عن العلاقات العربية الإيرانية

الكاتب العربي السوري نصر شمالي

حاورته في دمشق مجلة "البلاد" اللبنانية

دمشق 7/12/1995

 

-       كيف تنظرون إلى العلاقات التاريخية، العربية الإيرانية؟

*الإيرانيون والعرب من الأمم المتآخية في ظلال التوحيد الإسلامي. إنه التآخي الذي بلغ في مراحل تاريخية عدة درجة الانصهار في بوتقة التوحيد، والاندماج في الإنجاز المشترك الرائع لمهام إنسانية إيجابية لصالح الإنسان عموماً. إن اعتناق الإسلام لم يكن يعني سوى إعلان الانحياز إلى الحق والعدل ضد الباطل والظلم. سلمان الفارسي من آل البيت. ولا يختلف عنه وضع بلال الحبشي وصهيب الرومي. ولا تشفع لأبي لهب في شيء قريشيته وهاشميته وعروبته. إنها الوحدة على أساس الوظائف الإنسانية الإيجابية السامية. لكنها وحدة لا تنفي خصائص ومزايا الأعراق والقوميات، بل هي تؤكدها وتحترمها بمنطق سماوي غاية في العذوبة والشفافية والرقي. إنه المنطق الذي يؤكد ضرورة وأهمية التنوع وإيجابيته، بدءاً بأصغر الخلايا الحية التي لا ترى بالعين المجردة وحتى أعظم الكائنات. وإنه المنطق الذي يحرّم توظيف التنوع، الذي هو إيجابي بطبيعته الأولى، توظيفاً سلبياً يتنافى مع طبيعته الأولى. إنه المنطق الذي حسم مسائل غاية في التعقيد حين نص على أن لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. والذي لخصه قائد الدعوة، الرسول العربي الأعظم، بقوله البليغ: أنا جدّ التقي وان كان عبداً حبشياً، وعدوّ الشقي وإن كان قرشياً هاشمياً.

 

- وماذا عن الخلافات بين العرب والإيرانييين، القديمة منها والحديثة؟

*يختلف العرب مع العرب، وقد يختلف الإيرانيون مع العرب، والإيرانيون مع الإيرانيين. إن هذا حدث، ويحدث، وسوف يحدث. لكن الاختلاف في ظل عقيدة ووظائف إنسانية غير مختلف عليها شيء، والاختلاف على العقيدة والوظائف ذاتها، من أساسها، شيء آخر. إن الأمم المتآخية بالعقيدة الإسلامية، وبالوظائف والإنجازات التاريخية الإنسانية الإيجابية، يجب أن تكون متفقة اليوم تماماً في موقفها الأساسي من النظام الاحتكاري الصهيوني العالمي الذي تقوده واشنطن. إن إسلاميتها وإنسانيتها تفقد كل معنى إن هي لم تتفق تماماً ضد هذا النظام الصهيوني العالمي. مثلما لو أن بعض المسلمين في عهد الدعوة الأول وقفوا مع محمد ولم يقفوا ضد أبي لهب، أو وقفوا مع سلمان ولم يقفوا ضد كسرى! طبعاً، ما كان ممكناً للمسلم أن يكون مسلماً إلا إذا وقف ضد فرعون وهامان وكسرى وأبا لهب، ووقف مع إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. واليوم، لا بد من الوقوف بوضوح وبحزم ضد الطغاة الأشرار الصهاينة، ورموزهم، ووكلائهم في جميع مناطق العالم. إن مثل هذا الوقوف هو الأساس لوحدة جذرية، وإن نقيضه هو الأساس لخلاف جذري. إنه الفارق الحاسم بين الحق والباطل، وبين العدل والظلم.

 

- كيف تحددون موقع الجمهورية الإسلامية ععلى خارطة الصراع الراهن في المنطقة؟

* تقع إيران اليوم، بالضبط، على خطوط الهجوم الأمامية للزحف الاستعماري الأميركي الذي يشكل الأطلسي مراكز انطلاقه، لقد انتقلت خطوط التماس والصدام الأساسية، الأمامية، منذ وقت ليس قصير إلى الجبهة الإيرانية، بعد أن بقيت لسنوات طويلة في لبنان وفلسطين. ولكن هذا الانتقال، الذي وقع وانتهى الأمر، لا يبدو واضحاً ومفهوماً بصورة كافية سواء للعرب أو للإيرانيين. إن العلاقة الجدلية الحميمة، في السراء والضراء، وفي أسار النظام العالمي الصهيوني، العلاقة بين أطراف هذا الإقليم من أقاليم العالم لا تبدو واضحة ومفهومة تماماً لشعوبه وأممه، ناهيك عن حكامه!

 

-هناك حقاً من لا يرى هذه العلاقة الجدلية الحميمة بين سكان المنطقة العربية الإسلامية، فهل بالإمكان توضيحها أكثر؟

* هل يعقل أن هناك عربياً عاقلاً يعتبر إيران خطراً على العروبة، مثلها مثل أميركا مثلاً؟ هل يعقل أن هناك كردياً أو إيرانياً أو تركياً يعتبر العرب خطراً عليه مثلهم مثل الأميركيين والصهاينة؟ ولكن مثل هذه الأخطاء الفادحة شائعة على نطاق واسع ويا للأسف، وهي من أمضى أسلحة النظام العالمي في الحفاظ على هيمنته السائدة منذ خمسة قرون تقريباً، والتي سوف تدوم آجلاً ما دامت شائعة مثل هذه المفاهيم الرهيبة. إن مثل هذه "الأخطاء" نجمت، وتنجم، عن عدم رؤية مشروع العدو الاحتكاري الصهيوني العالمي على حقيقته، وبحجمه الطبيعي، بتفاصيله الرئيسة على الأقل. إن واشنطن العاصمة الحالية للعصر الأوروبي ونظامه العالمي، تسعى إلى هدم هذه المنطقة التي تسميها (الشرق الأوسط) والتي أضافت إليها آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من أفريقيا الشمالية والجنوبية، تسعى إلى هدمها وإعادة تشكيلها بما يتفق مع مصالحها تحت اسم (الشرق الأوسط الجديد). إن هذه المنطقة هي في مجملها عربية إسلامية. وحكام الولايات المتحدة يعملون على تحويلها إلى ما يشبه ولاية من ولاياتهم الأميركية، إنما ولاية عليها جميع الواجبات وليس لها أية حقوق على الإطلاق. هذا يعني سحق شعوب المنطقة وإخضاعها أكثر من جهة، ومن جهة ثانية وفي الوقت نفسه إلحاق هزائم حاسمة بحلفاء واشنطن، أطراف رأس المال الدولي من اليابانيين والأوروبيين بالدرجة الأولى، وجعلهم أكثر انضباطاً وانصياعاً وتبعية. إن واشنطن تتصرف اليوم على أساس أنها اجتاحت المنطقة العربية اجتياحاً مباشراً، وأخضعتها أكثر فأكثر إخضاعاً مباشراً، وتخطتها، مخلفة وراءها أقطاراً مستسلمة، هي مجرد مناطق مدارة لكل منها حكمه الذاتي، ملحقة في الوقت نفسه الهزائم الضرورية المحسوبة بحلفائها أطراف رأس المال الدولي. أما في إيران، في الجمهورية الإسلامية فلا يزال هناك قدر كبير من الإرادة المستقلة ومن الفعل المستقل. ولا يزال هناك، في طهران، بناء على ذلك، تعامل حر، مستقل، مع أطراف رأس المال الدولي الأخرى. الآن تستعد واشنطن لتدمير الإرادة الإسلامية في إيران، الإرادة المستقلة، وتريد تدمير المقدرة على التعامل المستقل المباشر بين الجمهورية الإسلامية وبين الدول الرأسمالية الأخرى، حيث بعد ذلك فقط تستطيع مواصلة طريقها متخطية إيران شرقاً إلى حدود المنطقة الشرق أوسطية التي حددتها هي. ولكن تصريحات القادة في الجمهورية الإسلامية، وكذلك نشاطاتهم، لا تدل أحياناً، للأسف الشديد، انهم ينظرون إلى الموقف بهذا المستوى من الخطورة والجدية والشمولية. إن معارك أفغانستان المتواصلة، على سبيل المثال، لم يعد لها من هدف له معنى سوى تدمير الجمهورية الإسلامية، وهي سوف تستمر طالما صمدت القلعة الإيرانية، وسوف تتوقف فوراً إذا ما سقطت لا سمح الله. إنها حروب من طبيعة واحدة تلك التي شهدتها لبنان، وتشهدها البوسنة، وأفغانستان. أي أن أهدافها الرئيسة تقع بالتأكيد خارج حدودها.

Hosted by www.Geocities.ws

1