أهوال الربع الأول من هذا القرن!

بقلم: نصر شمالي

أقام الإنكليز ولاياتهم المتحدة على الأرض الأميركية باعتبارها أرض كنعان الجديدة، بعد تطهيرها من سكانها باعتبارهم كنعانيين، أي أنهم أقاموا "إسرائيل الكبرى"! وقد أعطوا أنفسهم هذا الحق بصفتهم شعب يهوه البيوريتاني المختار الذي "خرج" من إنكلترا هرباً من فرعونها البريطاني، وتاه في المحيط، قبل أن يستقر في أرض كنعان الأميركية! فهم يهود الروح الذين اعتمدهم يهوه لإقامة مملكته الموعودة التي تخلى عن إقامتها يهود الدم الذين فسدوا! وبناء على ذلك، كما يقول منير العكش في كتابه (أميركا والإبادات الجماعية) أرسى هؤلاء الإنكليز الأميركيون ثوابتهم الخمسة التي رافقت تاريخهم في كل محطاته، وهي: 1- المعنى الإسرائيلي لأميركا 2- عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي التي يختصون بها 3- دورهم الخلاصي العالمي 4- قدرهم في التوسع اللانهائي 5- حقهم في التضحية بالآخرين!

حتى نهاية القرن التاسع عشر حقق الإنكليز على الأرض الأميركية كلاً من الثابت الأول والثاني، في نطاق دولة لا ينص دستورها على أن لها حدوداً جغرافية، ثم انطلقوا خلف المحيطات لتحقيق الثوابت الثلاثة التالية: خلاص العالم/ عبر التوسع اللانهائي/ يساعدهم في ذلك حقّ التضحية بالآخرين الذي أعطاهم إياه العهد القديم حسب زعمهم! وبعد الحرب العالمية الثانية، منذ عهد هاري ترومان صاحب القنبلة النووية في اليابان وحتى عهد جورج بوش الذي يقود اليوم حرب تدمير العراق، حاول جميع الرؤساء الأميركيون التوسع في العالم عموماً، تارة بذريعة التصدّي للشيوعية، وأخرى بذريعة إيقاف التوسع الصيني، وثالثة بذريعة ضمان تدفق النفط الذي يمكن أن يعيق العرب "غير المتحضرين" تدفقه فيلحقون الأذى بالحضارة الراقية، الأمر الذي يستدعي السيطرة المباشرة على منابعه في البلاد العربية والإسلامية!

* * *

إن إقدام القلة من أصحاب المصالح على تحويل الأساطير إلى عقيدة شعبية يهدف إلى تحقيق التعبئة العامة لخدمتها، فهي تخاطب وتستثير أحط غرائز الدهماء بإيهامها أنها شعب الله المختار الذي يحق له التوسع من أجل بناء مملكة الله، ويحق له ضمناً إبادة الآخرين إذا ما شكلوا عائقاً يحول دون تحقيق الغاية المقدسة، وقد نجحت التعبئة الإنكليزية الصهيونية للدهماء في إبادة شعوب القارة الأميركية وفي الاستيلاء على ثرواتها، غير أن تلك الثروات تبدّدت نتيجة إسراف وحشي نهم لا يشبع، وها هم يتحوّلون بكل طاقاتهم نحو ثروات القارات الأخرى ساعين إلى وضع اليد عليها بالكامل، كأنما حقولها موجودة في بلادهم، وأولها النفط باعتباره دماء وعصب الحياة المعاصرة!

غير أن الاحتياطي العالمي من النفط، الموجود بمعظمه في البلاد العربية والإسلامية، مادة غير قابلة للتجدّد ويمكن تحديد مواعيد نضوبها النهائي، وهي مواعيد لا تتجاوز القرن بأية حال إذا ما استمر الاستهلاك الفاحش على الطريقة الأميركية، ولذلك أصبحت جبهة الحرب الأولى هي جبهة النفط الذي يريدون الاستئثار به تماماً لضمان مصالحهم وسيادتهم الدولية على مدى القرن الحادي والعشرين، وليكن بعد ذلك الطوفان! وقد نهضت على هذا الأساس استراتيجية من يسمّون بالمحافظين الأميركيين الجدد، وهي الاستراتيجية التي وضعت نصب أعينها الاستيلاء المباشر على المنطقة الواقعة بين بحر قزوين والمحيط الأطلسي، التي يطلقون عليها اسم "الشرق الأوسط الجديد"، ولذلك فإن العالم منذ بداية الربع الأول من هذا القرن يشهد أهوالاً متصاعدة لا مثيل لها، خاصة في البلاد العربية والإسلامية التي تشكل الميدان الأول من ميادين هذه الحرب والتي سوف يتقرر فيها مصير العالم نتيجة نجاح أو إخفاق الاستراتيجية الأميركية!

* * *

يرى واضعو الاستراتيجية الأميركية، المدوّنة منذ عام 1996، أن مصالح الأمن القومي لأوروبا والولايات المتحدة على حدّ سواء تتوضع في "الشرق الأوسط الأكبر"، حيث يزداد اعتماد الدول الصناعية على اقتصاد عالمي تغذيه صادرات النفط الآتية من الشرق الأوسط، وتشير التقديرات الأميركية إلى أن الاستهلاك العالمي سيرتفع من 81.1 مليون برميل في اليوم عام 2005 إلى 89.7 مليون برميل عام 2010 إلى 98.8 مليون عام 2015 إلى 108.2 مليون عام 2020 إلى 118.8 مليون عام 2025! ويتوقع الأميركيون أن يزيد إنتاج النفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 53.6 مليون برميل عام 2025، أي أن نسبته من الإنتاج العالمي سوف تكون 43% بالمئة في نهاية الربع الأول من هذا القرن، أما في عام 2030 فسوف ترتفع نسبته من الإنتاج العالمي إلى 54.1%!

وتتوقع وزارة الطاقة الأميركية أن تصل صادرات النفط من دول الخليج وحدها إلى 35.8 مليون برميل عام 2025، أي إلى 37% من إجمالي الصادرات العالمية، ويعتقد الخبراء أن العراق سوف ينتج لوحده ما بين 10 و 15 مليون برميل يومياً، فإذا أضفنا إلى ذلك جودة هذا النفط وسهولة استخراجه وتحويله، أي تكلفته الزهيدة جداً التي تعادل في بعض المقارنات مع غيره نسبة 1 إلى 20 دولاراً، أدركنا تماماً المحرّك الأول للحرب الهائلة التي بدأت في العراق، وأدركنا ما سوف يترتّب على مساراتها خلال العقدين القادمين من نتائج مصيرية تتعلق بأمتنا خصوصاً وبأمم العالم عموماً!

وبينما يتحدث الأميركيون بالأرقام عن وقائع الربع الأول من هذا القرن، خاصة في ميدان النفط، وهي الوقائع التي سوف تقرّر مصير مصالحهم وسيادتهم الدولية، ينشغل بعض العرب والمسلمين في ما لا طائل من وراء الانشغال به، وفي ما لا يترتب عليه سوى تسهيل عملية التدمير والإبادة والسيطرة المباشرة التي يشنها الأميركيون ضدّ بلادنا وأمتنا!

* * *

ولكن، على الرغم من ضلال بعضنا، أو تخاذله، فإن وقائع السنوات الخمس الأولى من ربع القرن الأول هذا تشير بوضوح إلى ارتباك الأميركيين وحلفائهم، وإلى تعثرهم وتخبطهم واحتمال إخفاقهم وتقهقرهم، وذلك بفضل ثبات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية، علماً أن المقاومة تعاني في مواجهة محيطها الرسمي، وغير الرسمي إلى حد ما، أكثر مما تعاني في مواجهة جيوش الاحتلال الأجنبي!

من الثابت أن الأعداء يتعاملون مع أمتنا وبلادنا بحذر شديد، باعتبارها وحدة متكاملة من الناحيتين البشرية والمادية، وهم يعوّلون بالدرجة الأولى على تشتيتها خلال المواجهة، والانفراد بكل جزء منها وتصفيته على حدة، بينما بعضنا، في أعلى المستويات الاجتماعية والمواقع الرسمية، ينشغل بالعشيرة والطائفة والمدينة والدويلة، بالضبط كما يريد الأعداء الذين يغذّون مثل هذه التوجهات! غير أن ما يدعو إلى الثقة والأمل هو رؤية المقاومة وهي تخوض هذه الحرب بأفق قومي وإسلامي وأممي، واعية أن نتائجها سوف تقرر مصير أمتنا وبلادنا، ومصير أعدائنا، بل ومصير العالم عموماً.

www.snurl.com/375h

 

 

 

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1