الخصائص المشتركة للنظم الديمقراطية ونقيضها!

بقلم: نصر شمالي

لم يعد خافياً أن التحوّل الذي طرأ على بعض ميادين العمل السياسي والثقافي في بلادنا، بالتخلي عن المقاومة ضدّ المحتلين وعن النضال من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية والانحياز إلى الليبرالية والديمقراطية، أو إلى كلتيهما معاً، يعود بجذوره إلى مرحلتين مختلفتين لكنهما متكاملتين، الأولى هي المرحلة الريغانية/ التاتشرية، الأميركية الإنكليزية، التي أعادت العمل بالنهج الليبرالي البدائي الهمجي، الذي يقدّس النجاح الخاص ويبّرره أياً كانت وسائله، فالغني هو السيد المحترم والفقير هو المسؤول عن فقره ولا احترام ولا حياة له! والمرحلة الثانية هي انهيار الكتلة الاشتراكية الدولية الذي عزّز النهج الريغاني التاتشري، الأميركي البريطاني، وجعل المتردّدين، السئمين المتعبين، يحسمون أمرهم ويجاهرون بتحوّلهم عن عقائدهم السابقة وإدانتها، والانحياز إلى الليبرالية والديمقراطية الجديدة وتقديسها، وهكذا سمعنا بعض الاشتراكيين المرموقين في بلادنا يتبرأون من الماركسية جملة وتفصيلاً، ويدينون جرائم الشيوعية عموماً وليس جرائم بعض الشيوعيين الحاكمين أو المتحكمين، أي أنهم قرنوا الماركسية بالجريمة، مثلما قرن بعضهم الإسلام بالجريمة، ومثلما قرن البعض الآخر الكفاح القومي التحرري المسلح بالجريمة أيضاً!

الحرمان المقدّس والتخصيص المعمّم!

لقد ذهب الأنصار الجدد للديمقراطية الليبرالية، أو الليبرالية الديمقراطية، بعيداً جداً في تحوّلهم اللامعقول، فهم يتحدثون عن الديمقراطية باعتبارها فوق كل شيء، حتى فوق العدالة كما يقول بول ترينور، بل هم يرونها العدالة ذاتها، فيتعاملون معها باعتبارها نوع من المثاليات المطلقة المحاطة بهالة من القداسة التي تمنع انتقادها! وبينما أصبحت صفة "ديمقراطي" كافية لوضح حاملها فوق الشبهة والنقد أصبحت صفة "غير ديمقراطي" مرادفة لصفة متوحش، أو مجرم، وموازية للشتائم المقذعة!

وهكذا فإن الهاربين من التاريخ إلى اللا تاريخ، ومن العقائد إلى اللا عقائد، يتعاملون مع الديمقراطية التي انحازوا إليها باعتبارها إيديولوجية وتاريخ وعقيدة وإيمان، فالديمقراطية من وجهة نظرهم هي حكم أولئك الذين يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين ويؤمنون بأن الديمقراطيين هم من ينبغي أن يحكم البلاد! وبالطبع فإن هذا يعني أنه إذا فاز حزب مناهض للديمقراطية، ولو بنسبة 90% من الأصوات أي بالأغلبية الساحقة، وعبر انتخابات عادلة حرة ونزيهة، فإن أنصار الديمقراطية، الذين يمثلون 10%، يبقون على اعتقادهم بأن حزبهم هو من يحق له تشكيل الحكومة، أما الإسلامي أو القومي أو الاشتراكي فلا يحق له ذلك سلفاً ومسبقاً!

يقول بول ترينور في مقالة نشرتها دورية العراق أن من أهم مبادئ الديمقراطية الإيحاء بأن الحكومات  الديمقراطية شرعية لا ينبغي الإطاحة بها، وأن الدولة الديمقراطية تعتمد على هذا المبدأ من أجل استمرارها واستقرارها، حيث طالما أن الحكومة جاءت عبر انتخابات حرة فإن لها شرعية "تحريم" الانقلاب ضدّها مهما ارتكبت من أفعال شائنة، أما "غير الديمقراطي" في التصنيفات السياسية فهو يشكل دائماً خطراً وشيكاً على المجتمع تنبغي مواجهته بحزم! يقول ترينور: إن فكرة "شرعية حكم الديمقراطيين وحدهم" تستخدم للحفاظ على النظام القائم مهما كان مخطئاً، وتستخدم كذلك لإضفاء الشرعية وتبرير الدعم السياسي والعسكري لحلفاء الغرب في الدول الأخرى!

تشريع التسوّل مكسب ديمقراطي!

إن نقيض الديمقراطية، حسب علم السياسة الأوروبي الأميركي، هو الديكتاتورية والسلطوية والشمولية، وقد استخدم مصطلح الشمولية في الولايات المتحدة أوائل الخمسينات من القرن الماضي، في الحمى الهستيرية الأميركية المناهضة للشيوعية، وكان الهدف الأساسي من إطلاق المصطلح هو تشبيه حكم ستالين بحكم هتلر، علماً أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كانا حليفين في الحرب ضدّ نظام هتلر النازي! ولكن، إذا تأملنا في تعريف المفكر الغربي كارل فريدريك للشمولية، بأنها إيديولوجية رسمية تتكون من عقيدة تغطي جميع الجوانب المهمة في حياة الإنسان، وأن المتوقع من كل شخص في المجتمع اعتناقها ولو سلبياً، فإننا سوف نرى أن هذا التعريف ينطبق على الأنظمة والمجتمعات الديمقراطية، إذ يفترض أن يكون جميع المواطنين ديمقراطيين، وهذا واضح بجلاء تام في الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، حيث يحتكر السلطة سرمدياً وسط واحد من المجتمع يمثل الأقلية، وينقسم غالباً إلى حزبين يتناوبان الحكم بلا انقطاع عن طريق الانتخابات الديمقراطية!

ثم إن الأنظمة الديمقراطية، في الولايات المتحدة وبريطانيا خاصة، لا تتوانى ولا تناقش في حقها عزل خصوم الديمقراطية من الحياة المدنية، فهي تحظر عليهم ممارسة حقوقهم السياسية مثل تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف، أي أن النظام الديمقراطي يخنق خصومه، فأين الاختلاف مع ما تمارسه النظم الديكتاتورية؟ يقول ترينور أن للنظم الديمقراطية ثقافتها الديمقراطية، مثل النظم الديكتاتورية، ويلاحظ ذلك بوضوح في الكتب والبرامج التعليمية بجميع المراحل الدراسية، حيث يجري التعامل مع الديمقراطية كأنها حقيقة مسلّم بها ولا تجوز مناقشتها، فإذا طرحت مسألة عدم المساواة الاجتماعية جاء الجواب بأنها نتيجة عدم الكفاية في الإجراءات الديمقراطية وليس نتيجة تطبيق الديمقراطية! ويورد ترينور مثالاً معبراً عن تحقيق كفاية الإجراءات الديمقراطية فيقول أنهم، في كندا والولايات المتحدة، نجحوا في سن القوانين التي تعطي الفقراء حق التسوّل، واعتبروا ذلك انتصاراً لحرية التعبير وللديمقراطية الليبرالية، فبدلاً من معالجة مسألة إعادة توزيع الثروة العامة سمح القانون الديمقراطي للفقراء بالتسوّل من الأغنياء!

حلف الناتو أداة الديمقراطية!

أما على الصعيد العالمي فإن أنصار الديمقراطية ينظرون اليوم إلى حلف شمال الأطلسي باعتباره أعظم أدوات تحقيقها، فكان تدخل الناتو في إقليم كوسوفو اليوغسلافي مثالاً تاريخياً حياً على فرض الديمقراطية بوساطة القنابل، ثم تلاه احتلال أفغانستان، ليبدأ تعثر الديمقراطية المحاربة في العراق!

غير أن تجربة القتل والنهب في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق لم تكن من غير أساس تاريخي، حيث منذ عام 1945 قرر الأوروبيون الغربيون والأميركيون أن فرض الديمقراطية بالسلاح الحربي أمر طبيعي، لكن وجود الاتحاد السوفيتي هو الذي آخّر تنفيذ هذا التوجه، وبعد انهيار الكتلة الاشتراكية وحلف وارسو انطلق الأوروبيون والأميركيون في تحقيق التوسع الديمقراطي، حيث أصبح نشر الديمقراطية مبّرراً كافياً لإعلان الحرب، وتدمير البلدان، وقتل مئات الألوف من البشر، وتعريض عشرات الملايين لأخطار الهلاك تشردّاً وجوعاً ومرضاً!

    www.snurl.com/375h  

 

Hosted by www.Geocities.ws

1