عن الوضع الراهن لجبهات المقاومة

بقلم : نصر شمالي

 

من الصومال والسودان، إلى فلسطين ولبنان والعراق، إلى أفغانستان، حيث الاشتباكات المسلّحة الشاملة المفتوحة وشبه المفتوحة تكاد تقتصر على هذه البلدان من العالم أجمع، وحيث المعارك بوجهيها المباشر وغير المباشر تدور منذ سنوات طويلة بين المقاومة وبين الأميركيين وحلفائهم، تبدو أوضاع هذه الجبهات وقد طرأت عليها بعض المتغيّرات الهامة التي لم تتضح معالمها تماماً بعد، وأبرز هذه المتغيّرات هو محاولة الأميركيين إظهار الصراع على أنّه صراع بين قوى محلّية وإقليمية متناحرة وأنّهم ليسوا طرفاً مباشراً ميدانيّاً فيه، ففي الصومال أصبح الصراع في ظاهره أثيوبياً/صومالياً، وفي السودان تشاديّاً/ سودانيّاً وسودانيّاً/سودانيّاً، وفي لبنان يأملون أنّهم نجحوا أو على وشك أن ينجحوا في جعل الوضع كذلك بعد أن توقفت الاشتباكات بين المقاومة والعدو الصهيوني، وبعد أن وقفت الحكومة اللبنانية إلى جانبهم وليس إلى جانب المقاومة، أمّا في فلسطين والعراق وأفغانستان فإنّ ما يسعون إلى تحقيقه يبدو أصعب منالاً، فقوات التحالف الأميركي في أفغانستان تخوض حرباً فاشلة واسعة النطاق ضدّ المقاومة الأفغانية، حيث لم تنجح القوات المحلية التابعة في إثبات وجودها ولو في الحدّ الأدنى، وهاهم الأميركيون يعملون بكل قواهم لتحويل الحرب إلى حرب إقليمية باكستانية/أفغانية، وفي العراق يعملون أيضاً بكلّ قواهم لتكون الحرب إيرانية/عراقية بعد أن فشلوا في جعلها عراقية/عراقية على أساس طائفي، لكنهم لا يزالون في أتونها ولا يجدون طريقة للخروج منه الآن كما هو حالهم في أفغانستان، وفي فلسطين نجحوا في عزل المقاومة المسلّحة وحصرها في قطاع غزّة، أو أنّ المقاومة نجحت في الاحتفاظ بقطاع غزّة خلافاً لإرادتهم، غير أنّ الاشتباكات المسلّحة مستمرّة والوضع مفتوح على جميع الاحتمالات ريثما ينجحون في بسط السلطة الفلسطينية الرسمية (أي سلطتهم في الواقع) على القطاع، أو أن  يحدث العكس لا ندري كيف، لأنّ المقاومة الفلسطينية، المتهمة بالتبعية لإيران مثلها مثل حزب الله اللبناني، ليس لها اتصال جغرافي مع سورية يمدّها بالسلاح الإيراني!

غير أنّ الوضع الراهن لجبهات المقاومة والقتال في البلدان المذكورة مخالف تماماً لما كان ينبغي أن يكون عليه اليوم حسب التصوّر الأميركي الموضوع له عام 2000، ففي ذلك العام وصل فريق المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض متأبّطاً خطط العمليات الحربية الجاهزة منذ عام 1995 على الأقلّ، وأوّلها خطة احتلال العراق الذي أصبح جاهزاً للاحتلال بعد ثلاثة عشر عاماً من الحصار المحكم المميت، ومن ثمّ اجتياح المنطقة بأكملها وإعادة تشكيلها كلها لصالحهم على حساب الأصدقاء وغير الأصدقاء من حكّامها، وبعد أن عرفنا لاحقاً وجود هذه المخططات المحمّلة على الخرائط فعلاً منذ مطلع العام 2000، أي قبل أحداث أيلول/سبتمبر2001، لا يسعنا إلاّ أن نعود ونتوقّف عند الانسحاب الإسرائيلي الغريب من لبنان عام 2000 والوصول إلى حالة من وقف إطلاق النار، فقد كان ذلك الانسحاب (من وجهة نظري حينئذ) مدعاة للقلق والارتياب في دوافع العدو الحقيقية، وقد قصدت بيروت على الفور وعبّرت لأصدقائي اللبنانيين عن قلقي، فالانسحاب بالحسابات الاستراتيجية ليس في صالح المقاومة ولا لبنان ولا الأمة عموماً، مع إدراكي أنّنا لا نستطيع منع العدو من الانسحاب! غير أنّ الاحتفالات المشروعة بالتحرير كانت في الأوج ولم أجد من يستمع إليّ جيّداً، أمّا اليوم فأستطيع القول بثقة أنّ الانسحاب الإسرائيلي من جنوبي لبنان كانت له علاقة بالخطة الجاهزة لاحتلال العراق، فليس معقولاًً أن يترك الأميركيون والإسرائيليون الجبهة اللبنانية/الفلسطينية مفتوحة بينما هم على وشك احتلال العراق، لأنّ المقاومة اللبنانية سوف تكون عظيمة الخطر على مشروعهم العراقي، ولأنّ الانفراد بالعراق وافتراسه كان يقتضي الهدنة والتهدئة على جميع الجبهات الأخرى، ولقد كانت جبهة المقاومة اللبنانية أهمّ الجبهات وأكثرها فاعلية بعد أن انتقلت بنجاح من مرحلة الردع السلبي إلى مرحلة الفعل الإيجابي!

نستحضر ذلك بينما تتوالى اليوم أخبار التهدئة والهدنة على الجبهة الفلسطينية/الإسرائيلية، فالمقاومة الفلسطينية حقّقت ذلك المستوى المتقدّم الذي بلغ درجة الردع، أي أنّها على طريق شقيقتها اللبنانية، ولا يعقل أنّ العدو يقبل بالتهدئة معها إن لم يكن ثمّة سبب آخر أعظم خطورة بما لا يقاس! وتتوالى أخبار العروض السياسية المتساهلة على الجبهة السورية رغم الاتهامات الكبرى التي توجّه لسورية والتي لا تقلّ أبداً عن الاتهامات الموجّهة لإيران، ولذلك هو تساهل يدعو للريبة وغير قابل للتصديق! وتتوالى أيضاً أخبار إيجاد حلّ سلمي لقضية مزارع شبعا، وأخبار التبادل للأسرى في لبنان، حيث يزعم الإسرائيليون أنهم "يتحمّلون الإذلال التزاماً بقيمهم الحضارية"! فلا يبدو مقنعاً ادعاؤهم أنّهم مكرهون على قبول الإذلال كما يتوهّم بعضنا ويردّد في أجهزة الإعلام، وأنه لا شيء آخر وراء الأكمة! وتتوالى أخبار العراق حيث لم ينجح القوميون وخصومهم، للأسف الشديد ولسوء الحظ، في تجاوز معضلة الحرب العراقية/الإيرانية، وحيث ترتّبت على عدم نجاحهم نتائج خطيرة انعكست سلباً على جبهة المقاومة، وصار الأميركيون يراهنون على هذه النتائج للخروج من مأزقهم التاريخي، فتراهم يتحوّلون مؤخّراً إلى مغازلة القوميين وهم الذين طالما غازلوا خصومهم! فقد صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية أنّ واشنطن "ملتزمة مساعدة العراقيين في الوصول إلى عراق ذي هويّة عربية قويّة كي يكون العائق الأكبر أمام النفوذ الإيراني السلبي"! (صحيفة "الحياة" 8/7/2008) .

خلاصة القول في هذه العجالة أنّ الوضع الراهن لجبهات المقاومة عموماً هو وضع معلّق، فالعدو لم يحقّق أهدافه الاستراتيجية لكنّه لم يهزم بعد هزيمة حاسمة، والمقاومة لم تهزم لكنّها لم تحقق بعد نصراً حاسماً، والنتيجة الإجمالية في صالح المقاومة بالمقياس التاريخي، حيث مثل هذا التقابل المتكافئ لم يحدث أبداً من قبل حين كان العدو يربح المعارك دائماً ومسبقاً، والمقاومة النظامية وغير النظامية تخسرها دائماً ومسبقاً!

اليوم، كما يبدو، يحاول العدو أن يخرج من هذا الوضع المعلّق الذي يستنزفه بجعل الحرب من جديد حرباً محلية/ إقليمية، يكون هو فيها طرفاً ثالثاً غير مباشر، فيستعيد هيبته ويستردّ خسائره إن لم يكن أكثر، غير أنّه لن ينجح في تحقيق ذلك إلاّ بمساعدة المقاومين أنفسهم، بغفلتهم وفقدانهم الحذر، وغرقهم في الصغائر الآنية، وانشغالهم بالثانوي عن الرئيسي وبالفرع عن الأصل!  

             [email protected]

 

  

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1