حرب المرتزقة بدل النجوم!

بقلم: نصر شمالي

في معرض استعداداتهم المبكرة لتحقيق انقلاب عالمي شامل تطلع المحافظون الأميركيون الجدد إلى تحقيق ثورة في العمليات العسكرية الأميركية! إنها الفكرة التي ولدت في العهد الريغاني/ التاتشري وعبّرت عن نفسها بمشروع حرب النجوم ضد الاتحاد السوفييتي، وخلاصة الفكرة الاعتماد في العمليات الحربية على قوات مقاتلة قليلة العدد وعلى تقنية عالية جداً! لقد التقط المحافظون الجدد الفكرة، وبدؤوا الاستعداد لوضعها موضع التنفيذ لاحقاً، حين وصلوا إلى الحكم عام 2000، فحفلت خطابات الرئيس بوش منذ ذلك التاريخ بالإشارات إلى هذه التحولات الثورية في بنية الجيش الأميركي وفي عملياته الحربية!

عشية احتلال العراق كان الهاجس الرئيسي لوزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد هو البدء بتطبيق الثورة العسكرية التي أوكل إليه أمرها باعتباره من أشد المتحمسين لها، وبالطبع كان العراق المحاصر حصاراً حربياً شاملاً منذ ثلاثة عشر عاماً ميداناً نموذجياً لتطبيق الفكرة وضمان نجاحها سلفاً، غير أن الشعب العراقي فاجأ المحتلين بما لم يتوقعونه أبداً فانطلقت المقاومة على الفور بفعالية قل نظيرها، وإذا بتطبيقات الثورة العسكرية تنقلب إلى كارثة كبرى في مواجهة المقاومة العراقية، فكان التعثر والتخبط والتقهقر والخسائر الفادحة، ثم كانت المحاولات المتوترة والإجراءات المرتجلة لتلافي المضاعفات التي انتصبت على الأرض بعيداً عن النجوم! غير أن جميع الإجراءات والمحاولات لم تحل دون ازدياد أوضاع قوات الاحتلال سوءاً، لتبلغ حداً جعل رامسفيلد يخسر وظيفته التي قضى فيها ست سنوات، وهو الحدث الذي يعطينا صورة واضحة عن مأزق لا سابق له وقعت فيه الإدارة الأميركية وجيشها!

ارتجال الحلول لإنقاذ الإستراتيجية!

من المعروف أن المقاومة العراقية انطلقت بفعالياتها شبه الكاملة منذ الأيام الأولى لاحتلال بغداد، في التاسع من نيسان/إبريل 2003 وما كاد صيف ذلك العام الأول ينقضي حتى كانت الإستراتيجية العسكرية الثورية تتعرض لنكسة كبرى، فلجأ القادة الأميركيون سريعاً، لتلافي الموقف الصعب لقواتهم، إلى استدعاء قطعات من الوحدات العسكرية الخاصة (دلتا) وهي بالطبع وحدات خفيفة لا تعتمد تقنيات عالية، بعكس قوات الاحتلال النظامية الثقيلة القليلة العدد والمجهّزة بالتقنيات العالية!

لقد تقرر ارتجالاً ويا لعجب التحول إلى النقيض، أي إلى العمليات الكلاسيكية البرية التي تتناسب مع حرب العصابات، كما كان الحال في الحرب الفيتنامية، غير أنهم ظلوا يعتبرون الاعتماد على الوحدات الخاصة عملاً  رديفاً مؤقتاً وليس أساسيا، واستمر رامسفيلد يكابر حتى لحظة سقوطه، رافضاً زيادة عدد القوات النظامية الثقيلة ومدافعاً عن إستراتيجيته العسكرية الثورية!

لكن الأمر لم يقف عند حد استدعاء الوحدات الخاصة بل تعداه، في ذلك الخريف نفسه من عام 2003، إلى فتح الأبواب على مصاريعها لدخول قوات المرتزقة المتعددة الجنسيات إلى ميدان القتال العراقي، وفي عام 2004 بلغ تعداد المرتزقة حوالي خمسين ألفاً تدير شؤونهم أكثر من عشرين شركة خاصة، معظمها وأهمها شركات أميركية وبريطانية، في مقدمتها شركة هاليبرتون الأميركية النفطية العملاقة، التي رعت أكثر من غيرها سياسة الاعتماد على المرتزقة بتوجيه من أحد مديريها الكبار نائب الرئيس ديك تشيني!

المرتزقة يرتكبون أبشع الجرائم!

اليوم تقول الأخبار أن شركات المرتزقة المتعاقدة مع وزارة الدفاع الأميركية قد تضاعف عددها وتضاعف عدد المرتزقة العاملين تحت إدارتها، وأن حجم العقود معها فاق المائة مليار دولار! إن المرتزقة الذين تدفقوا بعشرات الألوف على العراق من جميع القارات، خاصة من أوروبا والولايات المتحدة وأميركا الجنوبية وجنوب أفريقيا، هؤلاء المرتزقة يقومون بجميع الأعمال القذرة الرهيبة: القتل العشوائي من هذا الطرف ومن ذاك الطرف، حتى يشتبك الطرفان على أساس مصطنع ديني أو عرقي أو مناطقي، وهذا القتل العشوائي يتم أيضاً بوساطة السيارات المفخخة لخلط الأوراق بينها وبين غيرها من العمليات المشابهة ضد المحتلين! كذلك هم يمارسون الاغتيالات الفردية المدروسة والمحددة، ويقومون بعمليات الاغتصاب، وبالسرقات الصغيرة والكبيرة، ويتاجرون بالمخدرات، وينظمون شبكات الدعارة، وكل هذا الذي يفعلونه تلصقه أجهزة الدعاية بالعراقيين والعرب، بينما المرتزقة محميون بموجب عقودهم من الملاحقة ومن المثول أمام القضاء العراقي! وبالمقابل فإن الإدارة الأميركية غير ملزمة بما يصيبهم ولا بمصيرهم، وكيف لا وهم، إضافة إلى ما ينهبونه، يتقاضون من 500 إلى 1000 دولار في اليوم الواحد للمرتزق الواحد!

المرتزقة الأوباش يستعدون للرحيل!

واليوم تقول الأخبار أيضاً أن هذه الشركات التي بلغت الذروة تفكر جدياً في إنهاء عقودها مع وزارة الدفاع الأميركية ومغادرة العراق، حيث تصاعد المقاومة ومناعة الشعب العراقي ضد محاولات اختراقه واقتتاله، ألحق بالشركات الأمنية خسائر فادحة، ووضعها في حالة غير مجدية بمعايير الربح والخسارة المالية التي لا يهمها سواها!

وبينما يستعد المرتزقة الأوباش، شذاذ الآفاق، للهروب من العراق، تتعاظم الحملات الشعبية الأميركية المطالبة بعودة الجنود النظاميين إلى وطنهم وأهلهم، وهذه الحملات سوف تفعل فعلها طال الوقت أم قصر، أما الثورة العسكرية، هذا المفهوم المبهم الذي ألهب خيال الرئيس بوش، فقد تحولت حقاً إلى مأساة/مهزلة على أيدي أبطال العراق.

www.snurl.com/375h

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1