الأزمة متفاقمة والمبادرات متأخّرة!

بقلم : نصر شمالي

 

لقد مضى وانقضى زمن الغذاء الرخيص، والزيادات التي ضاعفت أسعاره خلال الفترة القصيرة الماضية ليست نهاية المطاف بل بدايته، فقد حذّرت مسؤولة الصندوق الدولي للتنمية الزراعية من أنّ أسعار المنتجات الزراعية سوف ترتفع من 20 إلى 80 في المائة ابتداء من عام 2008 وحتى عام 2017، فإذا كان عدد الجوعى قد بلغ اليوم حوالي المليار إنسان، منهم مائة مليون وأكثر في حالة احتضار، فكم سيكون العدد في العام 2017 إذا لم يحدث تغيير جذري في البنى الفوقية التي تقود هذا النظام العالمي الظالم؟ غير أنّ هذه الأزمة المتفاقمة، التي انطلقت المبادرات لمعالجتها متأخّرة جدّاً، فقط  منذ العام 2000، لا تقتصر على الميدان الزراعي وحده بل تشمل أيضاً ميدان الطاقة وميدان البيئة والمناخ، نقول ذلك لأنّ هافانا الكوبية حذّرت رسميّاً منذ مطلع الثمانينات الماضية من هذا المصير التعيس الذي آلت إليه أوضاع العالم، وأطلق الرئيس كاسترو صرخته التي قالت: "هل سنعيش، أم أنّنا سنفنى"! وكانت تلك الصرخة عنواناً لمذكرة وزّعت على قادة العالم تتحدُث بالأرقام والوقائع عن الأزمة العالمية ومستقبلها حتى يومنا هذا، حيث سيبلغ عدد الجياع كما توقّعت المذكّرة الكوبية 1300مليون إنسان يهلك منهم كلّ عام مئات الملايين، علماً أنّ عدد الجوعى في مطلع الثمانينات كان في حدود 500 مليون إنسان هلك منهم كلّ عام عشرات الملايين!

الغاضبون بعد فوات الأوان!

هاهم  قادة العالم ومؤسساته الدولية يجتمعون في روما (3/6/2008) لمعالجة أزمة الغذاء القاتلة بالدرجة الأولى، ولو أنّهم قرأوا المذكرة الكوبية الصادرة قبل حوالي ربع قرن، ولو متأخّرين، لوفّروا على أنفسهم العناء، غير أنّهم لا يقرأون سوى المذكّرات الأميركية، وإذا كانوا اليوم يحاولون مخالفة ذلك فالفضل يعود حقاً للمقاومة العربية والإسلامية، خاصة العراقية، التي قلّمت مخالب الأميركيين وحطّمت أنيابهم وجعلت الحكومات تتجرأ عليهم بعد أن ضعفت ثقتها في مصداقية قوّتهم الباغية! وهاهم الغاضبون في روما يسألون : "هل كان يتعيّن الانتظار حتى يزول عصر الغذاء الرخيص  كي يتحرّك زعماء العالم ؟ وهل كان ينبغي ازدياد عدد الفقراء  واشتداد فقرهم كي يعي الأثرياء أنّهم دفعوا بالعالم إلى حافة الكارثة؟ غير أنّ الإدارات الأميركية، على الرغم من مأزقها الخطير، لا تأبه لغضبهم وتواصل مساعيها لإبقاء سيطرتها على النفط، وللاحتفاظ بنمط إنتاجها الذي يتسبّب في الاحتباس الحراري، ولتحويل المنتجات الزراعية إلى وقود بديل عن النفط أو مساعد له! فما هو الحلّ إن لم يكن التصدّي الأممي لهذه الإدارات الأميركية المتوحشة التي لا تعقل ولا ترحم؟

إنّهم يقوّضون أسباب الحياة!

لقد توقعت هافانا قبل حوالي ربع قرن أنّ الغابات الاستوائية سوف تزول من الوجود في أيامنا هذه، بفعل الشركات الأميركية وأخواتها، وأنّ زوالها سوف يؤدّي إلى انقلابات خطيرة في نظام الأمطار، فيعمّ الجفاف والتصحّر، وتتوالى الفيضانات ويتدهور المناخ وتنقص المياه العذبة نقصاً فادحاً، وتتدنّى خصوبة الأراضي وينخفض الإنتاج الزراعي انخفاضاً مهلكاً، وتنقرض بسرعة وعلى نطاق واسع أنواع كثيرة من الكائنات الحيوانية والنباتية! ليس هذا فحسب، بل فرض الأميركيون وحلفاؤهم على الأمم المغلوبة، أي على أربعة أخماس سكان العالم، نماذج زراعية وغذائية وأنماطاً من العلاقات وطرائق الحياة غريبة جميعها تماماً عن احتياجاتها الواقعية، وفرضوا بقاء الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتهرّئة على حالها كي تظلّ مصدراً لأرباحهم اللصوصية الفاحشة، غير آبهين للجوعى والموتى بمئات الملايين، وغير آبهين أيضاً للبيئة الطبيعية التي تموت بدورها، حيث نمط الحياة في الولايات المتحدة لوحدها يساهم بنسبة 40 في المائة في تلوّث البيئة وفي تدمير الحياة الطبيعية في العالم عموماً!

لماذا لا يسمّون المسؤول باسمه؟

إنّهم يغضبون ويصرخون في روما اليوم، لكنهم لا يكلّفون أنفسهم عناء العودة إلى الأسباب التي جعلت أوضاع العالم تؤول إلى ما آلت إليه! ومن يدري؟ لعلّهم ما زالوا يحتاجون إلى المزيد من صمود المقاومة العربية والإسلامية والمزيد من تضحيات شعوبها قبل أن يتجرؤوا أكثر! ففي عقد الثمانينات، على سبيل المثال، بلغ العجز في احتياطي الحبوب ذات مرّة 24 ملياراً من الدولارات في بلدان الجنوب، لكنّ الفائض في بلدان الشمال بلغ 32 ملياراً! ولقد كان ذلك مقصوداً طبعاً وليس محصّلة فارق في الخبرة أو التطور التقني! بل لقد كانت هيمنتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية على بلدان الجنوب تساعد الصحراء في التهام مساحات نافت حينئذ على ستة ملايين هكتار من الأراضي الزراعية ومن المراعي الطبيعية كلّ عام! فالتصحّر هو بدوره من صنع سياساتهم الشايلوكية حقاً وفعلاً، وقد توقّعت مذكّرة هافانا قبل ربع قرن أنّ أكثر من مائة مليون هكتار (مليون كيلو متر مربع) سوف تضيع نهائياً في أيامنا هذه، كذلك توقّعت أنّ قطعان المواشي سوف تنفق في الجنوب بمئات الملايين من الرؤوس كل عام! وإنّ هذا كلّه يحدث اليوم، إن لم يكن أكثر فليس أقلّ، فلماذا لا يسمّي المجتمعون في روما المسؤول باسمه؟

العلّة واضحة، والتغيير قادم!

إنّه لمن المحال استمرار الأوضاع الدولية على ما هي عليه، خاصة بعد أن بلغت الأخطار الوجودية حدّاً لا يستثني البلدان الثرية، ولذلك فإنّ التغيير العالمي قادم من دون ريب، أمّا عدم قدومه فلا يعني سوى الفناء الشامل كما أوضح فيدل كاسترو قبل ربع قرن! وقد استمعت قبل أيام إلى عالم مصري يتحدّث عبر الإذاعة عن الأخطار البيئية المناخية التي سوف تدمّر معظم المناطق المصرية المنخفضة عن سطح البحر خلال فترة أقصاها عشرون عاماً، وأنّ تلافي الكارثة لم يعد ممكناً حتى لو التزم العالم كلّه على الفور سياسات لا تتسبب في الاحتباس الحراري، لأنّ ارتفاع الحرارة سوف يستمر ولو تحقق الالتزام الفوري لعشرين عاماً قادمة قبل أن يتوقف ويبدأ التراجع، وأنّ الناس في جميع أنحاء العالم لم يعودوا يملكون حتى ذلك الحين سوى التكيّف مع الكوارث الطبيعية! وهكذا فإنّ حسم مشكلة الإدارات الأميركية والصهيونية أصبح كما يفترض مجرّد تحصيل حاصل، وهو الأمر الذي يتوقع الناس أن يسمعوا عنه في ظروف مختلفة قادمة وفي مؤتمرات قادمة غير مؤتمر روما، حيث يسمّى الداء بصراحة ويحدّد الدواء بحزم!

 [email protected]

  

       

Hosted by www.Geocities.ws

1