قوات الأطلسي تبرز قبضتها الأوروبية!

بقلم : نصر شمالي

على مدى سنوات طويلة دأبت حكومات الجناح الأوروبي من حلف شمالي الأطلسي على الظهور بمظهر من لا يحبّذ العمليات العسكرية الأميركية والأطلسية ضدّ الأمم الأخرى خارج الحلف، بل يحبّذ المفاوضات والتسويات والحلول السلمية، وقد أصبح في حكم المؤكّد أنّ ذلك التظاهر لم يكن سوى كذباً واحتيالاً، ودعماً فعّالاً من خلف الستار للقوات الأميركية في حال تقدّمها من أجل جني أعظم المكاسب، وإقالتها من عثراتها وتعويضها من حساب ضحاياها عندما تتعثّر!

الموقف العربي والموقف الفرنسي!

 لقد بلغ انكشاف الدور الأوروبي حدّاً جعل حتى وزير الخارجية السعودي يتحدّث عنه، وإن بنبرة تعكس الحيرة، ففي الاجتماع الذي انعقد مؤخّراً بين لجنة الاتصال العربية وبين اللجنة الرباعية الدولية قال الوزير السعودي: "نحن نشيد بالبيان الصادر عن القمة الأوروبية الأخيرة في شأن أولويّة الدفع بعملية السلام قدماً، لكنّنا لا نملك إلاّ أن نعبّر عن حيرتنا من قرار مجلس الاتحاد الأوروبي الذي رفع مستوى علاقاته مع "إسرائيل"، وعلى رغم أنّ بيان المجلس يدرج اتخاذه لهذا القرار في إطار تشجيعه لعملية السلام، إلاّ أنّه يقودنا إلى التساؤل: لماذا الاستعجال في هذا الأمر قبل بروز سلوك إيجابي من "إسرائيل"؟ وبالطبع، إنّ هذا الكلام الدبلوماسي اللطيف لا يعقل أن يعكس المعرفة القديمة والعميقة للوزير السعودي المخضرم بالموقف الأوروبي الذي لا يختلف عن الموقف الأميركي من العرب والإسرائيليين، وهو قاله في لحظة تاريخية لم يعد التجاهل فيها ممكناً، حيث يتجه حلف شمالي الأطلسي نحو إبراز قبضته العسكرية الأوروبية أكثر من قبضته الأميركية التي وهنت خلال عهد جورج بوش!

 وكان كوشنير وزير الخارجية الفرنسي قد ألقى كلمة في اجتماع لسفراء فرنسا في العالم، بتاريخ 31/8/2007، جاء فيها ما يلي: "إنّ زمن ما بعد حرب العراق يظهر أنّ أزمة الهيمنة الأميركية قد بدأت، وأنّها أزمة ستدوم، ولن يحدث انقلاب يخفّف من وطأتها حتى لو تغيّرت الإدارة وجاء رئيس ديمقراطي، وعلى الدبلوماسية الفرنسية الاستفادة من ذلك في الشرق الأوسط"! غير أنّ كلام الوزير الفرنسي بدوره لم يكن صريحاً ولم يعكس حقيقة ما يجري الاستعداد له في أوساط الجناح الأوروبي لحلف شمالي الأطلسي!

قضايا شديدة الحساسية والخطورة!

في المؤتمر الخامس لسياسة الأمن والدفاع الأوروبي الذي انعقد في برلين (2006؟) بحثت قضايا شديدة الحساسية والخطورة، مثل التشديد على تقليص الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتوثيق التعاون داخل الأطلسي "لمواجهة الإرهاب المتصاعد"، والاستعداد لمواجهة خطر النزاعات المتزايدة في أماكن مختلفة من العالم، ومواكبة تطور منظومات التسلّح العسكرية الأميركية، وفي هذا السياق كشفت الحكومة الألمانية أنّها ستطلق أوّل قمرين صناعيين في كانون الأول/ ديسمبر 2006، وأنّ أحدهما سيخصّص لأهداف محض عسكرية، وقالت أنّ عدد الأقمار الألمانية سوف يبلغ الثمانية في العام 2009، وأنّ عملية معقّدة لربط الأجهزة وتحقيق التبادل السريع للمعلومات سوف تبدأ بين ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ، وأنّ الاتحاد الأوروبي توصل إلى اتفاق بين أعضائه لتوجيه الأبحاث في الفضاء نحو الأهداف المدنية والعسكرية (لننتبه إلى النشاطات الأوروبية التي انطلقت اليوم "لمنع تهريب الأسلحة إلى غزّة"! وإلى صلتها بهذه الاستعدادات التي بدأت قبل سنوات). وقد قرّر المؤتمر المذكور تشكيل قوة عسكرية أوروبية ضاربة من حوالي 60 ألف جندي، وأن تكون جاهزة بحلول عام 2010، وأن تتمتع بسرعة الحركة، علماً أنّ 13 فرقة ضاربة سوف تكون جاهزة في العام 2007، وستضم كلّ فرقة 1500 جندي، وأن تشارك ألمانيا بأربع فرق! وهذه القوات الأوروبية تشبه قوات التدخل السريع لحلف شمال الأطلسي لكنها بإمرة الاتحاد الأوروبي!

نقد الفشل في السيطرة على العراق!

وهكذا فإنّ الحرب الأميركية على العراق لم تدفع الأوروبيين إلى شجبها ومعارضتها كحرب ظالمة، بل إلى نقد الأخطاء التي تسببت في تعثّرها وإلى تدقيق النواقص التي ينبغي تلافيها في الجولات الحربية القادمة! وبالفعل في العام 2005، أي بعد مرور عامين على احتلال العراق، وضع المفهوم الاستراتيجي الثالث للأطلسي، حيث قرّر الحلفاء إسناد خمس مهام للحلف بدلاّ من أربع، والمهمة الخامسة المضافة هي: "تشجيع قيام علاقات شراكة وتعاون وحوار واسعة مع دول أخرى في المنطقة الأوروبية الأطلسية للوصول إلى مزيد من الشفافية والثقة المتبادلة والقدرة على العمل المشترك مع الحلفاء"! الأمر الذي يعني إبراز القبضة العسكرية الأوروبية للحلف، بموافقة واشنطن طبعاً!

من حفظ السلام إلى الحرب الاستباقية!

 لقد تضمّنت الاستراتيجية الأولى لحلف شمال الأطلسي، الذي تأسس في العام 1949، أنّ مهمة الحلف هي: "حفظ السلام عن طريق الدفاع عن النفس"! أما إستراتيجيته الجديدة (للعام 2005) فتنصّ على حقّ الحلف في استباحة العالم كلّه تقريباً، أي حيث تقتضي مصالحه ذلك، وتندرج خطوطها العامة في  ثلاثة بنود هي: أولاً، قيام الناتو بالدفاع عن المصالح الأميركية والأوروبية في مختلف أنحاء العالم! ثانياً، استخدام الوسائل العسكرية ضدّ الخصم حتى في حال تعارض ذلك مع القوانين الدولية! ثالثاً، ضمان التفوق والسبق العسكري على صعيد اقتناء واستخدام الأسلحة النووية والقدرة على توجيه الضربة الأولى!

تبقى الإشارة إلى أنّ الاستراتيجيين الأميركيين هم الذين شجّعوا ودفعوا في اتجاه زيادة حجم الدور الأوروبي وفي إبراز القبضة العسكرية الأوروبية لحلف شمال الأطلسي، وقد جاء إخفاق الولايات المتحدة في التعامل مع الحرب الجورجية، في العام 2008، تأكيداً على ضرورة هذا التوجه لصالح الحلفاء جميعاً وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة، أمّا الإخفاق الإسرائيلي الأخير في استئصال المقاومة الفلسطينية في غزّة فقد دفع بقوة إلى خروج القوة الأوروبية الأطلسية من مكامنها والتلويح بقبضتها العسكرية في وجه بلادنا بعد طول غياب!.

                          [email protected]

Hosted by www.Geocities.ws

1