حصة فرنسا في الكيان الإسرائيلي !

بقلم : نصر شمالي

 

لن يرى ولن يفهم شيئاً على الإطلاق من لا يرى ويفهم تركيبة هذا النظام العالمي الاحتكاري الرّبوي في وحدته المتينة، التراتبية الطبقية، التي تجمع بين المليار الذهبي، السيد، المختار، وبين المليارات  الستة من البشر (الغوييم!) الذين يصنّفهم السادة المختارون على أنّهم أقلّ من بشر وأكثر من حيوانات، ويعاملونهم كالقطعان بل أسوأ! وعندما تحدّث الرئيس الفرنسي ساركوزي قبل أيام، أمام الكنيست الإسرائيلي، عن:"دولة إسرائيل التي تعود للبشرية جمعاء لأنّ القيم التي تمثلها هذه الدولة هي قيم عالمية"! فقد كان يقصد بالبشرية والعالمية الخمس البشري الذهبي وأوطانه تحديداً، أمّا الأمم الأخرى الآسيوية والأفريقية فقد وصفها بأنّها "البربرية" التي نهض الكيان الإسرائيلي ضدّها ورغماً عنها! وكان تيودور هرتزل قد تحدّث في أحد خطاباته التبشيرية، قبل حوالي مائة عام، عن القلعة الأوروبية اليهودية المتمدّنة التي سوف تنهض لمواجهة البربرية الآسيوية/الأفريقية لصالح أوروبّا، غير أنّ هرتزل لم يفعل سوى تكرار ما قاله القادة الإنكليز والفرنسيون وغيرهم من القادة الأوروبيين منذ أواسط القرن السابع عشر وحتى يومنا هذا!

لقد نهض هذا النظام العالمي الموحّد بمركزية أوروبية (ثمّ أميركية) صارمة، استبدادية احتكارية صهيونية، منذ أوائل القرن السادس عشر، أمّا الصراعات والحروب بين عواصمه الأوروبية فكانت على المركز الأول في النظام العالمي الذي لا خلاف على تركيبته العبودية الإجمالية، وكانوا يقولون منذ البدايات أنّ ما يعتبر عملاً غير متحضّر ومرفوض في لندن وباريس لا يكون كذلك في القاهرة أو بكين! وقد نجح الإنكليز والفرنسيون في انتزاع الأولوية لعاصمتيهما من الإسبانيين والبرتغاليين، ثم بدأت حروب التصفية النهائية بينهما على المركز الأول، الذي ربحته لندن بعد إلحاق الهزيمة الساحقة بنابليون، ثمّ جاءت واشنطن بعمقها الإنكليزي اللوثري لترث لندن في القرن العشرين!

في زمن الصراع الثنائي الطويل على المركز العالمي الأول، بين باريس ولندن، كان البعد الإسرائيلي الصهيوني واضحاً تماماً في خطابات القادة، مثلما هو واضح تماماً اليوم في خطابات ساركوزي وبراون وبوش وغيرهم، غير أنّ الإنكليز اللوثريين كانوا سبّاقين، ثمّ تبعهم الفرنسيون، فمنذ أواسط القرن السابع عشر، في عهد أوليفر كرومويل، أعلن الإنكليز عن نيّتهم حمل أبناء وبنات إسرائيل على سفنهم الخاصة إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم! ولكن على أيّ أساس يفعلون ذلك؟ لقد شرح اللورد شافتسبري (1801 – 1885) الفكرة العجيبة فقال أنّ اليهود "وإن كانوا بلا شكّ يتّسمون بالعناد، وسواد القلب، والانغماس في الانحطاط الأخلاقي، والجهل بالكتاب المقدّس، فإنّهم لا يستحقون الخلاص فحسب بل يمثّلون أيضاً شيئاً حيوياً لأمل المسيحيين في الخلاص"! لقد قصد شافتسبري ضرورتهم حسب الرؤى التوراتية لظهور المسيح المخلّص وبداية الألف عام السعيدة! غير أنّ هذا الكلام الموجه لتعبئة العامة لا علاقة له طبعاً بالأهداف الحقيقية الواقعية التي كان يتطلع اللورد وأمثاله إلى تحقيقها لخدمة الإمبراطورية البريطانية خصوصاً والنظام العالمي الأوروبي عموماً! وجدير بالذكر أنّ شافتسبري كان يعارض التحرير المدني لليهود في إنكلترا بحجة أنّ السماح لليهود بعضوية البرلمان دون حلف اليمين المسيحي يعدّ انتهاكاً للدين! لقد كانت صهيونيته غير اليهودية تسعى للاحتفاظ باليهود جاهزين للاستخدام في فلسطين، حيث هم الأنسب لهذه المهمة بعد فشل تجارب الاستيطان الفرنجية (الصليبية حسب التسمية الأوروبية) ولم يكن ليسمح بذوبانهم في المجتمع الإنكليزي، وهو كان يدعو لعودة اليهود إلى فلسطين في الوقت الملائم سياسياً، وهكذا كان موقف وهدف جميع القادة الأوروبيين!

لقد كان القادة الإنكليز يتطلعون إلى قاعدة استيطانية في فلسطين تخصّهم تحديداً من جهة، وتخصّ البشرية التي هي الأوروبيين والعالم الذي هو الأوطان الأوروبية من جهة أخرى، وتقف في وجه البربرية في ذلك الموقع العالمي العظيم الأهمية، أي في وجه آسيا وأفريقيا من جهة ثالثة، وهكذا رأينا نابليون بونابرت، أثناء حملته على مصر عام 1799، يصدر نداءه الذي يدعو فيه اليهود للالتحاق بحملته واعداً إياهم بإقامة دولة لهم على أرض فلسطين، فقد كان يأمل أن يربح الجولة ضدّ الإنكليز، وأن تحتل باريس المركز الأول في النظام العالمي، فتكون القاعدة الإسرائيلية في خدمة الإمبراطورية الفرنسية تحديداً من جهة، وفي خدمة البشرية التي هي الأوروبيين والعالم الذي هو أوطانهم من جهة أخرى، وتقوم بمهمة قهر الآسيويين والأفريقيين (البرابرة) من جهة ثالثة!

اليوم تحتلّ واشنطن المركز الأول في هذا النظام العالمي الشايلوكي الظالم الفاسد، الذي بلغ الذروة في صعوده وبدأ انحداره، والقاعدة الإسرائيلية تخصّ اليوم الإمبراطورية الأميركية بالدرجة الأولى، لكنّها تخصّ البشرية (الأوروبية) والعالم (الأوروبي) أيضاً، وهكذا فإنّ من حقّ ساركوزي أن يتحدّث بهذه الحرارة والحماسة عن "الدولة الإسرائيلية" التي تمثّل القيم العالمية (أي الأوروبية) لأنّ دولته تمتلك حصّة فيها ببعدها العالمي (الأوروبي)! وعندما يقول ساركوزي أنّ فرنسا تقدّر الإسرائيليين، ومعجبة بهم، فهو يعني أنّ فرنسا تقدّر نفسها ومعجبة بنفسها، حيث هي شريكة في إقامة هذا الموقع الاستيطاني المتقدّم، وفي هذا الخرق الخطير القتّال للأمة العربية والإسلامية ولأمم آسيا وأفريقيا عموماً، ولها حصتها في ما ينتجه هذا المشروع الحربي الاستثماري، أمّا عن الفلسطينيين الذين أكّدوا امتناعهم على الإبادة والزوال فإنّ ساركوزي يقترح عليهم الالتحاق بالقاعدة الصهيونية وبقواتها! قال ساركوزي: "لا يمكن تحقيق السلام إذا لم يقاوم الفلسطينيون أنفسهم الإرهاب"! أي أن لا يسلّموا بهزيمتهم النهائية وحسب، بل أن يصبحوا جزءاً من القوة الداعمة لوجود الكيان الإسرائيلي وجزءاً من الأدوات التي تساعده في أداء وظيفته، بما في ذلك تدمير أنفسهم بأنفسهم مقابل موقع خدمي إقليمي سافل إلى جانب الإسرائيليين!

   [email protected]

 

Hosted by www.Geocities.ws

1