روزفلت للإسرائيليين: اضربوا ولن يحتج أحد!

بقلم: نصر شمالي

في الأيام الأولى من الحرب الأخيرة ضدّ لبنان، وخلال اجتماع الدول الصناعية الثماني في سان بطرسبرغ، تسرّب أن الرئيس الفرنسي جاك شيراك فوجئ بالرئيس الأميركي جورج بوش يقول له:" هذه ليست عملية إسرائيلية وافقت عليها الولايات المتحدة، بل عملية للولايات المتحدة ينفّذها الإسرائيليون"! فهل فوجئ الرئيس شيراك حقاً بأن الإسرائيليين يحاربون نيابة عن الولايات المتحدة؟ أبداً! وإذا كانت ثمة مفاجأة فإن سببها يتعلق ربما بتفاصيل التحالف الفرنسي الأميركي، لأن الفرنسيين يعرفون جيداً الموقف الأميركي من المشرق العربي منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، حيث أعلن حينئذ هربرت فيس، أحد كبار موظفي الحكومة الأميركية ما يلي:" يسود اعتقاد قوي في عدد من دوائر الحكومة بضرورة البحث عن قواعد بحرية وجوية  وبرية في منطقة الشرق الأوسط للاستحواذ عليها، أو على الأقل لضمان استخدامها، فللولايات المتحدة مصلحة حيوية في مستقبل هذه المنطقة لدرجة أنها ستجد نفسها مضطرة إلى الدخول في صراع لخدمة نفوذها، ولذا يتوجب عليها وضع نفسها في الموقف الذي يجعل وجهات نظرها فعالة إذا ما نشبت أزمة"! وبالطبع تحول الكيان الصهيوني  في ما بعد إلى واحدة من أهم القواعد المطلوبة التابعة للولايات المتحدة.

قاعدة أميركية آمنة ومتطورة!

في 31/12/1946، ورد في مجلة "وورلد ريبورت" الأميركية ما يلي:" يصبح العالم العربي أكثر من أي وقت مضى جبهة أميركية"! وفي 17/6/1947 ورد في المجلة نفسها ما يلي:" من الواضح أن الولايات المتحدة تذهب إلى الشرق الأوسط لتبقى، وما أن تتوطد مكانتها في هذه المنطقة المتفجرّة حتى تأخذ علاقاتها ببريطانيا وفرنسا وروسيا طابعاً جديداً، وسوف يكون عليها، على مدى السنوات القادمة، مواجهة الاتحاد السوفييتي في جبهة جديدة"!

أما عن الدافع الرئيس للتوجه الأميركي نحو المشرق العربي فهو النفط بالطبع، الذي يستدعي احتكاره إخضاع الدول العربية، وتدميرها جميعها عند الضرورة، وليس فقط الدول المنتجة للنفط، ففي نهاية الحرب العالمية الثانية كانت المنطقة المسماة بالشرق الأوسط تحتوي على أكثر من 40% من احتياطي النفط الثابت وجوده في العالم كله، وكان يستخرج يومياً من البئر العربي الواحد حوالي 5500 برميل يقابلها 11 برميلاً فقط من البئر الواحد في الولايات المتحدة!

وأما عن أهمية القاعدة الإسرائيلية على أرض فلسطين العربية فقد تجلت في موقف الأميركيين من قرار التقسيم الذي عرض على هيئة الأمم عام 1947، حيث كان أنصار التقسيم داخل الحكومة الأميركية يأملون:" أن يؤدي إنشاء دولة يهودية إلى خلق قاعدة أميركية آمنة ومتطورة في الشرق الأوسط"! هذا ما كانوا يصرحون به بالضبط، فكيف يفاجأ الرئيس شيراك اليوم بمثل هذه الحقائق التي هو أول من يعرفها؟

كيف تتحرر الجيوش الأميركية؟

ويتوجب التأكيد على أن الهجمة الأميركية ضدّ المشرق العربي، بعد الحرب العالمية الثانية، انطلقت كجزء من الإستراتيجية الأميركية الشاملة لإحكام السيطرة على آسيا والعالم عموماً، وكان مشروع آيزنهاور / دالاس في مطلع الخمسينات يطمح إلى تحقيق أهداف ثلاثة هي:

أولاً، وضع نهاية للركود العسكري في كوريا والهند الصينية، حيث تعطلت فعالية عدة مئات من القواعد الأميركية والفرنسية.

ثانياً، إنشاء جيوش آسيوية تابعة ومستقلة في آن واحد، بحيث تصبح الجيوش الأميركية حرّة يمكن استخدامها كاحتياطي إستراتيجي متحرك.

ثالثاً، إنهاء الصراعات بين الدول غير الشيوعية في آسيا، والقضاء على الدعوة إلى الحياد وعدم الانحياز، وإدخال آسيا بأسرها في مواثيق عسكرية تحت قيادة واشنطن.

لقد كان الأميركيون يتطلعون إلى ربط جنوب شرق آسيا بالشرق الأوسط لإيجاد موقف قوة، فذلك سوف يسمح لهم بإنشاء جيوش آسيوية هائلة تحت إمرتهم، وكانوا يتطلعون إلى قيام الآسيويين بالسيطرة على بعضهم بعضاً لصالحهم، بل راحوا يدققون بلهفة في الأرقام التي تشير إلى عدد الآسيويين القادرين على الخدمة العسكرية، وقد قدّرت مجلة وورلد ريبورت (20/1/1953) عدد القادرين على حمل السلاح في آسيا غير الشيوعية، الذين تتراوح أعمارهم بين 20-34 سنة، بسبعين مليوناً، فإذا أمكن تجنيد هذه الأعداد، أو معظمها، فسوف تكون القوات الأميركية طليقة وقادرة على القيام بمهام أكبر، فهل يجهل الرئيس شيراك هذه الحقائق التاريخية الثابتة، وهل نستغرب نحن أن يدعو الأميركيون والإسرائيليون اليوم إلى إحلال الجيوش النظامية محل فصائل المقاومة، سواء في لبنان أم في فلسطين أم في العراق؟

كيف هاجم الإسرائيليون مصر؟

أما قول بوش لشيراك أن الحرب ضدّ لبنان حرب أميركية ينفّذها الإسرائيليون، فإن هذا ليس بالجديد على الإطلاق، وشيراك يعرف ذلك جيداً، ففي الأول من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1955 أعطت واشنطن الإسرائيليين الضوء الأخضر لمهاجمة مصر بسبب توجهها نحو الاتحاد السوفييتي، وفي معرض الاستعداد الإسرائيلي للعدوان على مصر عام 1956 قال ديفيد بن غوريون:" إن مصر تطمح في السيطرة على أفريقيا كلها، حتى على أفريقيا الجنوبية، حيث سيذبح السود البيض ثم يخضعون أنفسهم للسلطة المصرية"!

في الواقع، كانت واشنطن وراء حماسة بن غوريون وذرائعه لمهاجمة مصر، فأثناء اجتماع إسرائيلي مصغر أحضر تيدي كوليك برقية وردت تواً من واشنطن، أرسلها كرميت روزفلت مسؤول الاستخبارات، موضوعها صفقة الأسلحة بين عبد الناصر والتشيك، وقد قال روزفلت في البرقية:" إننا مندهشون لصمتكم! إذا كنتم ستضربون مصر فلن يحتج أحد"!

تلكم عينات تؤكد أن شيراك لا يمكن أن يفاجأ بحرب الإسرائيليين ضدّ لبنان لصالح الأميركيين، وتؤكد أن الحرب الأميركية ضدّ لبنان بواسطة الإسرائيليين ليست بالحدث الجديد من نوعه، وتؤكد أخيراً لا آخراً عظمة المقاومة اللبنانية التي ألحقت هزيمة نوعية تاريخية أخرى بالإستراتيجية الأميركية المهزومة في العراق وفلسطين، وفضحت موقع النظام الرسمي العربي فيها.

www.snurl.com/375h     

 

Hosted by www.Geocities.ws

1