بوش يعد أفريقيا بأهوال الجحيم!

بقلم : نصر شمالي

 

يعزو المحللون الدوليون الارتفاع العالمي المذهل في أسعار السلع الأساسية ، خاصة النفط، إلى الأوضاع المتوتّرة في العراق وفي نيجيريا أيضاً! فقد تجاوز سعر برميل النفط 102 دولاراً، وهناك من يؤكد من موقع الخبرة والمسؤولية أنّ هذه الزيادة ليست نهاية المطاف، وترافق ذلك مع انخفاض سعر الدولار أيضاً وأيضاً، ويقال أنّ الأسعار عموماً ترتفع تدريجياً في مختلف أنحاء العالم نتيجة للمؤشرات الاقتصادية السيئة التي تعلن في الولايات المتحدة، وأنّ هذا الارتفاع يشمل أسعار الإنتاج بسبب زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة، الأمر الذي يعزّز القلق من التضخم، مع الإشارة إلى أنّ اقتران المواد الغذائية بالطاقة يعود إلى تحوّل الإدارة الأميركية نحو إنتاج الطاقة من أهمّ المحاصيل الزراعية الغذائية: القمح والذرة وفول الصويا وقصب السكر.. الخ!

ولكن، إذا كانت المغامرة الحربية الرهيبة التي دخلتها الولايات المتحدة في العراق، ولم تعد تعرف كيف تتعامل معها أو تخرج منها، هي أحد أهم الأسباب دون ريب في اضطراب الأوضاع الأميركية خصوصاً والدولية عموماً، فهاهي نيجيريا وقد اقترن اسمها باسم العراق بمناسبة الارتفاع الجديد لسعر النفط! ويحدث ذلك مباشرة بعد الجولة التي قام بها الرئيس الأميركي في عدد من البلدان الأفريقية، مطلقاً أين ما حلّ الوعود البرّاقة التي أصبحت تثير القلق بل الذعر على أوسع نطاق كلّما كانت برّاقة أكثر، فالأفارقة مثل غيرهم صاروا يعرفون أنّ الوعود الأميركية بجنّات النعيم تعني الوعود بأهوال الجحيم! وكيف لا يكون الأمر كذلك  وهم يرون جنّات النعيم العراقية التي حققها الأميركي!

من المعروف أنّ الأفارقة جنوب الصحراء عموماً تقشعرّ أبدانهم عندما تذكر الولايات المتحدة والقارة الأميركية عموماً، حيث أبيد عشرات الملايين من السود الأفارقة في مختلف مراحل نهوض دول القارة وخاصة الولايات المتحدة، وهم لا يزالون في غاية الحذر أثناء اضطرارهم للتعامل مع هذه الدولة العظمى الباغية، ولا شكّ أنّ حذرهم بلغ حدّ القلق الشديد بعد جولة بوش الأخيرة في بلادهم، وصاروا يفكّرون بأنّ ما يحدث في العراق والسودان سوف يمتد ليشملهم، وبالطبع فإنّ مخاوفهم ليست من دون أساس واقعي ملموس، فهم اطّلعوا بالتأكيد على تلك التصريحات التي أطلقها معاون وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية والتر كاينستين في 1/2/2002، والتي جاء فيها ما يلي: "لقد تحوّل بترول أفريقيا بالنسبة إلينا إلى إستراتيجية وطنية جذابة"! وقد شرعت الإدارة الأميركية منذ ذلك التاريخ في التحضير والإعداد الميداني "لحماية مصالحها البترولية" في أفريقيا سياسياً وأمنياً وعسكريا، أي بدأ التحضير لأهوال الجحيم! وهكذا فإنّ الاستعداد حينئذ لاحتلال العراق لم يتعارض مع الاستعداد لاقتحام أفريقيا، بل لعلهم كانوا يعتبرون العراق المحتل بوابته! وبالفعل، فقد صرّح نائب الرئيس ديك تشيني في حينه أنّ أفريقيا تتحوّل بسرعة إلى مصدر نفط وغاز للسوق الأميركية! هذا ما قاله بالضبط! وعندما يقال علناً مثل هذا الكلام فذلك يعني أنّ إجراءات حماية المنابع وضمان أمن الطرق والأنابيب والموانئ قد بدأت، وقد رأينا فعلاً كيف تفجّرت الأوضاع بغتة في إقليم دارفور السوداني وفي تشاد وفي غيرهما من المناطق والدول!

لقد كان مركز اهتمام بوش في جولته الأفريقية المخاتلة هو الدول المنتجة للنفط، فالولايات المتحدة تستورد الآن من هذه الدول، ومعها المغرب العربي طبعاً، أكثر من 60% من احتياجاتها النفطية، وقد بلغت هذه الاستيرادات، في العام 2006، ما يعادل استيراداتها من مجموع ما يسمى بدول الشرق الأوسط! وجدير بالذكر أنّ في بلدان أفريقيا الغربية احتياطي نفطي في حدود 40 مليار برميل، يقال أنّ بالإمكان مضاعفته، علماً أنّ الاحتياطي العراقي لوحده يقدّر بأكثر من 400ملياربرميل، غير أنّ الغول النفطي الأميركي لا يرتوي ولا يشبع، وهاهي شركة شفرون تكساكو، التي كانت تديرها وزيرة الخارجية رايس، موجودة هناك في غرب أفريقيا بكل ثقلها! وبالإجمال فإنّ الفارق بين المنطقتين يكمن في الاحتياطي الهائل لدول ما يسمّى بالشرق الأوسط والاحتياطي المتوسط لعموم دول أفريقيا!

لقد درست الإدارة الأميركية، في العام 2005، تقريراً أعدّه خبراؤها يتعلّق بخليج غينيا الغني بالنفط، وقد اقترح التقرير أن تكون لقضية الأمن في ذلك الخليج الأفريقي الأولوية في السياسة الأميركية الأفريقية، وذلك بإقامة عدّة قواعد عسكرية هناك! ومنذ ذلك العام انطلقت الخطط لإقامة القواعد، وجرى تحديد تسع دول أفريقية ينبغي أن يشملها الانتشار والتموضع  العسكري الأميركي، وفي معرض السعي الميداني لتحقيق هذا الهدف كان يجب إعطاء سبب مقبول لمثل هذه الترتيبات الحربية يقنع القادة الأفارقة، فكان السبب المعطى، ويا للعجب، هو محاربة الإرهاب! وبالإضافة إلى ذلك  جرى تكليف وزارة الدفاع الأميركية، منذ عهد رامسفيلد، بتعزيز قدرات الجيوش النظامية الأفريقية، وهذا يعني قيام هذه الجيوش بخدمة المصالح الأميركية من جهة، وبيع دولها الأسلحة الأميركية التي ستلتهم قيمة مبيعاتها وتكاليف خدماتها العائدات النفطية التي تخص هذه الدول، أما الحجة فهي الدفاع عن الأوطان الأفريقية ضدّ خطر الإرهاب القادم!

وهكذا نفهم لماذا اقترن اليوم اسم نيجيريا باسم العراق لأول مرّة، باعتبارهما سبباً من أسباب ارتفاع أسعار النفط واضطراب الأسواق العالمية عموماً، فنيجيريا تنتج 1,6 مليون برميل نفط يومياً، وهذه الكمية تذهب كلّها إلى الولايات المتحدة، وفي الوضع الراهن فإنّ تهديدات جدّية يتعرّض لها تدفق النفط من نيجيريا إلى الولايات المتحدة، فالأنابيب يجري تفجيرها من حين لآخر، ويعزى ذلك إلى جهات غامضة وإلى أسباب غير مقنعة، ولا بدّ أنّ الشعب النيجيري المقهور، الذي يعيش على الكفاف ويعاني من الاستبداد والفساد، يعرف جيداً سبب التفجيرات، وبالطبع فإنّ الولايات المتحدة لن تنحاز للشعب بل لحكامه المتحالفين معها أيّاً كانت طبيعة أنظمتهم، وهي لن تتردّد في التدخّل العسكري المباشر والمعلن في حال تعرّض تدفق النفط النيجيري لخطر التوقف!

لقد امتلأت خطابات بوش في أفريقيا بالوعود المعسولة، وبالتأكيد على العلاقات النزيهة والاتفاقات العادلة، غير أنّ الأفارقة يعرفون جيداً أنّ الموظفين الأميركيين الذين سيأتون قريباً لترجمة وعوده عملياً سوف يتحدثون ويتصرّفون بطريقة مغايرة تماماً، فيلحّون على إقامة القواعد العسكرية وعلى تطوير القوات الوطنية وعلى مزيد من التنسيق مع وزارتي الخارجية الأميركية والدفاع والمخابرات الأميركية، إضافة إلى الانصياع لتعليمات البنك الدولي..الخ! أي أنهم يعرفون أنّ ما وعدهم بوش به ليس سوى أهوال الجحيم!

  [email protected]

 

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1