بوش، بلير، شارون، ولجان التحقيق؟!

بقلم: نصر شمالي

فجأة انقلب الموقف السياسي رأساً على عقب في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، وبدأ تشكيل لجان التحقيق للنظر في أخطاء ومخالفات وانحرافات ارتكبتها حكومات تلك البلدان! وبينما تتركّز أعمال اللجان الأميركية والبريطانية بالدرجة الأولى على قضية عدم ظهور أي أثر لأسلحة الدمار الشامل التي كانت المبّرر الرئيس لاحتلال العراق فإن التحقيق في الكيان الصهيوني يتركّز على رشاوى قبضها شارون وأولاده لقاء تسهيلات قدّمت لواحد من كبار رجال الأعمال الصهاينة. وما يتوجب قوله بصدد ظهور هذه اللجان أنه ما كان ليحدث لولا المقاومة الفعالة في كل من فلسطين والعراق، فصمود المقاومة هو الذي جعل بوش مخطئاً و بلير مراوغاً وشارون مرتشياً، فلو نجحوا في قمع المقاومة وتجاوزها وتحقيق الأهداف السياسية للعدوان لما قامت هذه الحملات ضدّهم. إن الأخطاء والمراوغات والرشاوى، بل الجرائم الفظيعة، هي ارتكابات ملازمة لأمثال هؤلاء، ويمكن الحديث عنها وتناولها بسهولة في أي وقت، في السلم وفي الحرب، لكنها تصبح مبّررة يجري تجاهلها في حال النجاح، وتكون ذريعة يجري استخدام بعضها في حالة الفشل والأزمة، ومن أجل معالجتها وتجاوزها!

الجميع متفقون على امتلاك العراق !

لقد أعلن السناتور الديمقراطي ادوارد كيندي مؤخراً أن تغيير النظام في العراق كان هدفاً للسياسة الأميركية في عهد كلينتون، إنما ليس عن طريق الحرب، فهذا الهدف ليس مجرّد هوس يميني جمهوري بل هدفاً للإدارة الديمقراطية ولمعظم أعضاء الكونغرس الديمقراطيين! أي أنه لا خلاف على تحقيقه بين الديمقراطي والجمهوري، أما الذريعة فهي أن النظام العراقي شكّل تهديداً فريداً للولايات المتحدة وللاستقرار في ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط!

وكان الرئيس الأميركي بيل كلينتون قد صرّح، عام 1998، أنه إذا لم يتحقق تقييد الرئيس العراقي فمن الممكن الاستنتاج أن بإمكانه المضي قدماً في بناء ترسانته من أسلحة الدمار الشامل الفتاكة! أضاف كلينتون: أوكّد لكم أنه (الرئيس العراقي) سوف يستخدم تلك الترسانة في يوم ما وبطريقة ما!

إنه لمن الواضح أن ليس ثمة اختلاف بين تصريحات بوش الجديدة وتصريحات كلينتون القديمة، وليس صحيحاً أن كلينتون كان يسعى إلى تغيير النظام العراقي عن غير طريق الحرب، فالعمليات العسكرية ضدّ العراق بدأت في عهد الرئيس بوش الأب واستمرت في عهد كلينتون لتبلغ ذروتها بالحصار المحكم وبمناطق حظر الطيران العراقي وبحملات القصف المنتظمة الهائلة، حيث الرئيس الديمقراطي كان يعتقد بأن تبديل النظام و "تملّك" العراق بتشكيل نظام تابع كان ممكناً بالحصار وحظر الطيران والقصف المنتظم! وقد اعتقد بوش بدوره أن ذلك كان كافياً، ولعل خطأه يتلخص في استعماله إنزال القوات البرية في العراق، معتقداً أن الحرب انتهت بالحصار والقصف، ومتوقعاً قيام قواته العسكرية البرية بمجرّد استعراض احتفالي لا أكثر ولا أقل، وهو ما كان يمكن أن يفعله كلينتون، أما عن أسلحة الدمار الشامل فإن كلا الرئيسين كانا يؤكدان وجودها ويتوقعان كشف أثر لها!

غرائب السياسة البراغماتية الأميركية!

لا تقتصر غرائب السياسة الأميركية على اختلاف تعاملها مع كل من العراق وكوريا الشمالية، حيث النظام الكوري يؤكد علناً ما تتهمه به واشنطن ولا يحارب، بينما النظام العراقي ينفي علناً وبحزم التهمة ذاتها وتحتل بلاده، بل تبرز غرائبها أيضاً في حرصها على إنقاذ الشعب العراقي تحديداً من نظامه فكأنما هو النظام الوحيد المستبد، علماً أن إدارة بوش تمارس الاستبداد طوال الوقت ضدّ الأمم جميعها، في هيئة الأمم المتحدة وخارجها، وهي قطعت شوطاً كبيراً واضحاً على طريق الاستبداد في سياساتها الداخلية وضدّ شعبها، حتى أن الكثير من الأميركيين يعربون عن مخاوفهم من نظام فاشي صريح، ويرددون أن إدارة بوش هي الخطر الأول والأعظم على الولايات المتحدة وعلى العالم عموماً، فهل يحق للأمم طرح المسألة الأميركية في منظمة الأمم المتحدة، ومناقشتها فقط من دون اتخاذ الإجراءات العملية بصددها؟!

يقول ادوارد كيندي أنه لم يكن هناك خطر عراقي داهم، ولا أولوية فورية تتعلق بالأمن القومي الأميركي، ولا أي سبب قاهر يدفع إلى الحرب، وأن احتلال العراق حرف الولايات المتحدة عن هدفها الرئيس الذي هو محاربة تنظيم "القاعدة" فصار الشعب الأميركي أكثر تعرضاً للهجوم، وأثقل كاهل الجيش الأميركي وجعله ينشر قواته على مساحات تفوق إمكاناته، وأهدر الكثير من الأرواح، وكلّف مليارات الدولارات، وصدع التحالف الدولي المرتبط بالولايات المتحدة، إضافة إلى أن ادعاءات بوش التي ثبت كذبها حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، وحول علاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة، قضت على مصداقية الولايات المتحدة!

المعيار هو النجاح فحسب !

إن ما عدّده السناتور كيندي ما كان ليستحق الذكر لو أن إدارة بوش لم تصطدم بالمقاومة العراقية التي حالت دون سيطرتها على الثروات النفطية العراقية، ودون سيطرتها على العراق والانطلاق منه إلى دول الجوار، ثم إلى مجمل المنطقة الشاسعة، ما بين بحر قزوين والمحيط الأطلسي، التي أطلق عليها الأميركيون (الجمهوريون والديمقراطيون) اسم الشرق الأوسط الأكبر! إن المعيار هو النجاح، ولا اعتراض على الأساليب والوسائل أياً كانت إلا في حال فشلها! إن الفشل وليس الكذب هو الذي استدعى تشكيل لجان التحقيق في لندن وواشنطن، والفشل هو أيضاً ما استدعى فتح ملف الرشاوى والتحقيق مع شارون! إن فشل شارون في تركيع الشعب الفلسطيني وإرغامه على الإنصياع التام هو فضيحة تاريخية للجيش الصهيوني الذي يلاحق بطائراته ودباباته أفراداً شبه عزّل، ولسوف نلمس النتائج الهائلة لهذه الفضيحة في المستقبل غير البعيد، ليس في فلسطين فحسب، بل في المنطقة العربية والعالم.

www.snurl.com/375h

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1