلغاء فعالية القواعد الدفاعية الإستراتيجية الروسية الموجودة داخل روسيا، فما هو الردّ المناسب على خطط الناتو هذه، سواء من قبل روسيا الاتحادية أم من قبل غيرها من دول العالم التي تمزّقها وتطحنها سياسات دول حلف الناتو بقيادة واشنطن؟

قبل الحديث عن الردّ المناسب، المشروع والضروري، لدرء أخطار الحلف الاحتكاري العدواني، لابدّ من الإشارة إلى أنّ هذا الحلف يعتبر ممتلكات الغير حقاً مشروعاً له، ويعتقد أنّ من واجبه شنّ الحرب من أجل وضع يده عليها، وهذا ليس مبالغة بل حقيقة معاشة تستند إلى فلسفات أطلسية تلحّ على ما تسمّيه "الإرث المشترك للبشرية"! وبما أنّ هناك حسب تصنيفاتهم أمماً متحضّرة مبدعة، وأمماً غير قابلة للتحضّر والإبداع، فإنّ من حقّ الأولى أن تكون وصية على الثانية، وأن تضع يدها على ممتلكاتها حرباً أم سلماً، بل أن تحجرها أو تدمّرها إذا اقتضت مصلحة الحضارة والإبداع ذلك! وعلى هذا الأساس صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، في مثل هذه الأيام من العام الماضي 2007، أنّ: "روسيا تمتلك ثروات طبيعية هائلة بصورة غير عادلة"! وهذا التصريح يؤكّد على السبب الحقيقي لاحتلال العراق وهو امتلاكه ثروات طبيعية هائلة بصورة غير عادلة! أي أنّ العراق لا يستحقّ امتلاك ما يملكه ومن العدل أن تقدم الولايات المتحدة على انتزاعه منه، وكذلك حال روسيا! وبالفعل ردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تصريحات أولبرايت التي تناولت الممتلكات الروسية قائلاً: " إنّ البعض يفكّر في كيفية الوصول إلى احتياطيات روسيا النفطية، بما في ذلك احتياطيات منطقة سيبيريا الشرقية، لكنّ روسيا ليست العراق، وروسيا تملك من الوسائل والقوة ما يكفي للدفاع عن مصالحها على أراضيها أو في مناطق أخرى من العالم"! (الصحف/19/10/2007) ولعلّ بوتين لم يقصد التقليل من شأن العراق، أو تجاهل فعالية مقاومته البطلة، التي أسهمت في تحسين أوضاع روسيا وغيرها بإنهاكها لآلة الحرب الأميركية، وللاقتصاد الأميركي، وللهيمنة السياسية الدولية الأميركية، بل قصد أنّ احتلال روسيا ليس ممكناً، وقد قال أنّ الأميركيين في العراق يعرفون كيف يطلقون النار لكنهم غير بارعين في الحفاظ على النظام، وأكّد أنّ أحد أهداف احتلال العراق هو بسط السيطرة على الاحتياطيات النفطية العراقية، وشكّك في قدرة الجيش الأميركي على حفظ النظام في العراق " لأنّه لا مستقبل لحرب يجري خوضها ضدّ بلد بأكمله"!

في معرض الردّ المناسب على خطط حلف الناتو العدوانية، عقدت في طهران العام الماضي، في تشرين الأول/أكتوبر، قمة الدول الخمس المطلّة على بحر قزوين، وهي روسيا وإيران وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان، وقد اتفق رؤساء هذه الدول على أن لا يقدّموا أراضي بلادهم للآخرين لشنّ هجوم على الدول المطلة على بحر قزوين (طبعاً ضدّ إيران حالياً) وأنّه لا ينبغي التفكير باستخدام القوة في هذه المنطقة، واتفقوا على إقامة مؤتمر تعاون اقتصادي مشترك، واتفقوا على ترتيبات أمنية تؤكد أنّ القوات المسلحة لهذه الدول لن تستخدم لمهاجمة أو غزو أيّ منها! وكان ملفتاً حديث الرئيس بوتين عن المفاعل النووي الإيراني، الذي بدأ العمل على إنشائه قبل الثورة الإيرانية، في العام 1975، بالتعاون مع ألمانيا، ولذلك لم يكن ثمّة اعتراض عليه من الولايات المتحدة وحليفاتها كما هو الحال اليوم! وقد قال بوتين أنّ روسيا هي الدولة الوحيدة التي تساعد إيران على بناء مفاعل نووي لأهداف سلمية، وقال أنّ سبب التأخير في إنجازه يعود إلى "التجهيزات البالية" الموروثة من الفترة التي كانت فيها شركة "سيمنز" الألمانية تتولى العملية!

لقد شدّدت قمة طهران القزوينية على حق الدول المطلة على بحر قزوين حصراً في الاستفادة من ثروات هذا البحر الغني بالنفط والغاز، وإلى أن تكون الملاحة فيه  تحت رايات دوله فقط ، واتفق عل أن تعقد القمة التالية في تشرين الأول/أكتوبر 2008، أي أنّ موعد انعقادها اقترب كثيراً، وأنّه يأتي بعد وقت قصير من التطورات الإستراتيجية الهامة التي شهدتها منطقة القوقاز، وهي تطورات متصلة مباشرة بالاختراق الأميركي/ الأطلسي، العسكري والاقتصادي والسياسي، لمنطقة بحر قزوين، بل إنّ أهمية جورجيا وأوستينيا وأبخازيا تأتي من وقوعها على الطريق بين هذا البحر وبين تركيا، حيث تعبرها أنابيب النفط الأميركية القادمة من قزوين، والتي تمدّ دول حلف الناتو بحوالي مليون برميل نفط يومياً عدا عن إمدادات الغاز الضخمة!

ماهو الردّ المناسب على المخططات العدوانية الأطلسية؟ إنّه التأسيس لنظام دولي عادل لا يهيمن عليه حلف الناتو، بدءاً بالتكتلات الدولية النزيهة، التي نهضت والتي تحاول النهوض في جميع القارات، ما عدا كتلة جامعة الدول العربية التي تضم حوالي ثلاثمائة مليون إنسان، فهذه الجامعة مصرّة على البقاء في خدمة حلف الناتو الذي يسوم شعوبها سوء العذاب!

             [email protected]

       

Hosted by www.Geocities.ws

1