المقاومة العراقية نهايات عام 2003!

بقلم : نصر شمالي

لعلّ من المفيد اليوم العودة إلى المصادر الأميركية وإلقاء نظرة سريعة على رؤيتها لأوضاع المقاومة العراقية في الشهرين الأخيرين من عام 2003، فمثل هذه العودة قد تكون ضرورية لتنشيط الذاكرة، ولقياس مدى الفشل والنجاح في هذه المواجهة التاريخية المفتوحة بين الشعب العراقي والنظام الصهيوني العالمي، خاصة وأنّ بعض السلبيات المقلقة تحاول اليوم أن تجد مكاناً لها إلى جانب الإنجازات البطولية الكبرى للمقاومة! والمرجع الأميركي الذي سنعتمده هو التقرير الصحفي الهام، الذي أعدّه سيمور هيرش، والمنشور بتاريخ 15/ 12/2003(نشره حينئذ موقع "شبكة البصرة").

في ذلك التاريخ، وقبل أن تمرّ ستة أشهر على احتلال العراق، وجدت الحكومة الأميركية نفسها مرغمة على تغييرات جذرية في أوضاعها الميدانية بعد أن اصطدمت بمقاومة عراقية فعّالة لم تكن تتوقعها وبالتالي لم تدخلها في حساباتها، فصادق الرئيس بوش على تغيير هام في العمليات الحربية، بزجّ بالقوات الخاصة السرّية في ميادين القتال، وهي القوات التي كان تعدادها 47 ألفاً، بعد زيادة ميزانيتها (ستة مليارات دولار ونصف المليار عام 2003) بنسبة 34 بالمائة للعام 2004، وقد كان المتوقّع أنّ عمليات هذه الوحدات الصغيرة سوف تكون أفضل من عمليات الوحدات الكبيرة في الجيش النظامي، وكانت المهمّة الرئيسية لهذه الوحدات هي: "تصفية مجموعات البعثيين الذين يقفون وراء الكثير من أعمال المقاومة السرّية ضدّ جنود الولايات المتحدة وحلفائها" أو "تحييد المتمرّدين البعثيين بالاعتقال والاغتيال"! وقد حملت الخطة عنوان: "اصطياد البشر"! الذي اعتمده وزير الدفاع رامسفيلد بحماسة، وبرّره بأنّ احتلال الولايات المتحدة لبلدين (أفغانستان والعراق) يبيح لها الإقدام على أفعال غير عادية!

لقد دار جدل أميركي كبير حينئذ حول ما إذا كان استهداف عدد كبير من الأفراد (المقاومين والمتعاونين مع المقاومة من المواطنين العاديين) هو أسلوب عملي أو سياسي فعّال لتحقيق الاستقرار في العراق في ظلّ الفشل المتكرّر للقوات الأميركية في الحصول على مصادر معلومات عراقية ثابتة وموثوقة! وقد وصف ضابط استخبارات أميركي ما يحتاجون إليه قائلاً: " المطلوب قناّصة أميركيين ومخبرين عراقيين، ونسدّ أنوفنا، ونترك قوّاتنا تحطّم الأبواب وتقضي على المقاومين"! وقال ضابط آخر: " الطريقة الوحيدة للانتصار هي اتباع وسائل غير تقليدية، أي يجب أن نلعب لعبتهم، رجال عصابات ضدّ رجال عصابات، إذ يجب إرهاب العراقيين كي نستطيع إخضاعهم"!

كان هناك اتفاق واسع في واشنطن على فشل الجزء الأول من الحرب وعلى الحاجة إلى أسلوب حربي جديد، وقد ازداد اليقين في البنتاغون (حسب التقرير الأميركي) أنّ مجرّد اعتقال أو اغتيال الرئيس صدّام حسين والحلقة المحيطة به لن يوقف أعمال المقاومة، وأنّ عمليات الوحدات الخاصة ينبغي أن تستهدف الوسط العريض من البعثيين الذين ينشطون في الخفاء!

 لقد كان الأميركيون يرون أنّ البعثيين  هم المسؤولون عن أعمال المقاومة رغم ضعف علاقتهم المباشرة بصدّام حسين، وأنّ البعثيين من الصفوف الوسطى في الحزب، الذين لم يجدوا فرصتهم سابقاً، بسبب طبيعة تسلسل المراتب في نظام صدّام، قد نهضوا بعد اختفاء أصحاب الرتب العليا في الحزب، وتصدّوا لقيادة المقاومة! ولكن في الوقت نفسه كان هناك اختلاف في الآراء الأميركية حول مدى سيطرة حزب البعث على عمليات المقاومة، وقد قال أحد الضباط الإسرائيليين المتصلين بميدان العمليات العراقي: "إنّ معظم الهجمات تأتي من البعثيين، وهم على علم بأماكن تخزين الأسلحة، لكنّ الكثير من المهاجمين هم من أصول عرقية وعشائرية، فالعراق منقسم إلى طوائف، وداخل المجتمع "السنّي" يوجد تطرّف عميق"! وقال ضابط أميركي: " إنّ التركيز الراهن على البعثيين يغفل الجانب الوطني والعشائري" ففي الفلّوجة "عشرات الألوف من العسكريين العراقيين السابقين العاطلين عن العمل، يتسكّعون نهاراً حول المقاهي والمطاعم ، وفي الليل يخطّطون، ويسلّمون ويتسلّمون التعليمات وينفّذون المهمّات"!

في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2003، نشرت صحيفة "التايمز" خبر زجّ الوحدات السرّية الخاصة الأميركية في ميدان القتال، وقالت أنّ هذه القوة مفوضة بتنفيذ مهامها في المنطقة كلّها (أي خارج العراق أيضاً) إذا لزم الأمر! وقالت صحيفة "الواشنطن بوست" أنّ السلطات الأميركية في بغداد وافقت بشيء من التردّد على تشكيل ميليشيات عراقية مضادّة للإرهاب، تتكوّن من خمسة أحزاب رئيسية في البلاد، وأنّ هذه الميليشيات ستضمّ (مبدئياً) حوالي 800 عنصر، وأنّها ستتعرّف على المتمرّدين وتتعقّبهم، وسوف تكون تحت إشراف القيادة الأميركية!

وكان الإسرائيليون المنخرطين سرّاً في الحرب العراقية يحثّون الأميركيين على محاكاة وحدات الكوماندوز الإسرائيلية الصغيرة التي تعمل في الخفاء في الضفة والقطاع، وعلى تشكيل شبكة من المخبرين، مثل الشبكة التي مكّنت الإسرائيليين من اختراق المنظمات الفلسطينية واعتقال واغتيال الانتحاريين الفلسطينيين المحتملين!

أخيراً، فإنّ المشكلة الرئيسية الثانية التي واجهت الأميركيين حينئذ، أواخر عام 2003، وذكرها هيرش في تقريره، هي مشكلة إيران، التي أوكلت معالجتها أيضاً إلى الوحدات الأميركية السرّية الخاصة، فقد كان هناك جدل كبير داخل الإدارة الأميركية حول تقارير المخابرات الأميركية والإسرائيلية التي تقول بأنّ الحكومة الإيرانية "الشيعية" تساعد وتدعم المقاومة العراقية "السنّية"! وقد قال مسؤول أميركي سابق في المخابرات: "إنّ الإدارة تبحث تدريب وتجهيز قوّة عراقية قادرة على القيام بمهمات عبر الحدود مع إيران، وأنّ الهدف من ذلك هو أن يكون الثمن الذي تدفعه إيران غالياً مقابل دعمها للبعثيين"!

               [email protected]

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1