الشيطان يحاول إغواء روسيا والصين!

بقلم : نصر شمالي

لا يتعارض الإغواء والإغراء في أساليب الشيطان مع التآمر والعدوان، فإذا لم ينجح هذا الأسلوب لجأ إلى نقيضه، كما يفعل مع الصين وروسيا، حيث رأيناه مؤخراً يحاول التسلل عبر ثغرة التيبت لطعن الصين في ظهرها مع أنّه يعرض عليها منذ أعوام، بعد نكسته في العراق، الشراكة في إدارة نظام دولي جديد!  ثم رأيناه مؤخّراً يحاول التسلل من الثغرة الجورجية لطعن روسيا في ظهرها، وبعد أن فشلت المحاولة، وارتدت عليه، هاهم كتبته وقد بدأوا يروّجون لفكرة دعوة روسيا لتكون شريكاً في نظام دولي جديد! وبالطبع فإنّ مثل هذه الدعوات الشيطانية الأميركية سوف تكون على حساب الشريك الأوروبي المنخرط في الحلف الأطلسي الذي تقوده واشنطن، لكنّ الدول الأوروبية ترى وتسمع وتقلق ولا تجرؤ على الاعتراض، فقد نخرها الاختراق الأميركي حتى أعمق أعماقها!

لقد خرج علينا نعوم تشومسكي قبل أيام بمقالة تحدّث فيها عن "أوسيتيا وروسيا وجورجيا،والتفكير في اللامفكّر فيه"! (صحيفة "السفير"/15/9/2008) ففاجأنا نحن الذين نحترم إنصافه عموماً بتجاهله تماماً دور الإسرائيليين في مغامرة جورجيا العسكرية، فلا إشارة إليهم ولا ذكر لهم على الإطلاق رغم دورهم الرئيسي، مع أنّه عرض القضية عرضاً صحيحاً إلى حدّ كبير، وحمّل الولايات المتحدة المسؤولية كاملة تقريباً! ثم إذا به ينهي مقالته بالتفكير " في اللامفكّر به"، وهو "النصيحة العقلانية" في رأيه، التي قدّمها الإسرائيلي شلومو بن عامي، وخلاصتها أنّ على روسيا السعي إلى شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة، وأنّ على الولايات المتحدة أن تفهم بأنّ إقصاء روسيا وازدرائها يجعلها "المفسد العالمي الأكبر"! وأنّ الحلّ هو دمج روسيا في نظام دولي جديد يحترم مصالحها كقوة ناهضة! وهكذا فإنّ تشومسكي لم يتجاهل دور الإسرائيليين في العدوان الجورجي فحسب (وبالمناسبة هو يتجاهل جرائمهم في فلسطين تماما ودائماًً) بل قدّمهم كأصحاب "نصيحة عقلانية" لمعالجة مشكلة روسيا المؤهّلة بحكم "بربريّتها" لتكون "المفسد العالمي الأكبر"!

غير أنّ الأميركيين ليسوا بحاجة لنصيحة بن عامي التي تبنّاها تشومسكي، وهم الذين اشتهروا تاريخياً بشعارهم البراغماتي المصلحي: "لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة"! فيتخلّون عن أصدقائهم غير النافعين كما يتخلّون عن أحذيتهم المستهلكة، ويصادقون أعداءهم إذا وجدوا في ذلك منفعة مهما كانت العداوة معهم، بل هو الشعار الذي يطبّقونه داخل دولتهم منذ تأسست، فلا شفقة ولا رحمة ولا أخلاق، والمصالح الخاصة فوق كلّ اعتبار! ولذلك فإنّ تشومسكي يقترح ما لا يحتاج إلى اقتراح، ويفكّر في ما لا يحتاج إلى تفكير، حيث واشنطن لن توفّر جهداً في ميدان إغراء وإغواء روسيا، وستوظف في هذا الاتجاه جميع أتباعها، بما فيهم أمراء النفط العرب الذين أسرعوا يزورون موسكو، ولن تتردّد بعرض الشراكة على روسيا في إقامة نظام دولي جديد، إذا اقتضى الأمر ذلك، وهي التي تقدّمت بمثل هذا العرض إلى الصين من قبل!

بالإضافة إلى عروض المسؤولين الأميركيين الرسميين، وفي طليعتهم رامسفيلد وزير الدفاع السابق، زار هنري كيسنجر الصين في العام الماضي أو الذي قبله، وحاضر في الأكاديمية الصينية للعلوم، وقال حرفياً: "حين يتحدّث أصدقائي وزملائي في الولايات المتحدة عن صعود الصين، وعن المشاكل التي يسببها لنا، أقول لهم أنّ هذا الصعود حتمي، وأنّ الصعود السياسي والاقتصادي للصين لا رجعة فيه، وليس بوسعنا أن نفعل شيئاً لمنعه، بل يجب أن لا نفعل شيئاً لمنعه"! أضاف كيسنجر: "إنّ صعود الصين يمكن أن يؤدّي إلى الصراع ويزيد من مخاطر اشتعال الحروب، فحين يتحرّك مركز الجاذبية (الدولية) من منطقة إلى أخرى، وتصبح دولة أخرى فجأة قوية جداً، يصبح الصراع حتمياً كما يعلّمنا التاريخ، وما علينا أن نتعلّمه (الآن) هو أنّ التعاون ضروري، ويمكن أن لا يقع الصراع في حال تعاونت الصين وواشنطن لإقامة نظام دولي جديد"!

ماذا في "النصيحة العقلانية" التي نقلها تشومسكي عن بن عامي، وقد فاجأته وسحرته، بصدد روسيا مما لم يقله كيسنجر ورامسفيلد بصدد الصين؟ إنّ واشنطن تريد الحفاظ على النظام العالمي وعلى قانونه الأساسي الأول المعمول به دون إعلانه: "قانون النموّ والتطور المتفاوت بين الأمم"! ولقد كان على الصين أن تقرّ وتسلّم بدونيتها ووضاعتها كما كان حالها في القرن التاسع عشر، حين فرض عليها أن تكون سوقاً شاسعة لاستهلاك الأفيون الإنكليزي/الأميركي، وان تتخلّى عن ثرواتها الهائلة التي لا تستحقها لمن يستحقها (وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا وغيرها) أما وقد نجحت الصين في انتزاع وجودها أخيراً من براثن الوحوش، وانتقلت من الموات إلى الحياة، وراحت تسجّل اليوم أعلى معدّلات النمو في العالم وتتحوّل إلى محور للتصنيع العالمي، أي أنّها نجحت في الخروج على قانون التطور والنمو المتفاوت المحمي بالأساطيل الحربية، فقد صار لزاماً على الطغاة أن يبدّلوا أسلوب تعاملهم معها ولو إلى حين، ريثما يحتوونها بشروطهم أو ينجحوا في اختراقها وتدميرها!

 وأغرب ما في الأمر أنّ بن عامي في نصيحته، التي تبناها تشومسكي بحماسة، يقترح على روسيا أن تسعى بنفسها ومن تلقاء ذاتها إلى شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة وأن لا تنتهج سياسة معادية للغرب! كأنّما هي لم تفعل في عهد غورباتشيف ويلتسين! وكأنما روسيا هي التي وضعت قانون التفاوت الذي يشمل الروس أيضاً، وهي التي تتآمر ضدّ الغرب وتعتدي عليه! وكذلك كيسنجر، الذي اقترح على طلاب الأكاديمية الصينية للعلوم أن لا ينظروا إلى الدول الأخرى كخصم! لقد قال ذلك بالفعل دون أن يرفّ له جفن! كما أنه لم يأبه لتناقضه الصارخ في المحاضرة نفسها، حيث روى للصينيين أنه زار بكين عام 1971، وألقى خطاباً تحدّث فيه عن الصين كبلاد "غامضة"! وأنّ الزعيم الصيني شو إن لاي قاطعه يومئذ سائلاً إياه: "ما الغامض في الصين؟ ها هنا يعيش 900 مليون صيني ولا يوجد في ذلك أيّ غموض"!

إنّ الشيطان، في أزمته التاريخية المستعصية التي لم يعد ثمّة حلّ لها، يسعى اليوم لإقناع روسيا والصين بخيانة نفسيهما، وهو يحاول إغواءهما وإغراءهما بالتعاون معه ضدّ أمم العالم "الغامضة"، أي الدونية التي هي وسط بين الإنسان والحيوان! وذلك بالحفاظ على "قانون التفاوت" لقاء حصة تنالانها من الغنائم! وبالطبع  إذا استجابتا سوف يصبح أمر اختراقهما ممكن جداً، فهما لن تكونا أقرب إليه من الأوروبيين الذين ورثهم ويشكّل استطالة تاريخية لهم، ومع ذلك اخترقهم حتى النخاع، وأذلّهم أشدّ الإذلال حين وصف قارتهم على لسان رامسفيلد بأنّها مجرّد عقار!  

 

 [email protected]

 

    

Hosted by www.Geocities.ws

1