ماذا تحقق من خطاب وولفويتز قبل عام؟

بقلم: نصر شمالي

قبل حوالي عام، وقف بول وولفويتز أمام أعضاء الكونغرس معلقاً على توصيات لجنة التحقيق في أحداث أيلول/سبتمبر 2001، فوصف الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة بأنها حرب عالمية! قال وولفويتز: "إن حربنا ضد الإرهاب هي حرب عالمية لا تقتصر على منطقة بعينها، كما أنها ستكون حرباً طويلة الأمد، وتوصيات لجنة التحقيق تطالب بتجفيف منابع الإرهاب أينما وجدت، وهذه المهمة ستكون محور استراتيجيتنا"!

وإذا كان فهم مدلولات هذه الحرب العالمية التي تحدث عنها وولفويتز قد غاب عن أذهان البعض في البدايات، فإنها صارت اليوم مفهومة للجميع، حيث تهمة الإرهاب تشكل كل من يدافع عن حقوقه، أو يناضل من أجل استردادها، أياً كان مذهبه السياسي أو الديني، وأياً كانت قوميته أو قارته، وقد شرح كثير من المحللين الغربيين أن المهمة السياسية لهذه الحرب هي تمكين واشنطن من ضمان عدم ظهور أية قوة تحررية تنال من هيمنتها، وعدم بروز أية كتلة عظمى تنافسها، فالاستراتيجية الأميركية تركز على تسوية الأقاليم الدولية، بحيث تقطع الطريق على تكون أية قوة معادية أو منافسة، سواء في الصين أو في الهند وسواء في العراق أو في إيران، وبالمقابل تعمل على بناء قوى إقليمية تابعة لواشنطن، تتقيد باستراتيجيتها وتنفذ سياساتها بل وتلتزم آيديولوجيتها! وبناء على ما شرحه وولفويتز فإن انفراد الولايات المتحدة بالقوة الدولية العظمى المهيمنة هو أمر في صالح العالم والولايات المتحدة أيضاً، على حد زعمه!

تدمير التراث الروحي والفكري!

لقد شرح وولفويتز لأعضاء مجلس الشيوخ أن نهج الإدارات الأميركية في التعامل مع الإرهاب خلال العشرين عاماً الماضية كان ينطلق من أن الإرهاب شر يجب التعايش معه، والتعامل معه باعتقال الإرهابيين وتقديمهم للمحاكم ومعاقبتهم، أو بالرد الانتقامي ضد الدول التي ترعاهم، وأن هذا النهج لم يعد ملائماً قياساً بالأهداف الإرهابية اليوم، ونظراً لما يمتلكه الإرهابيون من وسائل تمكنهم من قتل ثلاثة آلاف أو ثلاثين ألفاً أو ثلاثمائة ألف!وأوضح وولفويتز الحاجة الى استراتيجية وقائية أو استباقية، أي الى أكثر من مجرد اعتقال أو قتل الإرهابيين، فقال: "إن النصر ضد الإرهاب يعني غرس بذور الأمل، خاصة في الشرق الأوسط"! فماذا قصد بغرس بذور الأمل في بلادنا؟ لقد قصد بالدرجة الأولى تدمير التراث الروحي والفكري، وتدمير الثقافة والأفكار الوطنية والقومية، بحيث لا يبقى أي ملاذ روحي أو فكري لمن يسميهم بالإرهابيين! وهاهي واشنطن تسعى اليوم جاهدة، بغض النظر عن تعثرها وارتباكها، لفرض "إسلام أميركي" ولفرض "يسار أميركي" ولفرض "حركات قومية أميركية"! ومن أجل تحقيق ذلك نراها تستخدم جميع الوسائل المتاحة، المعلنة وغير المعلنة، وتضغط على المؤسسات الإعلامية والفكرية والسياسية كي تجاريها في ما هي ذاهبة إليه، أو لمنعها من إتاحة المجال لظهور المعارضين للتوجهات الأميركية، وقد رأينا حملات ترويع الصحفيين بل قتلهم أثناء تأديتهم لواجبهم في ميادين الحرب العراقية، وذلك لردعهم عموماً أو لدفعهم للابتعاد وإيثار السلامة!

مجرد إرهابيين يعبدون الموت!

كان وولفويتز، الذي تحدث أمام الكونغرس بصفته نائباً لوزير الدفاع، يتظاهر بالثقة والاطمئنان، غير أن حديثه كان مليئاً بالتناقضات والثغرات، فقد راح يشرح أن هناك اتفاقاً على إزالة الإرهاب وإدانته، وأنه يجب تهميش الآيديولوجيات المتطرفة التي يعتنقها الإرهابيون ودفعها خارج إطار المجتمع المتمدن، وأن التهديد في الواقع هائل وغير مسبوق: "إن أعداءنا أناس يعبدون الموت أكثر من عبادتهم لأي شيء آخر"! أضاف وولفويتز أن هدف واشنطن النهائي هو تقليص الأماكن التي يجد الإرهابيون فيها ملاذاً آمناً الى أقصى حد ممكن، وأن ذلك سوف يستغرق زمناً وسيكون صعباً، وسوف يتطلب قرارات صعبة أيضاً خاصة فيما يتعلق بتوفير المواد والوسائل اللازمة! ثم أشار الى صعوبات أخرى فقال أن ذلك يتطلب الحفاظ على التوازن الدقيق بين العناصر المختلفة لقوتنا القومية، أي تحقيق التوازن بين استخدام الدبلوماسية وبين عمل أجهزة البوليس والمخابرات والقوات المسلحة، موضحاً أن الحفاظ على التوازن يتطلب الحفاظ على الحريات المدنية بينما نحن نقوم بتقليص قوة الإرهابيين وتقليص قدرتهم على العمل في بلادنا، ولذلك ستكون هذه الحرب طويلة، لكننا انطلقنا ببدايات مهمة في هذا الاتجاه! إن كلام وولتفويتز يشير الى حرب تاريخية يتوقف عليها مصير النظام العالمي بل مصير البشرية، فهل يعقل أن يكون أحد طرفيها هو مجرد ما يصفه الأميركيون بالإرهابيين الذين يعبدون الموت ويمارسونه كما لو أنه مجرد طقوس وثنية أو هواية رياضية ؟! بالطبع إن وولفويتز وأمثاله لا يشيرون ولو مجرد إشارة الى الأسباب الحقيقية لهذه الحرب العالمية، ولا يعلنون صراحة أطرافها الحقيقية، الأمر الذي يعني تقديمهم لأنفسهم بصفتهم مجرد الوجه الآخر الأساسي لما يسمونه بالإرهاب!

قطع الشجرة لاصطياد الطائر!

لقد نقل وولفويتز عن جورج شولتز وزير الخارجية الأميركي الأسبق قوله بعد أحداث أيلول/سبتمبر أنه لا يمكن أن يكون للإرهابيين أي وجود بأية طريقة ما لم تتوافر لهم أمكنة للتدريب والتخطيط وجمع المعدات، أماكن تشكل ملاذات يقومون فيها بكل الأعمال التي تمكنهم من شن الهجمات المنسقة والمتواصلة! قال وولفويتز أن كلام شولتز هو الخلاصة التي اعتمدتها لجنة التحقيق! فهل يعني كلامه أن جميع دول العالم أصبحت عرضة للتدمير الشامل تحت حجة مكافحة الإرهاب، وفي حال ظهور أية معارضة لسياسات الولايات المتحدة الظالمة؟ نعم، إن كلامه يعني ذلك بالضبط، وهو يذكرنا بحكاية قطع الشجرة من أجل اصطياد الطائر! وبالفعل، فقد تحدث وولفويتز عن أفغانستان التي كانت توفر ملاذاً للإرهابيين متجاهلاً دور الولايات المتحدة في الحرب الأفغانية السوفييتية الطويلة! لكنه ذكر العراق أيضاً كمثال، مع أنه لم يثبت أبداً أن العراق كان ملاذاً لمن يصفهم بالإرهابيين! وقد خلص الى القول مخاطباً أعضاء مجلس الشيوخ: "يجب أن نفهم جميعاً أن التحديات التي نواجهها في أفغانستان مازالت هائلة"! ثم راح يتحدث عن حربه العالمية التي تشارك فيها الى جانبه كثير من حكومات العالم، وكيف أن لدى وزارة الدفاع الأميركية قوات تشارك بصورة نشطة في معارك الفليبين، وجورجيا، والبوسنة، واليمن، والصومال ومجمل القرن الأفريقي، وفي غرب أفريقيا وفي أميركا الجنوبية، وفي أماكن أخرى من العالم! إنه حديث غريب حقاً يلخص قضايا البشرية الملحّة والمصيرية بقصة الحرب ضد الإرهاب، ويصر على أن لا توصف أية مقاومة وأي جهد إنساني للخلاص خارج مصطلح الحرب ضد الإرهاب العبثي الذي لا يتميز سوى باعتناق عقيدة الموت!

الحلم بتشكيل قوات تابعة!

في خطابه هذا أوضح وولفويتز أن الإرهابيين يرون العالم بلا حدود ولا قيود، وبالمقابل فإن الاستراتيجية الجغرافية العالمية يجب أن تكون من وجهة نظر واشنطن بلا حدود ولا قيود! وهو طمأن أعضاء مجلس الشيوخ الى أن الجيش الأميركي يمتلك قدرات حقيقية تمكنه من مواجهة الإرهابيين كلما كان استخدام القوة العسكرية ملائماً، لكنه لفت نظرهم الى أن دور القوة العسكرية الأهم هو خلق وبناء البيئة التي يمكن أن تنجح فيها الدبلوماسية! ومن دون إخفاء ما يقصده قال: "بعيداً عن الاستخدام المباشر لقواتنا المسلحة، فإن لدى هذه القوات إمكانيات ضخمة لإقامة وتعزيز قوات محلية، أو ميليشيات صديقة، تقوم بمهمة محاربة الإرهابيين"!

إنه لمن الواضح اليوم، بعد عام على إلقاء هذا الخطاب على الكونغرس الأميركي، أن الإدارة الأميركية لم تحرز أي تقدم حاسم في حربها العالمية ضد ما تصفه بالإرهاب، وأن محاولاتها لتشكيل قوات محلية وميليشيات وحكومات تابعة تتعثر تعثراً شديداً، الأمر الذي ينعكس ارتباكاً واضحاً في مواقفها السياسية الدولية، ولعل ما سيحدث وما بدأت معالمه تتضح في أكثر من جبهة، خاصة في العراق، هون انكشاف الحرب بدوافعها وأهدافها الحقيقية، واسترداد حركات التحرر لاعتبارها ومكانتها، وهو ما تحاول الدعاية الأميركية طمسه تحت عنوان الإرهاب، وبالتالي فإن هذه الحرب يمكن أن تتخذ مساراً واضحاً يظهر الحقيقة، وهي أن شعوب العالم هي من يواجه الإرهاب الأميركي وليس العكس!  

Hosted by www.Geocities.ws

1