عن مصائر الأمم في القرن الحالي !

بقلم: نصر شمالي

تتطلع الديكتاتورية الدولية ممثلة بالإدارة الأميركية إلى جعل القرن الواحد والعشرين أميركياً، وهي انطلقت عملياً نحو هذا الهدف كما تشير سياسة واشنطن وأعمال اجتماعات دافوس ومؤتمرات العولمة السنوية، وفي هذا الإتجاه اصطلح على تقسيم القرن إلى ثلاث مراحل، ربعه الأول ثم نصفه الأول ثم نصفه الثاني، فبالنسبة للربع الأول من القرن تتوالى الدراسات والحسابات والاستنتاجات الرقمية التفصيلية بصدد ثروات العالم الأساسية وتوجهاتها ومآلها، وبصدد النصف الأول من القرن تغدو الحسابات والاستنتاجات إجمالية وعامة، أما النصف الثاني من القرن فهو الأفق المنشود الذي تتطلع الديكتاتورية إليه.

في الحسابات والاستنتاجات الرقمية تبدو الديكتاتورية الدولية كأنما هي حذرة، بل قلقة، من احتمالات النمو في بعض البلدان التي تتميز بكثافة سكانية عالية: البرازيل، روسيا، الهند، والصين، فهي تتوقع أن البرازيل سوف تتخطى الإقتصاد الإيطالي بحلول عام 2025، وسوف تتخطى فرنسا بحلول عام 2031، وأن روسيا سوف تتخطى بريطانيا في عام 2027، وألمانيا في عام 2028، أي أن دول اوروبا الغربية سوف تتراجع عموماً، بينما تتوقع للولايات المتحدة واليابان فقط الإحتفاظ بمواقعهما كأكبر القوى العالمية الاقتصادية! غير أن واحداً من الاحتمالات يقول أن الصين يمكن أن تتفوق على الولايات المتحدة اقتصادياً!

وفي الحسابات والاستنتاجات الرقمية الأكثر دقة وتفصيلاً، تتوقع الديكتاتورية الدولية، استناداً إلى وكالة الطاقة الأميركية، أن المعدّل الإجمالي لتجارة النفط بين أقاليم العالم سوف يزيد من 32 مليون برميل يومياً في العام 2000 إلى 42 مليون برميل يومياً في العام 2010، إلى أكثر من 66 مليون برميل في العام 2030، وأن صادرات ما يسمونه بالشرق الأوسط، من دون المغرب العربي، سترتفع من 19 مليون برميل يومياً عام 2000 إلى 46 مليون برميل عام 2030، وستبقى صادرات الشرق الأوسط الأطول مدى، وستؤمن 70% من المعدّل الإجمالي لتجارة النفط العالمية التي ستبلغ تقديرياً أكثر من 66 مليون برميل يومياً عام 2030، فإذا أضيفت إليها صادرات المغرب العربي فسوف تبلغ صادرات منطقتنا 76% من المعدّل الإجمالي العالمي!

الأمم المحكومة بالإعدام!

على مدى القرن الواحد والعشرين سوف يبقى العالم متمحوراً حول المنطقة العربية بالدرجة الأولى، باعتبارها المصدر الرئيس للنفط ومضخته المركزية في جسم الاقتصاد العالمي، فلا نمو ولا حياة بالصورة التي تحياها البشرية من دونه، وحاجة الحياة البشرية إليه مثل حاجة جسم الإنسان إلى الدماء، ورغم ذلك فإن الأمم التي تملك هذه المادة النبيلة لا تذكر في حسابات واستنتاجات وتوقعات الديكتاتورية الدولية، فقد أسقطوها من كل حساب واعتبروها كأنها غير موجودة وحسموا مصيرها بواسطة العمليات العسكرية التي سوف تتكفل بجعلها غير موجودة فعلياً، أي أنهم حكموا عليها بالإعدام!

وبالفعل، صارت مواقف الأطراف التي تتناوب على السلطة في واشنطن تتراوح اليوم بين الدعوة لتوسيع نطاق العمليات العسكرية ضد بلادنا وأمتنا، وبين الدعوة للإسراع في إيجاد وسائل غير عسكرية إذا ما تعثرت مهمة القوات العسكرية في مواجهة المقاومة الباسلة، فالجميع متفقون، جمهوريون وديمقراطيون، على أن الأهداف التي تقتضي إعدام أمتنا، والحلول محلها سلماً أو حرباً، ليست موضع خلاف ولا جدل! إنهم متفقون تماماً حول مسألة إحكام السيطرة على المنطقة الشاسعة ما بين بحر قزوين والمحيط الأطلسي، التي صاروا يسمونها بالشرق الأوسط الأكبر، انطلاقاً من فلسطين والعراق وأفغانستان كقواعد عمليات إقليمية ثابتة!

أمة مقيّدة بأنظمتها الحاكمة !

في مؤتمر القمة الإسلامي العاشر الذي انعقد مؤخراً في ماليزيا قال الرئيس محاضر محمد: لا أريد أن أعدّد ما تعرضنا له من إذلال وقهر، ولا أريد إدانة الذين ظلمونا، لأن ذلك لا يعدو كونه جهداً تافهاً لن يؤدي إلى تغيير مواقفهم منا، وإذا كنا نريد استعادة كرامتنا وكرامة الإسلام فعلينا نحن أن نقرر وعلينا نحن أن نفعل. جميعنا مظلومون نعاني من القهر والإذلال، لكننا نحن الحكام لم نجرّب قط أن نعمل متضامنين، فبدل أن نكون أمة واحدة انقسمنا إلى شيع ومذاهب وطرق مختلفة، فصارت الدول الإسلامية ضعيفة تعيش حالة دائمة من الفوضى والغليان، وصار الأوروبيون يتصرفون في الأراضي الإسلامية كما يحلو لهم، ولم يكن مفاجئاً أن يقتطعوا منها مساحة يقيمون عليها "دولة إسرائيل"! لقد قال تعالى:"إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"، وعدد المسلمين يبلغ اليوم 1.3 مليار نسمة، ولديهم أعظم احتياطي نفط في العالم. إن ثرواتنا عظيمة، ونحن نعدّ 50 قطراً من أقطار العالم التي تعدادها 180 قطراً! إننا نخضع لمشيئة ظالمينا تحت ضغط قاهر، فكيف يتوجب علينا أن نتصرف؟ إن ردّ فعلنا هو الغضب! لكن الإنسان الغاضب لا يحسن التفكير، وهكذا تأتي ردود أفعالنا بعيدة عن العقل، فهل سيبقى المسلمون أبداً مقهورين ومحكومين من قبل الأوروبيين واليهود؟ هل سيبقون دائماً فقراء وضعفاء ومتخلفين؟ هل صحيح أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً؟ هل صحيح أن 1.3 مليار مسلم لا يملكون القوة لإنقاذ أنفسهم من الإذلال والقهر الذي ينزله بهم خصم أضعف منهم بكثير؟ من المؤكد أنه حان وقت التأمل في أحوالنا، فنحن أقوياء ولا يمكن إبادتنا ببساطة. هناك مصادر قوة عظيمة متاحة لنا، والمطلوب فقط هو الإرادة!

هكذا عرض محاضر محمد حال الأمة التي تعتبرها الديكتاتورية الدولية الأميركية غير موجودة في القرن الواحد والعشرين، والتي حسم مصيرها بواسطة الجيوش وبمساعدة حكامها الذين وصفهم الرئيس الماليزي أبلغ وصف، غير أنه وصف أيضاً قواها الكامنة الهائلة وثرواتها العظيمة، واستهجن مستغرباً أن يذلّها ويقهرها خصم أضعف منها بكثير، وإنه لمحق طبعاً في استهجانه واستغرابه، ومحق بتعويله على الإرادة العربية والإسلامية في إفشال مخططات الطغاة وإعادة الحق إلى نصابه.

 

Hosted by www.Geocities.ws

1