ما هو دور التحشدات الأميركية في جبل طارق؟

التحشدات العسكرية الأميركية في أقصى المغرب العربي متكاملة

مع التحشدات في أقصى المشرق العربي ومع احتلال أفغانستان والعراق!

بقلم: نصر شمالي

بالإضافة إلى الاستراتيجية العسكرية تعتمد الإدارة الأميركية في سياستها لإخضاع الأمم على استراتيجية الحرب الذهنية، أو العقلية، وهي حرب مفتوحة ومتقدمة على الحرب النفسية، أدواتها أجهزة الدعاية، وتشن طوال الوقت ضدّ الحلفاء والأعداء بل وضدّ الشعب الأميركي بالذات، وهذه الاستراتيجية بلغت ذروتها اليوم، خاصة في فلسطين والعراق، حيث يجري إشغال الرأي العام المحلي والعربي والإسلامي والعالمي بالجزئيات و الثانويات وبالترتيبات الملفقة، ففي العراق تضاءل  ظاهرياً وإعلامياً حجم المعركة الهائلة  ليقتصر على ما يسمى وياللعجب بالأقلية في المثلث العربي السنّي! وفي فلسطين يحاولون قصره على الصراع مع حركة حماس وحدها فقط! وبالطبع فإن الهدف من وراء ذلك هو الحيلولة دون نهوض الأمة المستهدفة بكاملها، بل الحيلولة دون نهوض الشعب العراقي أو الفلسطيني بكامله، وهو نهوض ضروري تستدعيه وقائع عظمى لا تخفى إلا على فاقد البصر والبصيرة!

لقد أعلن المستشار الألماني شرودر قبل أيام أن أوروبا عموماً تتعرض لحصار أنكلوسكسوني يتوجب عليها مواجهته، وأن بلاده تدفع ثمن عدم اشتراكها في احتلال العراق لصالح الأميركيين والبريطانيين، فأي حصار يتحدث عنه المستشار الألماني الذي جعلوه يخسر الجولة الانتخابية النيابية الأخيرة؟

لفهم الخطاب الصريح للمستشار الألماني، الذي ألقاه أمام جموع من العمال، وتحدّث فيه مباشرة عن الخطر الأميركي البريطاني المحدق بأوروبا، لابد من العودة إلى عشية احتلال العراق، حيث كانت القوات الضخمة الأميركية والبريطانية تتدفق نحو المشرق العربي بأعداد وكميات تفوق بما لا يقاس الهدف المعلن المحدّد الذي هو تدمير العراق، وقد عبرت الثغور البحرية للمنطقة العربية ( مضيق جبل طارق وقناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز) بكل أمان واطمئنان كأنما هي مجرّد قوافل تجارية أو سياحية، مستعرضة عضلاتها علناً وعن قصد، إنما ضدّ العراق تحديداً، لكنها كانت تتدفق وتتمركز في بلدان ومواقع على الطريق من دون ضجة وبشبه سرية، ومن هذه المواقع جبل طارق!

لقد تحدثت بعض الصحف الأميركية في حينه (واشنطن بوست) أن الولايات المتحدة تزيد حجم قواتها في جبل طارق، وأنها أرسلت إحدى عشرة سفينة حربية، وفرقاطة مطوّرة، وخمس مدمّرات، وعدد من الغواصات، لتضاف إلى البارجة ترومان التي تحمل 85 طائرة مقاتلة، وحوامتين حربيتين، وأكثر من خمسة آلاف جندي، غير أن أحداً لم يأبه لتلك الأخبار، ولم يربط بين النشاط الحربي في جبل طارق وبين مثيله في الخليج العربي، ولا بين احتلال كابول واحتلال بغداد، فتحت ضغط الحرب الذهنية، أو العقلية، التي ركّزت على العراق فقط، غاب مغزى الحجم الهائل للقوات المعتدية الذي يتناسب مع حجم "الشرق الأوسط الكبير أو الجديد" الواقع ما بين طنجة ونواكشوط في أقصى الغرب وسمرقند وطشقند في أقصى الشرق! وهل يخفى على عاقل أن اجتياح هذه المنطقة الشاسعة وإخضاعها يعني إحكام الحصار ضد أوروبا وإخضاعها؟

إن منطقة جبل طارق والسواحل المغاربية الأطلسية هي الموطئ المناسب للإنزال العسكري الأنكلوأميركي، وهي بوابة الانطلاق إلى أقاصي الأوطان العربية والإسلامية التي ينبغي إخضاعها جميعها، كذلك هي في الوقت نفسه بداية الحاجز الطويل الذي يحول دون علاقات حرة (أو غير حرة) بين أوروبا وبلدان أفريقيا وآسيا، وبينما أخذت الإدارة الأميركية ذلك بعين الاعتبار في جهدها العسكري الحربي المتكامل، فإن الطرف المقابل، وتحديداً العرب والمسلمين على الصعيد الرسمي، لم يأخذوه بعين الاعتبار، ولم يأبهوا للصلة الحميمة بين تحركات القوات الأنكلوأميركية في جميع المناطق، التي تقتضي بداهة مقاومة متوازية في جميع المناطق، اللهم إلا إذا كانوا قابلين بالاجتياح الأنكلوأميركي! وبالطبع فإن أي جهد مقاوم يقتصر على موقع حدّدته الدعاية الأنكلوأميركية سوف يكون جهداً معزولاً داخل قفص مغلق وإن إلى حين.

لقد برّرت واشنطن تحشداتها الضخمة في جبل طارق بالقلق من عمليات إرهابية تتوجب الحيلولة مسبقاً دون وقوعها، علماً أن صفة الإرهاب ليست مصطلحاً جديداً، فقد أطلقت على عبد القادر الجزائري وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار وأمثالهم في المغرب مثلما أطلقت على عبد القادر الحسيني وصالح العلي وإبراهيم هنانو وأمثالهم في المشرق، فكل مقاومة للاحتلال عبر التاريخ وصمت بالإرهاب أو بما يشبه ذلك، وعوملت كما تعامل كل مقاومة في الوقت الحاضر، وهكذا قطع الطريق على أية مقاومة في منطقة جبل طارق والسواحل المغاربية الأطلسية بحجة أن القوات الأنكلوأميركية مهتمة فقط بالتصدي المسبق للخلايا الإرهابية النائمة، وقد قيل أن هذه الخلايا تعدّ العدّة لتحويل المملكة المغربية إلى قاعدة تنطلق منها العمليات الإرهابية ضدّ قوات حلف شمال الأطلسي، فهل هذا معقول، وهل يحتاج مثل هذا الأمر إلى أكثر من دعم للجهد الأمني الإسباني والمغربي، حيث المملكتين لا تمانعان أبداً في التنسيق والتعاون؟

لقد استبعدت كل صلة بين التحشدات الضخمة في جبل طارق وبين العمليات الحربية المزمعة في العراق، وكل صلة بينها وبين مشروع إخضاع ما يسمونه بالشرق الأوسط الكبير، ووافق الحكام ومعهم أوساط من المثقفين على أن هدفها هو استئصال الخلايا الإرهابية النائمة فقط، وليس الإسهام في حرب عالمية حقيقية، ميدانها الواسع هو الأقطار العربية والإسلامية وجبهتها الأمامية هي العراق مضافاً إلى فلسطين، وهاهم الأميركيون اليوم يتوغلون بعيداً وعميقاً في الأقطار المغاربية، ويجتاحون ميدانياً المثلث الصحراوي الشاسع الموزع بين الجزائر ومالي وليبيا، يريدون إخضاع قبائل الطوارق الباسلة بحجة مطاردة الإرهابيين واستئصال الإرهاب. إن عملياتهم المتكاملة في جميع المواقع والأقطار تقابل وياللعجب بمواقف منفصلة مختلفة، متواطئة في معظمها، لا تريد رؤية تكاملها وخطرها على الجميع بالمستوى نفسه!

لا يمكن الفصل بين تحشدات جبل طارق الأنكلوأميركية وبين احتلال العراق، ولا بين مضيقه وبين المضائق الأخرى في السويس وباب المندب وهرمز، فبالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي من الناحية العسكرية يعتبر مضيق جبل طارق عظيم الأهمية من الناحية التجارية، حيث يمّر عبره ما يعادل خمس التجارة الدولية، وإحكام السيطرة عليه ركن أساسي من أركان عملية إحكام السيطرة على الثغور الأخرى وتشديد القبضة على عنق العالم أجمع. إن التحشدات الأنكلوأميركية في أقصى المغرب العربي هي بالضبط حلقة في سلسلة واحدة متكاملة ومتضافرة، يريدون لها أن تكون ممتدة إلى أقصى المشرق العربي، ثم إلى أقصى العالم الإسلامي، فهل تنجح استراتيجيتهم الذهنية، أو العقلية، في الحيلولة دون إدراك هذه الحقائق والعمل على أساسها؟ هل تنجح في الحيلولة دون نهوض الأمة الضروري والمنطقي؟

www.snurl.com/375h      ‍

 

 

Hosted by www.Geocities.ws

1