الأوبك واليورو والحرب العراقية والمستقبل!

بقلم : نصر شمالي

 

تحوّل الاقتصاد الاميركي منذ زمن ليس بالقصير الى اقتصاد طفيلي،  فالعالم بأغنيائه وفقرائه ينتج بينما الولايات المتحدة تستهلك إنتاجه استهلاكاً نهماً جشعاً الى حدّ الوحشية!  إنه اقتصاد يغطّي عجزه المزمن على حساب الآخرين وعن طريق الإكراه، فتلجأ الادارة الاميركية الى وسائل قسريّة تعوّض بها النقص، واستخدام السلاح هو وسيلتها الرئيسية عندما يفشل الترغيب والترهيب والابتزاز! وتشكّل الدول المنتجة للنفط هدفاً رئيسياً لابتزازها ولعدوانها، ومصدراً عظيماً لدعم اقتصادها الطفيلي وقواتها المسلّحة، وليس احتلال العراق سوى عملاً للسيطرة على منابع النفط من جهة، وللحفاظ على الديكتاتورية الاميركية الصهيونية العالمية من جهة أخرى!

 أما لماذا احتلال العراق بالذات فلأنه، إضافة الى الأسباب الأخرى، أقدم في تاريخه الحديث على خطوتين نوعيتين شديدتي الخطورة على الهيمنة الأميركية والإسرائيلية خصوصاً: أولهما تأسيس منظمة الاوبيك عام1960لحماية حقوق الدول المنتجة للنفط! والثانية تحوّله الى التعامل  باليورو عـام  2000 لكسر احتكار الدولار المستمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية!

 لقد نجحت الاحتكارات الدولية الربويّة إلى حدّ كبير في احتواء وترويض منظمة الأوبيك، بسبب تبعية وتواطؤ بعض أعضائها، غير أنّ تحوّل العراق الى اليورو في العام 2000 جاء بمنزلة هجوم معاكس من داخل منظمة الأوبيك، وبمنزلة مشروع ضربة للاحتكار الاميركي في الصميم، فانتقال منظمة الأوبيك الى التعامل باليورو، كما فعل العراق المؤسس لهذه المنظمة ، يعرّض الاقتصاد الاميركي الطفيلي لأخطار جدّية جسيمة، وقد أظهرت منظمة الأوبيك، في اجتماعها في إسبانيا (نيسان/ ابريل 2002) ميلها الى التخلّي عن الدولار لصالح اليورو، فجنّ جنون الإدارة الاميركية الصهيونية، لأن ذلك إن تحقّق سوف يعني استبدال الدولار في المصارف المركزية لدول النفط باليورو، واستبداله في التعامل التجاري الدولي، الأمر الذي يفقد الدولار الاميركي 40% من قيمته، ويؤدي الى انسحاب الرساميل الأجنبية الموظفة في الولايات المتحدة، ويؤدي الى زيادة كبيرة في تكاليف المستوردات الأميركية، فإذا أضفنا الى ذلك موقف دول اليورو الأوروبية الذي سوف يترتّب على ذلك ندرك أيّ انقلاب عالمي كان يمكن أن يقع نتيجة الخطوة الشجاعة، الصائبة، التي أقدم عليها العراق بالتحوّل الى اليورو!

 لقد تلت الخطوة العراقية يومئذ، وعلى الطريق نفسها، خطوتان مشابهتان: خطوة إيرانية وخطوة كورية، ليتكوّن بذلك ما أسمته واشنطن "محور الشر"! وهو المحورالذي كادت فنزويلا تنضم اليه حينئذ! وهكذا نرى كم هو خطأ الانصراف بالتفكير والاهتمام كلّياً بمسألة الديكتاتورية في كوريا أو في العراق أو في غيرهما، وكم هو خطأ الإغفال التام للأسباب الحقيقية العظمى، فالأعداء يستطيعون إنتاج أشكال أخرى من نظم الحكم، تكتسي طابعاً ديمقراطياً شكليّاً سخيفاً، لكنّ المعاناة من الاستبداد لن تستحقّ الذكر مهما عظمت قياساً بالأخطار المصيرية الإبادية حقّاً التي تأتي بها مثل هذه الأنظمة التابعة!

     بعد احتلال العراق واصلت أجهزة الدعاية والاعلام الاحتكارية المركزية، وكذلك توابعها في أنحاء العالم، مهمتها في جعل أنفاس الشعوب قصيرة، وجعل رؤيتها محدودة، وإظهار قضيتها على أنّها آنيّة بل يومية، فراحت تتحدث عن فظائع الحرب وعن نهايتها قبل أن تنشب، ثم ما أن بدأ الاشتباك المسلح حتى أصبحت القضية العظمى والأولى هي قضية إيقافه! وللأسف الشديد فإن الكثيرين استجابوا لإملاءات أجهزة الدعاية والحرب النفسية، وأظهرالبعض استعداده لتسليم البلد الى حالة أقسى وأخطر من استمرار الاشتباك المسلّح! ومن غرائب الأمور أن أولئك الأكثر ضجيجاً وشكوى من أوضاع أمتهم السيئة هم الأقصر نفساً ونظراً، فتراهم يريدون ربح المعركة من دون تكاليف، وأحياناً بمساعدة الأعداء!

 غير أنّ للخلاص الحقيقي تكاليفه الحقيقية التي لابد من تسديدها كاملة، والضحايا البشرية في مقدمة هذه التكاليف، فلا نهوض لأمة من دون شهداءأو ضحايا بشرية، بغض النظر عن عدالة القضية التي تدفع الى الحرب أو عدم عدالتها! ولنأخذ المثال من الأعداء، فقد هلك في الحرب  الأهلية الاميركية، أواسط القرن التاسع عشر، حوالي نصف مليون إنسان، وهي كانت حرباً ظالمة سعى فيها الشمال الصناعي المالي للسيطرة على الجنوب الزراعي، فكان له ما أراد ونهضت هذه الدولة الباغية بتاريخها العدواني الصرف، وبسعيها الدؤوب اليوم لإحكام سيطرتها على العالم أجمع!

 لقد كان تعداد سكان الولايات المتحدة في تلك الحرب الأهلية بحدود الأربعين مليوناً،أي أن التكلفة البشرية كانت 1%! وفي الحرب العالمية الثانية هلك أيضاً حوالي نصف مليون اميركي على طريق وصول الإدارة الأميركية الى مركز القيادة الأول في العالم، ومن ثم التحوّل الى ديكتاتورية عالمية، وليس في سبيل قهر الديكتاتورية والنازية والفاشية وانتصار للديمقراطية كما قيل هراءً، لأنّ الولايات المتحدة محكومة ديكتاتورياً بحزب واحد هو حزب رأس المال الذي لا يقلّ نازية وفاشية، والمؤلف من شقين : جمهوري وديمقراطي!  وبناء على المثال الاميركي، وليس على غيره، دعونا نقدّر مايتوجب على أمتنا تقديمه من تضحيات بشرية دفاعاً عن قضيتها العادلة، في هذه الحرب الظالمة المفروضة عليها على مدى القرن الماضي وحتى اليوم!

       إن تعداد أمتنا اليوم يقارب 300 مليون نسمة وربّما أكثر، أي أنها تعادل سكان الولايات المتحدة، ويفترض أنّها، ممثلة بجامعتها العربية، معنية بأقطارها عناية الأميركيين بولاياتهم، فهل يجوز أن نتوقع تضحيات بشرية أقل من التضحيات الاميركية، سواء في الحرب الأهلية عندما كان تعداد السكان الاميركيين 40 مليوناً أم في الحرب العالمية الثانية حيث تضاعف العدد؟ فإذا لم يكن ذلك جائزاً فإنّ على العرب، ممثلّين بجامعتهم، أن يتوقعوا استشهاد ثلاثة ملايين مقابل خلاص الأمة ونهوضها، وذلك قياساُ بعدد الضحايا الأميركيين في الحرب الأهلية،  مع الأخذ بالاعتبار أن حربهم ظالمة وإرادية وغير إنسانية، أما حربنا فعادلة وإنسانية ومفروضة علينا فرضاً، فإذا قدّم العراقيون ربع مليون شهيد يكون العدد مفهوماً بناء على ذلك، وإذا قدم الفلسطينيون حوالي نصف العدد العراقي فهذا طبيعي أيضاً، وكذلك الأمر بالنسبة للأقطار الأخرى حسب تعداد سكانها!

غير أنّ ما يحدث هو أنّ العراقيين والفلسطينيين يقدّمون وحدهم الشهداء والتضحيات، ليس في حدود مايترتّب عليهم فقط بل ونيابة عن الأقطار الأخرى، فقد بلغ عدد الشهداء العراقيين كما يقال حوالي المليون والحرب لاتزال في بداياتها، وهذا لايدلّ فقط على أنّ حكومات الجامعة العربية لاتقوم بواجباتها ولا تؤدّي التزاماتها إلى جانب شعب العراق وحسب، بل يدلّ أيضاً على أنّ هذه الحكومات متعاونة ضدّ شعب العراق! فهل يعقل أن يستمرّ الحال كذلك؟

[email protected]

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1