هملت شكسبير أعظم شخصية/ قضية دانمركية!

يقول انجلس: إن المفكرين العرب هم السلف البعيد

 للأنسكلوبيدبين الفرنسيين في القرن الثامن عشر

بقلم: نصر شمالي

لا تقرّ القوانين الوضعية الثورية، الأوروبية والأميركية، ما ارتكبته تلك الصحيفة الدانمركية ومثيلاتها ضدّ الإسلام، فحرية التعبير التي نصت عليها مشروطة بعدم إيذاء الآخرين في مشاعرهم ومعتقداتهم، وجدير بالذكر أن النصوص الإسلامية تؤكد على ذلك كثيراً جداً، وإذا كانت الأزمة التي فجرّتها الصحيفة تشير إلى مخالفة صريحة فظة للقوانين الوضعية الغربية فإنها أظهرت من جهة أخرى جهلاً مخزياً بالتاريخ العام للبشرية، وبموقع الحضارة العربية الإسلامية منه وفيه، حيث هناك مقام للشعائر الدينية الإسلامية في بعدها الفردي الذي ينظم علاقة المسلم بربه، وهناك مقام للحضارة العربية الإسلامية في بعدها الأممي الذي ينظم العلاقات الإنسانية، فالمقام الأول يخص المسلم تحديداً، عربياً أم غير عربي، والمقام الثاني يخص الإنسان عموماً، مسلماً أم غير مسلم.

* * *

يقول المفكر الفرنسي بيير روسّيه أن أثينا وروما في ذروة سيادتهما لم تكونا أكثر من شرفتين في ذلك البناء العربي المتوسطي الشامل (كتابه: تاريخ العرب الحقيقي) ونضيف بصدد العصر العربي الإسلامي العالمي، ما بين القرن السابع وأواخر الخامس عشر ميلادي، أنه يتوجب الانتباه إلى ما يغفل عنه الكثيرون في مقارناتهم ومقابلاتهم، وهو أن القارة الأميركية لم تكن مكتشفة بعد، وأن أوروبا (شمال/ شرق غرب) وروسيا معها طبعاً لم تكن موجودة بعد كدول وأمم، بل خيام وقبائل، وهي بقيت طويلاً خارج نطاق العمران والحضارة، في حالة من البدائية والسذاجة الروحية والذهنية والمادية، خاصة في الأصقاع الاسكندنافية، ولم تبدأ نهوضها الجدّي إلا في خضم الحروب الفرنجية، تباعاً وبفضل التفاعلات الحربية والسلمية مع العرب والمسلمين، والمسيحيين والموسويين منهم طبعاً، أما جنوب/ غرب أوروبا فقد كان قبل الإسلام وبعده جزءاً لا يتجزأ من حضارات حوض المتوسط العربي، وعانت بيزنطة المسيحية من الاجتياحات الفرنجية ما عاناه المسلمون، والموسويون أيضاً، وهنا يبدو مناسباً مجرّد الانتباه إلى الحقيقة البديهية والبليغة والحاسمة بصدد مراكز انطلاق الأديان السماوية: الإبراهيمية العراقية،  والموسوية المصرية، والمسيحية الفلسطينية، والإسلامية الحجازية، وبالمقابل الانتباه إلى أن أعظم شخصية/ قضية دانمركية هي هملت شكسبير! لقد أعطاهم الإنكليز شخصية هملت وقضيته، أما العرب فأعطوهم شخصية السيد المسيح وقضيته، ولهم أن يكافئوا كلاً على عطائه حسب تقديراتهم!

* * *

وفي معرض الحديث عن الأزمة التي فجرتها الصحيفة الدانمركية، والتي تكشفت عن جهل مريع بالحضارة العربية الإسلامية، بغض النظر عن دور الحقد الصهيوني في هذه الأزمة، نستعير لمحات من بعض الشهادات التي دوّنتها شخصيات عالمية مرموقة غير مسلمة، فقد كتب المفكر الإنكليزي هربرت ويلز يقول: توجه الإسلام إلى جماهير البشرية فبشّرها أن الله هو العدل، فكان تبنّي تعاليم النبي محمد (ص) ومنهجه يفتح الباب على مصراعيه أمام روح الأخوة والثقة بين الناس على وجه البسيطة، في عالم كان مليئاً بالشكوك والخيانات والعوائق المستعصية. كذلك فتح تبني تعاليمه ومنهجه أبواب الجنة، لكنها ليست جنة العبادة والصلاة بلا انقطاع فحسب، التي يشغل فيها رجال الدين والملوك مواقعهم الرفيعة، بل جنة الأخوة الحقة والملذات البسيطة المفهومة، التي تتعطش إليها الأرواح. لقد غرس محمد (ص) هذه الحقائق الرائعة في أفئدة البشرية من دون أية رموز مريبة، ومن دون محاريب معتمة ولا ابتهالات يتلوها رجال الدين، فانتصر الإسلام لأنه كان أفضل نظام اجتماعي وسياسي ظهر في ذلك العصر، وشاع لأنه وجد حيثما حلّ أناساً لا مبالين من الناحية السياسية، أناساً مضلّلين مضطهدين مرتعبين، أناساً جهلة غير منظمين، ووجد حكاماً حمقى فارغين لا تربطهم بالشعب أية رابطة، فكانت أفكار الإسلام هي الأكثر شمولاً وجدّة ونقاوة من الناحية السياسية في العالم آنذاك، وقدّم الإسلام لجماهير البشرية ظروفاً أفضل من أية ديانة أخرى.. الخ.

* * *

أما الرئيس الهندي جواهر لال نهرو فقد كتب ما يلي: إن الديانة التي بشّر بها محمد (ص) ببساطتها واستقامتها، والديمقراطية والمساواة اللتين أعلنتهما هذه الديانة، كل ذلك حظي بصدى واسع لدى الشعوب التي عانت لأمد طويل من نير الحكام والملوك الطغاة، ومن نير الكهّان الذين لم يكونوا أقلّ طغياناً وتعسفاً من الملوك. لقد تعبت الشعوب من النظام القديم ونضجت لتقبّل الجديد، فقدّم لها الإسلام هذا الجديد الذي كان مرغوباً، لأنه حمل إليها الأفضل من نواح عديدة، ووضع حدّاً للكثير من الشرور الناجمة عن النظام القديم.. الخ.

* * *

وقبل أكثر من أربعين عاماً كتب المفكر الفرنسي روجيه غارودي يقول: لقد خلق الفتح العربي الشروط اللازمة لتجديد الحضارة ولانطلاقة عالمية شابة جديدة. لقد خلق الشروط الاقتصادية والاجتماعية للحضارة الجديدة، وذلك بإزالة فوضى الإقطاع وتدرجاته الطفيلية، وكان العامل الحاسم في النصر هو أن الفاتح العربي كان يجلب معه إلى عالم عبودي منحلّ للغاية، أو عالم إقطاعي متحجّر ومقطع الأوصال، أشكالاً راقية من التنظيم الاقتصادي والاجتماعي، تلتزم بها الجماهير العريضة لأنها تتفق مع احتياجاتها. ومن القرن الثامن إلى القرن الخامس عشر نشأت وازدهرت أغنى وأجمل حضارة خلال العصور الوسطى. يقول جان بيرين: حقق الفتح العربي انتعاشاً حقيقياً للاقتصاد العالمي، وأضاف إلى سموّ العلاقات الاقتصادية والاجتماعية سمواً أخلاقياً يتمحور حول السماحة، ولهذا ارتأى أنجلس – رفيق ماركس- أن المفكرين العرب هم السلف البعيد للأنسكلوبيديين الفرنسيين في القرن الثامن عشر، وفي كتابه (ديالكتيك) يقول أنجلس في حديثه عن عصر النهضة الأوروبي: إن لدى الشعوب الرومانية فكراً متحرراً صافياً مأخوذاً عن العرب ومطعماً بالفلسفة اليونانية التي اكتشفت مؤخراً، حيث راح الفكر يتأصل رويداً رويداً، ومهّد لظهور مادية القرن الثامن عشر.. الخ

وهكذا، بناء على مثل هذه الشهادات التي أعطتها شخصيات غير مسلمة، نلاحظ كم ذهب البعض بعيداً عن الحقائق التاريخية العظمى، سواء على جبهة بعض أولئك الغربيين في موقفهم الخاطئ من الإسلام، أم على جبهة بعض المدافعين عنه بطريقة تذكرنا بقول المتنبي: ألم ترأن السيف ينقص قدره/ إذا قيل هذا السيف خير من العصا؟!

www.snurl.com/375h

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1