بالمفاوضات وحدها يصبح النمر قطّاً!

بقلم : نصر شمالي

يتلخص الموقف على الجبهة الفلسطينية اليوم في أنّ العدو الصهيوني، اليهودي وغير اليهودي، ما زال يواصل جهوده لإقناع الفلسطينيين بلا جدوى مقاومتهم المسلّحة، وبالجلوس إلى طاولة المفاوضات والتباحث معه دون شروط مسبقة، ودون جدول أعمال يحدّد مسبقاً ملامح "الحلّ النهائي للمشكلة الفلسطينية"! وبالطبع فإنّ القضية ليست "مشكلة فلسطينية" تحتاج إلى "حلّ نهائي"، فليس هناك على الإطلاق قضية خلاصتها: "حلّ نهائي لمشكلة فلسطينية"! بل قضية مصير أمة عربية وإسلامية ترهقها وتمزّقها وتهدّد وجودها قاعدة حربية استيطانية، أطلسية/إسرائيلية، أقيمت على أرض فلسطين كخطّ هجومي أطلسي أمامي، ولهدف معلن ومدوّن مسبقاً هو قمع "البرابرة" العرب والمسلمين خصوصاً والأفارقة والآسيويين عموماً، أمّا مأساة عرب فلسطين الرهيبة فهي أنّهم لا يستطيعون إلاّ أن يكونوا خطّ الدفاع الأول عن العرب والمسلمين والأفارقة والآسيويين!

 غير أنّ الهجمة التي بدأت ميدانياً قبل حوالي تسعين عاماً فشلت في إنجاز الجزء الأول التأسيسي من المهمة، وهو استئصال الفلسطينيين بسرعة، خلال سنوات البداية القليلة الأولى، قبل الانطلاق إلى آفاق المهام القارية العظمى، فكانت تلك خيبة ما بعدها خيبة وفشل ما بعده فشل، حيث المستوطنون القتلة ما زالوا يراوحون حتى يومنا هذا عند الجزء الأول من المهمة! ولا يغيّر في هذه الحقيقة شيئاً أنّ هناك فلسطينيين استجابوا اليوم إلى الدعوة لإلقاء السلاح والدخول في المفاوضات، فهذه الاستجابة تصطدم بدعوتهم عبر المفاوضات لإخضاع شعبهم دون الإشارة الواضحة إلى ملامح واضحة بصدد "الحلّ النهائي الفلسطيني" الذي يتطلع إليه هؤلاء الفلسطينيون انطلاقاً من قرارات الأمم المتحدة، وبمؤازرة من الولايات المتحدة!

والحال أنّ الإسرائيليين بوضعهم الراهن، وبعلاقاتهم الدولية التي لم يطرأ عليها أي تغيير في الأساسيات الإستراتيجية، وباستمرار اعتمادهم في حياتهم اليومية على حبل السرّة الذي يصلهم بالولايات المتحدة الأم، لا يستطيعون سوى التشبّث بقوة أكثر من ذي قبل بالأسس التي نهض عليها المشروع الاستيطاني الحربي، وإنّه لمن الجهل والحمق أن يتوقّع البعض منهم ما لا يستطيعونه، أي التخلي عن الأسس الاستئصالية الحربية التي نهض عليها كيانهم، فإذا كان حالهم لا يزال كذلك فإنّ حال الولايات المتحدة لا يزال كذلك أيضاً، بل إنّ وضعهم وموقفهم يتغيّران بتغيّر وضع وموقف الولايات المتحدة، وليس العكس!

ما هي الحقيقة وليس الخداع في موقف الإسرائيليين اليوم؟ إنّ الحقيقة لا تزال تلك التي أعلنها آرييل شارون، عبر مجلة "نوفيل أوبزرفاتور" الفرنسية، في أيلول/سبتمبر1982، أي مباشرة بعد اجتياح لبنان وعاصمته، حيث قال: "هناك مكان للدولة الفلسطينية،إما في الضفة الشرقية لنهر الأردن أو في لبنان. يجب أن تحلّ مشكلة الفلسطينيين سياسياً وسلمياً، وهم عندهم وطن، إنّه فلسطين، أعني الأردن. إنّ شرقي الأردن هو الحلّ الوحيد، والسادات كان يعرف، فقد قلت له ذلك دائماً. هناك في الأردن توجد دولة فلسطينية، ومن غير الضروري خلق واحدة جديدة. لن نسمح أبداً بخلق دولة أخرى، ذلك لأنّ الحلّ الذي تريدونه هو دولة فلسطينية ثانية (يقصد غير الأردن) تريدونها في يهودا والسامرة التي تسمّونها الضفة الغربية. وعلى هذا أجيب أنّ يهودا والسامرة لن تمسّ من قبل أحد. لا تفكّروا بعد الآن أن نعيدها. لا يمكن للمرء أن يعيد سوى شيئاً لا يخصّه. إنّ يهودا والسامرة تخصّنا منذ آلاف السنين. منذ الأزل. وحتى لو لم يوجد التوراة  فإنّ هناك أمننا وبقاءنا، وهذا أمر جوهري. فمن دون يهودا والسامرة سوف يتمّ طردنا مباشرة. سوف لن نسمح أبداً بخلق فلسطين ثانية (يقصد في الضفة والقطاع بدلاً من الأردن الذي هو فلسطين في رأيه). عندما يتعلّق الأمر بأمننا، وبوجودنا، لا توجد صقور ولا حمائم بل يوجد يهود. لا يوجد معراخ ولا ليكود بل يهود فقط"!

هذا ما قاله شارون، فماذا عن إسحق شامير؟ لقد توجّه شامير إلى مفاوضات مدريد، مطلع التسعينات، وهو يواصل القول بأنّ العرب هم الذين يحتلّون الضفة الغربية وليس الإسرائيليون، وأنّ على العرب (المحتلين المعتدين) أن يرحلوا من الضفة الغربية ويتركوها (لأصحابها) لليهود! ويومئذ تساءل الملك حسين، في حديث له مع السفير الأميركي ريتشارد مورفي، عمّا إذا كان الإسرائيليون يعرضون الانسحاب من الضفة الغربية أم يزعمون احتلال الضفة الشرقية!

لقد بدأ الحديث عن "مؤتمر دولي للسلام" منذ ربيع عام 1987، أي بعد الشتات الفلسطيني الذي أعقب اجتياح لبنان، ولم يكن ذلك الاتجاه سوى مسعى أميركي لاستكمال الإجهاز على المقاومة الفلسطينية المسلحة، تحت غطاء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. لقد كانت تلك محاولة أخرى لاقتناص الفريسة الفلسطينية والتهامها دون مقاومة ولو بأظافرها! ويومها تساءل شمعون بيريز عمّا إذا كان ممكناً أن تجلس منظمة التحرير الفلسطينية على طاولة المفاوضات في إطار مؤتمر دولي! لقد أعرب عن تشكّكه في إمكانية حدوث ذلك. لماذا؟ أوضح شمعون بيريز قائلاً: "ما دامت منظمة التحرير تمارس القتل فلن يكون لها مكان على طاولة المفاوضات، ولكن عندما يتحوّل النمر إلى قطّ سوف نأخذه بالاعتبار"! وهكذا يكون العربي في عرفهم كائناً أدنى من الإنسان، سواء صنّفوه نمراً محارباً أم قطّاً مسالماً، فهو في الحالة الأولى يستحق المطاردة والقتل، وهو في الحالة الثانية يستحق الوصول إلى تحت الموائد والتقاط الفتات وما يرمى إليه! وقد حدث بعد تصريحات بيريز المعلنة المدوّنة أن تحوّل البعض، ويا للعار، إلى قطط تموء مستجدية الفتات!

إنّ المفاوضات من دون مقاومة مسلحة ليست،في عرف العدو، سوى عملية تحويل النمور المتوحشة الشرسة إلى قطط مهمتها حماية مخازن أسيادها من الفئران، وأيضاً إلى كلاب مهمتها الدفاع عن أسيادها حتى ضدّ أبناء جنسها! أما عن العربي، الذي استجاب للدعوة الاحتيالية، فإنّه يرى أنّ المفاوضات من دون مقاومة مسلّحة يمكن أن تحقق الهدف المرجو منها بالاستناد إلى القرارات الدولية وبرعاية ودعم الولايات المتحدة الأميركية، وهذا بالتأكيد مجرّد وهم من الأوهام، وهو لا يصمد أمام أبسط الحقائق المتعلقة بطبيعة العدو من حيث حجمه وجنسياته، والمتعلّقة بطبيعة الصراع الذي لم يكن في أيّ وقت من الأوقات مجرّد "مشكلة فلسطينية" يمكن إيجاد "حلّ نهائي" لها، وهاهي الوقائع اليومية الراهنة، في ما يتعلّق بالمفاوضات، تؤكّد كلّ يوم أنّ حقيقة الموقف الأطلسي/الإسرائيلي لا تزال بالضبط كما نقلنا عن شارون وشامير وبيريز وغيرهم من المرتزقة المجرمين!

      [email protected]

Hosted by www.Geocities.ws

1