التقاطع الأميركي الفرنسي وأحداث لبنان وسورية!

منذ العام 1996 تقرر اعتماد مبدأ السلام مقابل السلام، أي الإذعان بواسطة القوة،

لإخضاع الفلسطينيين والعرب والمسلمين عموماً إخضاعاً تاماً!

بقلم: نصر شمالي

في تقرير أميركي حديث نسبياً ورد ما يلي:" يمثل الشرق الأوسط الأكبر مصالح حيوية للأمن القومي في أوروبا والولايات المتحدة على حد سواء، حيث يزداد اعتماد الدول الصناعية على اقتصاد عالمي تغذيه صادرات الطاقة (النفط) الآتية من الشرق الأوسط!

لقد ورد هذا الكلام عبر الحديث عن المهمات الأميركية خلال العام 2004 في ما يسمونه بالشرق الأوسط الأكبر، وصفة "الأكبر" تأتي هنا بعد أن أضافوا إليه آسيا الوسطى نتيجة انهيار الاتحاد السوفييتي، فصار الشرق الأوسط الأكبر يشمل ما بين سمرقند وطشقند شرقاً ومراكش ونواكشوط غرباً، أي مجمل البلدان العربية والإسلامية.

كانت الولايات المتحدة في الربع الأول من العام 2003 تعتقد أنها تستطيع لوحدها التفرّد بالمهام الميدانية، العسكرية وغير العسكرية، في ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من العراق بعد احتلاله، وذلك كي تستأثر بالنصيب الأعظم من الغنائم وتحظى بالموقف الأقوى إزاء حلفائها الأوروبيين، غير أن المقاومة العراقية الباسلة أرغمتها على التراجع، وجعلتها تسعى لتكليف الحلف الأطلسي بمهمات موسّعة في "الشرق الأوسط الأكبر" ابتداء من عام 2004، وذلك بناء على الموضوعة الاستراتيجية التاريخية القائلة بأن "الشرق الأوسط مسؤولية غربية شاملة وليست أميركية فقط"! وفي هذا النطاق تمت الصفقة/ التسوية، الأميركية الفرنسية، بصدد لبنان وسورية، أي التنازل الأميركي إلى هذا الحد أو ذاك لصالح فرنسا في البلدين الشقيقين، مقابل مساهمة فرنسية في العراق خصوصاً وفي "الشرق الأوسط" عموماً تتفق مع الاستراتيجية الأميركية، وليس من شك في أن الرئيس الراحل رفيق الحريري كان ضحية هذا التقاطع الأميركي الفرنسي، حيث غيابه المأساوي عزّز مسبقاً حضور الأميركيين على حساب حضور الفرنسيين، وإن ما تواجهه سورية هو بدوره نتيجة لهذا التقاطع!

* * *

إن التاريخ الحديث لمنطقتنا العربية والإسلامية، على مدى القرن الماضي، هو تاريخ النفط وتاريخ الاحتكارات النفطية بالضبط، وقد جاء في مجلة "وورد ريبورت" في 31/12/1946 وصفاً للمصالح النفطية الأميركية في منطقتنا خلص إلى القول: إن العالم العربي يتحول أكثر من أي زمن مضى إلى جبهة أميركية! وكتب كليفتون دانييل في مجلة "كولينزر" يقول: إن امتياز البترول الأميركي في المملكة السعودية يعتبر من جانب الاستراتيجيين الأميركيين أهم مشروع قائم بذاته خارج الولايات المتحدة! وجاء في صحيفة "وورلد ريبورت" في 17/6/1947 ما يلي: من الواضح أن الولايات المتحدة تذهب إلى الشرق الأوسط لتبقى! وفي موقف واشنطن وراء قرار اغتصاب فلسطين عام 1947 كان مؤيدو الاغتصاب الأميركيون يأملون: أن يؤدي إنشاء دولة يهودية إلى خلق قاعدة أميركية آمنة ومتطورة لضبط الشرق الأوسط! وفي عام 1951 قال الرئيس الأميركي دوايت آيزنهاور: ليس هناك، فيما يتعلق بالقيمة الخالصة للأرض، من الناحية الاستراتيجية، منطقة في العالم أكثر أهمية من الشرق الأوسط، فهذه المنطقة عظيمة الأهمية في ما يمكن أن تساهم به في مجهودنا بأكمله! وفي 25/6/1951 نشرت صحيفة نيويورك تايمز خبراً عن التحاق ثلاثين من ضباط الجيش الأميركي بالجامعة الأميركية في بيروت، لحضور دورة مركزة عن تاريخ الشرق الأدنى وعن الاتجاهات السياسية وأساليب الحياة السائدة فيه! وقالت الصحيفة أنه قد بوشر في تدريب مترجمين باللغة العربية في مدرسة اللغات التابعة للجيش الأميركي في مونتري بولاية كاليفورنيا.. الخ!

* * *

كان ذلك الذي أشرنا إلى جوانب منه مظهراً من مظاهر اللوحة الاستراتيجية العامة التي وضعتها الإدارة الأميركية منذ منتصف القرن العشرين لإحكام سيطرتها على مجمل المنطقة التي يطلقون عليها اليوم اسم "الشرق الأوسط الأكبر"، وعلى طريق تحقيق هذه الاستراتيجية كانت الولايات المتحدة تخوض معاركها طوال العقود الستة الماضية على ثلاثة مستويات: الأول هو الحرب المفتوحة في جميع الميادين ضدّ الأمة العربية والإسلامية، خاصة بواسطة القاعدة الإسرائيلية، كي لا تقوم للعرب والمسلمين قائمة أبداً، وكي يبقوا في حالة من الغياب أشبه بالزوال! والثاني هو الحرب المفتوحة بدورها ضدّ الاتحاد السوفييتي وكتلته، والتي انتهت بانهياره! والثالث هو الصراع داخل معسكرها لضبط حلفائها الغربيين بما يتفق مع مصالحها وسياساتها الخاصة!

وبما أن النفط، الموضوع الأول للحرب بمستوياتها الثلاثة، هو مادة لا تتجدّد وقابلة للنضوب في النهاية، فقد كان مقدّراًً لهذه الحرب أن تتصاعد مع انخفاض مخزون النفط العالمي، وتشير تقديرات وكالة الطاقة الأميركية إلى أن الاستهلاك العالمي سيرتفع من حوالي 81 مليون برميل في اليوم عام 2005 إلى حوالي 89 مليون برميل في اليوم عام 2010، وتدريجياً سوف يبلغ هذا الاستهلاك حوالي 118 مليون برميل يومياً عام 2025، بينما معّدل الزيادة السنوية في الإنتاج لا تتعدى حوالي 1%! ومن الواضح أن هذه الزيادة بعيدة جداً عن احتياجات العالم المتعاظمة، الأمر الذي يدفع بالأميركيين إلى السيطرة التامة المباشرة على منابع النفط ما بين المحيط الأطلسي وبحر قزوين، والذي أدى إلى احتلال العراق وأفغانستان كخطوة أولى على طريق تحقيق هذه السيطرة، والذي دفع أيضاً إلى الصفقة الأميركية الفرنسية بصدد محاولة إخضاع لبنان وسورية والسيطرة المباشرة عليهما!

* * *

في العام 1996 كان المطبخ السياسي الحربي للحزب الجمهوري الأميركي يعدّ العدّة لتغيير جذري في السياسة الأميركية إزاء البلدان العربية والإسلامية، بحيث يصبح قوام هذه السياسة هو الاحتلال المباشر إذا لم يتحقق الخضوع للسيطرة الأميركية المباشرة من دون الاحتلال، فقد قرر المجرمون، من أمثال بول وولفويتز وريتشارد بيرل، أن شعوبنا لا تستحق أكثر من مناطق مدارة بحكم ذاتي، بلا سيادة سياسية و لا ثقافة وطنية أو قومية ولا سيطرة على أراضيها وثرواتها، وإن هذا هو عين ما يحاولون فعله الآن، في المنطقة الشاسعة ما بين قزوين والأطلسي، وهو عين ما يحاولون فعله في لبنان وسورية بعد أفغانستان والعراق وفلسطين!

وفي ذلك العام (1996) أعدّ المجرمون الصهاينة، الذين أصبحوا في مابعد حكومة الولايات المتحدة، تقريراً دعا صراحة إلى التخلي عن مبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى اعتماد مبدأ السلام للسلام والسلام بواسطة القوة! وهذا المبدأ لم يستهدف الفلسطينيين فحسب بل استهدف السوريين واللبنانيين والعراقيين، وجميع العرب والمسلمين في جميع أقطارهم! وسواء ارتكبت حكومات هذه الأقطار أخطاء أو جرائم بحق بعضها وبحق شعوبها أم لم ترتكب فإن هذه مسألة لا علاقة لها بتاتاً بالاستراتيجية الأميركية المزمع تطبيقها في جميع الأحوال!

وتجدر الإشارة إلى أن واضعي الاستراتيجية إياها طالبوا الإسرائيليين بإجراء تغييرات جذرية في أوضاعهم بما يتفق مع هذه الاستراتيجية، وقد سلموا بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي حينئذ، الجزء من الاستراتيجية المتعلق بمهمات كيانه، وأطلعوه بالطبع على خطوطها الإجمالية، فكان مطلوباً من الإسرائيليين تحقيق أمرين اثنين بالدرجة الأولى: الأمر الأول هو إغلاق صفحة سياسات حزب العمل الإسرائيلي الداخلية (الاشتراكية!) بما يتفق مع السياسة الأميركية النزاعة إلى المزيد والمزيد من الاحتكار والتمركز، والأمر الثاني هو إدارة الظهر تماماً لمحادثات السلام، سواء مع الفلسطينيين أم مع إخوانهم العرب، وأنه إذا كان لابد من المفاوضات فيجب أن يكون مفهوماً أنها مجرّد وسيلة لإنهاك الخصوم العرب وتحقيق السيطرة عليهم وعلى بلدانهم لا أكثر ولا أقل!

لقد كان نصيب سورية كبيراً في ذلك التقرير الذي وضع عام 1996، حيث تقرر إسقاط شعار السلام الشامل، ورفض مبدأ الأرض مقابل السلام في ما يتعلق بالجولان، والعمل على "احتواء" سورية، أي إخضاعها والسيطرة عليها، ومن أجل تحقيق ذلك كان من الضروري الاستفادة من الأخطاء والارتكابات، سواء في لبنان أو في سورية، وتوظيفها لتسهيل تقويض البلدين كخطوة أخرى على طريق تقويض جميع البلدان العربية والإسلامية، وهكذا فليست الأخطاء والارتكابات هي الدافع، بل الصفقة الأميركية الفرنسية، التي أودت بحياة الرئيس الحريري وتحاول أن تودي بالقطرين الشقيقين اللذين يعيقان مشروع قيام "إسرائيل الكبرى" في المشرق العربي، وبالتالي يعيقان مشروع الشرق الأوسط الأكبر الأميركي.

www.snurl.com/375h          

 

Hosted by www.Geocities.ws

1