الاستراتيجية الأميركية /الإسرائيلية المطبقة منذ عام 2000!

الاستراتيجية الجديدة تعتمد الضربات الوقائية، والحرب الاستباقية،

وفرض الإذعان بالقوة على الفلسطينيين والعرب، وتتخطى مبدأ الأرض مقابل السلام!

بقلم: نصر شمالي

كانت لجان الدراسات والخطط الاستراتيجية قد قطعت شوطاً طويلاً، عام 1996، على طريق التحضير لعهد الرئيس جورج بوش الابن، حيث ستشهد السياسة الأميركية، الداخلية والخارجية، تغييرات جذرية تتناسب مع المستجدات الدولية التي تقتضي مركزية صارمة تبلغ مستوى الديكتاتورية الأممية، وفي جملة تلك اللجان كانت مجموعة ريتشارد بيرل، التي خصت الكيان الصهيوني والعلاقات الأميركية الإسرائيلية بدراسة خاصة حملت عنوان:" استراتيجية إسرائيلية جديدة نحو العام 2000"! ويجدر القول منذ البداية أن جميع تلك الدراسات والخطط تمحورت حول عملية رئيسية مركزية هي عملية احتلال العراق التي اعتبرت – بالنص – هدفاً إسرائيلياً استراتيجياً، مهماً ومحقاً!

تقول دراسة مجموعة ريتشارد بيرل أن الحكومة الإسرائيلية، خلال النصف الأول من التسعينات، دعت واشنطن للتدخل الفاعل في سياستها الداخلية والخارجية لسببين: الأول، لدعمها في تخطي المعارضة الداخلية لتنازلات "الأرض مقابل السلام" حيث الجمهور الإسرائيلي لم يستطع هضم هذه التنازلات! والثاني، لإقناع العرب بالتفاوض، بعد إغوائهم بغفران خطاياهم ومدّ بعضهم بالمال والبعض الآخر بالسلاح! تقول الدراسة أن تلك الاستراتيجية الإسرائيلية تطلبت تمويلاً أميركياً لأنظمة عربية قمعية وعدوانية، وأنها كانت محفوفة بالمخاطر وباهظة التكاليف للأميركيين أم للإسرائيليين على حدّ سواء، وأن ذلك كان يعني دعوة الحكومة الأميركية للقيام بأدوار لا تريدها ويجب أن لا تضطلع بها! فما هي الأدوار التي تريدها الإدارة الأميركية الجديدة، وتطلب من الإسرائيليين أن يعملوا على أساسها؟

تقول الدراسة: يستطيع الإسرائيليون إحداث تغيير جذري بالنسبة إلى الماضي، وإعداد رؤية جديدة للشراكة الأميركية الإسرائيلية قوامها الاعتماد على الذات، والنضج، والتبادلية، بحيث لا ترتكز العلاقات على النزاعات الميدانية الضيقة، بل على استراتيجية تنبثق من فلسفة متبادلة (أميركية/ إسرائيلية) أساسها تحقيق السلام عبر القوة!

لقد كان الأميركيون يتحدثون مسبقاً عن مرحلة ما بعد الاحتلال السهل للعراق، وما بعد الاستيلاء السهل عليه بكل ما يحتويه(كما قدروا وتوقعوا خطأ!) ولذلك تطلعوا مسبقاً إلى تغيير جذري في السياسة الإسرائيلية يعكس أكثر من ذي قبل كون الكيان الصهيوني استطالة أوروبية أميركية، عبر التأكيد على ذاته، وعدم حاجته للقوات الأميركية من أجل حماية وجوده، بما في ذلك وجوده في مرتفعات الجولان السورية!

لقد اقترحت الدراسة على الإسرائيليين تحرير اقتصادهم، وخفض الضرائب، وإعادة تشريع منطقة عمل حرة، وبيع الأراضي العامة والشركات، كخطوات من شأنها استجرار الدعم الذي سوف يجدونه عند مجموعة واسعة من القادة الأميركيين المؤيدين للإسرائيليين في الكونغرس! وطلبت الدراسة من نتانياهو، رئيس الوزراء الأسبق، صياغة سياسات تؤكد على المواضيع بلغة مألوفة للأميركيين، وأن أفضل وقت لاختيار بعض المقترحات الإسرائيلية، التي تتطلب ردوداً أميركية إيجابية، هو ما قبل تشرين الثاني/نوفمبر 1996!

تقول دراسة لجنة بيرل، الداعية إلى التغيير الجذري في الاستراتيجية الإسرائيلية، أن الاستراتيجية السابقة تقود "الشرق الأوسط" إلى حرب عربية/ إسرائيلية أخرى، أما الاستراتيجية الجديدة فيجب أن تتضمن جدول أعمال جديد ينص على التخلي عن تلك السياسات التي أدت إلى استنزاف الإسرائيليين، وسمحت بتراجعهم الاستراتيجي، وذلك بالاعتماد على مبدأ "الضربات الوقائية" كبديل لأسلوب الرد وحده، والتوقف عن تلقي الضربات من دون الردّ عليها! والمقصود هنا هو المقاومة الفلسطينية واللبنانية بالطبع، أما عن "الضربات الوقائية" و "الحرب الاستباقية" فهي السياسة التي سوف تعتمدها إدارة بوش منذ عام 2000!

يستطيع جدول أعمال إسرائيلي استراتيجي جديد – كما تقول الدراسة الأميركية- رسم المحيط الإقليمي في المنطقة العربية بطرق تسمح للإسرائيليين بإعادة تركيز طاقاتهم حيث يحتاجونها أكثر، وهم يحتاجونها أكثر من أجل: تجديد فكرتهم القومية! إن إيقاف تآكل المشروع الصهيوني، وتجديد الفكرة القومية الصهيونية، لا يتحقق سوى باستبدال الأسس "الاشتراكية" الإسرائيلية بأسس أكثر ثباتاً، وبتخطي الاستنزاف الذي يهدد بقاء "الأمة الإسرائيلية"! وإنه لمن الواضح أن الأميركيين يطلبون من الإسرائيليين تكييف سياستهم الداخلية والخارجية بما يتفق مع التغييرات الجذرية التي ستعتمدها إدارة بوش العنصرية اليمينية المتطرفة، ذات النزعة الديكتاتورية الإمبراطورية، من أجل القيام بدورهم في إعادة هيكلة الشرق الأوسط الأكبر، أي أمركته وصهينته!

لقد رأت لجنة بيرل أن الإسرائيليين يستطيعون القيام بما هو أكثر من إدارة النزاع العربي /الإسرائيلي، حيث أية كمية من الأسلحة وأي عدد من الانتصارات الحربية لن يحقق لهم "السلام" الذي يسعون إليه، ولكن عندما تمتلك "إسرائيل" أسساً إقتصادية متينة فإنها سوف تصبح حرة، وقوية، ومتعافية داخلياً، فدورها في الاستراتيجية الأميركية الجديدة، بعد "امتلاك" الأميركيين للعراق، لا يجوز أن يقتصر ببساطة على إدارة النزاع العربي/ الإسرائيلي (مهمتها الاستراتيجية منذ تأسست) بل ينبغي أن يتجاوزها!

إلى أين يجب أن يتجاوز الإسرائيليون دورهم المعتاد في إنهاك العرب عبر الصراع المفتوح؟ لقد جاءت لجنة بيرل بالجواب على لسان أحد قادة المعارضة العراقية، قبل عام 1996، الذي قال: "ينبغي على "إسرائيل" تجديد قيادتها الأخلاقية والفكرية وإعادة إحيائها. إن هذا التجديد عنصر مهم، إن لم يكن الأهم في تاريخ الشرق الأوسط. إن "إسرائيل" الفخورة، الغنية، المتينة والقوية، سوف تكون الأساس لشرق أوسط جديد حقيقي يسوده السلام"! لقد دخل كلام هذا الخائن الأفاق في صلب نصّ الاستراتيجية الأميركية/ الإسرائيلية الجديدة، وقد دعت إدارة بوش الإسرائيليين، منذ عام 1996 وقبل أن تصل إلى الحكم، للعمل على نحو وثيق مع (بعض الدول العربية والإسلامية) من أجل احتواء أكثر التهديدات خطراً عليهم، ودعتهم إلى التخلي جذرياً عن شعار "السلام الشامل" والتحول إلى استراتيجية توازن القوى، وإلى التعامل مع الفلسطينيين بأسلوب "المطاردة الحامية" داخل الأراضي الفلسطينية كلها، ودعتهم إلى استبدال مبدأ "الأرض مقابل السلام" بمبدأ "السلام مقابل السلام"، أما عن المفاوضات فيجب أن تكون مجرد وسيلة لإضعاف العرب، وأما الهدف الحقيقي للإسرائيليين فهو "المثل العليا" الصهيونية التي تتحقق بفرض الإذعان على العرب والمسلمين، وقد خصت سورية ولبنان بغير قليل من اقتراحاتها وتوصياتها للإسرائيليين، فجاء في النص: إنه لمن الطبيعي والأخلاقي على حد سواء أن تتخلى "إسرائيل" عن شعار "السلام الشامل" وتنتقل إلى سياسة "احتواء" سورية، رافضة اتفاقات "الأرض مقابل السلام" في ما يتعلق بمرتفعات الجولان!

لقد أصبحت هذه الخطط الاستراتيجية، الموضوعة من أجل تحقيق تغيير جذري، جاهزة منذ عام 1996، ووضعت موضع التنفيذ في العام 2000، وخطت خطوتها التأسيسية الكبرى في العراق عام 2003، أما ما ترتب على هذه الخطط الشيطانية من كوارث، وما آلت إليه اليوم من فشل ذريع، فإنه يحتاج إلى عرض من نوع آخر!

www.snurl.com/375h

 

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1