ماذا يحدث في الولايات المتحدة ؟!

بقلم: نصر شمالي

في عهد الرئيس رونالد ريغان، في الثمانينات، تعرضت الولايات المتحدة الأميركية لخطر الوقوع في قبضة حكم عسكري، أو شبه عسكري، حين كشفت فضيحة إيران – كونترا عن وجود سلطة أميركية عسكرية عليا، بقيادة الأدميرال بويندكستر، قائمة بموازاة السلطات الرسمية، وتعمل بمعزل عن هذه السلطات ومن دون معرفتها، فكانت تلك صدمة للشخصيات السياسية الأميركية في الكونغرس والحكومة، التي اكتشفت غير مصدقة أن هناك سلطة عليا غيرها تقود الولايات المتحدة سراً في أخطر الميادين، حتى أنها تملك ميزانيتها الضخمة السرية التي أشير إليها تحت اسم "الصندوق الأسود"! وأثناء التحقيقات السرية في معظمها إلى حدّ كبير، وفي أجواء من التكتم على أبعاد ذلك الاكتشاف المذهل سألت لجنة التحقيق الأدميرال بويندكستر عما إذا كان الرئيس ريغان على علم بما كان يجري في الخفاء، فاكتفى الأدميرال بابتسامة مستخفة بالغة الدلالة، كأنما هو يقول: ومن هو ريغان هذا !

الديكتاتورية الفاشية خطر جدّي

هاهي الولايات المتحدة اليوم، بعد عشرين عاماً من فضيحة إيران – كونترا وما تكشف عنها من أسرار خطيرة تتعلق بإدارتها الفعلية، تقاد علناً بالطريقة التي حاول بويندكستر أن يقودها بها سراً! والحال أن جورج بوش الابن وصل إلى البيت الأبيض في ظروف مريبة غير مقنعة، غير ديمقراطية، بل بشبه انقلاب على الديمقراطية، مدعوماً من قوى مالية وتجارية وصناعية تهمها مصالحها قبل مصالح الشعب الأميركي والولايات المتحدة، ولعل هذه القوى هي ذاتها التي كانت تقف وراء عصبة الأدميرال بويندكستر، أي أن الأدميرال عاد اليوم إلى موقعه في قمة الإدارة الأميركية، إنما من خلال رئيس الدولة بالذات، علناً وليس سراً!

إن جميع الأسباب التي استدعت إحالة عصبة فضيحة إيران – كونترا متوفرة اليوم لاستدعاء خليفته، غير أن خليفته يتصرف الآن باعتباره مدنياً، ورئيساً منتخباً ديمقراطياً، الأمر الذي لم يترك للمؤسسات التشريعية والإعلامية الأميركية مجالاً للحديث عن خطر الاستبداد المتمثل بالحكومة الحالية إلا بجمل مقتضبة ومحسوبة لا تتعدى حدوداً معينة، ومع ذلك فإن هذه الجمل الحذرة تشي بالخطر الذي بات الأميركيون عموماً يتوجسون منه، ألا وهو خطر الوقوع في قبضة الديكتاتورية الفاشية! وجدير بالذكر هنا أن الصهيوني ريتشارد بيرل، الشخصية الأميركية الرئيسية في الإدارة الأميركية الحالية، وعميل الشركات المتعدّدة الأنواع، كان واحداً من شخصيات فضيحة إيران – كونترا في الثمانينات!

الرئيس وأعوانه مجرّد واجهات

في آخر ما كتبه زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، يقول: إنه لمن المثير للإنتباه أن القوة الأميركية بلغت ذروتها التاريخية على امتداد العالم، في حين أن الوضع السياسي الدولي الأميركي بلغ الحضيض! ثم يتحدث بريجنسكي عن النظرة الإستعلائية الأميركية إلى العالم، ويقول أنه سجّل بنفسه 99 مرّة ردّد فيها الرئيس بوش جملة "من ليس معنا فهو ضدّنا" منذ 11 أيلول/سبتمبر! غير أن بريجنسكي، في انتقاداته ونصائحه، يتجنب تماماً ذكر الحقائق والأخطار العظمى التي تعرض الولايات المتحدة لخطر الوقوع في قبضة الفاشية، إن لم تكن وقعت وانتهى الأمر، ويمضي يتحدث عن أخطاء الرئيس وأعوانه، الذين ليسوا في الواقع سوى مجرّد واجهات تتخفى وراءها وتحرّكها الشركات الأميركية والمتعدّدة الجنسيات!

لقد كانت نانسي بيلوسي، زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب، أكثر شجاعة أو أقل حذراً من رفيقها الديمقراطي العجوز بريجنسكي، فقد دانت التكاليف الباهظة، المالية والبشرية، للحرب ضدّ العراق، وأعلنت أن إدارة بوش فشلت في مكافحة الإرهاب، وأشعلت نيران حرب لا سابق لها في التاريخ الأميركي، مضيفة أن على الولايات المتحدة إظهار عظمتها وليس قوتها فقط، وأن تكون منارة للعالم وليس صاروخاً فقط! غير أن كلام النائبة الديمقراطية لا يعكس واقع الولايات المتحدة ولا حقيقتها، فهذه الدولة نهضت على حروب مشابهة، وتاريخها ليس سوى تاريخ حروب من هذا الطراز، كانت محلية، ثم صارت قارية، وهي الآن عالمية!

مغزى تجاهل الرئيس لفلسطين

إننا نستمع إلى خطابات الرئيس الأميركي فنجدها تفتقر إلى أيّ قدر من المنطق والمعنى والمصداقية، إنه يردّد جملاً تتضمن أي كلام،بينما الأحداث الفعلية على أرض الواقع في مختلف أنحاء العالم، وخاصة في العراق وفلسطين، تعطينا ما هو مفهوم تماماً، فليس ثمة من لا يزال يجهل أن فلسطين والعراق وأفغانستان هي اليوم الخطوط الأمامية المشتعلة لحرب عالمية شاملة، ومع ذلك فإن الرئيس الأميركي، في خطابه عن حال الاتحاد (20/1/2004) أغفل تماماً ذكر فلسطين التي هي الخط الحربي العالمي الأول!

لقد قالت النائبة نانسي أن الولايات المتحدة إمبريالية جديدة! والحقيقة هي أنها إمبريالية قديمة، منذ قرن بالضبط، منذ عام 1887، أما اليوم فهي مركز العولمة، والعولمة ليست الإمبريالية، بل أعلى وآخر مراحلها، أي نهاياتها، ولعل هذا ما يفسّر لنا عدم تطابق بل تقارب خطابات الرئيس الأميركي  مع ما يجري على أرض الواقع، إذ كيف يفسّر الرئيس هذا التمادي الإسرائيلي في العمليات الإبادية ضدّ الشعب الفلسطيني الباسل، وهو الذي يريد لهذه العمليات أن تمضي إلى نهاياتها وتحقق غاياتها السياسية التي لن تتحقق إلا بانصياع الشعب الفلسطيني، أي بزواله حياً أو ميتاً ؟! لقد ذكرت الأنباء أن صحفياً أميركياً يدعى جاك كيلي، يعمل في مجلة "USA TODAY" طرد من عمله مؤخراً لأنه نشر مقابلة مع مستوطن صهيوني قتل سائق تكسي فلسطيني، وأن المستوطن قال له: واجبنا كيهود هو قتل جميع المسلمين القذرين !‍ وليس من شك في أن الرئيس الأميركي على علم بذلك ‍!

مليون مشنقة لمليون أميركي!

في بدايات الحرب العالمية الثانية، قبل أن تدخل  واشنطن الحرب، دار حوار بين وزيري خارجية كل من ألمانيا والولايات المتحدة، فقال الوزير الألماني أن لبلاده مليون أميركي من أصل ألماني يتعاطفون معها! أجاب الوزير الأميركي: ونحن لدينا مليون عمود كهرباء نشنقهم عليها! لقد كانت الولايات المتحدة تحظى حينئذ بولاء الحلفاء وبإعجاب الكثيرين في العالم لموقفها من الفاشية الألمانية، لكنها اليوم لا تحظى بذلك، فهي تقف وحيدة في مواجهة العالم كمشروع قوة فاشية جديدة تخشاه جميع الشعوب بما فيها الشعب الأميركي، وإنه لمن شبه المؤكد أن الشعب الأميركي، لأسباب كثيرة، سوف يساهم في خروج العالم من المأزق الخطير الراهن، وهذا ما سنعرضه لاحقاً.

Hosted by www.Geocities.ws

1