كيف تكون نهاية التاريخ بداية للحياة؟!

بقلم: نصر شمالي

شهدت الفترة الأخيرة اشتداداً في ضراوة حملة التعبئة الأميركية ضد لبنان وسورية وإيران، وهي الحملة التي لم تبدأ بالمستجدات السلبية على صعيد العلاقات السورية اللبنانية، بل قبلها بأشهر، في كانون الثاني/يناير وفي شباط/فبراير عام 2005 ، وعبر خطابات الرئيس الأميركي التي حدد فيها اتجاهات سياساته خلال الأعوام الأربعة التالية.

إن خطابات الرئيس بوش تلك، الموجهة رسمياً الى شعبه حول وضع الاتحاد، كانت تحمل في الوقت نفسه رسائله الإمبراطورية الى دول العالم، حيث تضمنت تصميمه على تحرير الشعوب، وعلى ضرب الدول التي يريد ضربها بسبب أو من دون سبب وفي الوقت الذي يحدده، وذلك باسم الدفاع عن الحرية ونشر الديمقراطية!

ثلاثة اتجاهات إمبراطورية!

لقد توجهت رسائل التحرير تلك بالدرجة الأولى الى الدول العربية والإسلامية، ففي عمقها حملت خطابات الرئيس الأميركي، في الشهرين الأول والثاني من عام 2005، ثلاثة اتجاهات رئيسة للسياسة الدولية الأميركية: الأولى تخص فلسطين، والثانية تتعلق بمشروع الشرق الأوسط الكبير، والثالثة تحدد الأهداف الأميركية التي تلي احتلال أفغانستان والعراق!

على صعيد فلسطين، عبّر بوش عن رغبته في التخفيف من حدّة الصراع العربي/الإسرائيلي، وعن توجهه لدعم السلطة الفلسطينية بالمال لتمكينها من ضبط المقاومة المسلحة والسيطرة على الوضع الفلسطيني، أما الدافع الى ذلك فهو حالة القوات الأميركية المنتشرة في العراق وغيره، والتي لا تحتمل ترك الإسرائيليين يفعلون ما يشاؤون، بل تستدعي فرض قدر من الهدوء، وإرغام الإسرائيليين على إظهار حد أدنى من الليونة، كي تتمكن واشنطن من توظيف خدمات أصدقائها الإقليميين اللذين يحرجهم ويكبلهم الوضع في فلسطين!

وعلى صعيد مشروع الشرق الأوسط الكبير، شرح بوش كيف أن واشنطن ستفرض قوانينها سواء طوعاً أم كرهاً، بالقوة العسكرية أو بأية وسيلة أخرى، بحيث تتحول هذه المنطقة الى إقطاعية شاسعة تابعة للأميركيين!

أما على صعيد الأهداف التالية لاحتلال أفغانستان والعراق فقد حددها بوش بأسمائها: سورية، لبنان،وإيران! فإذا كانت دول الشرق الأوسط الأخرى قابلة للخضوع بسياسة القوة الأميركية اللينة فإن إخضاع هذه البلدان الثلاثة يقتضي اللجوء الى سياسة القوة الأميركية القاسية لإرغامها على الاندماج في مشروع الشرق الأوسط الكبير!

لقد ذكر الرئيس بوش يومئذ، وإن بدا متردداً ، أن الكونغرس أعطاه التفويض بمهاجمة سورية! ويعود تردده ذاك الى تقرير الأولوية: سورية، أم إيران أولاً؟ علماً أنه أشار في خطابه الى أن إيران تشكل خطراً أكبر بسبب برنامجها النووي، ونحن نعرف الآن أن الأميركيين وفّروا لأنفسهم، منذ خريف عام 2005 وبعد إعلان بوش عن نوايا حكومته، جميع الذرائع الكافية للعدوان على سورية ولبنان وإيران!

قلب المعاني والاغتيال العلني!

إن الأميركيين، اللذين تنهض سياساتهم على مجرد الذرائع الكاذبة، يفتقرون اليوم الى الثقة الكافية في نجاح مؤامراتهم وحروبهم، فتجدهم على الرغم من امتلاكهم لأجهزة الدعاية العملاقة المهيمنة وقد أصابهم الذعر نتيجة تسرب بعض المعلومات الصحيحة من ميادين التآمر والحروب عندما تكون مثل هذه المعلومات في غير صالحهم، وإذا بهم لا يتورعون عن خطف واغتيال الصحفيين كما حدث ويحدث في أفغانستان والعراق، ولا يترددون في الإقدام على القتل علناً، كما حدث للمواطنة الأميركية راشيل كوري، التي جاءت الى فلسطين المحتلة لمعاينة الحقيقة ومناصرتها، فسحقتها الجرافة الإسرائيلية عمداً!

لكن الفشل واهتزاز الثقة بالنفس لا يردع الأميركيين، بل يدفعهم الى التمادي المجنون في محاولاتهم لإشاعة الجهل على أوسع نطاق، بإفراغ القضايا الإنسانية من مضمونها الحقيقي وجعلها جوفاء، وباتباع أسلوب قلب المعاني بحيث يجعلون المظلوم ظالماً والعكس بالعكس، فالشعب الفلسطيني هو الذي يعتدي على الإسرائيليين ويحاول سلبهم أراضيهم! ومعاناة العراقيين والأفغانيين، أو السوريين واللبنانيين، محض ذاتية تعود الى ارتكاباتهم الخاصة، والى تخلفهم وقصورهم الأصلي، الأمر الذي يستدعي قدوم الأميركيين لإنقاذهم، كوسطاء خير ورسل سلام ودعاة حرية وديمقراطية ليس إلا!

قوة الجماهير وقوة الكهرباء!

بالطبع، لا تنهض السياسة الأميركية من دون أساس فلسفي، فهم ينطلقون من أنه ليس أسهل من التحكم بشعوب جاهلة ضالة، ومن ثم قيادتها حتى الى هلاكها! ولكنهم بدلاً من إشاعة المعرفة لتجنيبها الهلاك يحاولون تعميم الجهل والضلال!

لقد دعا فريدريك آنجلس الى تعميم المعرفة تجنباً للهلاك، فشبّه قوة الجماهير الجاهلة بقوة الكهرباء المنفلتة في الفضاء، فكلتيهما تضرب خبط عشواء وتشكل خطراً على الحياة، وشبّه الجماهير الواعية بالقوة الكهربائية المنظمة المؤنسنة التي تساهم في ازدهار الحياة، وهذا الازدهار هو ما سعى إليه آنجلس وأمثاله، أما الطغاة من أمثال بوش فيسعون لتحقيق العكس بعد أن يقلبوا معاني الأمثال ويفرغون الحكمة من معانيها الحقيقية، فالإنسان قوة عاقلة مبصرة لا يمكن تصنيفها ضمن قوى الطبيعة العمياء غير العاقلة، والمثال الذي أعطاه آنجلس لا يعمل به حرفياً، بل تؤخذ الحكمة منه لصالح الخير الإنساني، وليس لصالح الشر كما يفعل الأميركيون والصهاينة اللذين يتعاملون مع الإنسان باعتباره كائناً أدنى، ويدفعونه الى الحضيض كي يكون أدنى، ولتبرير أفعالهم الفظيعة في خدمة مصالحهم الأنانية غير الشرعية!

أخيراً ونحن نعيش اليوم ما تتعرض له بلادنا، في فلسطين والعراق وسورية ولبنان والسودان، وأفغانستان وإيران، نستطيع أن نفهم دوافع الأميركيين والإسرائيليين في إشاعة الجهل والضلال، لكننا لا نستطيع فهم دوافع فئات من أمتنا تجاريهم وتخدمهم، وتروج لخطاباتهم القاتلة، فتسحب عدمية الخطابات على الماضي والحاضر والمستقبل، وتصوّر جميع ما سبق مرحلة الدمقرطة والعولمة من وقائع تاريخية، إقليمية ودولية، على أنها أخطاء كلها بل شر كلها، فتتحدث عن تاريخ عام مسطح قاحل ورمادي اللون، بلا تمايزات ولا تضاريس ولا تخوم، وتبشّر بأن الحياة الإنسانية تبدأ اليوم مع الأميركيين الصهاينة، أي مع نهاية التاريخ كما يزعمون!

www.snurl.com/375h    

 

Hosted by www.Geocities.ws

1