حرب استئصال وإبادة الكائن الفلسطيني!

بقلم : نصر شمالي

وصفت الذئبة الصهيونية تسيبي ليفني العمليات العسكرية الإسرائيلية ضدّ مليون ونصف المليون فلسطيني في قطاع غزة بأنها: "حرب طويلة ضدّ الإرهاب"! أضافت: "ولا يتمّ إبرام اتفاقيات مع الإرهاب إنّما تجري محاربته"! (الصحف 14/1/2009). وبينما هي تطلق تصريحها هذا كان عدد الشهداء والجرحى من الفلسطينيين قد قارب الستّة آلاف، أغلبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء والشيوخ والعزّل غير المقاتلين، الأمر الذي يعني أنّ صفة "الإرهاب" الذي عنته، والذي تنوي المضي في محاربته حتى استئصاله وإبادته، تشمل سكان القطاع جميعاً ككائنات، بغضّ النظر عن كونهم بشراً ، أطفالاً أم كباراً، إناثاً أم ذكوراً، فمن الذي يأبه لنوع الأفعى والعقرب ومن يأبه لعمرهما وجنسهما عندما يشنّ حملة ضدّ الأفاعي والعقارب! وبما أنّ سكان القطاع جزء من الشعب الفلسطيني، وبما أنّ الشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية، فإنّ تصنيف ليفني يشمل الفلسطينيين والعرب أجمعين، ويجعلهم كلّهم عرضة لحربها الطويلة التي لا تقبل الاتفاقيات!

الإبادة الشاملة بضربة واحدة!

غير أنّ الخطاب الصهيوني الرهيب الذي أطلقته ليفني، وهو الخطاب الذي يحكم بالإعدام حكماً مبرماً على "الكائن" الفلسطيني وبني جنسه، وبالتنفيذ المتدرّج عبر حرب طويلة مفتوحة، ذهب أبعد من ذلك بكثير على لسان أفيغدور ليبرمان، هذا الوحش المفترس الذي قدم إلى فلسطين المحتلة بالأمس القريب للانخراط في قطعان المرتزقة، حيث دعا ليبرمان إلى أن يفعل الإسرائيليون بالضبط ما فعلته الولايات المتحدة باليابانيين في الحرب العالمية الثانية، فلا داعي لاحتلال قطاع غزّة بل ينبغي قصفه بقنبلة نووية، وتدميره بالكامل، وحسم هذه "المشكلة" نهائياً، والتخلّص من وصف العالم "لإسرائيل" بأنها دولة احتلال! (الصحف 14/1/2009). إنّ تصريح ليبرمان لا يكشف فقط عن استعداد الصهاينة (إن استطاعوا وكان ذلك ممكناً) للقضاء على ملايين العرب خلال ثوان وبضربة ذرّية واحدة، بل يكشف كذلك عن موافقتهم ورضاهم عن الضربة الأميركية الذرية لليابانيين، ويكشف بالتالي عن موقفهم العدائي إلى حدّ الإبادة من الأمم جميعها (الغوييم!) ما عدا جدّتهم البريطانية وأمهم الأميركية الإنكليزية الأصل! إنّ ليبرمان يفضّل ارتكاب الفعل الاستئصالي الإبادي، المقرّر مسبقاً بسبب أو من دون سبب، بضربة واحدة وفي لحظة واحدة، سينساها العالم المروّع وتمرّ من دون عقاب، كما كان حال الجريمة الأميركية العظمى ضدّ اليابان، أمّا أن يجري تنفيذها على المدى الطويل وبالموت المتدرّج البطيء، فذلك أمر مزعج لأنّه يفسح المجال أمام العالم لوصف الإسرائيليين بالمحتلين! فهل هناك محاكمة أفظع من هكذا محاكمة وتوصيف أشدّ إرهاباً من هكذا توصيف؟!

هكذا تكون الحرب نزهة تفرح القلب!

لقد استغرقت الطلعة الجوية الإسرائيلية الأولى في الحملة على غزّة حوالي أربع دقائق، اشتركت فيها أكثر من خمسين طائرة أميركية من طراز إف 16، وقبل أن تنتهي الدقائق الأربع كانت العملية الجوية قد نجحت في قتل 225 فلسطيني مضافاً إليهم مئات الجرحى (27/12/2008) وقد وصف القادة الإسرائيليون في تصريحاتهم تلك النتيجة بأنّها: "بداية حسنة"! لكنهم جميعاً، ومعهم قطعان الاستيطان المتوحشة وليس ليبرمان وحده، كانوا يفضّلون لو أنها "نهاية حسنة"، وليس "بداية حسنة"، ففي تلك الدقائق الأربع الأولى يمكن استخدام طائرة أميركية واحدة، وقنبلة واحدة، لقتل شعب غزّة بأكمله والتخلّص تماماً ومرّة واحدة من وصف "المحتلين" الذي يكرهونه والذي يستمرّ إطلاقه عليهم! وبما أنّه "ليس في اليد حيلة" كما يقال، حيث ليس متاحاً لأسباب كثيرة استخدام القنبلة النووية، فقد عبّر الإسرائيليون بعد أسبوعين من انطلاق الحملة عن رضاهم واستمتاعهم، فقد بلغ عدد القتلى والجرحى من "الكائنات" الفلسطينية حوالي ستة آلاف مقابل عدد من الإسرائيليين لا يستحق الذكر قياساً به! وقد كتب ناحوم بارنباع، المعلّق السياسي في صحيفة "إيديعوت أحرونوت"، يقول: "حتى كتابة هذه السطور تجري الحملة العسكرية في شروط ممتازة، وطالما بقي الوضع هكذا فإنّ الشعب (الإسرائيلي) يحبّ هذه الحملة ويريد المزيد"! هذا ما قاله بارنباع! المزيد من ماذا؟ بالطبع المزيد من قتل "الكائنات" الفلسطينية، هذا القتل الذي يفرح القلب الصهيوني، خاصة عندما تكون الضحية عاجزة عن الردّ بالمثل, ومحاصرة ببعضها، وبأبناء جنسها، وبالغاز الخانق والنفط الكاوي، وبالسبل أو المعابر المسدودة! إنه يشبه متعة صيد السمك في البرميل، كما وصف الأميركيون قتلهم للعراقيين!

من روائع الشعر الصهيوني!

أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى نشر مستوطن صهيوني يدعى افرايم تسيدون "قصيدة" تقول: " حتى لو تخلّت المنظمة عن ميثاقها. حتى لو بدّل ياسر عرفات اسمه في احتفال رسمي ليصبح موشيه. حتى لو تخلّى الفدائيون عن أسلحتهم وعقيدتهم وأرسلوا بطاقات التهنئة لكلّ بيت يهودي في رأس السنة العبرية. حتى لو شاركتنا المنظمة في بناء المستوطنات لليهود القادمين الجدد. حتى لو أعلنوا أمام الملأ أنّ الضفة الغربية أرض يهودية. حتى لو قامت نساء "فتح" بنسج قبعات الصوف لجنود إسرائيل. حتى لو استقبل أهالي الضفة جماعات غوش أمونيم بالأغاني والزغاريد. حتى لو اعترفوا بالدولة اليهودية وقدّموا لنا كلّ أموال التبرعات التي يتلقونها. حتى لو أقرّ ياسر عرفات أمام الملأ أننا الذئب وأنّه الغنم. حتى لو نقلوا اللاجئين إلى القطب الشمالي ورفعوا رايات الهزيمة أياماً وليالي. حتى لو تحوّلت سيوفهم إلى أقلام ومساطر، فلن نجالسهم أبداً ولن نحاور"!

يضحك كثيراً من يضحك أخيراً!

من جهتنا، في هذه العجالة وهذا الحيّز الضيق، نكتفي بالقول أن الأفعال والأقوال الصهيونية تعني بالضبط مشروعا انتحارياً صهيونياً جماعياً! إنّهم يمهّدون ذاتياً لانهيارهم ويصرّون عليه! إنّ هذا يتجلّى واضحاً في أقوالهم وأفعالهم، وهو ما سيحدث لهم بطريقة أو بأخرى سواء طال الوقت أم قصر، إثر تبدّل إيجابي سوف يطرأ على أوضاع العرب، أيضاً سواء طال الوقت أم قصر، وسوف لن يقتصر الأمر على موقف ثلاثمائة مليون عربي، بل سيجد الصهاينة أنفسهم في مواجهة العالم أجمع، ما عدا جدّتهم البريطانية وأمهم الأميركية من أصل إنكليزي، وكما يقال: سوف يضحك كثيراً من يضحك أخيراً!

[email protected]

 

   

Hosted by www.Geocities.ws

1